أسامة خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 13:30
المحور:
القضية الفلسطينية
استغلت إسرائيل اتفاقية أوسلو لصالح توسيع الاستيطان، وتسريع وتيرته في سباق مع الزمن، أدى إلى تضاعف عدد المستوطنين والبؤر الاستيطانية بشكل كبير، وسرّع القانون الإسرائيلي عملية الشرعنة لهذه البؤر، فأعطت الشرعية لأغلبها، وهي تتملك اليوم مساحات كبيرة من مناطق «ج» في الضفة الغربية، وشهد العام 2024 بناء 52 بؤرة استيطانية في مختلف أنحاء الضفة الغربية، وقام المستوطنون بالاستيلاء على أراضٍ فلسطينية في المنطقة «ب» لتوسيع المستوطنات، وتم تسريع إنشاء البنية التحتية الاستيطانية، من جدار الفصل العنصري إلى الطرق الالتفافية داخل الضفة الغربية، حيث سمح الأمر العسكري رقم 50 الذي وضع عام 1983 بإنشاء الطرق الالتفافية لتخدم المستوطنين.
يأتي أحد أهم مخططات الاحتلال الإسرائيلي، لبناء العديد من الشوارع السريعة والأنفاق لربط المستوطنات الإسرائيلية بالضفة مع الأخرى في القدس، يأتي مخطط طريق «نسيج الحياة» الاستيطاني الذي يربط المستوطنات في محيط مستوطنة معاليه أدوميم بمشروع «E1» ويشمل المخطط شق طريقين رئيسيين، الأول مخصص لحركة المركبات الفلسطينية بعيداً عن المرور بمستوطنة «E1». أما الثاني « الطريق البديل 8»، يمنع الفلسطينيون من استخدام هذا الطريق فهو مسار التفافي إلى الشرق من مدينة القدس المحتلة ـمخصص لحركة المستوطنين.
وبدأت سلطات الاحتلال بإقامة جدار الفصل العنصري في العام 2002، وضمّ كثيراً من الأراضي لأغراض توسّع المستوطنات، وبعد عامين من البدء في إنشائه أعلنت محكمة العدل الدولية أنه غير قانوني، وطالبت بهدمه، وتعويض الأضرار الناجمة عن بنائه، لكنه لم يُهدم، وامتد ملتوياً كالثعبان ليبتلع المزيد من الأراضي الفلسطينية.
اعترف الكل الفلسطيني باختلاف توجهاتهم السياسية بالخطأ الكبير في إطار اتفاقية أوسلو، من ناحية قبول تأجيل قضية الاستيطان والمستوطنات الإسرائيلية إلى مفاوضات الوضع النهائي، مع قضايا أخرى، بما فيها القدس، واللاجئون، والترتيبات الأمنية، والحدود، فمنذ توقيع اتفاقية أوسلو توسّع الاستيطان في الضفة الغربية، وعند بدء عملية السلام عام 1991-1992، كان عدد المستوطنين يقدر بـ110 آلاف، والآن تضاعفوا إلى نحو 506 آلاف مستوطن داخل الضفة الغربية، بالإضافة إلى 230 ألفاً في القدس، وتحث سلطات الاحتلال السعي في أقرب وقت إلى الوصول لنحو مليون مستوطن في الضفة والقدس.
لم يقتصر تأجيل قضية الاستيطان على تعقيد عملية السلام، وجعل إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة قابلة للحياة مستحيلاً، بل أيضاً حوّل الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة إلى أراض متنازع عليها، وأعطى إسرائيل حقوقاً ليست لها في الأراضي المحتلة عام 1967.
رافق الاستيطان إجراءات تهدف إلى تقويض الهوية الوطنية الفلسطينية في الضفة الغربية، كما حدث في مدينة القدس المحتلة، حيث فُرضت الهوية الزرقاء وأجبر المقدسيون -بعد أن تم تغيير وضعهم القانوني من مواطنين إلى مقيمين منذ عام 1967- على حمل الهوية الإسرائيلية التي يمكن سحبها من قبل سلطات الاحتلال لأدنى سبب، مما يؤثر على حق إقامة المقدسيين في مدينتهم، بما يؤدي بالمدى ليس بالبعيد إلى إفراغ جزء كبير من المدينة المقدسة من الوجود الفلسطيني.
ومنذ بدء الحرب على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، دعا وزراء إسرائيليون إلى تكثيف الاستيطان في الضفة الغربية، وإعادة بناء المستوطنات في القطاع. وصعّد الجيش الإسرائيلي والمستوطنون هجماتهم على الفلسطينيين في الضفة الغربية، تزامنا مع حرب الإبادة في قطاع غزة، وفي 29 أيار/ مايو 2025، أعلنت إسرائيل إنشاء 22 مستوطنة جديدة في الضفة الغربية. وتم إقامة مستوطنات زراعية جديدة تستولي على مساحات شاسعة من الأراضي بحجة تحويلها إلى مراعٍ لمواشي المستوطنين عبر ما سمي «الراعي العبري» و«البؤر الرعوية» حيث يُطرد الرعاة الفلسطينيون، ويحل مستوطنون يهود متطرفون مكانهم. كما نُفذت مخططات ممنهجة من اعتداءات يومية ينفذها مستوطنون على المزارعين الفلسطينيين يحرقون ممتلكاتهم وينهبون ثرواتهم، تتصاعد هذه السياسات الميدانية بشكل خاص في مخيمات شمال الضفة، في محاولة لفرض واقع جديد يهدد وجود الفلسطينيين في مدنهم، ويحوّل الضفة إلى مناطق معزولة، مفصولة بالبوابات والحواجز العسكرية التي تُقيّد حرية التنقل، وتمكّن الجيش من إغلاق المعابر والطرقات في أي لحظة بذرائع أمنية.
في تسعينيات القرن الماضي وافقت لجنة الاستيطان الحكومية على الشروع في تنفيذ مخطط يفصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها، يقوض فرص إقامة دولة فلسطينية متصلة جغرافياً، الجانب الإسرائيلي استغل ظروف انشغال العالم كله بالحرب على قطاع غزة، وبدأ التأكيد على هذه المشاريع القديمة والتعجيل بتطبيقها. ويوم الأربعاء 20/8/2025 أقرت الحكومة الإسرائيلية، خطة تتضمن بناء نحو 3400 وحدة استيطانية جديدة.
في العام 1975 تأسست مستوطنة معاليه أدوميم شرق مدينة القدس، وأصبحت إحدى كُبريات المستوطنات الإسرائيلية وأكثرها توسعاً، تم مصادرة نحو 12 كيلومتراً مربعاً من أراضي مدينة القدس المحتلة وإعلانها «أراضي دولة»، ثم أصبحت تابعة لمستوطنة « معاليه أدوميم»، وفي تشرين الأول / أكتوبر1993، صادقت حكومة الاحتلال على ضمها، وفي 27 يوليو/تموز 2025، صادقت سلطات الاحتلال على مخططات ربط مستوطنة معاليه أدوميم بشرق القدس من خلال مشروع مستوطنة «E1» وهو ما من شأنه فصل شمال الضفة الغربية عن جنوبها ويعزز السيطرة على مدينة القدس. كما يتضمن المخطط الاستيلاء على 1350 دونما لبناء منطقة صناعية شمال غرب المنطقة «E1». ولأجل إعادة التوازن الديمغرافي اتخذت سلطات الاحتلال إجراءات داخل مدينة القدس، وخارج سور البلدة القديمة حيث تسعى الخطة إلى هدم منازل ومنشآت الفلسطينيين في بلدات عناتا والعيساوية والزعيم والعيزرية وأبو ديس، والتهجير القسري للتجمعات البدوية في السفوح الشرقية والأغوار والخان الأحمر. ومنع أصحاب الأراضي الواقعة في نطاق المخطط من الوصول إليها وزراعتها. وتتحدث صحيفة هآرتس الاسرائيلية عن فرض وقائع جديدة على الأرض تهدف إلى تقليص الوجود الفلسطيني ودفعه خارج هذه المناطق. وحسب الصحيفة نفسها أن الرؤية الأبعد، هي طرد الفلسطينيين على المدى الطويل من كامل الضفة الغربية. وفي 21 كانون الثاني/ يناير 2025 شن جيش الاحتلال عملية عسكرية أطلق عليها اسم «السور الحديدي» في عدة مناطق بالضفة الغربية، أدت إلى تهجير أكثر من 40 ألف فلسطيني.
ويرى محللون أن هذه السياسات تشكّل استراتيجية متكاملة لمنع أي إمكانية لإقامة دولة فلسطينية مستقلة، وفي الوقت ذاته تمهّد الطريق لعملية نقل سكاني واسع النطاق من الضفة الغربية، بما يتماشى مع رؤى التيار الأكثر تطرفاً في حكومة نتنياهو.
وقال وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش صاحب صلاحيات تتعلق بمواضيع البناء والتطوير وتحديد الأراضي والمصادقة على مشاريع استيطانية وتخصيص الميزانيات لها، قال: إن المخطط الاستيطاني «يدفن فكرة الدولة الفلسطينية»، وإن محو الدولة الفلسطينية «يكون بالأفعال وليس بالشعارات»، داعياً رئيس الوزراء نتنياهو إلى فرض السيادة الإسرائيلية الكاملة على الضفة، وكانت حكومة بنيامين نتنياهو قد حددت الأول من يوليو/تموز 2020 موعداً لتنفيذ مشروع الضم. لكن تم إرجاء المشروع تحت ضغط المجتمع الدولي. وبعد عام طُرح المخطط مرة أخرى في الكنيست ضمن «مشروع قانون القدس الكبرى»، لكنه تأجل إلى الوقت المناسب، في عام 2020 تسارعت خُطا إسرائيل لتنفيذ المخطط، مستفيدة من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب عن صفقة القرن التي كانت تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية. وبعد نحو شهر من الإعلان عن الصفقة، أعطى ترامب الضوء الأخضر لنتنياهو لبناء 3500 وحدة استيطانية في منطقة «E1»، وقال إن هذا المشروع تأخر تنفيذه 6 أعوام ونصف.
واعتبر سموتريتش مخطط «E1» خطوة أولى نحو الضم الكامل للضفة الغربية، وأن مشروع القدس الكبرى مهمة استراتيجية لتعزير الاستيطان في الضفة الغربية وإحباط قيام الدولة الفلسطينية، وأن هذ المشروع يأتي رداً على تصرفات القيادة الفلسطينية في الضفة، وعلى الدول التي اعترفت بدولة فلسطينية، وقال ساخراً «لن يكون هناك شيء للاعتراف به». وقال: «لا قرار ضد إسرائيل يوقف توسع المستوطنات.. سنواصل مكافحة الفكرة الخطيرة المتعلقة بدولة فلسطينية.. هذه هي مهمة حياتي». وأكد أن رد الحكومة الاسرائيلية «يجب أن يكون تعزيز الاستيطان وإحباط قيام الدولة الفلسطينية التي تعرض أمننا ووجودنا للخطر»، وإنهم «ملتزمون بتوسيع العملية في شمال الضفة والتصرف بشكل حاسم في مواجهة أي تهديد».
الباحث في منظمة عير عميم الإسرائيلية المناهضة للاستيطان أفيف تترسكي، قال: «الموافقة اليوم تُظهر مدى إصرار إسرائيل على المضي في ما وصفه الوزير سموتريتش بأنه برنامج استراتيجي لدفن إمكانية قيام دولة فلسطينية، وضم الضفة الغربية فعلياً». وأضاف «هذا خيار إسرائيلي واعٍ لتطبيق نظام فصل عنصري».
كشف الخبير في شؤون الاستيطان خليل التفكجي أن إسرائيل انتهت عملياً من إقامة «القدس الكبرى» بعد تطويقها للأحياء الفلسطينية الواقعة شرقي القدس بـ400 وحدة سكنية ضمن ما يعرف بمشروع «كدمات تسيون» على أراضي بلدة جبل المكبر جنوب القدس المحتلة، وأنها تنتظر القرار السياسي لإعلان ذلك.
إقامة «القدس الكبرى» تتضمن عملية التطويق للقدس وتوسيعها لتصل حتى منطقة غور الأردن، على مساحة تعادل 10% من مساحة الضفة الغربية. سياسات استيطانية إسرائيلية جرى سابقاً تنفيذها في إحداث مدينة «تل أبيب الكبرى» بإقامة أحياء حديثة على أنقاض البيوت الفلسطينية، وبضمّ أراضي القرى الفلسطينية في محيطها هي سلمة، والجماسين الغربي والشرقي، وعرب السوالمة، والعباسية، والشيخ مونس، ويازور، وأبو كشك، والحرم (سيدنا علي)، وكفر عانة، وساقية، والسافرية، وفجة، وإجليل، وإجليل الشمالية، والمُويلح، والجريشة، والرنتية، حيث قام الاحتلال بإخلاء سكانها وهدم بيوتهم ليحل محلها أحياء ومستوطنات يهودية، وبعد إنجاز «تل أبيب الكبرى» و«القدس الكبرى» سيأتي مشروع «إسرائيل الكبرى» ليس بالتوسع الاستيطاني على أرض فلسطين فقط، بل بالتوسع في المحيط العربي المجاور.
#أسامة_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟