أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد سليمان - ملف حقوقي موسّع حول بطلان عقود الاستثمار التي تبرمها ميليشيا -قسد- في شمال شرق سوريا















المزيد.....

ملف حقوقي موسّع حول بطلان عقود الاستثمار التي تبرمها ميليشيا -قسد- في شمال شرق سوريا


أحمد سليمان
شاعر وكاتب في قضايا الديمقراطية

(Ahmad Sleiman:poet And Writer On Democratic Issues)


الحوار المتمدن-العدد: 8461 - 2025 / 9 / 10 - 09:08
المحور: حقوق الانسان
    


يشهد الشعب السوري منذ سقوط النظام الاستبدادي في دمشق في كانون الأول/ديسمبر 2024 تحولًا مفصليًا في مسار تاريخه المعاصر، إذ دخلت البلاد مرحلة انتقالية تحمل تطلعات واسعة نحو إعادة بناء الدولة على أسس جديدة من العدالة والمشاركة الوطنية. ورغم ما شاب التجربة الأولى للحكومة الجديدة من ضعف بنيوي وتحديات أمنية جسيمة، لا سيما في الساحل والسويداء، فإن الأمل الشعبي ظل معقودًا على تجاوز آثار الحقبة السابقة واستعادة السيادة الوطنية.

وفي هذه الأجواء المضطربة،، برزت ميليشيا "قسد" كلاعب غير شرعي يسعى إلى فرض أمر واقع سياسي واقتصادي في شمال شرق البلاد. فقد شرعت بعقد اجتماعات مع شخصيات محسوبة على النظام السابق، وشاركت في تحالفات سياسية مثيرة للجدل زادت من تعقيد المشهد في الجنوب والغرب والشمال. ويبدو أن هذه التحركات لم تكن سوى محاولة مدروسة لاستغلال هشاشة الوضع الأمني والسياسي، بهدف تصدير نموذجها الخاص الذي يتجاوز حدود الإدارة المحلية، ويخفي خلفه  مشروعاً انفصالياً يتناقض صراحة مع وحدة البلاد وسيادتها الوطنية.

وفي هذا السياق، أعلنت "قسد" عن نيتها استقبال مستثمرين لإقامة مشاريع تنموية في مناطق سيطرتها. ورغم محاولتها تقديم هذه الخطوة بغطاء تنموي، فإنها تثير إشكاليات خطيرة من زاويتين أساسيتين: أولًا، تجاهلها للحق السيادي للشعب السوري في موارده الوطنية؛ وثانيًا، صدورها عن جهة لا تتمتع بأي شرعية قانونية أو تمثيلية، ما يجعل هذه العقود محل طعن قانوني وسياسي في المرحلة الانتقالية.

إن النظر في هذه الخطوة يستوجب معالجة شاملة تتناول: التوصيف الواقعي لهذه الميليشيا، الأطر القانونية الدولية والوطنية ذات الصلة، الوضع القانوني لعقودها، الأبعاد الحقوقية والإنسانية، فضلاً عن المخاطر المباشرة التي تهدد المستثمرين المتورطين في التعامل معها.

أولاً: التوصيف الواقعي لميليشيا "قسد"

رغم تقديم نفسها كـ "إدارة ذاتية" محلية، فإن "قسد" في حقيقتها ميليشيا مسلّحة عابرة للحدود، تشكّلت من كوادر مرتبطة بحزب العمال الكردستاني التركي (PKK) المُحل شكلياً، وتضم قيادات من أكراد تركيا والعراق وإيران، مع واجهة عربية شكلية لا تملك أي تأثير فعلي على القرار السياسي أو العسكري.

هذا التكوين يجعلها سلطة أمر واقع لا تمثّل الإرادة الحقيقية لسكان المناطق التي تسيطر عليها. انتشارها العسكري في مناطق ذات أغلبية عربية يُنظر إليه كاحتلال داخلي مفروض بالقوة، مدعوم بدعم خارجي عسكري وسياسي، أكثر مما هو تعبير عن إرادة محلية.

وبذلك، فإن أية عقود استثمارية تعقدها "قسد" ليست سوى محاولة لشرعنة سيطرة غير مشروعة على أراضٍ وموارد ليست لها، ولا يمكن أن تُلزم الشعب السوري أو الدولة الشرعية القائمة في دمشق.

ثانياً: الإطار القانوني الدولي والوطني

1. مبدأ السيادة الدائمة على الموارد الطبيعية قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 1803 (1962) نصّ بوضوح على أن للشعوب والدول السيادة الدائمة على ثرواتها ومواردها الطبيعية، وأن أي استغلال لهذه الموارد يجب أن يتم وفق مصالح الشعوب وسيادتها. لا يمكن لأي سلطة أمر واقع، لا تمتلك الشرعية التمثيلية، أن تبرم عقوداً ملزمة على هذه الموارد.
2. ميثاق الأمم المتحدة المادة الثانية (الفقرة 1) تؤكد على احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها. إن أي تصرف أحادي من قبل قوى غير معترف بها دولياً في شؤون الموارد الوطنية يُعتبر خرقاً واضحاً لهذا المبدأ، ويعرّض مرتكبيه ومشاركيهم للمساءلة.
3. القانون الدولي الإنساني البروتوكولات الإضافية لاتفاقيات جنيف (1977) تفرض على الأطراف المتنازعة واجب حماية السكان المدنيين وعدم استغلال مواردهم لمصلحة عسكرية أو سياسية ضيقة. استحواذ "قسد" على النفط والقمح والغاز خارج إطار الدولة يمثل انتهاكاً لهذه القواعد.
4. القانون الدستوري السوري الدستور السوري (2012) وما يليه من المبادئ الدستورية الانتقالية بعد 2024 ينص على أن الثروات الطبيعية ملك للشعب السوري وتدار حصراً من قبل الدولة. لا يملك أي طرف غير دستوري أهلية قانونية للتصرف فيها.

ثالثاً: الوضع القانوني لعقود "قسد"

بطلان مطلق:
العقود التي تُبرمها "قسد" لا تستند إلى أي سند قانوني، فهي تصدر عن كيان غير شرعي لا يمتلك الأهلية التعاقدية باسم الشعب السوري.

قابلية الإلغاء:
هذه العقود يمكن أن تُلغى فوراً من قبل السلطة الشرعية أو أي جهاز قضائي انتقالي، دون أن يترتب على الدولة التزام قانوني بتعويض المستثمرين. وتشمل آليات الإلغاء المحتملة:

- القضاء الانتقالي السوري، الذي يملك صلاحية إصدار قرارات ببطلان العقود غير الشرعية.
- المحاكم الدولية المختصة، في حال تورط جهات أجنبية أو شركات متعددة الجنسيات.
- لجان العدالة الانتقالية، التي يمكن أن تُدرج هذه العقود ضمن ملفات الانتهاكات الاقتصادية.

انتهاك للملكية الجماعية: العقود تمثل خرقاً لحق السوريين جميعاً في مواردهم الطبيعية، وتُعتبر شكلاً من أشكال الاستحواذ غير المشروع على الممتلكات العامة.

رابعاً: الأبعاد الحقوقية والإنسانية

1. الحرمان من التنمية: رغم سيطرتها على موارد هائلة منذ 7 سنوات، لم تطلق "قسد" أي مشاريع تنموية حقيقية لصالح السكان المحليين، بل اكتفت ببيع النفط والقمح لتحقيق مصالح سياسية ومالية ضيقة.
2. الإفقار والهجرة: أدى هذا السلوك إلى ارتفاع معدلات الفقر والبطالة والهجرة، خصوصاً في المناطق العربية التي تعاني من تهميش مزدوج.
3. تهديد السلم الأهلي: احتكار الموارد من قبل ميليشيا ذات قيادة خارجية يعمّق الانقسامات القومية والمناطقية، ويهدد فرص التعايش وبناء مجتمع سوري موحد.
4. انتهاك حقوق الجميع: الاستحواذ لم يقتصر على العرب، بل حرم الكرد والآشوريين أيضاً من المشاركة في إدارة مواردهم، ما يجعله اعتداءً على جميع المكوّنات.

خامساً: مخاطر الاستثمار مع ميليشيا "قسد"

أي شراكة أو عقد استثماري يُبرم مع ميليشيا "قسد" يفتقر إلى الضمانات القانونية، ويُعرّض المستثمرين لمخاطر جسيمة، أبرزها:

- بطلان العقود: الاتفاقيات التي تُبرمها سلطات أمر واقع غير معترف بها، وتُعد قابلة للإلغاء الفوري دون أي التزام بالتعويض.
- الملاحقة القانونية: المستثمرون قد يواجهون دعاوى دولية أو محلية بتهم تشمل استغلال غير مشروع للموارد، تمويل جهات غير شرعية، أو التواطؤ في انتهاكات إنسانية.
- المصادرة والخسارة: المشاريع في مناطق سيطرة "قسد" مهددة بالاستحواذ أو الإلغاء عند أي تحول سياسي أو عسكري.
- الضرر المعنوي والسمعة: التعاون مع جهة متهمة بانتهاكات جسيمة ضد المدنيين يضر بسمعة الشركات ويضعها في موقع المتواطئ.

وفي ظل توجه سوريا نحو استعادة مؤسساتها الشرعية، فإن الاستثمار خارج إطار الدولة يُعد مخاطرة قانونية وسياسية، وقد يُصنف كجريمة بحق الشعب السوري. ومع إدراك السوريين لأهمية المرحلة الانتقالية، فإن أي تعامل مع سلطات أمر واقع يُعد تقويضًا لمسار العدالة وتهديدًا لمستقبل البلاد.


* ينُشر في وقت واحد بالتزامن مع نشطاء الرأي






ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- سوريا: السُلطة في قبضة الفساد وتزييف الألقاب الأممية
- القضاء الفرنسي مدعو إلى تجاوز الإعلان نحو الملاحقة الفعلية
- تحقيق : السومرية بين مطرقة الحق التاريخي وسندان الواقع السكا ...
- العدالة العمياء: كان يجب أن يترافق تعليق قيصر مع مذكرة اعتقا ...
- اعتقال الرئيس الافتراضي لسوريا /صابر شرتح
- وصل إلى السلطة بفضل الثورة… فهل يُبرّر الإنكار؟
- بين جمهوريتين: برلمان ما بعد الحرب هل يمهّد الطريق لسوريا جد ...
- سوريا بين توازن النفوذ وتعثر السيادة: إدارة أزمة أم غياب حل؟
- بصدد تعريف اللامركزية الإدارية: مؤسسات محلية تحت إشراف الدول ...
- سوريا : ضرورة إبرام -اتفاقية أخلاقية- في فضاء النشر المفتوح ...
- الانفصال لا يُقرّره فرد أو تكتل، بل يُحسم بالدستور الوطني - ...
- من يحاكم القتلة؟… خطر ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب في ذاكرة ...
- الإعلان الدستوري: بين ضرورته السياسية وتهديده لمدنية الدولة
- مشيخة رقابة الدولة - ظاهرة خفية خلف إدارة الدولة السورية
- العدالة الثالثة ومخاطر الاحتراب في المشهد الانتقالي السوري
- أحداث الساحل – قراءة في نتائج لجنة تقصي الحقائق وتوصيات لضما ...
- سردية المظلومية بين الابتزاز والواقع
- سوريا بين وحدة الدولة وتعدد الرؤى: لا وطن يُبنى على السلاح و ...
- واشنطن وسوريا: انفتاح مشروط وحذر استراتيجي
- في أول رد فعل حقوقي : أحمد سليمان يقترح جمال قارصلي لرئاسة ا ...


المزيد.....




- سفير الاحتلال بالأمم المتحدة: لا نتصرف دائما وفق مصالح أميرك ...
- رُشح اسمه لتولي إدارة قطاع غزة.. اعتقال رجل الأعمال سمير حلي ...
- فلسطين تحث الأمم المتحدة على التحرك لوقف الإبادة الجماعية في ...
- غزة ... منظمات حقوقية تلاحق قناصاً إسرائيلياً في ألمانيا
- الإبادة التعليمية: أطفال غزة يدخلون عامهم الثالث بلا مدارس
- مندوب السعودية لدى الأمم المتحدة يحذر من عواقب تعديات إسرائي ...
- البرلمان العربي يشارك في أعمال مؤتمر المسئولين عن حقوق الإنس ...
- الأونروا: البقاء على قيد الحياة في غزة أصبح شبه معجزة
- غرفة العمليات الحكومية تبحث مع مؤسسات المجتمع المدني في غزة ...
- تقرير اليونيسف: تحول صحي خطير بين الأطفال والمراهقين


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - أحمد سليمان - ملف حقوقي موسّع حول بطلان عقود الاستثمار التي تبرمها ميليشيا -قسد- في شمال شرق سوريا