أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض سعد - بين دقة الاغتيال ووحشية الإبادة.. لماذا تختار القوى الكبرى العقاب الجماعي؟















المزيد.....

بين دقة الاغتيال ووحشية الإبادة.. لماذا تختار القوى الكبرى العقاب الجماعي؟


رياض سعد

الحوار المتمدن-العدد: 8444 - 2025 / 8 / 24 - 15:42
المحور: مواضيع وابحاث سياسية
    


# مقدمة : خلط الأوراق بين اغتيال الأشخاص وإبادة الشعوب: لعبة الاستكبار المتجددة

إنّ الفرق بين استهداف شخصية سياسية بعينها وبين إبادة شعب كامل، واضح وضوح الشمس في رائعة النهار… ؛ فاغتيال الأشخاص يمكن أن يُحدث خللاً مؤقتاً في موازين القوى، أما إبادة الشعوب وتدمير المجتمعات فهي جريمة كبرى، تستهدف الذاكرة والوجود والهوية معاً… ؛ ومع ذلك، تصرّ قوى الاستعمار والاستكبار العالمي على خلط الأوراق وقلب الحقائق , وتشويه الوقائع , وتحوير الاحداث ، لتظهر الباطل في صورة الحق، وتجعل من الضحية جلاداً، ومن الجلاد ضحية!

نعم إنّ الفرق بين اغتيال شخصية سياسية وإبادة شعب بأسره، كالفرق بين جرح عابر وطعنة في القلب؛ فالأول يصيب رأساً أو جسماً فيفقد تأثيره بعد حين، أما الثاني فيستهدف الوجود كله، الهوية والذاكرة والمصير… ؛ فاغتيال الفرد ــ مهما بلغت أهميته ــ يختلف جذريًا عن معاقبة أمة بأكملها… , وبين استهداف الساسة وزعزعة العملية السياسية برمَّتها , و يظل الفرق شاسعًا بين استهداف الأفراد (اغتيال الشخصيات) وإبادة الجماعات والأقوام والمكونات ؛ ومع ذلك، تصر قوى الاستعمار والاستكبار على طمس هذه الحقيقة البديهية … ؛ مدفوعةً بأجندات الظلام والشر .

# ديمومة الأكاذيب: كيف تصنع القوى العظمى الأزمات ثم تتدعي حلها؟!

وها هي شعوب المنطقة، المسالمة البريئة ، التي سئمت من حكم العملاء واستغلال الخيرات، واعتداءات القوى الكبرى المتكررة، تعيش كحال من أُلقي في البئر وقيل له: “إياك أن تبتل بالماء!”… ؛ فقد صبرت صبرا يكاد تعجز عنه الجبال الرواسي ، وجرحها يتسع كل يوم… ؛ فقد اعتادت هذه القوى أن تصنع الأزمات بيدها، ثم تدّعي أنها تحمل الحلول ؛ حتى غدت شعوب المنطقة تعيش بين مطرقة الإرهاب والدكتاتوريات والازمات المفتعلة الداخلية وسندان التدخلات الأجنبية والضغوط الخارجية ؛ ولعل الشواهد الدامغة على هذه السياسة المزدوجة لا تُعد ولا تُحصى….!!

*أفغانستان: من صنع الوحش إلى التخلي عنه

ولعل التجربة الأفغانية أوضح مثال على تلك السياسية الاستكبارية الغاشمة : فطالبان لم تولد من فراغ، بل صُنعت ودُعمت أمريكياً بذريعة مقاومة السوفييت … .

لقد صنع الامريكان “طالبان” بأنفسهم، بحجة مواجهة الاتحاد السوفيتي وتحرير أفغانستان من الروس تحت راية الجهاد… ؛ وبعد رحيل السوفيت – الروس – ، وقع الأفغان في براثن ما هو أقسى من الاحتلال السابق، إذ فاقت جرائم طالبان والحركات الاسلامية المتطرفة المرتبطة بها وغيرها ؛ جرائم الروس أضعافًا مضاعفة… ؛ وكالعادة، فإن قوى الاستعمار والاستكبار – لاسيما امريكا – نفسها التي صنعت المشكلة وهي من تزعم حلها… ؛ فقد جيَّشت أمريكا جيوشها وأمطرت أفغانستان بآلاف الأطنان من الأسلحة المحرمة والفتاكة، ساقطةً على رؤوس المدنيين الأبرياء العُزَّل والتي خلفت وراءها عشرات الآلاف من الضحايا الأبرياء، وكل ذلك بحجة القضاء على الحركة – طالبان – ؛ فكل هذه الالام والدماء والدموع والازمات والنكبات كانت ولا زالت بسبب حركة “طالبان” تلك الصنيعة الأمريكية ذاتها … !

وحينما انهارت طالبان وجاءت حكومة “مدنية” برعاية أمريكية، ظنّ الأفغان أن ساعة الاستقرار قد حانت، لكنهم سرعان ما اكتشفوا أن الأمر لا يعدو كونه حلقة أخرى من مسرحية الاستعمار الطويلة… ؛ اذ استمرت المناوشات العسكرية بين الحكومة الافغانية والحركات الاسلامية وبالتحديد حركة طالبان ؛ فضلا عن مئات العمليات الارهابية والاجرامية التي طالت الحكومة والشعب … الخ .

وبعد إرهاق هذه الظروف الصعبة , وتكيف الافغان مع الحكومة المدنية , واستقرار الناس النسبي … ؛ انسحبت واشنطن فجأةً، وسلمت الحكم لطالبان في صفقةٍ سرية غادرة ومريبة ، تاركة الشعب في ذهول و حيرةٍ تقطِّر مرارة , فقد ترك الشعب الأفغاني لمواجهة مصيره المظلم والمجهول … ؛ لقد تجسدت الغدرة الأمريكية في مشاهد المطار المروعة، حيث تعلق مواطنون يائسون بطائرات الإجلاء، فقط ليقذف بهم المصير المحتوم من علو شاهق أمام عيون العالم، بينما من بقي في الداخل يواجه سكاكين طالبان وعذابها اليومي … ؛ نعم أعادت الولايات المتحدة طالبان إلى الحكم عبر صفقة ليلية، تاركة الأفغان بين ذبحٍ ونحرٍ وخوف وتيهٍ لا ينتهي، في مسرحية عبثية تُعرض فصولها جيلاً بعد جيل… ؛ وما زالت أفغانستان تعاني تحت حكم طالبان، في انتظار حلقةٍ تالية من المسرحية ذاتها: إخراج طالبان مؤقتًا وإحلال بديلٍ “مدني” هشٍّ لبرهة، ثم العودة إلى المربع الأول، في حلقةٍ مفرغة من المعاناة…!!

* العراق: من دعم الطاغية إلى عقاب الشعب

ولم تكن أفغانستان سوى نموذج مكرر لمأساة العراق وغيره ؛ اذ لم يكن العراق بعيداً عن هذا المخطط الجهنمي ؛ نعم : لم يكن العراق بمنأى عن هذه اللعبة القذرة … ؛ فالبعث جاء إلى السلطة على قطار أمريكي، وحكم العراق بالنار والحديد تحت حماية الغرب…؛ وخاض النظام حروباً بالوكالة، أُزهقت فيها أرواح الملايين، ثم ارتكب أبشع المجازر بحق الأغلبية والامة العراقية، فيما كانت أدوات التعذيب الأميركية الصنع شاهداً على التواطؤ الغربي … ؛ وحين ثار العراقيون في 1991 ضد نظام صدام بعد حرب الكويت، باركت واشنطن الانتفاضة، لكنها في اللحظة الحاسمة سلّمت الثوار إلى مقصلة الديكتاتور… ؛ مئات الآلاف ذُبحوا ودفنوا في المقابر الجماعية، بينما وقف الغرب متفرجاً باسم المصالح العليا وعدم التدخل في الشؤون الداخلية ؛ نعم : مدنٌ قصفت بالصواريخ والطائرات، مقابر جماعية امتلأت بجثث الأبرياء، سجون ومعتقلات ممتلئة بالأبرياء والثوار والاحرار، وحروب عبثية خاضها النظام نيابة عن أسياده ؛ حتى حرب الخليج الثانية واسترجاع الكويت ؛ انما تمت بإذنٍ أمريكي ضمني أو بتشجيع منها … ؛ كل هذا المجازر ارتكبها النظام الصدامي فيما “حماة حقوق الإنسان” صامتون كأن الأمر لا يعنيهم …!! .

وكعادتها في “تصحيح الأخطاء” بأخطاء أفظع منها ، فرضت حصارًا اقتصاديًّا وحشيًّا ذاق خلاله الشعب مرارة الجوع والمرض والعوز والقحط ، بينما عاش النظام في ترفٍ وبذخ … ؛ والمفارقة الأكثر إيلامًا أن أمريكا، المخترِقة للنظام من أعلاه إلى أسفله (حتى كبار مسؤوليه)، امتنعت عن اغتيال صدام رغم قدرتها عليه، لتختار بدلًا من ذلك معاقبة الشعب… ؛ وقد حول الحصار – الذي كان أقسى من الحروب نفسها – العراقيين الى أمة جائعة محرومة بائسة فيما كان النظام وازلامه نفسه محصّناً، ينعم بالرفاه والخيرات والملذات … ؛ نعم عانى العراقيون من : موت بطيء، مجاعة، نقص دواء وغذاء، مليون ونصف طفل قضوا جوعاً ومرضاً، بينما كان صدام وزبانيته يرفلون في نعيم… ؛ ولو أرادت أميركا إزاحته حينها لتمكنت من ذلك بسهولة ولجنبت العراق ويلات الحصار… ، لكن الهدف لم يكن رأس صدام بل إذلال العراق وشعبه… ؛ وبعد أن “لصق الجلد بالعظم”، وهيئت امريكا البديل العراقي – المعارضة العراقية في الخارج – … ؛ عندها قررت أمريكا الإطاحة بعميلها صدام ،وقد فعلت ذلك في لمح البصر من دون عناء أو دماء، ليُثبت أن “المسرحية” كانت مكتوبة مسبقاً، وأن ثمنها الحقيقي دفعه الشعب لا النظام… ؛ بلى اسقطته واشنطن في لحظة، من دون مقاومة، لتكشف أن اللعبة كانت مُعدة منذ البداية … ؛ ولعل تصريح ممثل العراق الدوري في الامم المتحدة بعد سقوط صدام : (( الان انتهت اللعبة )) يوضح خيوط المؤامرة .

وما إن انتهى فصل “الديكتاتورية “؛ و بدأ فصل “الديمقراطية الامريكية “… ؛ واستبشر العراقيون خيرا , حتى اطلقت امريكا فصول مسرحية “الفوضى الخلاقة” فسرعان ما كشفوا عن وجههم الحقيقي – أي الفوضى المدمرة – و التي فتحت الحدود أمام إرهابيي 83 جنسية، وعرَّضت الاغلبية والامة العراقية لأبشع أنواع القتل والنهب والسلب والخطف والترويع والاجرام والتهجير ، تحت سمع الأمريكان وبصرهم ؛ بل وبمساعدتهم المباشرة أو الضمنية لبعض هذه العناصر والجماعات والحركات الارهابية عندما تخدم مصالحهم العليا … ؛ اذ فُتحت حدود العراق لكل عصابات الإرهاب والاجرام والتكفير؛ وتحوّل البلد إلى ساحة مستباحة للمخابرات الأجنبية والإقليمية والتي كانت تعبث بلا رقيب … ؛ فتمزق الوطن , وتم تفكيك مؤسسات الدولة , و انهار الأمن، واستنزفت الثروات , وسالت الدماء، وقطعت الرقاب , وتحولت المدن إلى ساحات للمجازر والنهب والخطف والقتل على الهوية ، وبعد الانسحاب الامريكي عام 2011 ؛ اعطت امريكا الضوء الاخضر للعصابات والمجاميع الارهابية والطائفية وفتحت الحدود وحولتها إلى ممرات مفتوحة لعشرات الجماعات الإرهابية القادمة من أكثر من 80 دولة، بغطاء أمريكي مباشر أو غير مباشر , وبالتعاون مع الانظمة الاقليمية ؛ مما ادى الى سقوط المحافظات والمناطق التي تقطنها اغلبية سنية ؛ حتى وصلت جحافل الارهاب الى حدود بغداد … ؛ وكالعادة تنصل الامريكان من مسؤوليتهم تجاه العراق والحكومة والشعب , ولم يحركوا ساكنا , بل اعترف بعض الساسة الامريكان بان داعش صنيعة امريكا …!!

عندها هب العراقيون الاصلاء عن بكرة ابيهم للدفاع عن ارضهم , وتشكل الحشد الشعبي بقرار وطني، وبمباركة دينية وشعبية، وانتصر الحشد الشعبي على فلول الارهاب وشراذم الاجرام , والحق بهم هزيمة نكراء … ؛ ومع انتصار الحشد الشعبي على الإرهاب، وتثبيت شرعيته كجزء من المنظومة العسكرية الرسمية ؛ وبسبب هذه الامور أصيب الأمريكيون بالجنون والذهول , وعملوا على تشويه سمعة الحشد والاستهانة بالدماء العراقية الزكية والتقليل من هذا الانجاز الوطني التاريخي ؛ حتى طالبوا بحله أو تهميشه أو دمجه فيما بعد ، وخيروا العراق بين أمرين احلاهما مر ؛ اما تفكيك الحشد الشعبي او الحصار والعقوبات من جديد …!!

فبدلًا من شكر العراقيين على سحق “داعش”، بدأت أمريكا وحلفاؤها يعملون على تقويض الحشد وإضعافه، بزعم أنه يمثل تهديدا للاستقرار والامن الداخلي … ؛ وفي الوقت نفسه، ترفع واشنطن الحظر عن قادة الجماعات الإرهابية في المنطقة، وتستقبلهم كحلفاء في “محاربة الإرهاب” ؛ فقد رحب الامريكان بالجولاني – الارهابي المطلوب للقانون – ورفعوا العقوبات عن تنظيمات إرهابية كـ”جبهة النصرة” … ؛ أي مفارقة أبشع من هذه؟!

فها هو العراق محاط بأنظمة وجماعات وحكومات وفصائل وحركات طائفية وتكفيرية وارهابية ومعادية ؛ فحركة طالبان في افغانستان , وحكومة اردوغان العثمانية في تركيا , وحركة الاخوان المسلمين في قطر والكويت والاردن وغيرها , والوهابية والحركات السلفية في السعودية , والعصابات الاجنبية والفصائل الارهابية في سوريا , والاكراد الانفصاليين في الشمال … ؛ وكل هذه الجهات تغض الطرف عنها امريكا الا الحشد الذي تشكل كرد فعل وطني وشرعي على الإرهاب وانتصر عليه بدماء أبنائه … ؛ والذي يُستهدف اليوم من قبل أمريكا وحلفائها لأنه يشكل حاجزًا أمام مشاريعهم ومخططات كياناتهم الطائفية والإرهابية المحيطة بالعراق … ؛ وهكذا يُعاقب العراق لأنه امتلك قوة ضد نوعية، في حين تُحتضن التنظيمات الإرهابية الأخرى من قبل الامريكان , وهكذا يتكرر المشهد: يُعاقب الشعب العراقي بأكمله بذريعة استهداف “قادة” أو “أحزاب”، بينما الهدف الحقيقي هو تحطيم إرادة الأمة ومقاومتها… .

وها هي أمريكا وكالعادة تخير العراق بين الرمضاء والنار ؛ فإما الحصار والعقوبات , او استهداف الحشد الشعبي – القوة الوطنية الوحيدة القادرة على مواجهة العصابات الارهابية – تحت ذرائع واهية… ؛ والسؤال المحوري: لماذا تُعاقب الشعوب جماعيًّا رغم القدرة على الدقة وتوفر الادوات البديلة ؟!

*المفارقة: الدقة ممكنة.. لكن العقوبات الجماعية و الإبادة مُتعمدة

وليس العراق أو أفغانستان استثناءً. فالمشهد ذاته يتكرر في سوريا واليمن ولبنان وفلسطين وغيرها … ؛ فالكيان الصهيوني يبرّر قتل عشرات الآلاف في غزة وتشريد مئات الآلاف بذريعة “محاربة حماس”، مع أنه يمتلك القدرة – كما يدّعي – على اغتيال أي قائد في أي مكان… ؛ أليس الأجدر به أن يستهدف أفراداً بدل أن يدمّر شعباً بأسره؟

الجواب واضح: المطلوب ليس القضاء على جماعة أو حزب، بل سحق المجتمعات، وكسر روح المقاومة، وفتح الطريق أمام مشروع الهيمنة الكاملة … .

إنّ ما يجري اليوم ليس سوى فصل آخر من مسلسل طويل من الاستعمار المقنّع … ؛ شعوب المنطقة، من أفغانستان إلى العراق، ومن سوريا إلى اليمن وفلسطين، ليست سوى مسرح تُعرض عليه مسرحيات الدم , أبطالها قوى الاستعمار والاستكبار والشر ، والضحايا دائماً هم الأبرياء… ؛ وبينما تُرفع شعارات “حقوق الإنسان” و”الديمقراطية”، تُمارَس أبشع الجرائم بحق الشعوب، ويُعاد إنتاج الاستبداد بأشكال جديدة.

ويبقى السؤال المعلّق: إلى متى يستمر هذا المسلسل الغاشم؟

وإلى متى تظل الشعوب تدفع ثمن صراعات لم تخترها، وحروب لم تشعلها، ومؤامرات حيكت بليل لتبقى المنطقة رهينة الفوضى والتبعية والتدمير والاستنزاف ؛ بينما يدّعي القتلة أنهم رسل الحرية والتحرير والسلام؟!

إن واشنطن، ومعها الكيان الصهيوني، لا تعجزان عن اغتيال شخصيات سياسية أو عسكرية بعينها، لكنهما تعمّدان دوماً إلى العقوبات الجماعية والحروب الشاملة التي تستهدف الشعوب بأكملها… ؛ إسرائيل قتلت مئات الشخصيات عبر العالم، فكيف تدّعي العجز عن مواجهة حركة حماس او تحرير الرهائن الإسرائيليين وهم بالقرب منها ، ثم تبرّر إبادة غزة وتشريد الملايين بحجة “محاربة حماس”؟!

كيف تدّعي معرفة مكان قادة المقاومة في لبنان أو طهران، بينما تعجز عن معرفة مكان رهائنها في غزة … ؛ أليس بإمكان أمريكا او اسرائيل أن تستهدف قادة فصيلٍ ما أو تحاصر الحسابات المالية لشخصيات محددة دون تجويع شعبٍ بأكمله أو تدمير بنيته التحتية؛ إنها ذرائع واهية لشرعنة التدمير والإبادة والحصار …؟!

إن سياسات العقاب الجماعي التي تنتهجها أمريكا ــ سواء عبر العقوبات الاقتصادية أو السماح لإسرائيل بمجازرها في فلسطين وغيرها ــ تكشف بوضوح أن الهدف لم يكن أبدًا استهداف “حركة” أو “حكومة”، بل سحق الشعوب وإرغامها على الخضوع… ؛ فإسرائيل التي طالما تباهت بقدرتها على الاغتيال والتجسس، لم تكن عاجزة عن استهداف قادة المقاومة فردًا فردًا، لكنها اختارت تدمير غزة وتشريد مئات الآلاف بحجة واهية… ؛ الأمر نفسه يتكرر في سوريا واليمن ولبنان، وها هو الدور يُرسم للشعب الإيراني تحت العناوين ذاتها… ؛ فهم يعدون العدة – الان- لتدمير ايران الجميلة والحاق الاذى بالأمة الايرانية المسالمة والمتحضرة .

الجواب عن تلك الاسئلة الانفة الملحة ؛ يكمن في الغاية الاستراتيجية: إنها ليست مجرد “أخطاء” أو “إخفاقات استخباراتية”… ؛ إنها سياسةٌ متعمدة. سياسة “العقاب الجماعي” الرومانية البغيضة تهدف إلى:

1- كسر إرادة الشعوب وإذلالها وإفقارها لتصبح أسهل انقيادًا.

2. خلق فوضى دائمة تبرر الوجود العسكري والتدخل المستمر وتفتيت المجتمعات.

3. نهب الثروات تحت غطاء “إعادة الإعمار والاستثمار” أو “التعاون الاقتصادي والمعاهدات والاتفاقيات “.

4. إدامة الصراعات لتصريف ترسانات الأسلحة واختبارها وتحقيق أرباحٍ طائلة.

5. إضعاف أي قوة وطنية أو إسلامية أو مقاومة تهدد الهيمنة أو المصالح الحيوية للقوى العظمى وحلفائها الإقليميين.

# الخاتمة: إلى متى تبقى الجثثُ ورقة رابحة؟

إن تجارب أفغانستان والعراق وغزة وسوريا واليمن ولبنان وغيرها ،والتهديدات المتصاعدة ضد إيران، هي فصول متكررة من مسلسلٍ واحد… ؛ نعم إن سقوط الأفغان من الطائرات، وجوع أطفال العراق تحت الحصار، وتشريد أهالي غزة تحت القصف، وجرائم الأنظمة العميلة – ليست سوى حلقات في مسلسل واحد : مسلسل “صناعة الأزمات” ثم “معاقبة الضحايا”. ؛ مسلسل صناعة الأزمات، ثم التدخل “لحلها” بأساليب أكثر تدميرًا، ثم معاقبة الشعوب على جرائم لم ترتكبها سوى أن رفضت الخنوع… ؛ إن خلط الأوراق المتعمد بين مقاومة الاحتلال وبين “الإرهاب”، وبين استهداف القادة وبين إبادة الشعوب، هو السلاح المفضل لتبرير الوحشية والهمجية والغطرسة الاستكبارية … ؛ فالاستراتيجية الغربية قائمة على: صناعة الأزمة (دعم أنظمة أو جماعات متطرفة)… ؛ تفجير الأزمة (بالحروب والفتن الداخلية)… ؛ إدارة الأزمة (بالحصار والعقوبات والتدخلات)… ؛ ثم إعادة إنتاج الأزمة (بتغيير الوجوه والإبقاء على النهج نفسه )… ؛ وهكذا يستمر مسلسل الاستعمار والاستكبار الحديث، تتبدل فيه الأدوات لكن تبقى الضحية واحدة: الشعوب المسالمة التي لا ذنب لها سوى أنها وُلدت في بقعة غنية بالثروات ومرتبطة بموقع جغرافي استراتيجي…!!

و السؤال الذي يصرخ في وجه الضمير العالمي: إلى متى تظل شعوبنا تدفع ثمن أكذوبة “نشر الديمقراطية” وحماية “حقوق الإنسان” التي تتستر بها قوى الاستعمار الجديد لتحقيق أطماعها، بينما هي في جوهرها تستمر في الرقص على جثث الضحايا وجراح الأمم المكلومة؟

وإلى متى تظل الضمائر العالمية صامتة أمام أكذوبة “نشر الديمقراطية او محاربة الارهاب او القضاء على محور الشر ” التي تتبجح بها قوى الاستكبار ، بينما هي تقتل الشعوب وتسرق مقدراتها وتُديم حلقة المعاناة؟



#رياض_سعد (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رفع الأعلام الأجنبية بين السيادة الوطنية والرمزية الدينية: ج ...
- حين يربح الضبع وتُهزم الغزالة
- الزيارة الدينية التي تُقصي أهلها: حين يصبح العراقي غريباً في ...
- البروكرستية العراقية: حين تُقصّ الأرواح لتناسب سرير السلطة
- الهيمنة الناعمة: كيف تبني إيران نفوذها في وسط وجنوب العراق د ...
- السياحة بين العراق وإيران: تبادل غير متكافئ أم استغلال اقتصا ...
- أشباح الإمبراطورية : المخابرات البريطانية في العراق من الظل ...
- قطع أرزاق العراقيين: بين عبث البلديات وعجز الدولة عن ايجاد ب ...
- وادي حوران محتل كالجولان من قبل الامريكان (6)
- وادي حوران محتل كالجولان من قبل الامريكان (5) وادي حوران في ...
- السياحة الدينية في العراق: بين الفرص المهدورة والموارد المنه ...
- ثمن اغتصاب السلطة وثمن الخضوع لها: قراءة تاريخية في إرث الدو ...
- الأمة العراقية : من متاهة الانتماءات المضللة إلى فضاء المواط ...
- الدوافع السياسية والأمنية وراء إصرار الولايات المتحدة وحلفائ ...
- الدوني العائد من خرائب الشام : التهديد السوري والخذلان العرا ...
- السلطات الحكومية والشخصيات السياسية العراقية بين الاقنعة وال ...
- الساكن في الغرفة السابعة و الاخيرة
- من يطارد الفقراء؟ دولة بلا بدائل و-شفل- بلا رحمة
- عقدة اللااتفاق العراقي: بين شتات الهوية العراقية وبوصلة الوط ...
- عقدة الدونية في الوعي الجمعي الشيعي العراقي: تحليل نفسي- اجت ...


المزيد.....




- خامنئي يؤكد رفض إيران -الإذعان- للولايات المتحدة داعيا إلى ت ...
- إسرائيل تقصف مدينة غزة وسكانها يستعدون لهجوم وشيك.. إليكم آخ ...
- غرق 3 شقيقات صغيرات وإنقاذ العشرات من قارب يقل مهاجرين لإيطا ...
- كارثة إنشائية بالصين.. مقتل 12 عاملا جراء سقوط جسر ضخم فوق ا ...
- كاتب إسرائيلي يحذر من تداعيات -تسونامي الاستيطان الصامت- بال ...
- كاتس يتوعدها.. تعرف على مخيمات الضفة الغربية
- أوكرانيا تعلن استعادة قرى في دونتسك وروسيا تحدد شروطها للسلا ...
- قمّة ألاسكا: صراع وتحالفات جديدة من أجل إعادة اقتسام العالم ...
- فلترفع الامبريالية الأمريكية يدها عن فنزويلا وشعبها
- سائق شاحنة ينعطف بطريقة مخالفة ويتسبب بحادث مميت.. شاهد لحظة ...


المزيد.....

- الأرملة السوداء على شفا سوريا الجديدة / د. خالد زغريت
- المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد / علي عبد الواحد محمد
- شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية / علي الخطيب
- من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل ... / حامد فضل الله
- حيث ال تطير العقبان / عبدالاله السباهي
- حكايات / ترجمه عبدالاله السباهي
- أوالد المهرجان / عبدالاله السباهي
- اللطالطة / عبدالاله السباهي
- ليلة في عش النسر / عبدالاله السباهي
- كشف الاسرار عن سحر الاحجار / عبدالاله السباهي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - مواضيع وابحاث سياسية - رياض سعد - بين دقة الاغتيال ووحشية الإبادة.. لماذا تختار القوى الكبرى العقاب الجماعي؟