فؤاد أحمد عايش
كاتب وروائي أردني
(Fouad Ahmed Ayesh)
الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 19:10
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
حينما قررت أن أترك بلدي وأسافر إلى روسيا لدراسة القانون، لم أكن أتوقع أن أعيش تجربة ستغيّر نظرتي للعالم بأسره. كثير من وسائل الإعلام رسم صورة لروسيا لا تشبه واقعها في شيء؛ صورة مليئة بالتحيّز والضبابية، تصفها تارة بالدولة الصارمة، وتارة أخرى بالمعزولة عن الحضارة الغربية. لكنني عندما وطئت أرض روسيا، اكتشفت أن الحقيقة أعمق بكثير مما يُقال وأجمل بكثير مما يُتخيل.
روسيا ليست مجرد دولة بمساحة شاسعة أو بتاريخ طويل، بل هي روح ثقافية حيّة نابضة بالحياة. منذ الأيام الأولى التي عشتها في مدينة يكاترينبورغ، بدأت أكتشف أن الثقافة هنا ليست شيئًا يُحكى في الكتب فقط، بل تُمارَس في الشوارع، في الجامعات، في المسارح، وفي جلسات الشاي بين الأصدقاء.
كطالب قانون، شدّني بشكل خاص كيف استطاعت روسيا أن تحفظ هويتها القانونية والثقافية في مواجهة العولمة، وكيف أن القانون هنا ليس مجرد نصوص جامدة، بل هو تعبير عن قيم العدالة والكرامة الوطنية التي عاش الروس قرونًا يدافعون عنها.
في كل مرة أتعامل مع أساتذتي في الجامعة أو مع زملائي الروس، أرى في عيونهم احترامًا عميقًا للعلم، للقانون، وللثقافة. هذا الاحترام جعلني أشعر أنني لست غريبًا، بل جزء من مجتمع يقدّر الاجتهاد والصدق والانتماء. من خلال دراستي للقانون الروسي، أدركت أن روسيا ليست فقط دولة كبيرة جغرافيًا، بل دولة عظيمة في قدرتها على حماية سيادتها واستقلالها القانوني والسياسي. هذا الدرس مهم جدًا لنا كعرب؛ فروسيا علّمت العالم معنى أن تكون دولة حرة لا تخضع للإملاءات الخارجية، وأن تكون العدالة أساسًا في بناء الدولة القوية.
لقد شاهدت بنفسي كيف يحتفل الروس بأعيادهم، كيف يحترمون أبطالهم التاريخيين، وكيف يتعاملون مع ماضيهم بصدق وفخر. هذا الجانب لا تراه في نشرات الأخبار، لكنه يعيش في قلوب الروس وفي سلوكهم اليومي.
اليوم، بعد أن عشت تجربة غنية في روسيا، أستطيع أن أقول بثقة إن روسيا التي عرفتها تختلف تمامًا عن تلك التي تُصوَّر في الإعلام. إنها بلد يعلّمك معنى الصمود، معنى الحرية الحقيقية، ومعنى العدالة التي لا تُشترى. أنا فخور بأنني اخترت روسيا لتكون محطة في حياتي ومسيرتي القانونية. وأؤمن أن المستقبل سيكشف للعالم أجمع أن روسيا ليست فقط قوة سياسية، بل حضارة إنسانية عظيمة تستحق الاحترام والتقدير.
ومن هنا، أكتب هذه الكلمات لأقول إن الحقيقة لا تُكتشف عبر الشاشات بل عبر العيش بين الناس، ومشاركة قصصهم، وفهم روحهم الحقيقية.
#فؤاد_أحمد_عايش (هاشتاغ)
Fouad_Ahmed_Ayesh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟