أسامة خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8422 - 2025 / 8 / 2 - 16:47
المحور:
القضية الفلسطينية
كاتب فلسطيني
يوم الأربعاء 23/7 صوّت الكنيست الإسرائيلي على مشروع قانون ينص على ضم الضفة وغور الأردن وفرض السيادة عليهما. وذلك قبل إغلاق دورة الكنيست، والخروج إلى العطلة الصيفية، وقد تمت السيطرة والتحكم وفرض الأمر الواقع في الضفة الفلسطينية عبر خطوات استيطانية ممنهجة ومدروسة ومتسارعة تسابق الزمن لخنق الضفة الغربية اقتصادياً، وخلق واقع معيشي قاس للفلسطينيين يسهم في حركة موجات هجرة وتهجير جماعية «طوعية » أو قسرية، وقد قطعت خطة الحسم التي تبنتها الحكومة الإسرائيلية كبرنامج عمل فعلي، خطوات بعيدة تسمح بإعلان رسمي عن الضم بعد أن أصبح من المستحيل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، التصويت هذا على مشروع فرض السيادة يوجه رسالة واضحة إلى المجتمع الدولي، تؤكد رفض إسرائيل لفكرة إقامة دولة فلسطينية، وهو تحدٍ واضح للموقف الدولي الرافض لهذه المخططات باعتبارها انتهاكاً للقانون الدولي، وأطراف وجهات كثيرة وصفت إقرار الكنيست لمشروع الضم بأنه إجراء باطل لا شرعية له، والمعروف أن ملف الاستيطان وضم الضفة وما يتبعهما من جرائم وانتهاكات، هو أحد الملفات التي أحيلت لمحكمة الجنايات الدولية، ويخالف هذا القرار الإسرائيلي الرأي الاستشاري الصادر عن محكمة العدل الدولية التي أكدت أن الاحتلال غير قانوني، وطالبت بإنهائه فوراً، بل وإن كل ما نتج عن هذا الاحتلال «باطل وغير شرعي».
تنص المادة الثانية من اتفاقية جنيف الرابعة على حظر الضم الأحادي للأراضي المحتلة، كما أكدت محكمة العدل الدولية في رأيها الاستشاري حول الجدار الفاصل أن الضفة الغربية في العام 2004 تظل أرضاً محتلة، وأن المستوطنات غير قانونية.
ورغم ذلك أقر الكنيست الإسرائيلي مشروع القانون الذي يدعو إلى فرض وإحلال السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية المحتلة بأغلبية 71 عضواً من بين 120. في إطار الإجراءات الإسرائيلية المسعورة واللاهثة وراء حسم الصراع وتصفية القضية الفلسطينية.
في هذا السياق يُذكر أن في 18 يوليو/ تموز 2024 صوَّت الكنيست الإسرائيلي بالأغلبية، على مشروع قرار يرفض إقامة أي دولة فلسطينية في غرب نهر الأردن، بذريعة أن هذه الدولة ستشكل خطراً وجودياً على إسرائيل ومستوطنيها. وبعد نحو عام من التصويت السابق جاء التصويت اللاحق للكنيست، فكلاهما يأتيان في السياق ذاته لاسيما بعد الدعوات من جهات عالمية عديدة لإحلال السلام الدائم والقائم على أساس حل الدولتين.
بالنسبة لحكومة الاحتلال الإسرائيلي يعتبر شمال الضفة الفلسطينية هي السامرة، وجنوبها هي يهودا، بحسب التقسيم الإداري الإسرائيلي، وتعمل على أن يكون مصيرهما في مرحلة قادمة يشابه شأن مدينة القدس، بالضم والإلحاق، حيث أقرّ الكنيست الإسرائيلي في 30 يوليو 1980 قانون ضم القدس الشرقية، المعروف رسمياً باسم « قانون أساس » ينص القانون أن أورشليم القدس « عاصمة إسرائيل »، هذا القانون يهدف إلى توحيد القدس الغربية والقدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وجعلها عاصمة موحدة لإسرائيل. وربما تسرّع إسرائيل إجراءات الضم، ولا تتأخر في الإعلان عنه قبل انتهاء ولاية ترامب الثانية، المستعد لتقديم خدماته كما كان الأمر في ولايته الرئاسية الأولى عبر إعلانه عن صفقة القرن، واعترافه بضم القدس لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها، وإلغاء القنصلية الأميركية التي تتعامل مع الفلسطينيين، بل واعترف بضم الجولان السوري أيضاً.
يعتبر بعض المحللين السياسيين أنه لا يوجد فرق بين الضم وفرض السيادة، ولهما نفس المعنى، لأن الأثر الفعلي لمسارهما واحد، وهو تكريس السيطرة بشكل دائم ومستمر. بينما يذكّر مفهوم الضم بما قامت به روسيا في ضم شبه جزيرة القرم، وباعتبار الغرب هي منطقة تابعة لدولة أخرى، وقد كانت جزءاً من الأراضي الأوكرانية، ما يجعله احتلالاً لأراضي أوكرانية، ويلقى رفضاً أوروبياً، ولاسيما إذا كان الضم نتج عن استخدام القوة العسكرية، لأنه يشير إلى ضم دولة ما منطقة أو إقليم لا تتبع لها وتصبح جزءاً منها، وقد أثارت خطط الضم الإسرائيلية السابقة في 2020 ردود فعل حادة من الاتحاد الأوروبي، الذي لوّح بفرض عقوبات اقتصادية، أما فرض السيادة لا يعني بالضرورة أن المنطقة المضمومة تصبح جزءاً من الدولة الضامة، وتمنح مرونة أكبر أمام الضغوط الدولية، وتشير إلى ممارسة السلطة على منطقة ما، سواء كانت هذه المنطقة تابعة للدولة أم لا. يشير مفهوم فرض السيادة إلى إخضاع مناطق محددة في الضفة الغربية للقوانين المدنية والإدارية الإسرائيلية، بينما يشير الضم أن الضفة الغربية ستصبح جزءاً لا يتجزأ من «دولة إسرائيل» وبشكل دائم، كما هو حال القدس الشرقية وتوحيدها مع القدس الغربية، ويلاحظ في هذا اختلاف حدة ردود الفعل الأوروبية والأميركية على ضم شبه جزيرة القرم، عنها في ضم القدس والجولان، مما يفضح ازدواجية معايير الغرب.
السيادة الإسرائيلية بشكلها الفعلي قد طبقت على مناطق الاستيطان، ويستخدم مصطلح «قانون الجيب» لوصف النظام القانوني المزدوج. حيث يطبق القانون الإسرائيلي على المستوطنات الإسرائيلية والمدنيين الإسرائيليين في المنطقة «ج» من الضفة الغربية على أساس شخصي، بينما يخضع الفلسطينيون لمزيج من القانون العسكري الإسرائيلي وبعض القوانين المحلية المستندة إلى القانون الأردني.
يأتي التصويت على مشرع القرار المقدم من أعضاء الائتلاف الحاكم اليميني المتطرف في الكنيست في توقيت غضب عالمي من حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية وحرب التجويع ضد الفلسطينيين وقد تفاعلت الكثير من الدول مستنكرة ما يحصل في قطاع غزة، وأبدت رغبتها بالاعتراف بدولة فلسطين، وفي 24 يوليو/ تموز الماضي قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنه سيعلن اعتراف بلاده رسمياً بدولة فلسطين أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر/أيلول المقبل. وهناك من يرى أن تصويت الكنيست يأتي رداً على قرار فرنسا الاعتراف بالدولة الفلسطينية، ودعوتها كل الدول للاعتراف بدولة فلسطين، وجاء التصويت قبل أيام من انعقاد مؤتمر دولي بالأمم المتحدة يوم الاثنين28/7 ، برعاية فرنسية وسعودية، وبحضور أكثر من 140 دولة، لتطبيق حل الدولتين. ويشكل إقرار الكنيست لمشروع الضم تحدياً للمؤتمر، واستخفافاً بهذا المؤتمر وكل ما يتعلق بالشرعية الدولية، وتعبيراً عن تعنت إسرائيل، وأنها لا تقيم وزناً للدول المشاركة، ولا للمجتمع الدولي، مرتكزة على الدعم الأميركي الغير محدود، والذي يمنع فرض عقوبات على إسرائيل بسبب جرائم الإبادة والتجويع والضم والتهويد والاستيطان.
مشروع القرار لا يعد قانوناً نافذاً ولا يلزم الحكومة الإسرائيلية، إذن ما أهميته؟. هذا القانون يأتي ضمن عملية منهجية تتمثل في بناء الأساس القانوني لضم الضفة الغربية. ويعتبر دعماً رسمياً لفرض السيادة على كامل الضفة الغربية لاحقاً وبشكل نهائي. إذ يعطي صبغة قانونية لإجراءات ممارسة بالفعل وتحديداً في موضوع التهجير، وإعادة تعريف لطبيعة العلاقة بين «إسرائيل» و«الأراضي المحتلة»، وتضع نهاية عملية لمرحلة الإدارة المؤقتة التي استمرت منذ عام 1967. وكذلك إعادة تعريف بعض السكان في مناطق قد تخضعها إسرائيل لسيادتها، استناداً إلى قانون الدولة القومية لليهود في إسرائيل، الذي يُعرِّفها بأنها دولة قومية للشعب اليهودي، مما يكرس نظام أبارتهايد يقوم بالتمييز العنصري ضد كل من هو غير يهودي، ويجعل من الفلسطينيين مواطنين من الدرجة الثانية، ويجعل حق تقرير المصير على أرض فلسطين محصوراً باليهود فقط.
#أسامة_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟