فؤاد أحمد عايش
كاتب وروائي أردني
(Fouad Ahmed Ayesh)
الحوار المتمدن-العدد: 8437 - 2025 / 8 / 17 - 00:32
المحور:
قضايا ثقافية
في قلب الأورال، حيث تتلاقى أوروبا بآسيا، وحيث يختلط التاريخ بالحداثة، تحتفل يكاترينبورغ بيومها السنوي، ذلك العيد الذي لا يشبه سائر الأيام. يوم المدينة ليس مجرد مناسبة لإحياء ذكرى تأسيسها، بل هو احتفال بالروح الجمعية، وانعكاس لرحلة طويلة من الكفاح والنهضة.
في هذا اليوم، تتحول الشوارع إلى لوحات نابضة بالحياة. تتزين الساحات بالضحكات، وترتفع الموسيقى فوق صخب الحياة اليومية، لتعلن أن المدينة ليست حجارة وأسفلت فقط، بل كيان حيّ يتنفس مع أبنائه. الألعاب النارية التي تتلألأ في سماء يكاترينبورغ ليست مجرد ألوان عابرة، بل رسائل ضوء تقول: "نحن هنا، ونحن باقون، وهذه مدينتنا."
إنه يوم يجتمع فيه الماضي بالحاضر. فبينما يتذكر الناس تاريخ تأسيس يكاترينبورغ عام 1723، يشعرون أنهم امتداد لسلسلة طويلة من الأجيال التي شيدت هذه المدينة بعرقها وإيمانها. إن مشهد العائلات وهي تسير معًا، والشباب يغنون في الساحات، وكبار السن يتأملون الوجوه المشرقة، هو مشهد يختصر فلسفة الانتماء: أن تكون جزءًا من جماعة، من مدينة، من وطن.
يوم المدينة هو أيضًا درس في الهوية. فهو يذكّر كل فرد أن المكان الذي يعيش فيه ليس مجرد محطة عابرة، بل جزء من ذاته، مرآة لآماله وطموحاته. يكاترينبورغ في يوم عيدها تقول لكل من يسكنها: "أنا بيتك، وأنا قصتك، وأنا الأرض التي تحتضن أحلامك."
وفي لحظة الألعاب النارية، حين ترتفع الأنظار نحو السماء، يشعر الجميع أن هذا الضوء ليس مجرد احتفال عابر، بل رمز لرسالة أعمق: أن المدن العظيمة لا تعيش بالمباني فقط، بل بروح أبنائها، وبقدرتهم على تحويل الذاكرة إلى مستقبل، والاحتفال إلى معنى.
يوم المدينة في يكاترينبورغ إذن ليس يومًا واحدًا، بل هو مرآة لهوية جماعية، وإعلان مستمر أن الروح الروسية قادرة على خلق أعياد تنبض بالحياة، وتجمع ما بين الفخر والانتماء والفرح. إنه عيد مدينة، لكنه في عمقه عيد للإنسان نفسه.
#فؤاد_أحمد_عايش (هاشتاغ)
Fouad_Ahmed_Ayesh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟