أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سهير فوزات - جهاد الأضحكني: ضحكة السوريين من سلاح حياة إلى أداة تنمّر!















المزيد.....

جهاد الأضحكني: ضحكة السوريين من سلاح حياة إلى أداة تنمّر!


سهير فوزات

الحوار المتمدن-العدد: 8435 - 2025 / 8 / 15 - 08:26
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


في تموز 2022 كتبت مقالًا بعنوان "أرجوكم اضحكوا"، خاطبت فيه سوريي الداخل، من كان منهم تحت القصف والتهجير وسرقة ثورته أم عالقا في براثن الفساد الأسدي الإرهابي. سوريي الداخل والمحرر والإدارة الذاتية، قبل ثلاث سنوات تماما من الهجوم المسلح على محافظة السويدا آخر معقل للمقاومة السلمية في سوريا.
كانت سوريا في مستنقع التسويات وانتظار تغير ميزان القوى العالمية وتحت واقع التقسيم المصالحي الذي سادها لسنوات قبل إنهاء ورقة الأسد فجأة وبلا سابق إنذار في ديسمبر الماضي كنتيجة بعيدة لطوفان الأقصى وإنهاء التمدد الإيراني في المنطقة.
وقتذاك كنت أتمنى أن أرى ابتسامة -فضلا عن ضحكة- على وجه سوريي الداخل، تخفف شعور الألم والخذلان من فشل الثورة وغياب العدالة واستحالتها. وقد ختمت مقالي حينها:
"اضحكوا ما استطعتم إليه سبيلا، اضحكوا كلما داهمكم العجز. اضحكوا من طريقة عيشكم المعجزة، اضحكوا من خيمة نزوحكم الشاهد على مهزلة العصر، اضحكوا لذكرى أمواتكم الذين نجوا من المهزلة، اضحكوا للشتات الذي فضح زيف شعارات خدّرتنا طويلا... اضحكوا ضحكة السخرية والاستقواء لا ضحكة البلاهة والتفاهة، سوريي الداخل تحديدا أرجوكم اضحكوا!"
اليوم، وبعد ثلاث سنوات، أرى ضحكة السوري (المنتصر) الذي كان جريحا حين خاطبته، تكاثرت مرفوعة لأسّ عدد كلمات (اضحكوا) في هذه الخاتمة الصغيرة، أراها وقد اختُزلت في "ضحكة السخرية والاستقواء"، لكنها ليست موجهة ضد الظالم والمتاجر بالدم وسارق الثورة، بل نحو المسالم من أبناء بلده ورفاق الثورة.
لم يعد تفاعل "أضحكني" مجرد وسيلة تجاوز ألم أو تزجية وقت أو حتى إبداء تعليق على رأي غير منطقي، بل أصبح وسيلة تنمّر جماعيّ مشرعن، حتى على صور النعوات أو أخبار المذابح، صار أداة قتل معنوي وعلامة موت بدل أن يكون سلاح حياة، صار وسيلة جهاد في سبيل السلطة.
تذكرت الحديث الشريف: "إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب ويذهب بنور الوجه"، ورأيت القلوب وقد ماتت قبل أن تضحك، ماتت بظلم سنوات الثورة المخذولة، وبصمت العالم المعاصر عن ألمها، وباستحالة العدالة، وأُنعشَت بانتصار وهمي باستعادة أمجاد الأولين.
فصار جيش الضاحكين يجاهد، للحفاظ على موقعه في صف القوي الظالم، بالضحك من آلام سوريين آخرين لا ذنب لهم سوى أنهم كانوا سلميين في المقتلة أو أن صوتهم ال(كيوت) لا يذكي محرقة الطائفية المستعرة منذ ثمانية أشهر.
أصبح تفاعل "أضحكني" سمًّا جماعيًا يضاف إلى ينابيع جماعات كاملة، وحشا كامنا في النفس البشرية خرج إلى الملأ يتباهى بحضوره، بفم قبيح وأسنان مشوهة ملطخة بالدم، ولعابٍ يُسيله كل ضعف واضطهاد وقهر، صار ضحكة سمك القرش أمام رائحة الدم، هذا التفاعل على وسائل التواصل اختزل (الآخر المختلف) بالجحيم الذي تحدث عنه سارتر.
كيف يمكن للضحك، هذه الميزة البشرية، أن يصبح سمة توحّش؟ هل تكون المقولة الشهيرة "لا يمكنك أن تضحك وتكون قاسيًا في الوقت نفسه" مجرد وهم نسفته التجربة السورية؟
لطالما ناقشنا فيما بيننا لماذا نضحك حين يتعثر شخص غريب أمامنا، حتى ونحن نمد له يد العون، بينما يكون نصف ألمه هو من رؤيتنا له كشاهد عيان على ألمه. وكنا نتساءل عن سر شعبية مقاطع الفيديو التي تجمع حوادث غير متوقعة لغرباء في حضور الكاميرا؟
يعتقد أن سبب الضحك هو نفسه التماهي مع تلك المشاهد عبر "العصبونات المرآتية" في أدمغتنا، تلك التي تمنحنا القدرة على التعاطف، مادام المشهد غير خطير أو مؤلم فنحن نضحك للمفارقة وقد تخيلنا أنفسنا مكانه، لكن يبدو أن تلك العصبونات تعطّلت جماعيا عند السوريين، أو ربما وجدت طريقة ملتوية لحماية الذات من الألم عبر السخرية من الضحية بدل التماهي معها، ضحية الظلم والكاميرا والصدفة، وتم الاحتماء من هذا التماهي بالسخرية والاستقواء والانضمام للقطيع الضاحك القوي.
بعد أن كان الضحك فرديا ومتفاوتا حتى في أحلك أوقات الثورة، أصبح فجأة سمة تعاضد جماعيّ!
هل نحن في أزمة فرح و(انتصار) أم أننا بسبب غياب العدالة واستحالتها مازلنا نراوح في أزمة حزن لا نهائية، فقط غيرنا رموزها، فاستحال الضحك فيها إلى وسيلة علاج جروح ودفاع مَرَضيّة؟ أليست ظاهرة تستحق دراسة علماء النفس وتحليلهم؟
عندما شاهدت فيديو أسرى (الأمن العام) يُجبرون على غناء أغنية لفيروز، لم أستطع أن أضحك، رغم أن تصنيف الطوائف والسياسة يضعني –وفق المنطق السائد– في صف الضاحكين/المضطهدين الجدد الذين يقاومون الألم بالضحك، شباب (متل الورود) في وجوههم ملامح الذل ويغنون بلا إحساس أغنية لفيروز، ربما كان لها عندهم كما عندنا قبل تلك اللحظة ذكريات فرح وجمال.
شباب قد يكونون بفارق رصاصة في نفس موقع ذلك الذي يجبرهم على الغناء ويضحك الآن، وقد يجبرونه على العواء أو يحلقون شاربيه أو يدوسون بأحذيتهم مقدساته ومحيّاه ويكبّرون باسم الله ظانين أنهم منتصرين، شباب -هم وآسرهم- من جيل الثورة الجريحة وجيل العنف المكثّف والحرية المشوّهة الذين لم يستطيعوا فهم معنى أن تكون إنسانا أو أن يكون وطنك في أغنية أو في ابتسامة حبيبة.
بعد أن مرّ الفيديو أمامي في عدّة صفحات ضقت ذرعا وعلقت في إحداها: ما بيضحّك بالمناسبة!
وحتما جاءتني الردود الحاسمة من غرباء وعابرين لمجرد أنني لا (أجاهد بالأضحكني) ولا أستمتع بإذلال (العدو) كما الجميع، صرت من الحاقدين الطائفيين وصرت (أدّعي الوعي) والاتزان وصرت (مَضْحَكة)
أتساءل: ماذا كان سيتغير لو ألغت وسائل التواصل تفاعل "أضحكني" أو استبدلته بابتسامة سخرية أو بتعبير امتعاض خفيف بدل الـ"فرّطني من الضحك"؟ هل سيجد السوريّون وسيلة أخرى للتنمّر، وهل سيجد الذباب الالكتروني وسيلة جديدة للجهاد الافتراضي؟ والمظلومون -جريحي مرحلة العدالة الانتقامية- هل ستكون جراحهم وآلامهم قابلة للشفاء في غياب سُمّ سخرية وشماتة وقهقهات (ذوي القربى)؟
بعد عقد ونصف من العنف التعويضي والتشظي والقهر المتناسل، هل يمكن للسوري أن يعود إنسانًا؟
أن يغني حين تمتلئ روحه بالفرح أو الشجن، ويضحك حين يكون الضحك طبيعيا، دون الحاجة للتنمر أو الاحتماء؟
أم أن الأمر قضي لعقود أخرى وليس أمامنا سوى التجاهل والانكفاء والانضمام لقطيع المنتصرين الضاحك؟



#سهير_فوزات (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تحول الدين إلى وطن فاحتكر الهجري صوت السويدا!
- أرجوكم اضحكوا!
- نَسَوي أم نِسْوَنْجي؟*
- الحياة امتحان أم محنة!
- المرأة المسلمة في مرآة غربية -قراءة في كتاب
- التوريث والأحلام المسروقة
- الحقيقة القاتلة :قراءة في فيلم صندوق العصفور Bird box 2018
- رسالة ثروت أبو عمار الأخيرة
- الرجل والعادة الزرّيّة
- الأمومة ليست مجرد الإنجاب وليس الطفل ملكية
- تائي المربوطة: أما آن لها الانعتاق؟
- لم أتعلّمْ!
- الباب المتبقّي
- رمضان يزيد غربتي
- حبرٌ أبيضُ
- إن كنت مثلي
- المُسقّف العربي وذو اللحية الزرقاء
- ما هو إلا بعض الخدر
- قبل الطلقة الأخيرة
- قليل من الوقت الإضافي


المزيد.....




- مقطع فيديو تم نشره حديثًا يُظهر مسلحًا يطلق النار على رجال ا ...
- قد تحدث لك.. كيف تُصمّم بناءك لمواجهة فيضانات مدمّرة؟
- حزب الله يعلن رفضه تسليم سلاحه للحكومة: إما أن نبقى ويبقى لب ...
- هل هناك إمكانية للتوصل إلى اتفاق بشأن الحرب في أوكرانيا؟
- مباشر: لقاء ترامب وبوتين في ألاسكا... قمّة قد ترسم معالم مرح ...
- ما هي الأهداف المعلنة وغير المعلنة لخطة سموتريتش الاستيطانية ...
- هجمات أوكرانية على روسيا قبيل قمة ترامب وبوتين
- الاتحاد الأفريقي يدعو لاعتماد خريطة -الأرض المتساوية- إنصافا ...
- خريطة لإسرائيل الكبرى تفضح خطط نتنياهو
- هل يشكل هجوم اليمين الإسرائيلي على زامير مقدمة لإقالته؟


المزيد.....

- الصورة النمطية لخصائص العنف في الشخصية العراقية: دراسة تتبعي ... / فارس كمال نظمي
- الآثار العامة للبطالة / حيدر جواد السهلاني
- سور القرآن الكريم تحليل سوسيولوجي / محمود محمد رياض عبدالعال
- -تحولات ظاهرة التضامن الاجتماعي بالمجتمع القروي: التويزة نمو ... / ياسين احمادون وفاطمة البكاري
- المتعقرط - أربعون يوماً من الخلوة / حسنين آل دايخ
- حوار مع صديقي الشات (ج ب ت) / أحمد التاوتي
- قتل الأب عند دوستويفسكي / محمود الصباغ
- العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا ... / محمد احمد الغريب عبدربه
- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - سهير فوزات - جهاد الأضحكني: ضحكة السوريين من سلاح حياة إلى أداة تنمّر!