أسامة خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8332 - 2025 / 5 / 4 - 14:09
المحور:
القضية الفلسطينية
كاتب فلسطيني
أغلقت إسرائيل جميع المعابر الحدودية إلى قطاع غزة إغلاقاً تاماً مانعة دخول المساعدات الإنسانية، من الغذاء والماء والدواء، في سياسة تجويع ضمن إطار حرب الإبادة الجماعية التي تشنها منذ 7 أكتوبر 2023، حيث أعلن برنامج الأغذية العالمي نفاد مخزوناته الغذائية المخصصة للقطاع، وقد توقفت تماماً وصول الشحنات الإنسانية وتدفقات المساعدات الدولية التي تعتبر بالغة الأهمية بالنسبة لـ« 2.2» مليون فلسطيني في قطاع غزة الذي يعاني أزمة إنسانية غير مسبوقة، وحتى 4/5/2025 يكون قد مضى أربعة وستين يوماً على فرض اسرائيل حصاراً شاملاً على دخول المساعدات إلى قطاع غزة في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني، وقد منعت إسرائيل دخول هذه المساعدات في الثاني من آذار / مارس /2025، وكان الاحتلال الإسرائيلي قد استأنف فجر 18 آذار/مارس 2025، عدوانه بالقصف والحصار المشدد على قطاع غزة، بعد توقف دام شهرين بموجب اتفاق لوقف إطلاق النار دخل حيز التنفيذ في 19 كانون الثاني/يناير/2025، منع الاحتلال خلالها دخول الكثير من المواد الضرورية إلى القطاع المحاصر وسمح بدخول بعض المساعدات الإنسانية المحدودة وغير الكافية مما كان قد تم الاتفاق على السماح بوصولها إلى السكان الذين افتقدوا كل مقومات الحياة، خارقاً بذلك بنود الاتفاق طوال فترة التهدئة، وصولاً إلى انهيار وقف إطلاق النار الهش بعد 15 شهراً من الحرب العدوانية المتواصلة، وأوضح برنامج الأغذية العالمي أن أكثر من 116 ألف طن من المواد الغذائية تنتظر على الحدود، وتمنع إسرائيل إدخالها إلى القطاع. ومن جانبه أكد المتحدث باسم الأونروا أن الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بلغت مستويات كارثية، حيث يواجه السكان أزمة غذاء ومياه ودواء غير مسبوقة نتيجة منع إسرائيل دخول السلع والمساعدات الإنسانية وحصارها للقطاع وإغلاق المعابر. تستخدم الحكومة الإسرائيلية سياسة التجويع كسلاح حرب ضد أكثر من 2 مليون من سكان قطاع غزة، بعد أن حظرت إسرائيل دخول الغذاء والوقود والدواء وسائر الإمدادات الإنسانية، ومع استئناف الهجمات الجوية والبرية الإسرائيلية في 18 آذار/ مارس، أدى إلى ما وصفته الأمم المتحدة بأنه ربما يكون أسوأ كارثة إنسانية في القطاع منذ بداية الحرب العدوانية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
تقول إحصاءات الأونروا إن 95% من سكان غزة كانوا في الأساس يعتمدون على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم اليومية، أما الآن وبعد نفاد جميع المواد المتاحة، فقد أصبحت الوكالة في مواجهة مباشرة مع مأساة إنسانية كبرى.
وكشف المفوض العام لوكالة «أونروا» فيليب لازاريني عن استهداف إسرائيل المتعمد والممنهج للمنظمات الإنسانية العاملة في القطاع. وأكدت الأمم المتحدة أن مسألة دخول المساعدات لغزة ليست محل تفاوض، مما يتوجب على المجتمع الدولي التدخل الفوري لرفع الحصار ووقف الجريمة بحق المدنيين. قالت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة أمام محكمة العدل الدولية إلينور هَمرشولد: إن على إسرائيل التزامات بموجب القانون الدولي والقانون الإنساني، على رأسها ضمان وصول المساعدات إلى قطاع غزة، وتسهيل عمل مؤسسات الإغاثة وحماية المستشفيات والمرافق الصحية. وأوضحت الممثلة الأممية أن على إسرائيل بوصفها سلطة احتلال تأمين الاحتياجات الإنسانية بالأراضي المحتلة، وإدارة الأراضي الواقعة تحت سلطتها وفق القانون الدولي، وأضافت أن قرار منع عمليات وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) يشكّل توسعاً لسيادة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية ويعني عدم امتثالها لالتزاماتها.
في هذه الأزمة الإنسانية وأمام جريمة المجاعة تأتي جلسات محكمة العدل الدولية استجابة لطلب قدمته الجمعية العامة للأمم المتحدة، فبدأت محكمة العدل في لاهاي يوم الاثنين 28/4 جلسات علنية للنظر في التزامات «تل أبيب» القانونية تجاه الفلسطينيين وفق الطلب المحال من الجمعية العامة للأمم المتحدة لإصدار رأي استشاري بشأن التزامات إسرائيل بتمكين ودعم وجود منظمات الأمم المتحدة في الأراضي المحتلة. وتستعرض المحكمة مرافعات خطية وشفوية تقدمت بها 40 دولة و4 منظمات دولية وإقليمية، أعربت عن نيتها المشاركة في المرافعات الشفوية أمام المحكمة في مدينة لاهاي بهولندا، بشأن مدى احترام إسرائيل للمعاهدات الدولية، لا سيما تلك المتعلقة بحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وضمان حرية عمل وكالات الإغاثة والبعثات الأممية في الأراضي المحتلة، واستمرت جلسات الاستماع إلى يوم الجمعة الثاني من مايو/أيار.
من جانبها، شنت إسرائيل هجوماً حاداً على الأمم المتحدة، وأكدت عدم مشاركتها في جلسات الاستماع، ولن تمتثل أمام محكمة العدل، ولن تتعامل مع أي قرار سيصدر عن المحكمة يلزمها بإدخال المساعدات الإنسانية إلى القطاع، تعتمد إسرائيل على مرافعة الولايات المتحدة، ودعمها المطلق للإبادة الجماعية التي تمارسها إسرائيل ضد قطاع غزة، حيث أفاد الموفد الأمريكي غوش سيمنز أمام محكمة العدل الدولية أن «القانون الدولي لا يجبر قوة الاحتلال على إدخال المساعدات الإنسانية». وأدلى مسؤولون إسرائيليون بتصريحات علنية أعربوا فيها عن نيّتهم حرمان المدنيين في غزة من الغذاء، والماء، والوقود، هذه التصريحات انعكست في العمليات العسكرية التي تنفذها القوات الإسرائيلية، فقد دمر القصف المتعمد مستودعات المواد الضرورية لبقاء السكان المدنيين، كما قصفَ الجيش الإسرائيلي أخر مطحنة قمح عاملة في غزة. وأدت غارات إسرائيلية بالمسيرات في 1 نيسان /أبريل 2024 إلى مقتل سبعة من عمال الإغاثة في المنظمة الغذائية «المطبخ المركزي العالمي» في قطاع غزة. وقُصفت التكيات، واستُهدف بالقصف موظفو مشروع المساعدات الغذائية العينية الذي ينفذه مركز العمل التنموي، ودمر القصف الاسرائيلي أكثر من ثلث الأراضي الزراعية، وعمل الجيش على جرف الأراضي الزراعية مما كان له تأثير مدمر على القطاع الزراعي المحلي، وقُصفت مرافق الزراعة والمياه والصرف الصحي في غزة. وفي رسالة تحذير إسرائيلي للوقوف في وجه أي محاولة لكسر حصار غزة وإيصال المساعدات الإنسانية استهدف الجيش الإسرائيلي بمسيرة سفينة «الضمير» قبالة سواحل مالطا، التابعة لأسطول الحرية الذي يحاول كسر حصار غزة، وكسر الصمت العالمي المتواطئ، في تجربة تشبه تجربة سفينة مرمرة، وقد صرّح كبير مسؤولي الإغاثة في الأمم المتحدة مارتن غريفيث في 5 ديسمبر/كانون الأول 2024 أن الحملة العسكرية الإسرائيلية في غزة أدت إلى ظروف مروعة، ما جعل من المستحيل القيام بعمليات إنسانية مجدية.
قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في 18 أكتوبر/تشرين الأول 2024 إن «إسرائيل لن تسمح بدخول المساعدات الإنسانية على شكل الغذاء والأدوية إلى غزة عبر معابرها طالما لم تتم إعادة الرهائن». يوم الاثنين 7 نيسان/ ابريل 2025 صرح وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بكل وقاحة أن تل أبيب تستخدم التجويع سلاحاً ضد الفلسطينيين، قائلاً: «حبة قمح واحدة لن تدخل إلى قطاع غزة».
أعضاء في الكنيست أعلنوها صراحة إن تجويع أهل غزة أمر أخلاقي. وكانت المحكمة العليا الإسرائيلية قد أصدرت قراراً في آذار/ مارس الماضي، بعدم إدخال المساعدات لقطاع غزة، مما يؤكد أن لا عدالة تُرجى في الحصول على أدنى الحقوق من أعلى المؤسسات الحقوقية والقانونية في هذا الكيان المعادي للقيم الانسانية.
تسير الأمور في غزة إلى وضع إنساني أكثر كارثية، فما مدى تأثير جلسات محكمة العدل الدولية على الأوضاع الإنسانية الكارثية في غزة؟. يحتاج وقف حرب التجويع إلى قرار فاعل وحل عاجل، فبينما تعقد جلسات الاستماع تخضع غزة للحصار والتجويع، ومنع إدخال الغذاء والماء والدواء.
وبعد جلسات الاستماع التي استمرت حتى يوم الجمعة 2/5، من المرجح أن تستغرق محكمة العدل الدولية عدة أشهر لتكوين رأيها. والآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية ملزمة، لكن ليس لدى المحكمة قوة تنفيذية رغم أن الآراء الاستشارية لمحكمة العدل الدولية تحظى بثقل قانوني وسياسي إلا أن المحكمة لا تتمتع بسلطات لتنفيذها. لكن هذا الرأي الاستشاري من شأنه أن يزيد الضغط الدبلوماسي على إسرائيل، إلا أن عدم الاستجابة له سيضع المجتمع الدولي أمام أزمة قانونية وأخلاقية، فتطبيق قرار المحكمة هو المهم وليس مجرد صدوره، ورأي محكمة العدل الدولية سيكون له قوة القانون لأن جلساتها تُعقد بناء على طلب الأمم المتحدة، ويجب على الأمم المتحدة ومجلس الأمن تنفيذه، وعادة ما تستخدم الولايات المتحدة حق النقض الفيتو ضد أي قرار يلزم إسرائيل بتنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية، وتبدو الولايات المتحدة وإسرائيل غير مهتمتين لانهيار المنظومة الدولية بما يعرض السلام العالمي للخطر في ظل انهيار القيم والمبادئ التي أنشئت الأمم المتحدة على أساسها بعد الحرب العالمية الثانية. يحظر القانون الإنساني الدولي، أو قوانين الحرب، تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب. وينص نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية على أن تجويع المدنيين عمداً بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية هو جريمة حرب. لا يتطلب القصد الإجرامي اعتراف المهاجم، ولكن يمكن أيضا استنتاجه من مجمل ملابسات الحملة العسكرية.
لقد سبق لسلطات الاحتلال أن تجاهلت قرارات الأمم المتحدة ومحكمة العدل الدولية، واستهترت بالمجتمع الدولي ومؤسساته القانونية والحقوقية، والعالم كله اليوم مطالب بتحمل مسؤولياته القانونية والأخلاقية بالقيام بخطوات فعلية نحو محاسبة الاحتلال على جرائمه المتواصلة.
#أسامة_خليفة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟