أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - من دفتر اليوميات/ محمود شقير42















المزيد.....

من دفتر اليوميات/ محمود شقير42


محمود شقير

الحوار المتمدن-العدد: 8446 - 2025 / 8 / 26 - 14:51
المحور: الادب والفن
    


الاثنين 18 / 2 / 2002
العم علي يعيش أيامه الأخيرة كما يبدو. عاش قرناً بكامله، ويبدو أنه سيموت قريباً. حينما أزوره في بيته الكبير الذي أصبح فارغاً من حوله، أشعر بالخوف من الشيخوخة. الشيخوخة التي تنتهي إلى حالة من العجز وعدم القدرة على النهوض من السرير. الجسد يشيخ ولا يصبح قادراً على الحركة. والشيخ يصبح محتاجاً إلى أبنائه وذويه، لكن هؤلاء في شغل عنه، يخدمونه ساعة أو ساعتين من نهار، ثم يشعرون بالملل، فيتركونه يصارع آلامه، ويعيش لحظات من الذل، يتسخ جسده ولا يرأف بحاله أحد. آه، كم أتمنى ألا أصل إلى مثل هذه الحالة. كم أتمنى أن أموت وأنا قوي، بحيث لا أزعج أحداً ولا أنزعج من أحد!

الأربعاء 20 / 2 / 2002
مزاجي ليس جيداً هذا المساء. الحالة العامة في البلاد مؤلمة جداً: جرائم الإسرائيليين في ازدياد. وثمة شهداء وجرحى كل يوم. قتل الإسرائيليون ثمانية عشر فلسطينياً في أنحاء متفرقة من الضفة الغربية وقطاع غزة رداً على عملية مسلحة بالقرب من رام الله قتل فيها ستة جنود إسرائيليين.
صحة العم علي تزداد تدهوراً، وهو يزداد تذمراً ممن حوله. زرته بعد ظهر هذا اليوم، وأظن أنه لم ينتبه إلى وجودي بالقرب منه. إنه سارح مع آلامه الجسدية.
حينما أسمع ملاحظات سلبية على ما أكتب، فإنني أحتمل الملاحظات ولا أغضب. ما يزعجني: المجاملة في غير محلها والإطراء الذي لا يعبر عن حقيقة.

الجمعة 8 / 3 / 2002
بلغ عدد الشهداء لهذا اليوم خمسين شهيداً. شارون يرتكب مجازر في طول البلاد وعرضها، و الحصار مضروب على كل المدن. مزاج الناس متعكر وأحوالهم سيئة، ومزاجي أنا متعكر كذلك. أتابع نشرات الأخبار على التلفاز وأشعر بالأسى بسبب الدماء التي تسيل.
تبدو حياتنا في هذه البلاد سلسلة متصلة من المعاناة.

الأحد 10 / 3 / 2002
هذا المساء، كان وسواس الموت قد بلغ مداه لدى الوالد الذي زاد عمره عن تسعين عاماً. منذ مات العم علي في 1 / 3 / 2002 والوالد يتوقع الموت. قال لي: كل أبناء جيلي ماتوا، ولم يبق منهم أحد. إنه يتوقع الموت في كل لحظة. طلبت منه ألا يفكر في هذا الأمر. بقيت عنده حوالي ساعة ثم خرجت.
أفكر في انحطاط الحالة الاجتماعية هنا. الفكر التنويري لم يعد يفعل فعله، والنكوص إلى الخلف حيث الأشكال البدائية من التنظيم الاجتماعي، هو الذي يزحف نحونا على نحو واضح صريح.

الثلاثاء 12 / 3 / 2002
هاتفت الصديق الناقد فيصل دراج. هاتفته في بيته في عمان. أبدى إعجابه بمجموعة قصصي القصيرة جداً التي أرسلتها له، لكتابة مقدمة لها بناء على اقتراح منه. قال فيصل على الهاتف: أمر جيد أنك تستطيع الكتابة في مثل هذه الظروف.
إنها ظروف قاسية بالفعل. فمن جهة يتواصل العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني، ويسقط كل يوم العديد من الشهداء (اليوم أعادوا احتلال رام الله والبيرة). ومن جهة أخرى، يتواصل التخلف في بلادنا. مرة قلت لأحد أبناء عمومتي: إنني أرهق نفسي بالقراءة والكتابة، فلم يرق له الأمر. قال: دعك من الكتابة. ولكي أنقذ الكتابة من هذا الحكم القاسي، قلت له وأنا أقدر رد فعله: إنها مصدر دخل مالي لي. قال: ما دام الأمر كذلك فلا بأس.
وبذلك يصبح التقدير للمال وليس للكتابة.
هذه الأيام، أشعر بالخجل. كل مدن الضفة والقطاع تتعرض للقصف والدمار، ونحن هنا في القدس صامتون لا نفعل شيئاً.
أشعر بالخجل وبالإحباط وبالنقمة على حكام إسرائيل.

الجمعة 15 / 3 / 2002
اليوم عيد ميلادي. أصبح عمري 61 سنة. لا أحتفل بعيد ميلادي كالعادة، ولا أذكر أحداً به ولا يذكرني به أحد، ربما احتراماً لعدم رغبتي في الاحتفال بهذا العيد.
الطقس ربيعي رائق. تذكرت هذا الصباح رام الله التي اجتاحها جنود الاحتلال أسوة ببقية مدن الضفة الغربية والقطاع. لرام الله في قلبي محبة خاصة. لأنني قضيت فيها جزءاً من حياتي، وما زلت مرتبطاً بها حتى الآن بوشائج كثيرة.
هذا الصباح، انسحبت دبابات الأعداء من قلب رام الله والبيرة، ومن بعض المدن والمخيمات، وتمركزت على أطراف المدن تحاصرها وتمنع عنها سبل الحياة. آه! كم ألحق بنا هذا الاحتلال من أذى! وكم ألحق بنا من إهانات! وكم شوّه حياتنا وأحالها إلى حطام.
هذا المساء، ذهبت إلى الوالد، جلست عنده حوالي نصف ساعة. الوالد صامت بشكل عام، قليل الكلام، والوالدة هي التي تعتني به بشكل أساسي. ومنذ أن مات العم علي وهاجس الموت يسيطر عليه.
شاهدت على التلفاز فيلم "جسور مقاطعة ماديسون" الذي تقوم بدور البطولة فيه: ميريل ستريب. إنها ممثلة رائعة وهي في الوقت نفسه امرأة بالغة الرقة والعذوبة والأنوثة والجمال. تقول الكاتبة المصرية نورا أمين في روايتها "قميص وردي فارغ" إن ثمة شبهاً بينها (باعتبارها هي بطلة الرواية) وبين ميريل ستريب. وهذا صحيح إلى حد كبير. قابلت نورا أمين مرة في القاهرة. فأين هي الآن؟ منذ ابتدأت الانتفاضة الثانية انقطعت أخبارها وتوقفت عن مراسلة "دفاتر ثقافية" لأن دفاتر ثقافية توقفت عن الصدور.
الفيلم ممتع ورومانسي وإنساني في الوقت نفسه. وأحداثه تقع في ولاية "أيوا" التي أمضيت فيها ثلاثة أشهر في العام 1998 .
قبل ساعة ونصف ابتدأت رحلتي نحو عامي الثاني والستين.

السبت 23 / 3 / 2002
الوالد يشعر بأنه يقترب من النهاية. يشكو من ضجيج في رأسه، والوالدة الآن في المستشفى. ارتفع ضغطها كثيراً، فأخذتها إلى المستشفى، وهي أحسن حالاً الآن، وزوجة العم عايد، الحاجة تمام، في المستشفى أيضاً، وهي على وشك أن تموت، وابن العم أبو زياد مريض بسرطان البروستاتا، وهو في حالة صحية سيئة.
وأنا موزع على برنامج للواجبات الاجتماعية لا ينتهي، إذ كلما انتهيت من واجب اجتماعي وجدت نفسي على أهبة الاستعداد للقيام بواجب اجتماعي آخر.
ما زلنا بحاجة إلى تحديث عاداتنا اليومية. عاداتنا الراهنة هي نتاج مجتمع بدوي لا يقيم للوقت وزناً. والبيئة الضيقة بمفاهيمها ومواضعاتها تفرض منطقها علي، وتجعل أفقي محدوداً بحدود همومها ومشكلاتها. كم أغبط الذين يحيون في المدن الكبيرة. يعيش المرء في مدينة كبيرة وحده، أو مع أسرته الصغيرة، ويعفي نفسه من كثير من العادات التي تتطلب وقتاً وجهداً ومالاً.
الساعة الآن الواحدة ليلاً. سأقرأ ساعة ونصف الساعة ثم أنام.

الخميس 28 / 3 / 2002
الساعة الآن تقترب من الثالثة صباحاً، وأنا ما زلت أنتظر المؤتمر الصحفي الذي سيتحدث فيه شارون. ثمة حشودات عسكرية إسرائيلية حول رام الله. قام عرفات بخطوة استباقية، فأعلن عن وقف إطلاق النار دون شروط، ولا أدري هل سينفع هذا مع شارون أم لا! ربما قام الأمريكان بالضغط عليه للقبول بذلك. الأمريكان راغبون في تهدئة الوضع لدينا للتفرغ لتوجيه ضربة عسكرية للعراق.
الوالدة في المستشفى من جديد. هذه المرة أخذناها إلى المستشفى بعد ثلاثة أيام من خروجها من هناك، وهي مصابة بجلطة في القلب. أرملة العم عايد، الحاجة تمام، ماتت، وأنا مشغول الآن في بيت العزاء المخصص لها. الوالد يعيش حالة متردية. مزاجه منقبض وصحته تتراجع. اتفقت معه على أن آخذه إلى مستشفى المقاصد لإجراء فحوصات له صباح الجمعة، أي بعد عشر ساعات من هذه اللحظة.
منذ أيام لا أقرأ شيئاً. الطقس في الخارج بارد، وثمة مطر غزير بين الحين والآخر، وأنا مازلت أنتظر المؤتمر الصحفي لشارون.

الأحد 31 / 3 / 2002
رام الله تخضع لاحتلال كامل، والرئيس ياسر عرفات محاصر في مقره. شعبية عرفات تتصاعد، لأنه شجاع ويجيد التصرف في الأزمات. ثمة مظاهرات في الوطن العربي وفي العالم احتجاجاً على جرائم شارون.
كنت على وشك أن أغادر البيت لزيارة الوالدة في المستشفى، لكنني علمت أن الحواجز الإسرائيلية متنشرة بكثرة حول القدس، هم يعيدون الناس من حيث أتوا ولا يسمحون لهم بدخول المدينة. بقيت في البيت، ورحت أتابع أخبار الوضع في رام الله وغيرها.
مساء أمس، ذهبت مع الأسرة لحضور حفل زفاف ابن أختي عبد الله. إنه حفل صامت حيث لا غناء ولا فرح بسبب الأوضاع المأساوية في البلاد. عند الجسر، بالقرب من حي الصلعة، كان هنالك حاجز إسرائيلي. طلب الجنود من كل رجل أن يرفع ملابسه عن بطنه وصدره وظهره، للتأكد من عدم وجود أحزمة ناسفة. قلت للجندي: أنا رجل كبير في السن، فلم يأبه بملاحظتي، فاضطررت إلى الكشف عن بطني، وأنا مستاء من هذه الإهانة.
وحينما تحرك موكب العرس نحو القاعة في بلدة العيزرية، كان علينا أن نصطدم بحواجز عديدة للإسرائيليين. قمت بدورة التفافية واسعة، ثم وجدت حاجز رأس العامود وقد اكتظّ بالسيارات التي تنتظر المرور، فلم أواصل الانتظار، وعدت إلى البيت دون أن أحضر العرس.
هذا اليوم، لم يكن لدي مزاج للقراءة بسبب الأوضاع الراهنة.
يتبع...43



#محمود_شقير (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير41
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير40
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير39
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير38
- من دفتر اليوميات/محمود شقير37
- من دفتر اليوميات/محمود شقير36
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير35
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير34
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير33
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير32
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير31
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير30
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير29
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير28
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير27
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير26
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير25
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير24
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير23
- من دفتر اليوميات/ محمود شقير22


المزيد.....




- كريستيان سنوك هورغرونيه.. المستشرق الذي دخل مكة متخفيا تحت ا ...
- الموت يغيب الفنانة العراقية سليمة خضير
- ألفريد هوبير مع القرآن.. رحلة مستشرق ألماني بين الأكاديميا و ...
- بعد رفضه سفير الاحتلال الجديد.. -إسرائيل- تخفض التمثيل الدبل ...
- بعد رفضه سفير الاحتلال الجديد.. -إسرائيل- تخفض التمثيل الدبل ...
- صفحة قائد الثورة باللغة العبرية: الكيان الصهيوني هو الكيان ا ...
- أول ظهور للفنانة أنغام بعد رحلة العلاج
- في احتفال بقاعة صاحب حداد الإعلان عن نتائج منافسة الأفلام ال ...
- صناع أفلام عالميين-أوقفوا الساعات، أطفئوا النجوم-
- محمد رمضان في بيروت وهيفاء وهبي تشعل أجواء الحفل بالرقص والغ ...


المزيد.....

- حوار السيد حافظ مع الذكاء الاصطناعي. الجزء الأول / السيد حافظ
- يوميات رجل غير مهزوم. عما يشبه الشعر / السيد حافظ
- نقوش على الجدار الحزين / مأمون أحمد مصطفى زيدان
- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - محمود شقير - من دفتر اليوميات/ محمود شقير42