أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهير فوزات - ما هو إلا بعض الخدر














المزيد.....

ما هو إلا بعض الخدر


سهير فوزات

الحوار المتمدن-العدد: 4390 - 2014 / 3 / 11 - 08:14
المحور: الادب والفن
    


كانت تجلس على الأريكة المجاورة له, وتسترق النظر بين الحين والحين إلى تلك الزوائد اللحمية التي تشبه براعم البطاطا أو الغصون الفتية لشجرة, التي كانت تكسو أطرافه.
هو كان ممددًا, يدٌ تحت رأسه والأخرى فوق صدره, وساقاه متصالبان يشاهد التلفاز بعينين نصف مغمضتين.
في كل يوم يمضيان الساعات المتبقية من اليوم بهذا الشكل بعد عودته مرهقًا من العمل.
منذ عدة أشهر حين بدأت تلك الزوائد بالظهور, نبهته لها, ضحك بداية ظانًا أنها تمازحه, ثم حين رأى إصرارها, بدأ يقلق بشأنها, ويطلب منها الخروج للتسوق أو لزيارة الجارات, فلربما جلوسها دون عمل وعزلتها منذ وصولهما إلى هذا البلد, هو السبب في اضطرابها وتخيلها أشياء غير موجودة.
هي لم تفهم في البداية, كيف يمكنه أن يتجاهل هذا التشوه الذي يصيبه ويتعايش معه, مع أنه بدأ يشكو بين الحين والآخرإحساس خدرٍ ينتاب أطرافه ولا يعرف له مبررًا.
كان قلقها يزداد دون أن تجد حلًا, بعد عدة مهاترات بينهما كفت عن طرح الموضوع, وكف هو عن سؤالها.
بدأ الصمت يغطي المساحات بينهما كطبقة شفيفة من الغبار, ثم هاهما الآن لا يتبادلان طوال اليوم أكثر من بضع كلمات والكثير من نظرات الريبة والأمواج الفكرية المتداخلة التي يشوشها السكون.
زاد هذا الصمت حين عادا من زيارة الطبيب- التي أقنعته بها بصعوبة- لبحث منشأ الخدر في أطرافه.
في الزيارة كانت ترقب الطبيب-الشجرة الذي يتحرك هو الآخر متعايشًا مع زوائده وتشوهاته, كانت تلك أول مرة تحدق عن قرب في تشوه أحد سكان هذي البلاد, وتلاحظ قدرتهم على إخفاء هذا التشوه, سواء بالألبسة الفضفاضة والأحذية الواسعة, أم بالتجميل الخارجي الذي يستخدمونه بسخاء.
طرح على زوجها عدة أسئلة وفحصه فحصًا كاملًا متجاهلًا أي مظهر غريب يغطي جلده. ثم قرر في النهاية أن الوضع طبيعي, وقد يكون بسبب تغيير المناخ الذي تعرضا له بانتقالهما من بلدهما مؤخرا
حين قررا ترك وطنهما كانا يعرفان أنهما سيعبران كما في كبسولة فضاء إلى كوكب جديد لا يشبه كثيرا عالمهما, وكانا يعرفاه أن الكثير من الأمور في حياتهما ستتغير. لكنهما لم يكونا حرين تماما في الاختيار. فقد كانا هناك أيضا في غربة. كان ذلك المرض المزمن المنتشر في بلادهما يقض مضجعهما, وقد قاوماه بمعجزة لزمن طويل.
كان القبيح من أعراض ذاك المرض, هو اللون الرمادي المنقط بنقط سوداء كسطح حجر. ينتشر على الجلد ويصيب أغلبية سكان تلك البلاد في عمر مبكر, وقد يتأخر إلى سن الرشد أو ما بعده بقليل منتهكا مناعة الجسد وأساليب دفاعه. وفي بعض الحالات يتصاحب بوبر كالطحالب يغطي بعض مساحات الجسم الظاهرة.
فكرت أنهما لم يملكا يوما الكثير من الخيارات, وأن حياتهما قطار يمشي على سكة , يكون أعظمُ خيار له هو التحول عند مفصل ما إلى سكة أخرى, لكنه يظل أسير السكك حتى نهاية عمره.
الليلة الماضية عاودها الكابوس الذي بدأ يراودها بعد زيارة الطبيب: هي عالقة بين غضون شجرة تطبق على صدرها وتعصره, صدرها يؤلمها والحليب يتدفق منه غزيرًا, وهي تصرخ ولكن لا أحد حولها سوى أشجار وغصون.
تستمر الشجرة بعصر ثدييها حتى يخرج الدم بدل الحليب, وهي تصيح من الألم. ثم تصحو وهي تجهش وتكتم صوتها حتى لا توقظ زوجها الغارق في النوم من شدة تعبه, والذي كان قبلا يصحو إن هي تنهدت بجانبه.
عاودت استراق النظر إليه... كيف لها أن تضاجع شجرة! زوائده اللحمية تزداد وتتشعب يوما بعد يوم. ما الحل وهي وحيدة لا تعرف أحدًا سواه في هذا البلد, وهو بدأ يبتعد عنها, تمنت للحظة لوأنها أنجبت طفلًا منه قبل السفر, لكن لا...لحسن الحظ أنها لم تنجب, ماذا لو أنجبت طفلًا شجرة!
لا زال يتابع التلفاز بنصف عينينه, حاولت استفزازه فغيرت المحطة باستخدام جهاز التحكم في يدها, لكنه تابع مشاهدة المحطة الجديدة من دون أن يرمش.
قدرت أنه نائم, فانسلت إلى غرفة النوم, وأغلقت الباب وغطت في نوم عميق.
في اليوم التالي كانت ستبدأ العمل في أحد المحال التجارية بأجر زهيد. بعد أن قررت التخلي عن شروطها في الحصول على عمل, وركن شهادتها الجامعية في الدرج. فقط لتستطيع الهروب من أفكارها ومن كوابيسها, والتحايل على تلك الهوة التي بدأت تفصلها عن زوجها وصديقها الوحيد.
بدأت العمل, وبدأت تتعامل مع الناس الأشجار كما هم, هكذا ستتخلص شيئا فشيئا من كوابيسها, وبعد مدة ستتعود تلك التشوهات. ومهما تشعبت وازدادت غصون زوجها فلها حد تقف عنده, يكفي أن تغمض عينيها حين يتضاجعان, كما تفعل الآن, وأن تتحاشي إطالة النظر إليه.
ها هما الآن جالسان على الأريكة, يشاهدان مباريات كأس العالم للهوكي, بحماس مفتعل, ولا تشعر بأي شيء غريب, ولا أي شيء عموما... سوى بعض الخدر في شفتيها.



#سهير_فوزات (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- قبل الطلقة الأخيرة
- قليل من الوقت الإضافي
- الحب... وفخ العيش المشترك
- بحيرة الحقيقة
- قصة لن تنتهي
- قيس وليلى...والذئب


المزيد.....




- يتصدر عمليات البحث الأولى! .. فيلم مشروع أكس وأعلى الإيردات ...
- المخرج علي ريسان يؤفلم سيرة الروائي الشهيد حسن مطلك وثائقياً ...
- فنانون سوريون ينعون ضحايا تفجير كنيسة مار إلياس
- المفكر الإيراني حميد دباشي.. التصورات الغربية عن الهوية الإي ...
- فيلم -باليرينا-.. درس جديد في تصميم الأكشن على طريقة -جون وي ...
- التشادي روزي جدي: الرواية العربية طريقة للاحتجاج ضد استعمار ...
- ما آخر المستجدات بحسب الرواية الإسرائيلية؟
- تردد قناة ماجد الجديد لأطفالك 2025 بأحلى أفلام الكرتون الجذا ...
- -أسرار خزنة- لهدى الأحمد ترصد صدمة الثقافة البدوية بالتكنولو ...
- بمناسبة أربعينيّته.. “صوت الشعب” تستذكر سيرة الفنان الراحل أ ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سهير فوزات - ما هو إلا بعض الخدر