سامي خاطر
الحوار المتمدن-العدد: 8459 - 2025 / 9 / 8 - 15:58
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
بروكسل، 6 سبتمبر 2025 – خرجت تظاهرة واسعة نظمها أعضاء من المقاومة الإيرانية في قلب بروكسل، لتوجّه رسائل سياسية وحقوقية واضحة إلى النظام الإيراني، وإلى المجتمع الدولي، خاصة المؤسسات الأوروبية. وقد استقطبت المواكب عشرات الآلاف من الإيرانيين في المهجر، وجاءت لتؤكد استمرار النضال من أجل التغيير الديمقراطي في إيران، وتدعو إلى دعم الحل "الثالث" القائم على إرادة الشعب ومقاومته، بعيدًا عن الحلول العسكرية أو التفاهمات مع النظام الحاكم.
أبعاد التظاهرة ورسائلها
• الذكْرَى الستين لتأسيس منظمة مجاهدي خلق : شكّلت المناسبة مناسبة رمزية قوية لإبراز المسيرة النضالية الطويلة للمقاومة، ولتأكيد وجود بديل ديمقراطي واضح، مُصاغ في برنامج يتضمن عشرة بنود، يهدف إلى تأسيس جمهورية علمانية ديمقراطية في إيران.
• رسالة الداخل والخارج: التظاهرة جاءت لتؤكد على ضرورة تبني "الحل الثالث": الرفض القاطع لسيناريو الحرب الخارجية أو التفاوض مع النظام، والدعوة الصريحة إلى إسقاط النظام عبر انتفاض الشعب والمقاومة المنظمة.
• طبيعة النظام ومستقبل إيران: ركز المنظمون والمشاركون على أن الخيار الوحيد لإيران هو الجمهورية الديمقراطية التي تضمن المساواة، والحريات الفردية، وفصل الدين عن الدولة، ورفع عقوبة الإعدام، واحترام حقوق القوميات.
في الوقت الذي تواجه إيران أزمات اقتصادية وسياسية متفاقمة، يبرز هذا الحدث كدليل على عزم الشعب الإيراني على قلب الطاولة على النظام. المشاركون أكدوا أن التنازل عن مطالبهم أو اللجوء إلى الحرب لن يحلا المشكلة، بل إن الحل يكمن في ثورة شعبية مدعومة بالمقاومة المنظمة.
دعم دولي وبرلماني واسع
• بيان مشترك من أكثر من 300 مجموعة برلمانية ونقابية: صدر دعم رسمي واسع للتظاهرة، شمل برلمانيين ونقابيين من أوروبا وأمريكا الشمالية، بالإضافة إلى رؤساء سابقين، ومسؤولين قانونيين، وحقوقيين من مختلف أنحاء العالم. وقد طالَب البيان بإدانة انتهاكات حقوق الإنسان، وإلغاء عقوبة الإعدام، وإدراج قوات حرس نظام الملالي على لائحة الإرهاب، مع الاعتراف بحق الشعب الإيراني في المقاومة والنضال من أجل الحرية.
• ضغوط متزايدة على الاتحاد الأوروبي: دأب مناصرو المقاومة على مطالبة الاتحاد الأوروبي باتخاذ خطوات ملموسة ضد النظام، من ضمنها إدراج قوات حرس نظام الملالي ضمن قوائم الإرهاب، والحدّ من أي سياسة تساهل أو تواصل مع النظام.
احتجاجات سابقة ورسائل متكررة
• ديمومة النضال في بروكسل: قبل التظاهرة الكبيرة في سبتمبر، شهدت العاصمة البلجيكية احتجاجات متكرّرة خلال عام 2025، من بينها مظاهرات احتجاجية في يونيو طالبت بإيقاف الإعدامات المتزايدة في إيران (أكثر من 1,300 منذ أغسطس 2024)، وكذلك رفض التوسع النووي للنظام. وقد طالب المحتجون آنذاك بالإفراج عن السجناء السياسيين ومساءلة النظام دوليًا.
• استمرار الضغط السياسي: في يوليو، أعادت جماهير المقاومة تأكيد موقفها أمام البرلمان الأوروبي، مذكرةً بمعاناة السجناء السياسيين، وطالبت بإلغاء جميع أحكام الإعدام، والإفراج غير المشروط عن المعتقلين، وضرورة تصنيف قوات حرس نظام الملالي كمنظمة إرهابية.
• سابقًا في ديسمبر 2024: تنظيم وقفة احتجاجية أمام مجلس الاتحاد الأوروبي طالبت بوضع قوات حرس نظام الملالي على القوائم السوداء ووقف سياسة الاسترضاء تجاه طهران.
التفاعل الدولي وخطى مستقبلية
هذه التظاهرات، التي تتزايد وتيرتها في بروكسل، تمثل جزءًا من حراك إيراني دولي يهدف إلى كسر العزلة الإعلامية والسياسية للمقاومة، وتكريس دعم فعلي من القوى الأوروبية. الرسالة التي تحملها هذه التظاهرات واضحة: وجود بديل ديمقراطي يحظى بالقابلية والقدرة على التغيير، وعلى الغرب أن يدعمه عمليًا، لا بالكلمات فحسب.
كما أن تواتر هذه التظاهرات منذ ديسمبر 2024 وحتى سبتمبر 2025 يعكس تنظيمًا وتصميمًا مستمرًا من المقاومة الإيرانية لتسليط الضوء على ملف حقوق الإنسان والديمقراطية في طهران، واستثمار المناسبات الدولية (مثل الذكرى الستين لتأسيس منظمة مجاهدي خلق) لإيصال صوت الشعب الإيراني الحر إلى صناع القرار في أوروبا.
التظاهرة في بروكسل: موجة نداءات أوروبية حازمة
مطالب التظاهرات والضغط السياسي
• نزل آلاف الإيرانيين إلى ساحة الأتمّيوم والهيزل في بروكسل مطالبين بفرض عقوبات أوروبية أشد على النظام الإيراني، وتصنيف قوات حرس نظام الملالي الإيراني كمنظمة إرهابية. وقد كان هذا الطلب هو المحور المركزي للتظاهرة.
• من بين المتحدثين الرئيسيين: مريم رجوي (رئيسة الجمهورية المنتخبة من قِبل المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية)، ومايك بنس (نائب الرئيس الأميركي السابق)، وآليخو فيدال-كوادراس (نائب رئيس البرلمان الأوروبي سابقًا).
• قال بنس مخاطبًا الإيرانيين في الداخل: "أنتم لستم وحدكم، وقد اقترب يوم حريتكم. العالم الحر يقف إلى جانبكم من أجل إيران ديمقراطية، علمانية، خالية من السلاح النووي."
• فيدال-كوادراس وصف المتظاهرين بأنهم "صوت الملايين" و"نبض الأمة"، معتبرًا أن الاحتجاج كان بمثابة استفتاء حي لصالح التغيير الديمقراطي.
موقف الحكومات الأوروبية: تحفظات قانونية ولكن اتجاه داعم
• بلجيكا، الدولة المضيفة، تُعد من أبرز المؤيدين داخل الاتحاد الأوروبي لتصنيف قوات حرس نظام الملالي كمنظمة إرهابية، رغم أن القرار النهائي يتطلب توافقًا أوسع ضمن مجلس الاتحاد.
• ردًا على دعوات مماثلة في السابق، صنّف البرلمان الأوروبي قوات حرس نظام الملالي ضمن قائمة الإرهاب في قرار غير ملزم، لكن اعتُبر قانونيًا معقدًا ويحتاج لأدلة قوية لتحقيق التصنيف.
• دعم منظمات من قبيل منظمة التضامن الدولي من أجل العدالة ، وطالبت الاتحاد الأوروبي بالرد الفوري من خلال إدانة أحكام الإعدام ضد المعارضين. واستدعاء السفير الإيراني لتسليمه احتجاج شديد. ودعم بعثة تحقيق مستقلة للأمم المتحدة. وفرض عقوبات مستهدفة على المسؤولين القضائيين والسجانيين.
السياق التاريخي: دعوات متكررة وضغوط متراكمة
• الاحتجاجات في بروكسل ليست الأولى من نوعها. فقد شهدت العاصمة الأوروبية احتجاجات مماثلة خلال السنوات الماضية، خصوصًا منذ انتفاضة مهسا أميني عام 2022، والتي دفع فيها البرلمان الأوروبي إلى الدعوة لتصنيف قوات حرس نظام الملالي كمنظمة إرهابية، وفرض عقوبات على نظام الملالي.
• أيدت فرنسا وألمانيا والدنمارك وغيرها من الدول؛ فرض عقوبات، واستنكرت بلدان، من قبيل إيطاليا تنفيذ أحكام الإعدام ضد المتظاهرين، وناشدت أوروبا تحمّل مسؤولياتها في دعم حقوق الإنسان داخل إيران.
في النهاية، أثبتت تظاهرة اليوم في بروكسل أنها ليست مجرد حدث احتجاجي، بل احتجاج مدروس يستهدف قلب المؤسسات الأوروبية، ويضغط لأجل إعادة صياغة السياسات تجاه طهران. الدعوات تتعاظم، لكن الطريق ما يزال محفوفًا بالتحديات القانونية والسياسية.
إطار خطاب السيدة، مريم رجوي: استراتيجية "الخيار الثالث"
في كلمتها الافتتاحية، كرّرت السيدة رجوي شعارًا مركزياً: "الحل ليس في التساهل ولا الحرب، بل التغيير الجذري للنظام عبر الشعب والمقاومة المنظمة". هذا الأسلوب يروي حكمة مزدوجة: رفض الخيارات العسكرية والدبلوماسية المجزأة، والسير نحو تغيير شامل عبر بناء بديل ثوري.
استدعاء مقدمات الانهيار الداخلي للنظام
سلّطت السيدة رجوي الضوء على هشاشة النظام، مؤكدًة أن إيران "تقف على أعتاب تحول جذري"، مدعومة بأكثر من أربعة عقود من النضال و100 ألف شهيد. هذا السرد المكثف يعمل كدعوة للعالم: النظام ليس قوياً كما يُصوِّر نفسه، وعاجز عن الاستمرار تحت وطأة الاحتجاجات الداخلية.
رسم بديل ديمقراطي واضح:
قدّمت السيدة رجوي رؤية محدّدة لنظام ما بعد سقوط النظام الحالي، تتضمن:
• فصل الدين عن الدولة
• المساواة بين النوعين الاجتماعيين
• الحكم الديمقراطي
• حقوق الأقليات العرقية
• دولة علمانية غير نووية.
وهو ما يمنح رسالتها فعالية سياسية؛ إذ لا تكتفي بإدانة النظام، بل تقدم رؤية ملموسة.
دعوة مباشرة وصارمة للغرب:
طرحت السيدة رجوي مطالب واضحة للغرب، منها:
• تصنيف قوات حرس نظام الملالي، والمخابرات كمنظمات إرهابية
• تفعيل قرارات مجلس الأمن الدولي ضد إيران
• الاعتراف بحقّ وحدات المقاومة في مقاومة النظام داخليًا.
هذا الأسلوب يضع الغرب أمام خيارات حاسمة، ويجعل من خيار "التأخير" استمرارًا في دعم النظام فعليًا.
خطاب تحريضي للداخل ودعوة للاستنفار:
وجّهت السيدة رجوي ندائها إلى:
• الشباب والنساء وجيل الطليعة، مؤكدة أنَّ "الإرادة بيدكم، وأنتم تصنعون الثورة والانتصار".
• الشعب الإيراني بأسره، محذرة أن "موجات الإعدام لن تطفئ بركان الثورة".
هذا الخطاب يعكس تصميمًا على استنهاض طاقات الحراك الشعبي وتحويل الشعور بالغبن إلى فعل جماعي.
السياق الرمزي والتاريخي:
• أشادت السيدة رجوي بإرث المقاومة: "ستون عاماً من النضال بلا توقف"، مشيرة إلى أن "الشاه سقط، والملالي سيسقطون أيضًا".
• كرّرت السيدة رجوي شعار "لا للشاه لا للملالي"، ونعم "للجمهورية الديمقراطية فقط".
هذا الإطار الرمزي يُعزز شرعية المقاومة عبر ربطها بالمسيرة التاريخية والنضال المتواصل ضد جميع أشكال الاستبداد.
تقييم سياسي:
الخطاب قوي التنظيم، يجمع بين العناصر المعنوية (الرمزية والتاريخية) والدعوية العملية (مطالبة الغرب وتحريض الداخل)، ويقدّم رؤية لتحوّل سياسي ديمقراطي واضح. لكنه استراتيجيًا يعتمد على قدرة المقاومة على التوسع داخل إيران وعلى تجاوب غربي ملموس - وهو ما قد يظل تحديًا نظريًا في ظل الحسابات الدولية والقانونية المعقدة.
الخطاب الرسولي لرجوي شكل نقطة جذب سياسية حقيقية داخل الاتحاد الأوروبي، ونجح في جذب اهتمام سياسي واسع وربما خلق ميل داخل بعض الحكومات الأوروبية للانحياز تجاه المعارضة الإيرانية. لكنه أيضاً اصطدم بـ"سياسة الحذر الأوروبي" التي تتطلب ملفات مفصلة قبل اتخاذ خطوات قد تؤدي إلى صدامات واضحة مع النظام الإيراني.
الخلاصة
المقاومة الإيرانية من بروكسل لا ترسل رسالة احتجاج فحسب، بل تعلن وجودًا سياسيًا مؤثرًا، وبأنّ إيران الحرة والديمقراطية ليست حلمًا بعيدًا، بل واقع يصاغ يوميًا في ميادين الشتات والحراك المدني الدولي. إن الدعم المتزايد من القوى البرلمانية والنقابية الغربية يُعدّ مؤشرًا على بداية تغير في موازين القوى، وبداية لتحول أجندة العمل الدولي نحو دعم الشعب الإيراني ومقاومته الفاعلة والمستنيرة.
#سامي_خاطر (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟