أسامة خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8356 - 2025 / 5 / 28 - 13:13
المحور:
القضية الفلسطينية
سحب السلاح، نزع السلاح، تنظيم السلاح، ضبط السلاح، تسليم السلاح، المقصود تجريد الفلسطينيين من سلاحهم، حيثما تواجد، مفاهيم ترددت بكثرة على أسماعنا، وتفيد طوعاً أو إرغاماً، لا يقتصر الأمر على الضفة وغزة، بل في سوريا ولبنان أيضاً خلال المرحلة الانتقالية في سوريا، وخلال العهد الجديد في لبنان، وتؤكد السلطات اللبنانية أنها اتخذت قرار حصر السلاح بيد الدولة وسط ضغوط أمريكية متصاعدة لسحب السلاح من كل الجهات غير الرسمية على الأراضي اللبنانية، من حزب الله إلى الفصائل الفلسطينية.
في سوريا، لا تريد إسرائيل -وبدعم أميركي- لسلاح وعتاد النظام السابق أن يصل إلى يد الجيش الجديد، في السياق طالب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بأن يكون الجنوب السوري منزوع السلاح بشكل كامل. وفي ظل استمرار التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري، أوضح كاتس وزير الحرب أن إسرائيل سوف تضمن أن يظل جنوب سوريا منزوع السلاح وخالياً من التهديدات، مؤكدا أن القوات الإسرائيلية ستبقى في المناطق الأمنية وجبل الشيخ وتتوغل في الجنوب السوري متى شاءت للبحث عن سلاح. كما قام الطيران الإسرائيلي بغارات عنيفة وقصف مكثف استهدف مواقع عسكرية ومطارات تابعة للنظام السوري السابق شملت كل الجغرافيا السورية ولم تقتصر على الجنوب، وقبل سقوط النظام السابق نفذت إسرائيل ضربات ضد حركة «الجهاد الإسلامي» في سوريا، استهدفت مباني سكنية تستخدمها الحركة مركزاً للقيادة، منها مقر سابق لأمينها العام زياد النخالة. لكن لم يطال القصف مواقع فلسطينية بعد سقوط النظام لأن السلاح بيد الفصائل الفلسطينية في سوريا هو سلاح فردي، والسلاح الثقيل في حوزة جيش التحرير الفلسطيني -الذي اعتُبر فرقة من فرق الجيش السوري، وتم تفكيكه والسيطرة على معسكراته ومقراته- وهو سلاح قديم من بعض الهاونات ودبابات تعود للثلاثينات من القرن الماضي استخدمت في الحرب العالمية الثانية، المعطل منها أكثر من التي تعمل وتتحرك، أما الفصائل المرتبطة بالنظام السابق فمعظم سلاحها فردي تم تسليمه وتسليم مقراتها ومعسكراتها، باقي فصائل منظمة التحرير الفلسطينية لها نشاط سياسي وإعلامي وجماهيري، وبعض من السلاح الفردي المحدود جداً للحراسات يحتفظ بقيمة رمزية للنضال الوطني كشعار للتمسك بالكفاح المسلح وسيلة لا يمكن التخلي عنها لو فشل المسار السياسي، كل هذا إنما يدل على أن: حتى الأنظمة التي تدعي الفكر القومي لم تسمح للفلسطينيين بامتلاك سلاح حديث ومتطور.
في زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى سوريا، الجمعة 18 /4/2025 ولقاء نظيره الرئيس أحمد الشرع، وسبقها زيارة وفد فلسطيني برئاسة رئيس الوزراء محمد مصطفى العاصمة السورية ولقائه الشرع، في كانون الثاني/ يناير 2025، لم يكن موضوع السلاح الفلسطيني في سوريا موضوعاً اساسياً للنقاش حوله، على عكس ما جرى في لبنان، وهذا له دلالاته، في سوريا الأمر مختلف تماماً عن لبنان، حيث وفّر الشعب السوري وضمن بيئة حاضنة آمنة تصون كرامة اللاجئين وآدميتهم، استمرت عبر توالي الأنظمة، وهو ما لم يتوفر في لبنان حتى الآن، وقبل تموضع الثورة الفلسطينية في لبنان في السبعينات من القرن الماضي، تعرض اللاجئون الفلسطينيون هناك لسوء المعاملة، وحوصروا في مخيمات تشبه المعتقلات، بينما صدر القانون رقم 260 بتاريخ 10/7/ 1956 حدد كيفية التعامل مع الفلسطينيين اللاجئين في سوريا، حيث اعتبر هذا القانون اللاجئين الفلسطينيين كالمواطنين السوريين تحت عنوان «من في حكمهم» في كل ما نصت عليه القوانين السورية، مع الاحتفاظ بجنسيتهم الاصلية.
21 أيار/مايو 2025 في زيارة رسمية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إلى بيروت، اجتمع مع الرئيس اللبناني جوزيف عون في قصر بعبدا، واتفق الجانبان اللبناني والفلسطيني على سحب السلاح من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بدءاً من منتصف حزيران/يونيو المقبل، وجاء الاتفاق خلال أول اجتماع للجنة المشتركة شكلها الطرفان لمتابعة أوضاع المخيمات، تناول الاجتماع قرار لبنان القاضي بتجريد المخيمات الفلسطينية من السلاح، في إطار فرض سيادة الدولة وتطبيق القرار الأممي 1701 المرتبط أيضا بالقرار 1559، الذي يدعو إلى نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وفرض سيادة الدولة اللبنانية على كامل أراضيها، والمقصود المخيمات وليس المناطق الخمس المحتلة في الجنوب.
وجاء في البيان المشترك للرئيسين اللبناني جوزيف عون ونظيره الفلسطيني محمود عباس، تأكيدهما على انتهاء زمن السلاح الخارج عن الدولة اللبنانية، والتزامهما بحصر السلاح بيد الشرعية اللبنانية. وضرورة عدم التهاون مع أي محاولة لتحويل لبنان إلى منصة لزعزعة الاستقرار، ورفض توريط لبنان في أي نزاعات أو تعريضه للخطر.
يؤكد محللون سياسيون أن القرار بشأن السلاح الفلسطيني ليس مجرد قرار داخلي، بل تحكمه «عوامل إقليمية ودولية»، ترتبط برغبة لدى بعض الفلسطينيين واللبنانيين، في ضبط هذا السلاح بسبب استيائهم من الفوضى أو الاستخدام العشوائي له، إلا أن الهجمة الأميركية الإسرائيلية المسعورة على الفلسطينيين، سيستفيد منها خصوم المقاومة، وعملاء إسرائيل وأميركا، وكان أول المرحبين بتجريد المخيمات من السلاح، المجرم الذي ارتكب مجازر بحق الفلسطينيين سمير جعجع.
يقال إن اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وسوريا ضيوف على البلدين لحين العودة إلى الديار، هذا يلتف على الحقيقة، لو أن عبد القادر الجزائري جاء إلى سوريا بإرادته لكانت بلده الثاني كالجزائر تماماً، لكن سلطات الاحتلال الفرنسي نفته بعيداً عن الجزائر حتى استقر في دمشق مبعداً يمنع من العودة إلى بلاده تخوفاً من نضاله لأجل تحرير الجزائر، كذلك يُمنع الفلسطينيون من حق العودة، يبدو الفلسطينيون في لبنان ضيوفاً غير مرغوب بوجودهم، يعيشون في ظروف صعبة، وكان الأولى باللقاء الفلسطيني اللبناني بحث العيش الكريم للاجئ الفلسطيني قبل بحث موضوع السلاح أو تزامناً معه على الأقل، وهذا عتب على الرئيس الفلسطيني قبل اللبناني، حتى الآن استلم الجيش اللبناني بعض السلاح والمواقع، لكن لم يحصل الفلسطينيون اللاجئون على أية حقوق بعد.
على الساحة اللبنانية، سلمت «الجبهة الشعبية - القيادة العامة»، و«فتح الانتفاضة» المواقع العسكرية خارج المخيمات التابعة لهما بأسلحتها للجيش اللبناني. والخطوة التالية المطلوبة، ويلح عليها الجانب اللبناني، وبشكل عاجل وقبل نهاية شهر حزيران، تحديد القوى الفلسطينية آلية تسليم السلاح الموجود في ٥ مخيمات هي: شاتيلا ومار الياس والجليل والرشيدية والبداوي، تنفيذاً لقرار اتُخذ على مستوى الرئاستين اللبنانية والفلسطينية، يتم في مراحل لاحقة تحديد آلية سحب السلاح من باقي المخيمات وبالأخص مخيم «عين الحلوة» الذي يتواجد في محيطه مجموعات إسلامية متشددة، قد «للتقليل» تعمل السلطات اللبنانية على نزع سلاحها بالقوة.
حركة فتح التي يرأسها محمود عباس، والموافقة على تسليم سلاحها، تشترط أولاً تسليم سلاح حركة حماس داخل المخيمات وخارجها، تحسباً لقيامها بانقلاب داخل المخيمات الفلسطينية، وكان المجلس الأعلى للدفاع في لبنان، قد حذر حركة حماس من استخدام الأراضي اللبنانية للقيام بأي أعمال تمس بالأمن القومي، وقال الأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع العميد الركن محمد المصطفى عقب اجتماعه الدوري، «نحذر حركة حماس من استخدام الأراضي اللبنانية للقيام بأي أعمال تمس بالأمن القومي اللبناني حيث سيتم اتخاذ أقصى التدابير والإجراءات اللازمة لوضع حد نهائي لأي عمل ينتهك السيادة اللبنانية». وسيقابل عدم تسليم الفصائل الفلسطينية لسلاحها بإلغاء التأشيرات ومغادرة لبنان.
شهد لبنان في منتصف أبريل 2025 حملة أمنية واسعة لملاحقة كل من تثبت التحقيقات مشاركته في إطلاق الصواريخ باتجاه الأراضي المحتلة في 22 و28 آذار/مارس 2025. أسفرت عن توقيف عدد من عناصر حركة حماس في مخيمات فلسطينية، اثنين من حركة حماس في مدينة صيدا، إضافة إلى ثلاثة أشخاص يشتبه في تورطهم بإطلاق صواريخ باتجاه إسرائيل، وحسب المجلس الأعلى للدفاع، سيتم اتخاذ أقصى التدابير والإجراءات اللازمة لوضع حد نهائي لعمليات إطلاق الصواريخ من لبنان نحو الأراضي المحتلة باعتباره عملاً ينتهك السيادة اللبنانية، وسيتم توقيف المشتبه بهم، وتقديمهم للمحاكمة.
أوضحت مصادر أن الحديث لم يتم عن تسليم الفصائل للسلاح، ولكن الأمر يتعلَّق بضبط انتشار السلاح، والعمل على أن يكون انتشاره بيد الدولة السورية الجديدة، مع وضع محددات واضحة تتعلق بآلية التواصل بين الطرفين، بما لا يؤدي إلى توتر العلاقات وتطور الأمور إلى القطيعة.
ضبط سلاح الفصائل الفلسطينية في سوريا تم دون عقبات تذكر، لأن السلاح الثقيل كان في الأصل محصوراً في جهة واحدة تفككت من تلقاء نفسها، لكن يشوبه استمرار احتجاز الحكومة السورية لمسؤول الساحة السورية في حركة الجهاد الإسلامي الفلسطينية، خالد خالد، اعتقل في السادس عشر من نيسان/ أبريل الماضي، وكذلك نائبه ياسر الزفري، قبل يومين من اعتقال خالد خالد، دون توضيح سبب الاعتقال، وتقول المصادر ربما يكون اعتقالهم لنشاطاتهم ومسؤوليتهم عن مسلحين فلسطينيين في سوريا، ولأسباب تتعلق بالحصول على معلومات حول عدد المسلحين وأماكن أسلحة حركة الجهاد الإسلامي في سوريا. وأشارت المصادر إلى أن العديد من عناصر الحركة الذين يقطنون بسوريا، سقطوا خلال مشاركتهم في القتال على جبهة لبنان ضد الاحتلال الإسرائيلي، في إطار معركة طوفان الأقصى، وكان هؤلاء جميعاً يعملون تحت مسؤولية خالد خالد ونائبه ياسر الزفري. وكشفت المصادر عن أن هناك 3 معتقلين آخرين على الأقل من نشطاء الجهاد الإسلامي، كما أن هناك بعض المعتقلين من فصائل أخرى كانت موالية للنظام السوري السابق.
وتكشف المصادر عن أن حركة حماس ستكون وسيطاً ما بين الفصائل والحكومة السورية، وأنها ستتحرك وفق حدود العلاقات المشتركة المتينة، بما يمنع أي خلاف، حتى لو كان ذلك على حساب حصر وضبط السلاح. وتقول مصادر من «حماس» إن الاتصالات مع الحكومة السورية الجديدة تأتي في وضعها الطبيعي من أجل الحفاظ على المصالح الفلسطينية في البلاد، وأن قضية ضبط انتشار السلاح من عدمه تأتي في إطار بناء علاقة جيدة، في ظل التغييرات بسوريا، مؤكدةً أن الكل الفلسطيني يجب أن يكون معنياً بمثل هذه العلاقة الجديدة بعد المتغيرات المحلية والإقليمية.
تجريد الفلسطينيين من سلاحهم يعني تحميل الدول العربية مسؤولية الحرب القادمة إذا لم ينجح المسار السياسي، ولا يعني ذلك أن الفلسطينيين لا دور لهم في المرحلة القادمة، فهم دائماً رأس الحربة في الصراع الذي يعود مرة ثانية إلى طابعه الأول كصراع عربي إسرائيلي، بكل وضوح تمر الحالة الفلسطينية بأزمة وحالة إرباك، سببها أن الدول العربية تخشى البطش الإسرائيلي الحالي، ولا تحسب ما يحمله المستقبل من ابتلاع فلسطين كلها، ومن ثم ابتلاع الأراضي في الجنوبين السوري واللبناني، يتطلب تجاوز هذه الأزمة رسم ملامح المرحلة المقبلة بإنجاز الوحدة الوطنية أولاً وبشكل عاجل، وإعلان سيادة دولة فلسطين على كامل أراضي الضفة الغربية وقطاع غزة وعاصمتها القدس، والتحرك دولياً بشكل مكثف للاستفادة من التغيرات الجارية الرافضة للسردية الاسرائيلية للصراع، للحصول على مزيد من الاعتراف الدولي بسيادة فلسطين على أراضيها، وتنشيط الحملات السياسية والجماهيرية لفرض عقوبات على إسرائيل ومحاسبتها على جرائم الحرب التي ارتكبها الجيش الإسرائيلي.
#أسامة_خليفة (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟