أوزجان يشار
كاتب وباحث وروائي
(Ozjan Yeshar)
الحوار المتمدن-العدد: 8447 - 2025 / 8 / 27 - 00:50
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مقدمة: بين القانون والاقتصاد والدم
حين تنفجر الحروب في منطقتنا، لا تتوقف المأساة عند عدد القتلى أو حجم الركام. هناك دائمًا بُعد آخر غير مرئي: البعد الاقتصادي والسياسي، حيث تتحوّل المأساة الإنسانية إلى فرصة استثمارية، والدماء إلى وقود لصعود الأسهم، والخراب إلى صفقة تجارية رابحة. حرب غزة الأخيرة ليست استثناءً، بل هي أوضح مثال على التقاء منطق القوة العارية مع منطق السوق المتوحش.
فمنذ أن وصفت محكمة العدل الدولية الوضع في غزة بأنه يحمل “خطرًا معقولًا بوقوع إبادة جماعية”، وأمرت إسرائيل باتخاذ تدابير عاجلة لمنعها، تكشّفت خيوط كثيرة تربط بين الجيوش والشركات والدول في شبكة واحدة، تستفيد من استمرار النزيف. وقد جاءت تقارير الأمم المتحدة، وعلى رأسها تقرير المقرّرة الخاصة فرانشيسكا ألبانيزي في يوليو 2025 بعنوان من اقتصاد الاحتلال إلى اقتصاد الإبادة الجماعية، لتوثّق كيف تتحول شركات السلاح والتكنولوجيا والبنية التحتية إلى أطراف فاعلة، وكيف يشارك عدد من الدول الكبرى في تمكين هذه الدورة.
لكن ما يجب أن نلتفت إليه هو أنّ “المستفيد” ليس فقط الشركة التي تبيع سلاحًا أو الدولة التي تمنح ترخيصًا، بل كل منظومة السوق العالمية التي تسمح بأن تُحوَّل المأساة إلى بورصة، والكارثة الإنسانية إلى منحنى أرباح.
⸻
المحور الأول: الإطار القانوني
قبل الدخول في تفاصيل الشركات والدول، من المهم أن نفهم الأساس القانوني.
• اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948 تُلزم الدول الأطراف بمنع الإبادة ومعاقبة مرتكبيها. أي دعم عسكري أو مالي يُستخدم في سياق قد يشكّل إبادة، يضع هذه الدول في موضع مساءلة قانونية.
• محكمة العدل الدولية (يناير 2024): أكدت أن هناك خطرًا معقولًا بوقوع إبادة جماعية في غزة. هذا القرار لم يكن حكمًا نهائيًا، لكنه أطلق التزامات على الدول “بعدم المشاركة أو التمكين”.
• معاهدة تجارة الأسلحة (2014): تفرض على الدول أن تمنع تصدير السلاح إذا كان هناك “خطر واضح” باستخدامه في جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية.
إذن، أي دولة تستمر في تسليح إسرائيل، أو تسمح بمرور الأسلحة عبر أراضيها، تتحمل جزءًا من المسؤولية القانونية والأخلاقية.
⸻
المحور الثاني: الشركات المتهمة بالتربّح
1. شركات السلاح والذخيرة
• لوكهيد مارتن (أمريكا): المورّد الأبرز لطائرات F-35 التي تُستخدم في القصف على غزة. هذه الطائرات ليست مجرد قطعة حربية، بل رمز لمكانة الولايات المتحدة كمصدر أول للتكنولوجيا القتالية. أسهم الشركة ارتفعت بشكل ملحوظ في 2024–2025 مع تصاعد الطلب.
• بوينغ (أمريكا): مروحيات أباتشي وقنابل JDAM التي تُلقى على أحياء غزة تُحمل توقيع بوينغ. في كل مرة يُعاد تزويد الجيش الإسرائيلي بذخائر جديدة، يربح المستثمرون.
• رايثيون/RTX (أمريكا): تشارك في تصنيع صواريخ “تامير” الخاصة بالقبة الحديدية، إضافة إلى قنابل دقيقة التوجيه. كل صاروخ يُطلق يعاد استبداله بآخر، ما يعني دورة ربحية متواصلة.
• جنرال دايناميكس (أمريكا): من الدبابات إلى المدفعية الثقيلة، منتجاتها جزء من المشهد الميداني. تقارير مالية أكدت ارتفاع أرباحها أثناء الحرب.
• إلبيت سيستمز (إسرائيل): هنا لا نتحدث عن تصدير فقط، بل عن شركة إسرائيلية داخلية توفّر للجيش الطائرات المسيّرة وأنظمة المراقبة. هذه الشركة أصبحت واجهة واضحة لحملات المقاطعة العالمية.
• BAE Systems (بريطانيا): تشارك في إنتاج مكونات الـF-35، ما يجعلها جزءًا من سلسلة توريد دولية يصعب فصلها عن العمليات العسكرية.
2. شركات التكنولوجيا
• غوغل وأمازون (مشروع نيمبوس): عقد بمليارات الدولارات لتقديم خدمات سحابية وذكاء اصطناعي للحكومة والجيش الإسرائيلي. الموظفون في الشركتين قادوا احتجاجات ضد المشروع، محذرين من استخدام التكنولوجيا في المراقبة والاستهداف.
• مايكروسوفت: خدمات Azure والذكاء الاصطناعي دخلت في أنظمة وزارة الدفاع الإسرائيلية، وفق وثائق مسرّبة وتقارير إعلامية.
• بالانتير: متهمة بتوفير أدوات تحليل بيانات “شرطة تنبؤية” تُستخدم في عمليات الاستهداف، مع أنّ الشركة تنفي وتؤكد التزامها بالقوانين.
3. شركات البنية والطاقة
• كاتربيلر: بلدوزراتها D9 المدرعة تحوّلت إلى رمز للهدم، وهي التي تهدم منازل الفلسطينيين في غزة والضفة.
• شيفرون: وجودها في حقول الغاز قبالة سواحل غزة يثير اتهامات “استغلال الموارد تحت الحصار”.
• إيربنب: عبر إدراجاتها لعقارات في المستوطنات غير الشرعية، فهي تُطبع واقع الاحتلال.
• موتورولا: تزوّد الجيش الإسرائيلي بأنظمة اتصالات، ما يجعلها جزءًا من البنية الأمنية.
4. قطاعات أخرى
• BP (بريطانيا): تستثمر في مشاريع الطاقة الإسرائيلية القريبة من غزة.
• باركليز (بريطانيا): تُتهم بتمويل تجارة الأسلحة الإسرائيلية عبر قروض واستثمارات.
• أكسا (فرنسا): شركات تأمين مرتبطة ببنوك تموّل المستوطنات.
• ماكدونالدز، برغر كينغ، بيتزا هت، بابا جونز: استهدفتها حملات المقاطعة، خصوصًا بعد تبرعات بعض الامتيازات للجيش الإسرائيلي.
⸻
المحور الثالث: الدول المتورطة أو المُمكِّنة
الولايات المتحدة
هي المورد الأكبر، بحزم تسليح تتجاوز 20 مليار دولار منذ 2024. رغم دعوات داخلية في الكونغرس لتقييد هذه المبيعات، ظل البيت الأبيض يبررها بأنها “دفاع مشروع”.
ألمانيا
أعلنت في أغسطس 2025 تعليق تراخيص تصدير الأسلحة التي قد تُستخدم في غزة. لكن صادراتها خلال 2023–2024 كانت كبيرة.
المملكة المتحدة
علّقت 30 رخصة من أصل 350 في سبتمبر 2024، لكنها أبقت على الجزء الأكبر.
هولندا
محكمة الاستئناف أوقفت تصدير قطع F-35 لإسرائيل بسبب مخاطر انتهاك القانون الدولي.
كندا
جمّدت في مارس 2024 جميع تراخيص الأسلحة الجديدة.
إسبانيا
رفضت رسو سفن محمّلة بالأسلحة لإسرائيل في موانئها.
إيطاليا
أوقفت الموافقات الجديدة لكنها سلّمت طلبيات قديمة.
بلجيكا
محكمة بلجيكية في أغسطس 2025 أمرت بوقف ترانزيت الأسلحة عبر الموانئ إلى إسرائيل.
سلوفينيا
فرضت حظرًا كاملًا على تصدير الأسلحة.
أستراليا
تنفي التصدير المباشر لكنها متورطة عبر سلاسل توريد F-35.
فرنسا والنرويج
شدّدتا الرقابة، وأعلنت صناديق نرويجية كبرى سحب استثماراتها من شركات متهمة (مثل كاتربيلر).
كولومبيا
أعلنت وقف صادرات الفحم إلى إسرائيل بدعوى استخدامه في الصناعات العسكرية.
⸻
المحور الرابع: الأثر الاقتصادي
• ارتفعت مؤشرات البورصة الإسرائيلية في منتصف 2025، ما يعكس تدفق الاستثمارات رغم الركود الاقتصادي العام.
• الاقتصاد الإسرائيلي نفسه عانى من التباطؤ بفعل الحرب، لكن شركات السلاح والتكنولوجيا العالمية وجدت في الحرب فرصة ذهبية.
• “اقتصاد الإبادة” كما تسميه ألبانيزي هو وصف لآلية تحويل كل صاروخ وكل قنبلة إلى صفقة ربحية.
⸻
المحور الخامس: الأثر الاجتماعي والسياسي
• على المجتمعات الغربية: انقسام بين مؤيدين للمقاطعة واعتبارات “الدفاع عن إسرائيل”. بعض الجامعات وصناديق التقاعد سحبت استثمارات، بينما أخرى رفضت.
• على المجتمعات العربية والإسلامية: حملات مقاطعة واسعة أثرت على مبيعات علامات تجارية كبرى.
• على الفلسطينيين: كل بيت يُهدم، كل مدرسة تُقصف، هو أيضًا “إعلان ربح” لشركة ما.
⸻
المحور السادس: ردود الشركات والدول
• الشركات: تنفي التورط المباشر، وتقول إن منتجاتها “ثنائية الاستخدام” أو “تُباع لأغراض عامة”.
• الدول: تبرر بأن الدعم يأتي في إطار “الأمن المشروع”.
• النقاش الدولي: بين من يرى أن المقاطعة تضر بالاقتصاد العالمي، ومن يرى أن المقاطعة هي الوسيلة الأخلاقية الوحيدة.
⸻
في النهاية، لا يمكننا أن نفصل بين صور الأطفال تحت الأنقاض وبين صعود الأسهم في البورصات العالمية. كلاهما جزء من المعادلة نفسها: الدم يتحول إلى رقم، والمأساة تتحول إلى فرصة.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل يمكن للقانون الدولي والوعي الأخلاقي أن يوقف هذه الآلة، أم أن شهوة الربح ستظل أقوى من صرخات الضحايا؟
⸻
المصادر
• تقرير الأمم المتحدة From Occupation Economy to Genocide Economy، المقرّرة الخاصة فرانشيسكا ألبانيزي، يوليو 2025.
• قاعدة بيانات BDS الرسمية.
• قاعدة بيانات AFSC Investigate.
• قرارات محكمة العدل الدولية (يناير 2024).
• تقارير إعلامية: الغارديان، بي بي سي، ذا إنترسبت، الجزيرة، ميدل إيست آي.
• أحكام المحاكم الأوروبية (هولندا، بلجيكا).
• بيانات حكومية (كندا، ألمانيا، بريطانيا، إسبانيا، إيطاليا).
• تصريحات الشركات: غوغل، أمازون، مايكروسوفت، كاتربيلر، شيفرون.
• دراسات أكاديمية حول تجارة السلاح ومعاهدة تجارة الأسلحة.
#أوزجان_يشار (هاشتاغ)
Ozjan_Yeshar#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟