أسامة خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8353 - 2025 / 5 / 25 - 14:05
المحور:
القضية الفلسطينية
كاتب فلسطيني
وقف إطلاق النار بين الولايات المتحدة وحركة أنصار الله اليمنية اتفاق فاجأ الإسرائيليين وأقلقهم، وأدى إلى تطور جديد في مفهوم الأمن الإسرائيلي هو ما سمي قرار «أمن إسرائيل بالاعتماد على الذات»، كل الأجهزة الأمنية الإسرائيلية والجيش المدجج بالسلاح والعتاد، والأسوار الالكترونية وكل الترتيبات الأخرى، وبقيت إسرائيل بحاجة ماسة إلى مساعدة الولايات المتحدة في تحالفها الوثيق والتزامها المطلق بأمن الكيان، كانا عبر سنوات الصراع الطويل غير قادرين معاً على تحقيق هذه الغاية، طالما بقي الكيان مصدر تهديد لأمن المنطقة كلها وفق العقيدة الأمنية الإسرائيلية القائمة على الردع والحرب الاستباقية وكي الوعي، الأمن هو الهاجس الأول للكيان وبهذا المفهوم تهدد كل المحيط بذريعة متطلبات أمنها، بل الإقليم بكامله ولا مبالغة في القول إنها تهدد الأمن والسلام العالميين، وما الحروب المستمرة في المنطقة، إلا بسبب سياسة إسرائيل العدوانية وطبيعتها الاستيطانية التوسعية.
ترتبط العقيدة الأمنية الإسرائيلية بشدة بالسياسة الأميركية في الشرق الأوسط، وتخشى من نتائج تغيير ممكن على غرار الاتفاق الأميركي-اليمني قد يحدث في السياسة الخارجية الأميركية يتعلق بامتناع الولايات المتحدة عن استخدام القوة العسكرية في الأزمات الإقليمية، مما يشكل تحدياً استراتيجياً بالنسبة إلى إسرائيل، حيث يرى الإسرائيليون أن الخطر الأكبر يكمن في البرنامج النووي الإيراني، وتحوّل إيران إلى دولة نووية، في نظرهم، يمثّل تهديداً وجودياً لإسرائيل، ولم يفاجئهم ترامب فقط بهذا الاتفاق من اليمن، بل وفاجأهم بالمفاوضات مع إيران بخصوص الملف النووي الإيراني، مما أثار قلق إسرائيل من التوصل إلى اتفاق يلغي العقوبات الأميركية على إيران، وطالما دعت الحكومات الإسرائيلية إلى ترجيح الخيار العسكري الإسرائيلي في مواجهة إيران، وهو أمر لا تستطيع تنفيذه وحيدة دون مشاركة فعالة من قبل الولايات المتحدة.
اعتمد العمل الأمني الإسرائيلي على التكنولوجيا العسكرية الأميركية وإمدادات السلاح في تعزيز قدراتها العسكرية، والحصول على المعلومات الاستخبارية، ومواصلة تطوير منظومات الإنذار والاعتراض الصاروخي، والطائرات المتطورة، والقدرات السيبرانية. وقد أثبت تاريخ الصراع أن إسرائيل غير قادرة وحيدة على حفظ أمنها ذاتياً لو قررت الولايات المتحدة التخلي عن التزامها بحماية إسرائيل. صواريخ إيران وصلت إلى أهدافها رغم تدخل العديد من الدول في التصدي لها، وكذلك صواريخ أنصار الله التي تأتي من بعيد ويتصدى لها منظومة ثاد الأميركية، ويتحدث المسؤولون الإسرائيليون عن قدراتهم الذاتية، ويستعرضون عضلاتهم، يستندون في ادعائهم على طبيعة عدوانية متأصلة ومفرطة في الإجرام في تهديد أمن المدنيين الآمنين وقصف بيوتهم للضغط على المقاومين الذين يسعون إلى تحقيق أهدافهم في التحرر الوطني.
في مساء يوم الثلاثاء 6 مايو 2025، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشكل مفاجئ إيقاف الحملة الأمريكية على اليمن، مقابل التزام الجماعة بعدم استهداف السفن الأميركية في البحر الأحمر، ولا يتضمن الاتفاق وقف استهداف السفن الإسرائيلية، والتي أطلقها أنصار الله في منتصف آذار/مارس 2025 لفرض حظر مرور السفن المتجهة إلى ميناء إيلات في البحر الأحمر من قبل الجيش اليمني وأنصار الله لمساندة المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي، وبهدف الضغط على إسرائيل لوقف عدوانها على قطاع غزة، وأعلن أنصار الله منع مرور جميع السفن من جميع الجنسيات المتوجهة من وإلى الموانئ الإسرائيلية في حال عدم دخول احتياجات قطاع غزة من الدواء والغذاء، وحتى فك الحصار عن قطاع غزة وإدخال المساعدات الإنسانية، أثرت الهجمات التي شنتها القوات الموالية لحركة أنصار الله الحوثيين على حركة السفن في البحر الأحمر، ومنعها مرور السفن المتوجهة إلى إسرائيل أو المرتبطة بها بتعطيل وصول السفن إلى ميناء إيلات الإسرائيلي، ما تسبب بشلل تام للميناء وأضرار اقتصادية بالغة للعدو الإسرائيلي. وتحدّثت مصادر متعددة عن أن القرار جاء نتيجة محادثات سرية، توسّطت فيها سلطنة عمان، ضمن مساعٍ أوسع لدفع المحادثات النووية الأمريكية-الإيرانية إلى الأمام. ويرى المحللون أن وقف الضربات لا يعني نهاية الصراع، بل يمثّل هدنة جاءت بعد حملة باهظة الثمن لم تحقق أهدافها. نجح أنصار الله في غضون سبعة أسابيع فقط، في إسقاط ما لا يقل عن سبع طائرات أمريكية مُسيّرة بملايين الدولارات، بالمقابل كان تأثير الضربات على عمليات اليمن محدوداً. لكن ترامب قال: «لقد استسلموا، والأهم من ذلك، أننا سنصدق كلامهم... يقولون إنهم لن يفجروا السفن بعد الآن». لم يكن القصف باهظ التكلفة فحسب، بل أثار أيضاً مخاوفَ لدى صانعي السياسات في واشنطن من احتمال انزلاق الولايات المتحدة إلى حرب أخرى لا تنتهي في الشرق الأوسط.
الاتفاق الذي جاء بعد قرابة شهرين من حملة عسكرية مكثفة أُطلق عليها اسم «عملية الفارس الخشن»، شنّت خلالها القوات الأمريكية أكثر من ألف غارة جوية، أثار الاتفاق جدلاً واسعاً، قالت القناة 12 الإسرائيلية «إن إسرائيل تشعر بالصدمة من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب وقف قصف الحوثيين في اليمن». ونقل موقع أكسيوس الإخباري الأميركي عن مسؤول إسرائيلي قوله: «إسرائيل لم تكن على علم مسبق بقرار ترمب وقف الهجمات على الحوثيين، لقد فاجأنا».
وقال محمد عبد السلام، كبير المفاوضين الحوثيين، الأربعاء 7/5/2025، إن «اتفاق وقف إطلاق النار مع الولايات المتحدة لا يشمل العمليات ضد إسرائيل بأي شكل من الأشكال... أو أي سفن أخرى مرتبطة بها». وأكد مجدداً أنهم سيشنون ضربات ضد الولايات المتحدة إذا استأنفت واشنطن هجماتها. يأتي التصريح غداة إعلان ترامب وقف استهداف الحوثيين بعد تعهدهم بوقف هجماتهم على السفن الأمريكية.
وتباينت تحليلات المتابعين للملف اليمني بين من اعتبر التفاهم بين واشنطن والحوثيين مرتبطاً بالاتفاق النووي الإيراني لإعطاء دفعة تمهد لاستئناف المحادثات بخصوص الملف النووي، وبين من رآه نتيجة لتعثر الحملة العسكرية ضد الحوثيين. ويعتبر محلل سياسي آخر أن وقف إطلاق النار بالنسبة لإدارة ترامب، وفّر نهاية سريعة لحملة كانت تزداد صعوبة. واستدل هؤلاء بإسقاط مقاتلي الحوثيين طائرات أميركية مسيّرة باهظة الثمن، وبحسب تقييم مسؤولين أميركيين لشبكة CNN فإن تأثير الضربات الأمريكية على القدرات التسليحية للحوثيين كان محدوداً، وأظهر أنصار الله قدرة على الصمود، رغم القصف الأمريكي الوحشي بشكل يومي لأكثر من خمسين يوماً لنحو ألف هدف منذ بدء العملية الأخيرة في اليمن في 15 مارس/ آذار 2025.
ويحق لحركة أنصار الله الفخر بأنها صمدت في مواجهة مباشرة مع قوة عظمى وحققوا إنجازاً لا يستهان به، وظلت الحركة متمسكة بموقفها المعلن بمساندة الشعب الفلسطيني، وقد تخلصوا من الضغط الذي فرضه عليهم القصف الأمريكي، وسيمكنهم ذلك من التركيز على الأهداف الإسرائيلية، وتصعيد الحظر البحري والجوي على الموانئ والمطارات، وهذا ما شاهدناه في قصف مطار اللد وتوقف حركة الطيران، وتمكن صاروخ فرط صوتي يمني، من تجاوز كل منظومات الدفاع الجوي الأميركية والإسرائيلية ليصل إلى هدفه.
توصل الجانبان لاتفاق وقف إطلاق نار بعد محادثات بوساطة عمانية لمدة أسبوع. وقد صرّح قادة أنصار الله أنه «إذا أوقفت واشنطن القصف، فسيتوقفون عن مهاجمة السفن الأمريكية، لكن هجماتهم على إسرائيل ستستمر». وكان محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم حركة أنصار الله الحوثيين قد أكد على استمرار العمليات ضد إسرائيل، وأن أي استجابة للأوضاع الإنسانية في فلسطين وقطاع غزة لدخول الدواء والغذاء ستساهم في خفض التصعيد من جانب الحركة.
جدير بالذكر أن وزير الدفاع الأمريكي عقب زيارته إلى إسرائيل أعلن عن تشكيل تحالف حارس الازدهار في 19كانون الثاني/ ديسمبر 2023 مدعياً حماية الملاحة البحرية في البحر الأحمر وخليج عدن من الهجمات التي تشنها القوات الموالية لحركة أنصار الله الحوثيين في اليمن. وقالت وزارة الدفاع الأمريكية بأنها ستتخذ جميع الإجراءات اللازمة لحماية السفن والقوات الأمريكية وأن مشكلة البحر الأحمر مشكلة دولية وليست أمريكية وتحتاج لحل دولي.
بينما وصفت حركة أنصار الله تحالف حارس الازدهار بأنه «جزء لا يتجزأ من العدوان على الشعب الفلسطيني وغزة وعلى الأمة العربية والإسلامية» ويُعتبر التحالف متناقضاً مع القانون الدولي، ولا يحمي الملاحة البحرية، بل يعسكر البحر الأحمر لصالح إسرائيل، بينما عمليات الاعتراض للسفن الإسرائيلية والسفن المتوجهة إلى إسرائيل هي بهدف فك الحصار عن قطاع غزة. واعتبرت الولايات المتحدة أن هذا الإجراء اليمني مناقض لحرية الإبحار في الممرات البحرية الدولية لكن الحقيقة هي أن الولايات المتحدة الأمريكية تتدخل بشكل مباشر إلى جانب إسرائيل في الحرب على قطاع غزة، وتخوض معركة بالنيابة عن إسرائيل ولمصلحتها، ودعماً لها في الأزمة المستمرة في الشرق الأوسط، وقد أعلنت وزارة دفاع الولايات المتحدة اعتراض مدمراتها صواريخ كروز وطائرات مسيرة في شمال البحر الأحمر أطلقت من مناطق سيطرة حركة أنصار الله في اليمن باتجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة.
قائد حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي أكد أن التهديدات الأمريكية لن تغير موقف الحركة وأن تحالف حارس الازدهار هدفه حماية إسرائيل، وقال: «أي استهداف أمريكي لبلدنا سنستهدفه، وسنجعل البوارج والمصالح والملاحة الأمريكية هدفاً لصواريخنا وطائراتنا المسيرة وعملياتنا العسكرية».
وفي 17 يناير أعلنت الولايات المتحدة تصنيف حركة أنصار الله منظمة إرهابية وحددت يوم 16 فبراير 2024 موعداً لتنفيذ القرار، لكن حركة أنصار الله أكدت أن قرار تصنيفها لن يغير من موقفها المساند للشعب الفلسطيني. وأصدر مهدي المشاط رئيس المجلس السياسي الأعلى قراراً جمهورياً يصنف الولايات المتحدة والمملكة المتحدة كدول معادية لليمن.
لم يقتصر الإسناد على منع مرور السفن الإسرائيلية والتابعة لإسرائيليين من العبور من مضيق باب المندب والبحر الأحمر والبحر العربي وشنَّت هجمات على السفن الإسرائيلية باستخدام المسيرات البحرية والصواريخ البحرية، فكان الإسناد اليمني شجاعاً ومؤثراً عبر هجمات شنَّتها القوات المسلحة اليمنية وحركة أنصار الله على إسرائيل خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، واشتملت الهجمات على عمليات قصف لجنوب المناطق المحتلة باستخدام الصواريخ الباليستية والجوالة والطائرات المسيرة، ورداً على استهداف السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، شنَّت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة سلسلة هجمات على مناطق سيطرة حركة أنصار الله في اليمن وعلى إثر الهجمات الأمريكية والبريطانية على اليمن أعلن قائد حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي توسيع دائرة الاستهداف لتشمل السفن الأمريكية والبريطانية الحربية والتجارية ردًّا على الهجمات.
والخلاصة أنه لو كانت خسائر الولايات المتحدة باهظة التكاليف والثمن المدفوع غالياً لقاء حماية أمن إسرائيل ستطبق خيار ترامب «أميركا أولاً» وتنسحب من أي جهود عسكرية أو أمنية تقدمها كمساعدة لإسرائيل في استمرار عدوانها وخططها ا لتوسعية.
#أسامة_خليفة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟