|
من دفتر اليوميات/ محمود شقير40
محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 8405 - 2025 / 7 / 16 - 14:52
المحور:
الادب والفن
السبت 2 / 6 / 2001 الوضع في البلاد متوتر جداً بعد العملية الاستشهادية التي وقعت في ملهى ليلي بمدينة تل أبيب، وذهب ضحيتها 18 شخصاً أغلبهم من الفتيات المراهقات الذاهبات إلى الرقص. ستقوم إسرائيل بعمليات عسكرية قاسية ضد الفلسطينيين. مثل هذه العمليات تسيء لنا وتعطي الإسرائيليين مبرراً لضربنا. ثمة من يقول إننا شعب أعزل، ولا بد لنا من إيذاء العدو الذي يرتكب ضدنا أبشع الجرائم. أنا غير مقتنع بهذا الكلام. ضرب المدنيين أمر غير صحيح. وهو يسهم في توحيد الإسرائيليين وفي تسعير نار التطرف والرغبة في الحرب لديهم. هذه الأيام، تجتاحني رغبة في العزلة. صرت ميالاً للعزلة وعدم الاحتكاك بالناس. أمضيت إجازتي الأخيرة (12 يوماً) في البيت تقريباً. لم أغادر البيت سوى ثلاث أو أربع مرات. أقرأ وأكتب دون أن أرهق نفسي، وأشعر باستمتاع وأنا أمارس عزلتي. يؤرقني أمر الكتابة. بدأت كتابة نص عن مدينة رام الله. أحاول التجديد في أسلوب كتابتي. أحاول الابتعاد عن الرصد الفوتوغرافي، والسرد الذي يعتمد الوصف. أحاول الدخول أكثر إلى أعماق نفسي، أحاول بلورة أفكار وتأملات في كتاباتي. هذه الليلة سأنتهي من كتاب تودوروف. إنه كتاب مهم. السبت 16 / 6 / 2001 بعد انقطاع دام أكثر من خمسة وعشرين يوماً عن رام الله، عدت إليها اليوم. عدت إلى الدوام، وقد وضعت سيارتي في القدس، وركبت سيارات الفورد في الذهاب والإياب. كان الحاجز الإسرائيلي في قلندية مثيراً للكراهية: بضعة جنود يتحكمون في رقاب البشر، وأسراب من الناس: طالبات وطلاب، نساء ورجال، يدبون على الأرصفة، بحثاً عن وسيلة نقل تأخذهم إلى رام الله، أو تعيدهم إلى القدس. والسيارات تتكدس عند الحاجز في ازدحام عجيب، ولا يسمح الإسرائيليون لها بالتحرك إلا بصعوبة! فلماذا كل هذا التعذيب والاضطهاد؟ الركوب في الفوردات مفيد من بعض النواحي، إذ تتاح لي فرصة للتأمل في الناس عن قرب. اليوم، أوحت لي امرأة شابة، يبدو أنها على علاقة مع سائق الفورد بقصة قصيرة، سأكتبها غداً. اعتقدت للوهلة الأولى أنها زوجته، لكن مجرى الحديث بينهما، وحركاتهما الحذرة، أكدت لي أنهما عشيقان. سأقرأ الآن في رواية "البحث عن الزمن الضائع" لمارسيل بروست التي قرأت الجزء الأول منها قبل أكثر من عشرين عاماً. يعجبني هذا الاسترسال في الوصف في روايته.
الجمعة 29 / 6 / 2001 لم أفعل شيئاً يذكر هذا اليوم. تأرقت طوال الليلة الفائتة بسبب عسر هضم، ولم أنم سوى في السابعة صباحاً. نمت حتى التاسعة والربع. قبيل الظهر، أجريت بعض التعديلات على رسوماتي المعلقة على الحائط. ما زلت مبتدئاً في الرسم، وقدرتي على استخدام الألوان ما زالت محدودة. دربت الحفيد محمد على المشي، فهو ما زال يحبو مثل ضفدع، يتقافز هنا وهناك، وإحدى ساقيه تكون مثنية تحته. قمت بجولتي المعهودة معه: أحمله بين يدي وأعرفه على الصور المعلقة على الحائط، وأتلفظ بأسمائها على سمعه. يحاول أن يقول شيئاً، لكنه حتى الآن ما زال غير قادر على النطق، اللهم إلا بعض مفردات قليلة. وقد اعتاد كلما رآني أن يمد يده مشيراً بإصبعه إلى الصور، تأكيداً على رسوخ الجولة المعتادة في ذاكرته. إنه طفل ذكي يبلغ من العمر 13 شهراً. جاء حسام وباسمة ومعهما شروق وشريف. أحضر حسام لحوماً وسمكاً احتفاء بحصوله على الهوية التي تسمح له بالإقامة في القدس. أكلنا لحوماً مشوية، ثم نمت. في الليل، قرأت قصة للياباني ياسوناري كواباتا، قصة قصيرة هي الأخيرة في كتابه "قصص بحجم الكف". القصص لم تشدني كثيراً، ربما بسبب خلل في الترجمة! أو لا أدري ماذا! ما زلت أستمتع بممارسة العزلة. أمس واليوم لم أغادر البيت. كتبت قصة قصيرة جداً في الصباح الباكر من هذا اليوم. لست معجباً بها. إنها بحاجة إلى مزيد من المعالجة الفنية. يوم أمس، واصلت قراءة "البحث عن الزمن الضائع" لمارسيل بروست. أدهشتني قدرة بروست على التغلغل في أعماق بطله "سوان" ورصد تفاصيل انفعالاته وشكوكه إزاء عشيقته "أوديت"، وكذلك قدرته على ضبط إيقاع الرواية، والإفراج عن التفاصيل التي تغنيها في الوقت المناسب.
الاثنين 2 / 7 / 2001 مزاجي ليس مستقراً هذا المساء. أبدو مشتت الذهن، ولا أغبط إلا الكتاب والفنانين الذين لم يقيدوا أنفسهم ببقعة جغرافية محددة، بل إنهم عاشوا في بلدان عدة، واعتبروا العالم كله وطناً لهم. الأمر بالنسبة لي مختلف. ذلك أن بلادي تعيش وضعاً استثنائياً يحتم علي البقاء فيها، وتحمل قسط من المعاناة التي يتحملها الناس. قرأت هذا اليوم في الجزء الثاني من رواية مارسيل بروست، ثم شعرت بالأسى لأنني غير قادر على كتابة قصة قصيرة جداً لا تزيد عن ستة أسطر، فيما بروست يكتب مئات الصفحات! شاهدت للمرة الثانية فيلم "الآخر" ليوسف شاهين. الفيلم جيد، وهو يدين التطرف والإرهاب، لكن مواقف غير قليلة فيه تبدو مركبة تركيباً اصطناعياً لخدمة هدف الفيلم وفكرته، وتبدو بعض الشخصيات كأنها نعبيرات ذهنية لا أكثر ولا أقل. ومع ذلك، فالفيلم حافل بالمواقف الدرامية الساخنة. سحبت من على الكمبيوتر نسخةمن مسرحية "عنبر رقم 6 " ا لتي أعددتها للمسرح عن قصة تشيخوف ا لطويلة المعونة بالعنوان المذكور أعلاه، وسوف أرسلها غداً إلى المخرج مازن غطاس الذي كان سبب إعداد هذه المسرحية، ثم غادر المسرح الوطني في القدس، دون أن يلتزم تجاهي بأي شيء. هاتفته قبل شهرين وأخبرته بأن النص ما زال حبيس الأدراج، واتفقنا على أن أرسله له.
الجمعة 13 / 7 / 2001 تعذبني الكتابة، لأنني أظل متشككاً في ما أكتب. هذه الأيام، أنا متشكك في القيمة الفنية لكتب الفتيات والفتيان الثلاثة التي أنجزتها مؤخراً وهي: تجربة قاسية، الولد الذي يكسر الزجاج، وطيور على النافذة. انتهيت من قراءة ثلاثة أجزاء من رواية مارسيل بروست، وهي المتوفرة لدي. بقيت ثلاثة أجزاء أخرى سأحاول قراءتها، لكنها ليست موجودة لدي. لدى بروست قدرة مدهشة على السرد وعلى استبطان نفسيات أبطاله. استمتعت بتتبعه لحالات البنات في الجزء المعنون "في ظلال ربيع الفتيات". أما الجزء الثالت "جانب غيرمانت" وهو المخصص في أغلبه لوصف حفلة عشاء في بيت السيدة غير مانت، فلم يشدني كثيراً، لكثرة ما فيه من استطرادات وحوارات، لكنه مع ذلك لا يخلو من متعة، وبخاصة حينما يهتم الكاتب بالتدقيق في سلوك الناس من خلال حواراتهم وتعبيراتهم اللغوية. انتهت علاقتي بسيناريو "القدس في يوم آخر". المخرج هاني أبو أسعد قال إن ما كتبته أنا وليانة بدر أقرب إلى الكتابة التلفزيونية منه إلى الكتابة السينمائية. ربما كان هذا الكلام صحيحاً، لأن هذه هي المرة الأولى التي أكتب فيها سيناريو فيلم، في حين أنني كتبت ستة سيناريوهات للتلفزيون. المزاج عادي. أحاول دائماً ضبط أعصابي والابتعاد ما أمكن عن المنغصات. أمارس بعض التمرينات الرياضية للتخفيف من آلام في الظهر، بسبب انزلاق غضروفي أصابني قبل سنوات.
السبت 14 / 7 / 2001 أحياناً تخطر ببالي أفكار ذات جدوى، لكنني لا أقوم بتدوينها، فتذهب إلى نسيان مؤكد. أحياناً أنظر ببهجة إلى السنوات العشر القادمة. ستصدر لي بالتأكيد ثلاثة كتب أخرى أو أربعة. سأغادر الوظيفة نهائياً، وسأكون حراً من أي ارتباط وظيفي إلى أن يحضرني الموت. سأعيش بضع سنوات متفرغاً للقراءة والكتابة. سيكبر أحفادي وسيكونون عوناً لي. ستشهد القضية الفلسطينية حلاً، وسيتاح لهذا الشعب وقت للراحة والاسترخاء. سيكون هنالك عدل من نوع ما، وسيكون للعقل تأثير أكبر على الناس، ولربما استطعت أن أشهد انحسار التخلف والعشائرية، ولو في حدود دنيا، من فوق مساحة هذا الوطن المعذب. أحياناً أخرى أنظر بشيء من القلق إلى السنوات العشر القادمة. قد يمعن حكام إسرائيل في تبديد قوانا، وفي تدمير وجودنا فوق أرض وطننا. قد يموت أبي، وقد تموت أمي، وقد أموت أنا. قد يموت أحد أبنائي فيحلّ بي حزن عظيم. قد أصاب بالشلل، فتصبح حياتي جحيماً. قد يموت بعض أصدقائي الطيبين فيصيبني غم وكرب جراء فقدهم. هذا المساء، بدأت بقراءة رواية "لا أحد ينام في الاسكندرية" لابراهيم عبد المجيد، وقد شدتني الرواية منذ صفحاتها الأولى، وسوف أقرأ فيها بعض الوقت قبل أن أنام. يتبع...
#محمود_شقير (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير39
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير38
-
من دفتر اليوميات/محمود شقير37
-
من دفتر اليوميات/محمود شقير36
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير35
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير34
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير33
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير32
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير31
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير30
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير29
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير28
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير27
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير26
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير25
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير24
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير23
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير22
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير21
-
من دفتر اليوميات/ محمود شقير20
المزيد.....
-
الاكشن بوضوح .. فيلم روكي الغلابة بقصة جديدة لدنيا سمير غانم
...
-
رحلة عبر التشظي والخراب.. هزاع البراري يروي مأساة الشرق الأو
...
-
قبل أيام من انطلاقه.. حريق هائل يدمر المسرح الرئيسي لمهرجان
...
-
معرض -حنين مطبوع- في الدوحة: 99 فنانا يستشعرون الذاكرة والهو
...
-
الناقد ليث الرواجفة: كيف تعيد -شعرية النسق الدميم- تشكيل الج
...
-
تقنيات المستقبل تغزو صناعات السيارات والسينما واللياقة البدن
...
-
اتحاد الأدباء ووزارة الثقافة يحتفيان بالشاعر والمترجم الكبير
...
-
كيف كانت رائحة روما القديمة؟ رحلة عبر تاريخ الحواس
-
منع إيما واتسون نجمة سلسلة أفلام -هاري بوتر- من القيادة لـ6
...
-
بعد اعتزالها الغناء وارتدائها الحجاب…مدحت العدل يثير جدلا بت
...
المزيد.....
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
-
دفاتر خضراء
/ بشير الحامدي
المزيد.....
|