أسامة خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8460 - 2025 / 9 / 9 - 16:01
المحور:
القضية الفلسطينية
كاتب فلسطيني
يوم السبت 30 آب/أغسطس 2025 ، اجتمع وزراء خارجية أوروبا في العاصمة الدانماركية كوبنهاغن، في وقت تؤكد فيه الأمم المتحدة، ومنظمات دولية إنسانية، ووكالات إغاثة، وجود جريمة تجويع في محافظة غزة كان من المفترض أن يتخذ اجتماع كوبنهاغن موقفاً حاسماً منها، يعكس القيم الأوروبية المفترضة في العدالة والإنسانية التي تنتهكها إسرائيل دون مبالاة بالمجتمع الدولي وقيمه الأخلاقية، موقف أوربي جماعي يرضي الجماهير التي ملأت الشوارع والساحات مطالبة بوقف التجويع والإبادة، وقد يحقق تطلعات أحرار وشرفاء العالم إلى إجراءات حاسمة.
قبيل اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في كوبنهاغن، عبّرت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس أنها ليست متفائلة قائلة: « لن نعتمد قرارات بالتأكيد يوم السبت 30 أغسطس/ آب 2025، الأمر يعطي إشارة على أننا منقسمون». وتوقعت أن الوزراء لن يتفقوا حتى على اقتراح وصفته بأنه متساهل، والذي يقضي بالحد من وصول إسرائيل إلى برنامج لتمويل الأبحاث تابع للاتحاد الأوروبي، ولم تتفق الدول الـ27 الأعضاء في الاتحاد على اقتراح المفوضية الأوروبية تعليق التمويلات الأوروبية لشركات إسرائيلية ناشئة.
دعت معظم الدول المشاركة في الاجتماع لفرض عقوبات على إسرائيل، على رأسها إيرلندا وإسبانيا والسويد وهولندا، بينما لا تؤيد دول أوروبية أخرى من الحلفاء التقليديين لإسرائيل العقوبات في مقدمتها ألمانيا، وشاركها في موقفها كلاً من المجر وجمهورية التشيك. أدى ذلك إلى انقسام وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي حول الحرب في قطاع غزة، إذ دعا البعض إلى ممارسة ضغوطاً اقتصادية قوية على إسرائيل، بينما أوضح آخرون أنهم غير مستعدين للذهاب إلى هذا الحد.
لا هذا الحد ولا ذاك، وزير خارجية ألمانيا يوهان فاديفول أعلن أن بلاده «لن توافق حالياً» على فرض عقوبات أوروبية على إسرائيل، وقال وزير الخارجية الإيرلندي سايمون هاريس رداً على ترهات نظيره الألماني: «إذا لم يتصرف الاتحاد الأوروبي بشكل جماعي الآن، ويفرض عقوبات على إسرائيل، فمتى سيفعل؟ ما الذي يمكن أن يتطلبه الأمر أكثر من ذلك؟ إن الأطفال يتضورون جوعاً». وقالت المفوضة الأوروبية للمساواة والاستعداد وإدارة الأزمات حاجة لحبيب: «الوقت قد حان لكي يجد الاتحاد الأوروبي صوتاً جماعياً بشأن غزة».
يدرك فاديفول أن عدم اتخاذ قرار حاسم بشأن التجويع وحرب الإبادة يشجّع إسرائيل على الاستمرار في حربها القذرة، ويشجعها على تصعيد الجرائم ضد الإنسانية، وارتكاب المزيد من القتل والحصار ومنع وصول المساعدات الإغاثية إلى مستحقيها من المجوعين، وتوسيع دائرة التجويع لتشمل كل قطاع غزة، يدرك كل المجتمعين هذا الأمر، لقد دعتهم مسؤولة المساعدات الإنسانية في التكتل الأوروبي إلى إيجاد «صوت قوي يعكس قيمنا ومبادئنا»، ولم يتخذ الاتحاد الأوروبي قراراً حاسماً ينهي الأزمة الإنسانية والمجاعة، في هذا الاجتماع خابت المبادئ وسقطت القيم الإنسانية، وصح أن يحيي العالم يوم السبت 30 آب/ أغسطس، ذكرى ليوم العار العالمي، تتحفظ ألمانيا والمجر وسلوفاكيا على اتخاذ إجراءات بحق إسرائيل، بل هم يتحفظون على إقرار وإعلاء القيم الإنسانية، هذه الدول الثلاث تتحمل مسؤولية إلحاق العار بالاتحاد الأوروبي، والإساءة إلى سمعة الاتحاد الذي لم يتحرك وفقاً لمبادئ سيادة القانون والقيم التي تأسس عليها، وألصقت مخرجات الاجتماع وصمة عار على جبين الاتحاد الأوروبي كمجموعة في اجتماع كوبنهاغن، مما حدا برئيس وزراء جمهورية سلوفينيا روبرت غولوب الدعوة لاتخاذ إجراءات منفردة بعيداً عن الاتحاد الأوروبي، معتبراً أن التكتل غير قادر على اتخاذ تدابير ملموسة. وأكد أن «العديد من الدول يمكنها أن تفعل الكثير إذا اجتمعت من أجل غزة». مع ذلك الأصوات المنفردة هامة لكن القرارات الجماعية ضرورية، وقال غولوب: الاتحاد الأوروبي يملك فرصة للتحرك الفعلي أما التحرك على مستوى الأمم المتحدة تعرقله الولايات المتحدة، وتابع رئيس وزراء سلوفينيا: أن « الضغط لن يكون فعالاً إلا إذا تم تعليق اتفاقية الشراكة مع إسرائيل». وقالت كايا كالاس مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي: «إننا منقسمون حول هذه القضية، إذا لم يكن لدينا صوت موحد حول هذا الموضوع، فلن يكون لنا صوت على الساحة العالمية. لذلك فإنها بالتأكيد معضلة كبيرة».
أما وزير الخارجية الألماني يوهان فاديفول فقد سمح لنفسه ولشخصه خلال الاجتماع المذكور في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن، أن يصم قارته كلها بالعار، غير خجول من كشف عورة أوروبا مدعية إنسانية فارغة في مضمونها، وإذا لم تكن العقوبات واجبة في هذا الزمن النازي الذي تعرفه ألمانيا وتتذكره، فهل تبرر ألمانيا لنفسها تاريخها النازي من خلال تبرير نازية صهيونية؟. ليا رايزنر، المتحدثة باسم حزب اليسار الألماني المعارض طالبت بـالضغط السياسي اللازم، بما في ذلك الضغط على الحلفاء، ووصفت موقف الحكومة الائتلافية الألمانية حتى الآن تجاه إسرائيل بأنَّه «إعلان إفلاس السياسة الخارجية الألمانية».
وفي حديث لحبيب للصحافيين، رفضت تحديد الإجراء الذي تعتقد أنه ينبغي اتخاذه، لكنها أوضحت أنها تريد المزيد من الضغوط على إسرائيل، وأضافت: «ما يحدث هناك في غزة يؤرقني، ويجب أن يؤرقنا جميعاً. هذه مأساة، وسيحاسبنا التاريخ».
وكعراف الشؤوم يحمل فاديفول في تنبؤاته كل الشرور يقول إن «التعليق المقترح للتعاون مع إسرائيل في إطار برنامج تمويل الأبحاث «هورايزون يوروب» هو إجراء لن يكون له على الأرجح أي تأثير على عملية صنع القرار السياسي، أو على العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة» مدعياً أن التعاون العلمي مع إسرائيل مفيد، وإن ألمانيا غير مقتنعة تماماً باقتراح تقييد وصول إسرائيل إلى أموال الاتحاد الأوروبي المخصصة للأبحاث، ووصف هذا بالتعاون المدني وبـالمعقول.
فما الذي يجعل حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل على الفلسطينيين تتوقف بحسب هذا الوزير؟. عليه تحديد الوقت والتاريخ والظروف الواجبة لإيجاد الحلول المناسبة، إلا إذا كان يريد لحرب الإبادة أن تستمر، ولرفع العتب يؤكد سيادة الوزير في خداع مكشوف أن ألمانيا بدلاً من ذلك تفرض قيوداً على تصدير الأسلحة إلى إسرائيل، وقال: «أعتقد أن هذا إجراء محدد الهدف، وهو بالغ الأهمية والضرورة وأن هذا الإجراء يمس تحديداً التدخل العسكري»، هذا بعد أن زودت ألمانيا ترسانة الحرب الإسرائيلية بما يكفي مجرمي الحرب من المتطرفين النازيين في حكومة نتنياهو بما يلزم لارتكاب المجازر واستهداف المشافي وتدمير بيوت السكان والبنية التحتية.
وانتقدت رئيسة سلوفينيا ناتاشا بيرتس موسار الموقف الأوروبي قائلة «يبدو أن أوروبا نسيت أن حقوق الإنسان والكرامة مهمة في كل مكان بالعالم». وأشارت إلى أن «العالم حاكم مرتكبي مجزرة سربرنيتيشا لكن في المقابل هناك من يدافع ويقبل الإبادة الجماعية الإسرائيلية بغزة»
ازدواجية معايير، ونفاق مكشوف، يفضح موقف ألمانيا من الحرب في أوكرانيا ومسارعتها في اتخاذ عقوبات على روسيا، وتجميد الأصول الروسية والتي تبلغ قيمتها نحو245.85 مليار دولار بموجب العقوبات المفروضة من قبل الاتحاد الأوروبي على موسكو. من وجهة نظر ألمانيا، العقوبات الاقتصادية مجدية مع روسيا، وغير مجدية مع إسرائيل، الاتحاد الأوروبي هو أكبر شركاء إسرائيل التجاريين، لم يكن فاديفول جاهلاً بأثر العقوبات وأهميتها لوقف حرب الإبادة، وهو يدري أن قيمة التبادل التجاري بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل بلغت 49.9 مليار دولار فقط في العام الماضي.
أراد فاديفول اجتماع كوبنهاغن مجرد مجلس للتعبير عن الآراء، دون التوصل إلى أي قرارات، فوزير الخارجية الألماني يكتفي بالتوضيح، يقول: «إن برلين أوضحت أن على إسرائيل احترام المبادئ الإنسانية في حربها ضد حركة حماس»، وهو يعلم أن إسرائيل ترفض الانتقادات الموجهة لسلوكها في الحرب، وتقول إن عملها العسكري ضروري لهزيمة «حماس»، ضد حركة حماس أم ضد الشعب الفلسطيني بمجمله في الضفة والقطاع؟. سؤال برسم الإجابة ليفكر به فاديفول ويرد عليه.
#أسامة_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟