فؤاد أحمد عايش
كاتب وروائي أردني
(Fouad Ahmed Ayesh)
الحوار المتمدن-العدد: 8427 - 2025 / 8 / 7 - 10:38
المحور:
قضايا ثقافية
رغم القرب الجغرافي بين روسيا وأوروبا، إلا أن الفوارق بينهما في القيم والعادات الاجتماعية شاسعة وعميقة. روسيا دولة ذات هوية حضارية خاصة، لم تنجرف خلف موجة الانفتاح الغربي في بعض القضايا الاجتماعية التي أثارت جدلًا عالميًا، بل اختارت أن تحافظ على إرثها الثقافي والديني والقانوني.
في أوروبا الغربية، أصبحت الحرية الجنسية جزءًا أساسيًا من نمط الحياة، حيث يُنظر إلى العلاقات خارج إطار الزواج على أنها أمر طبيعي وشائع، بل ويتم تشجيع التعليم الجنسي المفتوح في المدارس منذ سن مبكرة. أما في روسيا، فالمجتمع لا يزال يرى في العلاقات العاطفية والأسرية رابطًا مقدسًا تحكمه الضوابط الأخلاقية والدينية، وهو ما يظهر في تشريعات الدولة وسياساتها الاجتماعية.
واحدة من أبرز نقاط الاختلاف تكمن في قضية زواج المثليين. معظم الدول الأوروبية شرّعت هذا النوع من الزواج وأعطت له حقوقًا مساوية للزواج التقليدي، بينما روسيا وقفت بحزم ضد هذه الفكرة. فالقوانين الروسية تحظر بشكل واضح أي دعاية أو ترويج للعلاقات المثلية، معتبرة ذلك تهديدًا لبنية الأسرة التقليدية التي تُعدّ ركيزة المجتمع الروسي.
وتتجلى الفروقات أيضًا في مفهوم العائلة. في حين تسود في أوروبا النزعة الفردية والاستقلال المبكر عن الأسرة، يتمسك الروس بقوة بروابط العائلة، حيث يعيش الأبناء غالبًا مع أهلهم حتى بعد سن البلوغ، ويُنظر إلى رعاية الوالدين والتمسك بالجذور العائلية كقيمة أخلاقية عليا. هذا الانتماء العائلي يُعدّ سمة أساسية تميز روسيا عن معظم الدول الأوروبية.
ورغم الضغوط الغربية المستمرة لتغيير هذه القيم، بقيت روسيا صامدة في الحفاظ على هويتها الثقافية. ومن خلال تجربتي كطالب عربي يعيش في روسيا، لمستُ عن قرب هذا التمسك بالقيم، حيث يُنظر إلى الأسرة والهوية الثقافية باعتبارهما خطوطًا حمراء لا يمكن المساس بها، على عكس ما شهدته في دول أوروبية أخرى. وهكذا، يمكن القول إن روسيا تمثل نموذجًا حضاريًا فريدًا يحافظ على توازنه بين الحداثة والتمسك بالقيم الأصيلة، في وقت يشهد فيه العالم تغييرات اجتماعية متسارعة.
#فؤاد_أحمد_عايش (هاشتاغ)
Fouad_Ahmed_Ayesh#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟