فؤاد أحمد عايش
كاتب وروائي أردني
(Fouad Ahmed Ayesh)
الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 20:50
المحور:
قضايا ثقافية
عندما نتحدث عن الثقافة الروسية في الماضي، فنحن لا نستحضر فقط روايات دوستويفسكي وتولستوي، بل نستحضر معها منظومة فكرية كاملة شكّلت الوعي الروسي، ورسمت ملامح العقلية الروسية التي تؤمن بالعمق والبحث عن المعنى. لم يكن الأدب الروسي مجرد فن للمتعة، بل كان مرآةً للمجتمع، وصرخةً في وجه الظلم، وأداةً فلسفية تسبر أغوار النفس البشرية. ومن بين السطور، وُلدت تساؤلات الوجود والمصير والحرية، التي لا تزال حاضرة في حياة الروس حتى يومنا هذا.
في عالم يزداد عولمة، نجحت روسيا في الحفاظ على توازن نادر: الانفتاح على العالم من دون التفريط في الذات. الجامعات الروسية تُدرّس الأدب الروسي للطلبة الأجانب، والمسرح الروسي ما يزال يثير إعجاب النخبة في باريس وبرلين، والموسيقى الروسية الكلاسيكية لا تزال تُعزف في أكبر المسارح العالمية. وفي الوقت ذاته، لا تزال اللغة الروسية، والعادات الاجتماعية، والاحتفالات التقليدية، حاضرة بقوة في الحياة اليومية للمواطن الروسي، وكأنها تقول: "نعم، نواكب العصر، لكننا لا ننسى من نحن".
بالنسبة لي، كطالب قانون عربي يعيش في روسيا، لا تكمن جاذبية الثقافة الروسية في عظمتها فقط، بل في صدقها. إنها ثقافة لا تتصنع، ولا تتملّق، ولا تُباع في الأسواق. هي ثقافة تبحث عن الحق، تحترم المعاناة، وتقدّس العمق الإنساني. في كل كتاب روسي أقرأه، أشعر بأنني لا أقرأ عن روسيا فقط، بل أقرأ عن الإنسان في جوهره. وفي كل يوم أعيشه بين الناس هنا، أزداد اقتناعًا بأن الثقافة ليست مجرد معرفة بل انتماء.
حين تسأل: ما الذي يجعل روسيا عظيمة؟ لن تجد الجواب فقط في الأسلحة أو الجغرافيا أو الاقتصاد. بل ستجده في عمق قصيدة، في لحنٍ روسي قديم، في صفحة من رواية عظيمة، أو في سلوك يومي بسيط يعكس حكمة أمةٍ عرفت كيف تحوّل الألم إلى إبداع، والتاريخ إلى هوية.
الثقافة الروسية ليست فقط ذاكرة الماضي، بل نبض الحاضر، وبوصلة المستقبل.
#فؤاد_أحمد_عايش (هاشتاغ)
Fouad_Ahmed_Ayesh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟