أسامة خليفة
الحوار المتمدن-العدد: 8439 - 2025 / 8 / 19 - 12:44
المحور:
القضية الفلسطينية
يتمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برؤية الأرض الموعودة وإسرائيل الكبرى، ويشعر بأنه في «مهمة تاريخية وروحية» تتوارثها الأجيال، لتحقيق هذا الحلم التوراتي. جاء ذلك يوم الأربعاء 13/8/ 2025 في تصريح لقناة «i24 » الإخبارية لم تخلُ المقابلة الدعوية من شعوذة تربط المشروع السياسي بالأساطير التوراتية حين أهدي نتنياهو، في المقابلة الصحفية، تميمة عبارة عن خريطة «الأرض الموعودة» ليعلقها برقبته، واصفاً إياها: «إنها إسرائيل الكبرى».
خارطة نتنياهو تبين التطور الكبير الذي طرأ على مفهوم إسرائيل الكبرى ليس ارتباطاً بالبعد الديني التوراتي، بل بما وصلت إليه حال المنطقة من ضعف عربي وإسلامي، وما بلغته قوة إسرائيل من قدرة على إخضاع أطراف مستسلمة تبرز ضعفها تطبيعاً، ويمكن لهذه الخريطة أن تزداد توسعاً كلما تباينت ثنائية الضعف العربي مقابل الجبروت الإسرائيلي، وكلما ازدادت الهوة بينهما لصالح غطرسة وعنجهية العدو، وتماديه على الحقوق والأرض العربية، كذلك هي المطامع الاستعمارية التوسعية الإسرائيلية لا حدود لها، ولن يقف في وجهها سوى المواجهة بشجاعة وإظهار القدرة والصلابة. أما فورة الغضب العربي الآنية، التي أثارتها إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن إسرائيل الكبرى، فهي غير فاعلة تمخض عنها بيانات استنكار وإدانة، غضب لا يقود إلى حماية الحقوق والأرض العربية، يقول البعض أن سببه ليس وجود خطة إسرائيلية حقيقية تنفذ على المدى الطويل، بل بسبب ظهورها في وسائل الإعلام بشكل واضح لا لبس في النوايا التوسعية الإسرائيلية، تحرج الأنظمة المطبعة والساعية إلى التطبيع والحكومات الخانعة.
وزارة الخارجية المصرية طالبت بإيضاحات حول ما أثير ببعض وسائل الإعلام الاسرائيلية حول ما يُسمى بـ «إسرائيل الكبرى»، وحذرت مما يعكسه هذا الأمر من إثارة لعدم الاستقرار في المنطقة، أما الخارجية الأردنية فاستنكرت ما اعتبرته تصعيداً استفزازياً خطيراً، وتهديداً لسيادة الدول. وأعلن العراق إدانته للتصريحات الصادرة بشأن ما يسمى رؤية «إسرائيل الكبرى»، والتي تكشف بوضوح عن الأطماع التوسعية وتؤكد السعي إلى زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة. وأكدت الخارجية السعودية رفضها التام للأفكار والمشاريع الاستيطانية والتوسعية التي تتبناها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدة الحق التاريخي والقانوني للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة.
في تقرير كتبه جوين رولي من جامعة شيفلد، ونشر في العام 1989 في مجلة جيوجورنال الدولية، تحت عنوان «تطوير وجهات نظر حول الامتداد المساحي لإسرائيل... تقييم موجز»، قدّم فيه الباحث خريطةً لإسرائيل الكبرى منقولة عن نقش على عملة إسرائيلية معاصرة، يقول: «في حين أن إسرائيل لم ترسم حدودها رسمياً فإن أحد الدلائل المحتملة على طموحات إسرائيل الإقليمية الأوسع يمكن أن ينظر إليه في عملة من الفئة عشرة أغورا الإسرائيلية، التي تحمل خريطة يبدو أنها تصوّر منطقة تمتدّ لتشمل عمّان وبيروت وبغداد ودمشق الحالية وأجزاء من السعودية». استند الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات إلى هذا التقرير وعرض على مجلس الأمن في 25/5/1990، العملةً الإسرائيلية التي تحمل على أحد وجهيَها خريطة «إسرائيل الكبرى»، ساعياً إلى فضح الأهداف التوسّعية الصهيونية. أنكرت إسرائيل الأمر وادعت أن النقش قديم، رافضة الاعتراف أن ذلك يعبر عن سياسة قيد التنفيذ لجغرافيا واسعة تتجاوز حدود فلسطين التاريخية وأنها ترسم شرق أوسط الجديد، ومع تغير الظروف الدولية وأمام الجمعية العامة للأمم المتحدة دون أدنى اعتبار للقوانين والقرارات الدولية قدم نتنياهو خريطة «الشرق الأوسط الجديد» في سبتمبر/ أيلول 2023، ليقول للعالم بأن المشروع التوسّعي قد حقق تقدماً ملحوظاً على الأرض، وفرض أمراً واقعاً لا يمكن للقوانين الدولية أن تتجاوزه.
منذ بدايات الحركة الصهيونية عزز قادتها المعتقدات التوراتية حول «إسرائيل الكبرى»، لكنهم على الصعيد السياسي العملي قبلوا بالتكتيك والمرحلية، عام 1948 قبل ديفيد بن غوريون إقامة دولة يهودية على 78% من مساحة فلسطين ، وفي 29 تشرين الثاني/ أكتوبر 1947 قبل الزعماء الصهاينة بقرار التقسيم 181 الذي أعطاهم 55% من فلسطين، قبلوا بجزء بسيط من الأرض، باعتبارها دفعة قوية لمساعي تاريخية، توصلهم إلى هدفهم النهائي من خلال القوة وفرض الأمر الواقع بتحطيم الحدود التي يقبلون بها أو التي تفرض عليهم، لكن يتم تجاوزها بكل الوسائل الممكنة من النفاق والخداع والتآمر ونقض الاتفاقيات والعهود وبكل وسائل العنف والقوة والإرهاب. تحقيقاً للمشروع سياسي مستند إلى معتقدات دينية، أن الأرض الموعودة «أرض إسرائيل الكبرى» تمتد من نهر الفرات شرقاً إلى نهر النيل غرباً.
وفي هذا السياق قال سموتريتش الذي تولى حقيبة المالية عن حزب « الصهيونية الدينية» في حكومة نتنياهو: «أرض إسرائيل الكبرى يجب أن تمتد الآن من البحر إلى الأردن»، وعندما سُئل «هل نريد في هذه المرحلة أيضاً احتلال شرق الأردن؟»، أجاب: «نعم، شيئاً فشيئاً». ثم أشار إلى ما جاء في كتب حكماء صهيون «أن مستقبل القدس هو أن تمتد إلى دمشق»، وقال: «باختصار لدينا الكثير لنطمح له».
خلال فترة الانتداب البريطاني على فلسطين، اقتصرت مطالب الحركة الصهيونية على أن تكون دولة فلسطين التاريخية وشرق الأردن دولة يهودية، جدّد تلك الطروحات سموتريتش وزير مالية إسرائيل في مارس/آذار 2023، خلال خطاب في باريس وكانت على المنصة التي يقف عليها خريطة تشمل «أرض إسرائيل»، في إشارة إلى أن إسرائيل تتكون من فلسطين التاريخية والأردن. لا يعني ذلك أن اليمين الصهيوني قد تراجع عن مقولة من النهر إلى النهر، لكن أي أرض يتم السيطرة عليها ستكون خطوة ضمن مسار أعلنه ثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية، وتطبيقاً لتصريح ثيودور هرتزل الذي مضى عليه نحو 120 عاماً، ظهرت صورةً لجندي إسرائيلي في غزة، في يونيو/ حزيران 2024، يرتدي زيّاً عسكرياً نقشت عليه خريطة «إسرائيل الكبرى»، الخريطة ـكما بدت على ذراع الجندي الإسرائيلي، شملت مناطق تمتد من النيل إلى الفرات، ومن المدينة المنورة إلى لبنان، بما في ذلك أراضٍ من سوريا، والأردن بأكمله.
احتاجت فكرة دينية مجردة لـ«وعد إلهي» في سفر التكوين كي تتحول إلى مشروع استيطاني توسعي، احتاجت إلى وعد دنيوي بالغ الأهمية أساسي وضروري ولا بد منه، أصدره وزير الخارجية البريطاني اللورد بلفور لكي يتم إنجاز هذا «الوعد الإلهي». كما احتاج «الوعد الإلهي» إلى حماية دنيوية من قبل ثلاث دول عظمى حتى لا يهتز هذا «الوعد الإلهي» لأن استكمال تحقيقه هو مصدر رواجه وتصديقه عند عامة اليهود، وسواهم من المضللين من أتباع الصهيونية المسيحية، قويت القناعات بهذا الوعد التوراتي وترسخت بعد إقامة دولة إسرائيلية في العام 1948، وتعزز التصديق في العام 1967 بعد هزيمة حزيران واستكمال احتلال فلسطين وأراض من البلدان المجاورة واقترب تحقيق الوعد المزعوم، وتطور إلى عقيدةً لا يرقى لها الشك عند القوى الدينية التي تحولت إلى يمين متطرف، بل واتبعهم مدعو العلمانية الإسرائيلية في تناقض عجيب، يقبلون النصوص التي وردت في سفر التكوين، واختيار فلسطين من بين مناطق عديدة للاستيطان اليهودي لربط المشروع بهدف ديني يدعو إلى إقامة « دولة إسرائيل»، تبقى بلا حدود مرسومة، ليتم توسيعها لتشمل أجزاء واسعة من الشرق الأوسط. أما الآن فإن نتنياهو يرسم لها حدوداً مع التأكيد أنها ستبقى قابلة للتعديل، فإذا سيطروا على الضفة الغربية لنهر الفرات وسيطروا على الضفة الشرقية لنهر النيل، ما الذي يؤخرهم عن الاستيلاء على النهرين بشكل كامل بضفتيهما؟. فالضعيف يتوسل المشاركة على بعض ماء النهرين ولن يجرؤ على المطالبة بنصيبه بحجة العطش وندرة الماء في إقليم قاحل. في مطلع العام 2024، تساءل السياسي الإسرائيلي آفي ليبكين: « من الذي يقع على الجانب الآخر من الفرات؟ الأكراد! والأكراد «أصدقاء». لذا، لدينا البحر الأبيض المتوسط خلفنا، والأكراد أمامنا، ولبنان، الذي يحتاج حقاً إلى مظلة حماية إسرائيل، وبعد ذلك أعتقد أننا سنستولي على مكة والمدينة وجبل سيناء، ونطهر تلك الأماكن ». ليس الماء فقط متوفر في هذه المنطقة بل النفط في شرق الفرات ولن تتركه الأطماع الإسرائيلية تحت سيطرة «أصدقائهم» الأكراد.
#أسامة_خليفة (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟