أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حميد كوره جي - صراع العقل والوحي: نظرة عميقة إلى الشرق والغرب















المزيد.....

صراع العقل والوحي: نظرة عميقة إلى الشرق والغرب


حميد كوره جي
(Hamid Koorachi)


الحوار المتمدن-العدد: 8454 - 2025 / 9 / 3 - 11:02
المحور: قضايا ثقافية
    


إن هناك تباينًا ثقافيًا بين الشرق والغرب في كيفية تعريف وتسمية القادة الروحيين والفكريين إذ ارتبطت الثقافة الشرقية بشكل عميق بالمفاهيم الدينية والروحانية. الأديان الكبرى مثل الإسلام، والمسيحية، واليهودية، والبوذية، والزرادشتية نشأت في الشرق. هذه الأديان تركز على وجود نبي أو رسول كشخصية إلهية مُختارة لتلقي الوحي ونقل الرسالة الإلهية. هذه الشخصيات لا تقدم مجرد أفكار، بل تعتبر مصدرًا للحقائق المطلقة والقوانين الإلهية.
في المقابل، تطور الفكر الغربي، خاصةً في اليونان القديمة، بعيدًا عن الإطار الديني التقليدي. ركز فلاسفة مثل سقراط وأفلاطون وأرسطو على البحث العقلاني، والمنطق، والتفكير النقدي، والفلسفة كأداة لفهم العالم والإنسان. لم يدعوا أنهم يتلقون وحيًا من إله، بل أنهم يستخدمون عقولهم للوصول إلى الحقيقة.

يعتمد الأنبياء على الوحي الإلهي، بينما يعتمد الصوفية على التجربة الروحية والحدس للوصول إلى الحقيقة. كلاهما لا يعتمد بالضرورة على المنطق والعقل البشري وحده، بل يرى أن هناك مصدرًا أعلى للمعرفة يتجاوز العقل.
يعتمد الفلاسفة على العقل والمنطق والحوار لإثبات أفكارهم. الفلسفة هي محاولة لفهم العالم من خلال التفكير النقدي وطرح الأسئلة. حتى عندما يتطرق الفلاسفة إلى مواضيع روحية أو ميتافيزيقية، فإنهم غالبًا ما يفعلون ذلك من خلال الأدوات العقلانية.
هدف الأنبياء هو هداية البشرية إلى الطريق الصحيح في الحياة الدنيا والآخرة. هم قادة مجتمعات ومرشدون أخلاقيون ودينيون، وغالبًا ما يضعون قوانين وقواعد للمجتمع.
هدف الفلاسفة هو البحث عن الحقيقة والمعرفة من أجل المعرفة نفسها. هم ليسوا بالضرورة قادة سياسيين أو دينيين، بل هم مفكرون يطرحون أسئلة أساسية حول الوجود، والمعرفة، والأخلاق.
إن الفارق الأساسي يكمن في مصدر المعرفة: الوحي الإلهي في الشرق مقابل العقل البشري في الغرب. هذا لا يقلل من قيمة أي من المنهجين، بل يوضح اختلافًا في كيفية سعي كل ثقافة لفهم الوجود.
في الشرق، ارتبطت القيادة الروحية بالأنبياء والرسل. هؤلاء لم يكونوا مجرد مفكرين، بل شخصيات مقدسة اختارها الإله لتلقي الوحي، ونقل حقائق مطلقة وقوانين إلهية للبشرية. هدفهم كان هداية الناس ووضع أسس أخلاقية ودينية للمجتمع. وفي هذا السياق، حتى التصوف (العرفان)، الذي يعتمد على التجربة الروحية والحدس، يرى أن المعرفة تتجاوز حدود العقل البشري المحدود.

أما في الغرب، فكانت الفلسفة هي المسار المفضل للبحث عن الحقيقة. فلاسفة مثل سقراط، أفلاطون، وأرسطو لم يدّعوا تلقي وحي، بل استخدموا العقل والتفكير النقدي للوصول إلى فهم أعمق للوجود. هدفهم كان البحث عن الحقيقة والمعرفة من أجل المعرفة نفسها، ولم يكن بالضرورة تغيير المجتمع أو قيادته.


من المثير للاهتمام محاولة بعض المفكرين المسلمين في العصور الوسطى لجعل أفلاطون "فيلسوفًا للاهوت". هذا يؤكد أن الأفكار الفلسفية يمكن أن تُدمج في أطر دينية. لقد وجد هؤلاء المفكرون المسلمون، المعروفون باسم الفلاسفة المشّائين (مثل الكندي والفارابي وابن سينا)، أوجه تشابه بين أفكار أفلاطون وأفلوطين ومفاهيم دينية إسلامية، مما سمح لهم بدمج الفلسفة اليونانية في اللاهوت الإسلامي.

العقلانية المقموعة في الفلسفة الإسلامية
يُعد أبو بكر الرازي من أبرز المفكرين العقلانيين في التاريخ الإسلامي. كان يؤمن بأهمية العقل كأداة للمعرفة، وينتقد بشدة فكرة النبوة، ويرى أن جميع البشر لديهم القدرة على الوصول إلى الحقيقة باستخدام عقولهم.
أما ابن سينا فعلى الرغم من أنه لم يرفض النبوة بشكل كامل، إلا أنه كان يعطي أهمية قصوى للمنطق والعقل. حاول التوفيق بين الفلسفة اليونانية والمنطق الأرسطي وبين التعاليم الدينية، مؤكدًا أن العقل قادر على فهم الكثير من الحقائق الميتافيزيقية.
كما كان الراوندي من الشخصيات المثيرة للجدل، حيث عُرف بانتقاداته اللاذعة للدين والنقل، ودفاعه عن العقل كمرجع وحيد للحقيقة.
هؤلاء المفكرون وغيرهم من أمثال المعتزلة في العصور المبكرة، وابن رشد في الأندلس، أظهروا أن الفلسفة العقلانية كانت جزءًا حيويًا من الفكر الشرقي. هم يمثلون تيارًا فكريًا سعى إلى تحرير الفكر من سلطة النصوص المطلقة، مؤكدين أن التفكير النقدي هو السبيل لفهم الوجود.
وبالتالي، فإن الفكرة بأن "الشرق صنع الأنبياء" و"الغرب صنع الفلاسفة" هي فكرة عامة جدًا. الواقع أكثر تعقيدًا، حيث كانت هناك حركات عقلانية قوية في الشرق، وحركات دينية وروحانية في الغرب أيضًا، وإن كانت الأولى أكثر شهرة.
هذه نقطة دقيقة ومهمة جدًا، وهي أن الفلسفة العقلانية لم تكن غائبة عن الشرق، بل كانت موجودة بقوة، ولكنها واجهت تحديات مختلفة عن تلك التي واجهها الفلاسفة في الغرب.
الفلسفة في الشرق: تحديات وصراع
لقد ظهر في الشرق فلاسفة عظام مثل الملا صدرا الشيرازي، الذي كان له دور كبير في تطوير الفلسفة الإسلامية، ودمجها مع العرفان (التصوف). لكنهم غالبًا ما كانوا يعملون في بيئة فكرية يسيطر عليها الفكر الديني الغيبي، الذي كان يرى في الفلسفة تهديدًا.
على عكس ما حدث في أوروبا، حيث تمكنت الفلسفة من التطور تدريجيًا لتشكل أساسًا للعقلانية والتنوير، كانت الفلسفة في الشرق غالبًا ما تواجه اضطهادًا أو مقاومة من المؤسسات الدينية. العديد من الفلاسفة، مثل الرازي، تعرضوا للنقد الشديد، بينما تمكن آخرون، مثل ابن سينا، من الاستمرار بفضل التوفيق بين الفلسفة والدين.
على الرغم من جهود الفلاسفة، فإن الفكر الديني القائم على الغيبيات والماورائيات كان هو السائد في المجتمعات الشرقية. هذا أدى إلى أن تأثير الفلسفة ظل غالبًا في دائرة ضيقة من النخبة والمفكرين، ولم يتمكن من تغيير قيم المجتمعات بشكل واسع كما حدث في الغرب.

في الغرب، وخصوصًا بعد عصر النهضة، أصبحت الفلسفة أداة لتغيير المجتمع. ففي عصر التنوير فلاسفة مثل كانت، وهيجل، وروسو لم يكونوا مجرد مفكرين في أبراج عاجية، بل كانت أفكارهم حول العقل، والحرية، وحقوق الإنسان هي القوة المحركة للثورات الاجتماعية والسياسية التي غيرت وجه أوروبا والعالم.
وعلى الرغم من وجود بعض المقاومة، فإن المناخ الفكري في الغرب سمح للفلاسفة بالتعبير عن آرائهم بحرية أكبر، مما مكن أفكارهم من الانتشار والوصول إلى الجماهير وتغيير قيم المجتمعات على نطاق واسع.
يمكن القول إن الفلسفة العقلانية لم تقتصر على الغرب، بل كانت موجودة في الشرق أيضًا، لكن المناخ السياسي والاجتماعي في الشرق، الذي كان يميل إلى الماورائيات والغيبيات، لم يسمح للفلسفة بأن تكون قوة تغيير اجتماعي كما حدث في الغرب.



#حميد_كوره_جي (هاشتاغ)       Hamid_Koorachi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أغنية الفلاح الأخيرة
- مقارنة فاشلة بين ترامب وروزفلت
- السياسة الجيوسياسية للرجل العظيم
- رعب العيش
- الشيوعي والشيعي
- في زاوية العالم المائلة
- ما وراء الذكاء الاصطناعي: دوافع اقتصادية وأيديولوجية
- ميشيل فوكو والثورة الإسلامية بقيادة الخميني
- هل توجد -الخروتشوفية-؟
- الوطن الحقيقي خبز وحرية وقيمة إنسانية
- على شفا الأفق الأحمر
- الماركسية: تحليل علمي لا نبوءة حتمية سقوط الرأسمالية
- ستيغ داغرمان: شاعر القلق وساعي النجاة
- غرفة المراقبة
- يوميات السرطان: صرخة من الألم إلى الأمل
- هل الإيرانيون يكرهون العرب؟
- لماذا لم تنهار الصين مثل الاتحاد السوفييتي؟
- مم تخاف الجمهورية الإسلامية الإيرانية؟
- مهاجرون غدت الدنيا لهم جزيرة العذاب
- حين يترشح متهمون بجرائم الحرب لجائزة السلام


المزيد.....




- شاهد كيف ردّ ترامب على دعوات نساء من ضحايا إبستين لنشر المزي ...
- قوات إسرائيلية تتوغل ليلاً في القنيطرة وتعتقل سبعة سوريين
- فرقة -أوريا- غير النظامية.. مستوطنون إسرائيليون ينفذون عمليا ...
- بوتين يشترط قدوم زيلينسكي إلى موسكو من أجل عقد لقاء -ولكن لا ...
- استطلاع: لماذا يفضل الطلاب الأجانب الدراسة والبقاء في ألماني ...
- مشاركة عزاء للرفيق د.حاتم اسريوه بوفاة والده
- إسرائيل تعلن اعتراض صاروخ من اليمن وصفارات الإنذار تدوي بالق ...
- لوبوان: سويسرا توفر ملجأ طوارئ لكل مواطن
- هآرتس: ثلاثة مشاهد تصوّر القسوة المتجذرة في المجتمع الإسرائي ...
- بعد ظهوره للعلن.. ناشطون يعلقون على -وفاة ترامب-


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - حميد كوره جي - صراع العقل والوحي: نظرة عميقة إلى الشرق والغرب