محمود شقير
الحوار المتمدن-العدد: 8293 - 2025 / 3 / 26 - 16:48
المحور:
الادب والفن
الأحد 11 . 4 . 1999
قبل قليل، أعطيت الحفيد محمود درساً في الكتابة، علمته كيف يكتب الرقم ثلاثة. استمر الدرس حوالي عشرين دقيقة. حاول محمود أن يكتب، لكنه سرعان ما أصيب بالملل، أنهيت الدرس، ووعدته بأن أعطيه درساً آخر مساء غد. إنه يتقدم ببطء شديد، وليست لديه رغبة في التعلم، كما يبدو.
يوم أمس اجتمعنا الوزير ياسر عبد ربه، محمود درويش، وأنا، في مكتب محمود في مركز خليل السكاكيني، لتشكيل لجنة جوائز فلسطين في الآداب والفنون والعلوم. اخترنا خمسة عشر شخصاً، وسوف أقوم بالاتصال بهم قريباً لأخذ موافقتهم على عضوية اللجنة.
كان محمود مرتاحاً للاحتفال الذي نظمته الوزارة بمناسبة صدور ديوان "سرير الغريبة"، ثم تشعب الحديث. تحدث محمود بشكل إيجابي عن مقالة د. فيصل دراج عن كتابي "ظل آخر للمدينة" التي نشرت في الكرمل، وسألني ماذا أكتب هذه الأيام، أخبرته أنني أكتب قصصاً قصيرة، وحينما اقترحت عليه أن أنشرها في الكرمل، رحب على الفور.
وحينما هاتفت فيصل دراج ظهيرة هذا اليوم كي أشكره على المقالة، أخبرني أن محمود هو الذي اقترح عليه أن يكتب عن مجموعة الكتب التي صدرت مؤخراً حول "ذاكرة المكان ، مكان الذاكرة"، لكن فيصل لم يختر سوى كتابي وكتاب حنا أبو حنا "ظل الغيمة" ليكتب عنهما.
لم يبق لي حتى أبلغ الستين عاماً من العمر سوى عامين. لذلك، سأبذل جهداً متصلاً طوال العامين القادمين، في ميدان الكتابة، وسأحاول تكييف دوامي في الوظيفة كي ينسجم مع هذا الأمر، وسأتحدث من جديد مع الوزير حول ذلك، سأقترح عليه أن يوافق على أن أرتاح من الدوام الوظيفي بمعدل يومين في الأسبوع، أتفرغ أثناءهما للكتابة.
الطقس هذا المساء دافئ. المزاج عادي. بعد قليل سأحاول كتابة قصة قصيرة.
الأربعاء 14 . 4 . 1999
هذا اليوم، وأنا أقرأ الصحف في مكتبي، كانت عيناي تدمعان، وشعرت بصداع في رأسي. ذهبت إلى مكتب وكيل الوزارة، يحيى يخلف، لحضور اجتماع اتفقنا عليه يوم أمس، وكان الشاعر علي الخليلي هناك.
غادرت الوزارة مبكراً، بسبب دعوة أختي فاطمة وزوجها لتناول طعام الغداء في بيتي. جاء الوالد والوالدة والأخت آمنة والأخت نعيمة، وقد نسيت أن أدعو أخي محمد. فطنت لذلك في الساعة الثانية والنصف، وأنا عائد إلى البيت، لكن الوقت كان متأخراً بالنسبة له، لأنه سيكون خارجاً من بيته إلى العيادة ، بعد تناوله طعام الغداء .
اليوم، اغتنمت الحفيدة، ملاك، التي تبلغ من العمر ثلاث سنوات، الفرصة حينما لم تجد أحداً يردها عن جهاز الكمبيوتر، وراحت تعبث به على نحو كاد يسقطه على الأرض، ما كان سيؤدي إلى تلف المادة التي أخزنها على القرص المدمج، ومنها بالطبع هذه اليوميات.
يوم أمس قرأت ملحمة الأوذيسة لهوميروس للمرة الثانية. كانت القراءة الأولى أواسط السبعينيات. استمتعت بها هذه المرة على نحو أفضل، وبخاصة بعد قراءتي لرواية جيمس جويس "عوليس" التي تتخذ من الملحمة المذكورة خلفية رمزية لها.
أنا مرهق هذا المساء، وذهني مشتت، وأشعر أن أعصابي مرهقة كذلك، ربما بسبب النكد الذي تسببه لي عيناي أثناء القراءة. الطقس دافئ في الخارج.
الجمعة 16 . 4 . 1999
بقيت طوال هذا اليوم في البيت، قرأت حوالي ساعتين، حيث أنهيت المجلد الأول من قصص تشيخوف (أعود لقراءة تشيخوف مرة بعد مرة). كنت أرتاح أثناء القراءة، وكنت أقرأ دون جلد كبير، وقد لاحظت أن هذا الأمر يساعد عيني، حيث لم أشعر بالدمع فيهما.
يوم أمس، ذهبت إلى موعد على الغداء، اتفقت عليه مع آن كاسبرز مسؤولة القسم الثقافي في القنصلية الأمريكية، ومعها السكرتيرة في القنصلية سوزان قريوتي. التقينا في مطعم أزكى دنيا، أصرت آن على دفع الحساب، لكنها وعدتني أن نلتقي على الغداء مرة أخرى، وأن أقوم أنا بالدفع، وذلك استجابة لدعوة سابقة كنت دعوتها فيها على الغداء، لكنها اعتذرت بعد ساعات من موافقتها على الدعوة، بسبب انشغالها في بيت لحم كما قالت، لكنني قدرت فيما بعد أن سبب الاعتذار هو بدء الغارات الأمريكية البريطانية على العراق، وهي لا تريد أن تكون محرجة أمامي بسبب هذه الغارات.
حدثت آن عن رحلتي إلى أمريكا. بعد الغداء ذهبنا إلى مركز الواسطي الذي يقع قرب المطعم، تفرجنا على معرض للرسومات، ثم عدت إلى البيت.
الاثنين 19 . 4 . 1999
أشعر بالقرف والاستياء . أعصابي مستثارة ولا أطيق أي ازعاج ، ما زال ضغطي مرتفعاً وحالتي الصحية ليست على ما يرام . أحاول تغيير عاداتي كلها : تناول طعام دون ملح ، الاكثار من تناول الفواكه والخضروات ، تقليل ساعات القراءة ، تقليل ساعات العمل على الكمبيوتر . أشعر باحباط ، وأشعر أن ما أصبو الى تحقيقه من كتابات جديدة لن يتحقق .
ربما كنت متشائماً بسبب هذا التغير المفاجئ في برامجي ، وربما كانت أعصابي مستثارة بسبب الاضطرار الى التعود على نظام حياة جديد لم أتأقلم معه حتى الآن ، لأنه لم يبدأ سوى قبل أيام .
لست خائفاً من الموت ، لكن أكثر شيء يخيفني جلطة في المخ تقعدني ولا تقتلني ، فأعيش عالة على من حولي ، أسبب لهم الضيق والنكد . حينما أتذكر وضع الرفيق بشير البرغوثي ، المصاب بشلل كامل ، أشعر بالتعاطف الشديد معه ، وأخشى من ضربة مشابهة لما جرى معه .
الساعة الآن تقترب من الحادية عشرة ليلاً. سأخرج للتمشي أمام البيت بعض الوقت .
الثلاثاء 20 . 4 . 1999
لم أذهب الى الوظيفة هذا اليوم. ما زلت مستاء من ارتفاع ضغط الدم لدي. قرأت حوالي ساعتين في رواية "حرب نهاية العالم" لماريو فارغاس يوسا، وقرأت عدة مقالات في الصحف المحلية التي كانت مكدسة عندي تنتظر القراءة. القطرة الجديدة التي أحضرتها يوم أمس لم تنفع، لكنني صرت أميل إلى عدم الاكتراث لحالة عيني، وليكن ما يكون.
الساعة الآن هي الحادية عشرة ليلاً. الطقس في الخارج معتدل، ولكنه يميل إلى شيء من البرودة. الاسرائيليون يحتفلون هذا المساء بذكرى قيام دولتهم على أشلائنا. قبل قليل، كنت أتمشى على سطح بيتنا، وذلك استجابة لنصائح الأصدقاء حول أهمية المشي بالنسبة للمصابين بارتفاع ضغط الدم.
هاتفني أبو باسل، زوج أختي من هيوستن، سألني عن أحوالي الصحية، وسألته بدوري عن زيارته للولايات المتحدة الأمريكية. ثم تبادلنا الحديث في الشؤون العامة .
المزاج عادي. بعد قليل سأرى إن كان ثمة رسائل لي على الإيميل.
الخميس 22 . 4 . 1999
قد يبدو هذا التسجيل الاخباري لمادة هذه اليوميات غير مستحب ، ربما كان من الأفضل لو أنني أسجل انفعالاتي وتأملاتي حول هذه الحياة المتعبة التي نحياها ونحن على مشارف قرن جديد . أحياناً أستمع الى بعض مقاطع من يوميات خليل السكاكيني ، من كتابه " كذا أنا يا دنيا " ، التي يبثها " صوت فلسطين " ، فلا أشعر بانشداد اليها ، لكثرة ما فيها من مادة خبرية .
يتبع...27
#محمود_شقير (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟