محمد مقنع
الحوار المتمدن-العدد: 8451 - 2025 / 8 / 31 - 20:14
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
الامبرياليون يقودون حملة ممنهجة تُصرف عليها مئات الملايين من الدولارات لتزوير تاريخ شمال إفريقيا، عبر محاولة ربط السكان الأصليين السود بالعبودية، وفي الوقت نفسه اختراع عرق وهمي أطلقوا عليه اسم "الأماسيخ" لسرقة المنطقة وتاريخها. ولتمرير هذه الأكاذيب الصبيانية يعتمدون على مجلات هزيلة، بعيدة كل البعد عن البحث الأكاديمي، مثل مجلة "زمان".
نشرت هذه الأخيرة مؤخرًا مقالًا بعنوان: "علماء يبحثون في الأصول الجينية لمصر والمغاربة"، حاولت من خلاله، وبقدر كبير من السذاجة والتضليل، إقناع القارئ بأن إنسان النويرات ينتمي إلى المغاربة المعاصرين وأنه "أماسيخي". غير أن نتائج التحليل الجيني والدراسات الأنثروبولوجية دحضت هذا الادعاء بالكامل، مؤكدة أن الفرد كان أسود البشرة وذو ملامح زنجية خالصة، ولا علاقة له بالمغاربة الحاليين، بل يعود أصله إلى جماعات بشرية زنجية استوطنت مناطق المغرب والعراق في العصر الحجري.
فقد ورد في الدراسة أن 77.6% من جينومه يعود إلى سكان عاشوا في المغرب خلال العصر النيوليتي الوسيط (بين 4,780 و4,230 قبل الميلاد)، بينما تعود النسبة المتبقية 22.4% إلى سكان بلاد الرافدين الذين عاشوا في العصر النيوليتي (بين 9,000 و8,000 قبل الميلاد). وهو ماينفي علاقة المغاربة الحاليين به.
Whole-genome ancestry of an Old Kingdom Egyptian
It estimates 77.6 ± 3.8% ancestry most closely related to the genomes from 4,780-4,230 BCE Middle Neolithic Morocco, and 22.4 ± 3.8% from the 9,000-8,000 BCE Neolithic Mesopotamia.
أظهرت الدراسات الانثربولوجية، بما في ذلك أعمال راكستر وزملائه، أن تقديرات القامة المستخلصة من عينات السود الأمريكيين تتوافق بدقة مع القامات الفعلية للمصريين القدماء، بينما جاءت تقديرات البيض أطول. وأكدت التحليلات العظمية للفرد من النويرات، التي أجراها جويل د. إيريش، أستاذ ورئيس قسم الأنثروبولوجيا في جامعة ألاسكا، فيربانكس، نتائج مماثلة تدعم هذه الاستنتاجات. حيث كتب:
اعتمدت الصيغ الانحدارية الكلاسيكية التي وضعها تروتر وغليسر، والمستندة إلى قياسات العظام الطويلة لدى الذكور الأمريكيين البيض والسود (انظر الجدول 12)، على نطاق تقديري واسع للقامة بلغ 156–168 سم للفرد قيد الدراسة (الجدول S2.1). وقد بلغ متوسط التقدير المستخلص من العينات البيضاء 163.37 سم، وذلك بعد طرح معامل تصحيحي مقداره 0.06 للأفراد الذين تجاوزوا سن الثلاثين عند الوفاة. أما المتوسط المستخلص من العينات السوداء فكان أقصر بأكثر من 4 سم، حيث بلغ 159.23 سم. وقد أُشير بوضوح إلى أن تقديرات القامة المستخلصة من العينات السوداء تمثل على نحو أدق القامات الفعلية للمصريين القدماء، بغض النظر عن الأصل المحدد للفرد المدروس (كما سيرد أدناه).
وفي دراسة أحدث، قام راكستر وزملاؤه، بالاعتماد على إعادة بناء القامة من هياكل عظمية مصرية قديمة وبمقارنتها مع عينات من الأمريكيين البيض والسود، بتطوير مجموعة جديدة من الصيغ الانحدارية (الجدول S2.1) باستخدام مزيج من العظام الطويلة. وقد أظهرت النتائج توافقًا تامًا مع تقديرات القامة المستخلصة من العينات السوداء، مع إنتاج نطاق أكثر انضباطًا من القياسات، اعتبره الباحثون أفضل تمثيل للقامات الحقيقية للمصريين القدماء.
أما بالنسبة للفرد المستخرج من موقع النويرات، فقد تراوحت تقديرات قامته بين 157.37–160.52 سم، بمتوسط 159.06 سم بعد تطبيق معامل التصحيح (أي ما يعادل 62.62 بوصة؛ 5 أقدام و2¾ بوصة)، وهو ما يضعه ضمن النطاق المتوافق مع تقديرات قامة السود الامريكان، التي أثبتت الدراسات أنها تعكس بدقة بنية المصريين القدماء.
Osteological analyses of the Nuwayrat Individual, Joel D. Irish
Stature
The long-used regression formulae of Trotter and Gleser11, based on long bone dimensions in American White and American Black malestables in 12, returned a wide range of 156-168 cm for the individual (Table S2.1). The mean White estimate is 163.37 cm—after the subtraction of a 0.06 correction factor for individuals over 30 years of age at death12. The corresponding mean from Black males is >4 cm shorter, at 159.23 cm. Of these, it was suggested that the Black estimates are more representative of ancient Egyptians13, the identified ancestry of the present individual notwithstanding (also below). More recently Raxter and colleagues14, based on stature reconstruction of ancient Egyptian skeletons and, again, modern American Whites and Blacks, calculated a new set of formulae (Table S2.1) in a combination of long bones. The results correspond overall with Black stature estimates but provide a tighter cluster of results that these authors maintain provide the best ancient Egyptian statures. The range for the Nuwayrat individual is 157.37-160.52, with a mean of 159.06 cm following the 0.06 correction (i.e., 62.62 in 5 ft., 2¾ in).
استنادًا إلى بيانات البروفيسورة كارولين م. ويلكينسون، أستاذة الأنثروبولوجيا في جامعة ليفربول جون مويرز، التي أعادت بناء وجه فرد النويرات الفرعوني باستخدام مسح ثلاثي الأبعاد للجمجمة وتحليل العظام، تبين أن جمجمته كانت طويلة الشكل (dolichocephalic) مع انخفاض خلف البريغما (post-bregmatic depression)، وهي سمات شائعة لدى السكان الأفارقة الزنوج. وتشير هذه الخصائص بوضوح إلى أن الفرد كان ينتمي إلى مجموعة سكانية ذات أصول إفريقية سوداء. اذ خطت:
"كان الجمجمة طويلة الشكل (dolichocephalic) وأظهرت انخفاضًا خلف البريغما ".
Facial reconstruction of Nuwayrat individual, C. Wilkinson
“The skull was dolichocephalic and exhibited a post-bregmatic depression.”
يُعد الانخفاض خلف البريغما صفة غير شائعة لدى البشر، بل هو ميزة جمجمية تظهر بنسبة أكبر في بعض المجموعات البشرية مقارنة بغيرها، وقد اهتم الأنثروبولوجيون بدراستها عند وصف تباين الجماجم. وتشير الدراسات إلى أنه يُسجل غالبًا لدى السكان الأفارقة الزنوج، حيث اعتُبر صفة جماجمية شائعة لديهم، بينما يكاد يكون منعدمًا لدى السكان الأوروبيين والآسيويين، الذين تميل المنطقة خلف البريغما لديهم إلى أن تكون مسطحة أو محدبة قليلًا بدل أن تكون منخفضة.
كما أن الجمجمة طويلة الشكل (dolichocephalic) تُعد من السمات الشائعة لدى السكان الزنوج. تتميز هذه الجمجمة بطولها النسبي مقارنة بعرضها، وواجهة جبهية مائلة ومستديرة، وهي صفات أقل شيوعًا لدى السكان الآسيويين والأوروبيين المعاصرين، الذين تميل جماجمهم إلى أن تكون أقصر وأكثر عرضًا. تُعد هذه الخصائص مؤشراً أنثروبولوجيًا مهمًا لتحديد الأصول الإفريقية السوداء للأفراد، كما يتوافق نمط جماجم فرد النويرات الفرعوني مع هذه السمات. وقد ورد في بحث هيلينا جيليك، المعنون: "تحديد الأصل باستخدام القياسات المورفومترية الهندسية":
"بشكل عام، يتميز الأفراد من أصل أفريقي جنوب الصحراء (الشكل 2) بجمجمة طويلة الشكل (dolichocephalic) مع واجهة جبهية مائلة ومستديرة، بالإضافة إلى انخفاض خلف البريغما (post-bregmatic depression) (Wilkinson, 2004 Klepinger, 2006 Randolph-Quinney et al., 2009). عرض الوجه ضيق وارتفاعه منخفض. شكل فتحة الأنف واسع، والحواف السفلية لهامش الأنف ناعمة أو مجوفة مع وجود قليل جدًا أو انعدام للتحديد السفلي (Rhine, 1990 White and Folkens, 2005 Randolph-Quinney et al., 2009). جذور الأنف منخفضة ومسطحة على شكل “كوونست هت” مع شوكة أنفية ضعيفة جدًا أو غائبة (Randolph-Quinney et al., 2009:14 Gill, 1998:300 Gill, 1995 Rhine, 1990). المسافة بين العينين واسعة، وتظهر المدارك العينية بشكل مستطيل (منخفضة وواسعة) (Rhine, 1990). الحواف فوق العينية غير مستقيمة قليلًا وتتمتع ببروز خفيف إلى متوسط (Wilkinson, 2004)".
MASTER OF FORENSIC ANTHROPOLOGY Ancestry determination using geometric morphometrics, Hana Gillick:
In general, individuals of Sub-Saharan African ancestry (Figure 2) are characterized as having a dolichocephalic (long) skull shape with a sloping and rounded frontal profile and a post-bregmatic depression (Wilkinson, 2004 Klepinger, 2006 Randolph-Quinney et al., 2009). Facial breadth is narrow and facial height is low. Nasal aperture shape is wide and the inferior borders of the nasal margin are smooth´-or-guttered, with little to no inferior definition (Rhine, 1990 White and Folkens, 2005 Randolph-Quinney et al., 2009). The nasal root is low and flat with a “Quonset hut” shape and a very dull´-or-absent nasal spine (Randolph-Quinney et al., 2009:14 Gill, 1998:300 Gill, 1995 Rhine, 1990). Interorbital distance is wide and orbits appear rectangular (low and wide) in shape (Rhine, 1990). Supraorbital margins are somewhat undulating and are mild to moderate in prominence (Wilkinson, 2004).
بناءً على نتائج التحليل الجيني باستخدام نظام HIrisPlex-S، تم التوصل إلى أن فرد النويرات كان يمتلك عيونًا بنية، وشعرًا اسودا، ولون بشرة يتراوح بين الداكن والأسود. اذ جاء في الدراسة:
"يشير التقدير إلى أن الفرد من النويرات كان يمتلك عيونًا بنية، وشعرًا بنيًا، ولون بشرة يتراوح بين الداكن والأسود، مع احتمالية أقل لوجود لون بشرة متوسط."
Whole-genome ancestry of an Old Kingdom Egyptian
"The newerat individual is predicted to have had brown eyes, brown hair, and skin pigmentation ranging from dark to black skin with a lower probability of intermediate skin color.”
وليس هذا الأمر جديداً، إذ سبق أن أكّد العالمان الفرنسيان لوسيان جوزيف بيرثولون وإرنست شانتر في دراستهما الشهيرة "البحوث الأنثروبولوجية في البربرية الشرقية: طرابلس، تونس، الجزائر" أن شمال إفريقيا خلال العصر الحجري الحديث (من 10,000 ق.م إلى 2,000 ق.م) لم يكن مسكوناً إلا بعرقين رئيسيين لا ثالث لهما.
• العِرق الأول: زنجيّ، متوسط الرأس (مِسَاتيسيفالي، أي جمجمة متوسطة الطول بين الاستطالة والاستدارة)، ذو بنية عظمية دقيقة (هو أقدم عرق وجدوه في شمال افريقيا).
• العِرق الثاني: طويل الرأس (دوليكوسيفالي، أي جمجمة مستطيلة الشكل)، قصير القامة، ذو بنية عظمية قوية (جميع الأنثروبولوجيين يجمعون على ان الدوليكوسيفالية، هي سمة مميزة للأعراق الزنجية).
Recherches Anthropologiques dans le Berbérie Orientale : Tripolitaine, Tunisie, Algérie - Lucien Joseph Bertholon, Ernest Chantre
En résumé, à l’époque néolithique, nous avions deux races :
• 1º Race négroïde mésaticéphale, à l’ossature grêle
• 2º Race dolichocéphale, petite, à l’ossature massive.
Ces types se retrouvent à l’époque des constructions mégalithiques.
كل الأدلة الأنثروبولوجية والجينية تؤكد بلا لبس أن إنسان النويرات كان من أصول إفريقية سوداء. جمجمته طويلة الشكل، وملامحه العظمية تتطابق مع الصفات المميزة للسكان الزنوج، وتحليل حمضه النووي كشف أن بشرته سوداء، وشعره أسود، وعيناه بنيتان. هذه الحقيقة العلمية القطعية لا يمكن إنكارها أو الطعن فيها بأي رأي شخصي أو تفسيرات مزيفة، فهي ثابتة بما لا يدع مجالاً للجدل.
المصادر:
Whole-genome ancestry of an Old Kingdom Egyptian
Osteological analyses of the Nuwayrat Individual, Joel D. Irish
MASTER OF FORENSIC ANTHROPOLOGY Ancestry determination using geometric morphometrics Gillick, Hana:
Recherches Anthropologiques dans le Berbérie Orientale : Tripolitaine, Tunisie, Algérie - Lucien Joseph Bertholon, Ernest Chantre
#محمد_مقنع (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟