أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سهير فوزات - رسالة ثروت أبو عمار الأخيرة














المزيد.....

رسالة ثروت أبو عمار الأخيرة


سهير فوزات

الحوار المتمدن-العدد: 6024 - 2018 / 10 / 15 - 22:36
المحور: المجتمع المدني
    


أنت يا من رأيت الصورة وصعقت ببركة الدم التي تجاور رأسها، لعلك لم تنتبه إلى الرسالة المخبّأة في ثنية حجابها.. أرسلت فيها آخر كلماتها:
سألني خاطفي ساخرا: أي ميتة تختارين؟ فطلبت منه أن أكتب آخر كلماتي في هذي الرسالة أولا ثم ليقتلني بعدها كما يشاء فهي آخر الميتات. طبعا لم يعترض فهو أكثر من يعلم أن الكلمات لا تغير اليوم شيئا فمن يقرأ؟ وإن قرؤوا فمن يفهم؟ وإن فهم أحدهم فمن أين له القوة في عصر القوة الرخيصة؟ فكما يقول جبران" يحتاج الحق لشخصين: أول ينطق به، وآخر يدافع عنه"
لذا تركني أكتبها لتعبُر كمصباح مطفأ قديم علاه الغبار في منجم أفكار مهجور.
أنا ثروة أبو عمار، أنا هي الفتاة التي ستراها سابحة بدمها وقد تتألم لذلك لكن بدل أن تسأل عن السبب الحقيقي لموتي ستثور ضد السبب المباشر والسطحي والأخير.
سأقول ما عندي فلم يعد هناك ما أخافه، كي أفضح الجرائم المخفية التي ستموت بموتي والتي يراد لها أن تستمر وتتكرر على مدى الأجيال.
ولدت لأسرة سورية عادية، وحين أقول عادية أقصد كل السوريين ما عدا قلة قليلة من ذوي السلطة ومن يدور في محيطهم ممن لديهم الأموال والنفوذ وكل ما يتمنون من الحماية والرفاه في البقعة السورية المسماة دولة.
يوم ولدت كان أول موت لي، في ثقافة تحرّم وأد جسد الأنثى لكنها تئد روحها. مع أن أهلي يفرحون بالمولودة الطفلة طالما ظلت طفلة لكنهم يخشون عارها حتى الممات. وكم سمعت في طفولتي أمي تردد (همّ البنات للممات) (البنت بتجيب العار والمعيار والعدو للدار) (بيت البنات خراب) (انت ضلع قاصر). أنا التي لم أضع الحجاب يوما لأنه ليس من تقاليد طائفتي، ولأنني من طائفة خطا أسلافها -الذين كانوا يستخدمون هذه الخردة الموضوعة في الرأس المسماة عقلا- خطوة في الماضي البعيد نحو احترام المرأة، لكن تربيتي كانت تنسج لي حجابا داخل رأسي طوال عمري… ربيت أن أخاف الله المجهول الذي خلقني أنثى ضعيفة ليفرض عليّ الحصار ويعاقبني لسبب مجهول أيضا.
منذ ولدت كان هناك دوما خوف غير مبرر من هذه اللحظة التي تبدو خارجة من قصص ألف ليلة وليلة وقصص التراث ولا يمكن أن تحدث في العصر الحديث، اللحظة التي خُطفتُ فيها (أو سبيت كما قال الخاطف) مع عشرين امرأة أخرى. لحظة العار لطائفة كبقية الطوائف في دولة تدعي المدنية والتحضر وتسوّر رعاياها في حظائر طوائفهم وتسمح لهم بتطبيق شرائعهم القبليّة الخاصة شرط عدم اقترابهم من السلطة.
حين بدأت أتلمس أنوثتي بدأ موتي الثاني. لم أكن بذاك الجمال ليتسابق على خطبتي البعيدون أو يحْتكرني أبناء العمومة. كان لي أنف روماني ورثته عن أبي وسمرة عربية ورثت لعنتها فيما ورثت عن عروبة تزدري سمرتها. وصرت على قائمة انتظار الحياة.
ربما لو كنت أحب المدرسة لتركت أتعلم وأنال الشهادة الجامعية إن رغبت، لا لشيء بل فقط لتزيد من قيمتي في حسابات عريس المستقبل ولأعلّقها على الحائط في بيته إن أتى، و إن لم يأت كي أعمل بها وأكفي أهلي شر مصروف معيشتي تحت وصاية أخوتي بعد أبي.
موتي الثالث هوغشاء بكارتي الحامل لشرف العائلة، جسدي الذي لا أستطيع عيشه لانه ليس لي، هو ملك رجل مجهول قد لا يأتي. أعيش حياتي قبله شبه امرأة لا حق لي في الحب ولا في الحياة حتى يحررني فارس الأحلام الذي قد يكون أقل بكثير من طموحي لكن يكفي أنه ذكر، ولا حق لي في اكتشافه خارج رقابة أسرتي أو رضاها وإلا سيكون لي مصير (ديانا أبو حسون) أو (هدى أو عسلي) أو(سناء سيف) أو غيرهن ممن قتلن على يد أقرب الناس اليهنّ وبدم بارد... كنت دوما مشروع عاهرة-قتيلة أو مشروع امرأة.
موتي الرابع في أمومتي المعلقة إلى نفس ذلك المجهول. لا يمكن لي أن أكون أما حتى لو كان عندي حنان نساء العالم أجمعين دون أن يأتي المخلّص الذي أسجل طفلي على اسمه. ولا في قوانين بلدي يمكنني أن أتبنى طفلا لاخذ منه ما أحتاج من أمومة وأعطيه ما يحتاج من حب.
عمري الآن خمس وعشرون وأنا معلقة بين كل تلك الميتات، أرى شبابي يذوي أمامي وكل يوم يمضي يبعدني عن الأمل.
بخطفي سُرق آخر أمل لي من قبل هذه الوحوش البشرية، إن أعادوني من سيصدق أنهم لم يمسّوا جسدي ويدنسوه، مع أنهم قالوا إنني نجسة كافرة، أنا التي عرفت الله وأطعته أكثر منهم، لم يقتربوا مني كي لا أنجسهم. لكنهم قتلوني وانتهى الأمر.
لماذا يعيدونني إذا؟ لأكمل موتي؟ أم لأعيش شبحا على قدمين؟
أنا التي عشت خمسا وعشرين سنة في انتظار حياة، خبرت الموت جيدا فلم يعد يخيفني، ها أنا سأحيا على شاشات العالم أجمع، هذا العالم الذي لم يكن يعنيه أمري يوما، سوف يعرف اخيرا بوجودي… والوحش الذي يعلن موتي سوف يتباهى بأنه قتل روحا موؤودة أصلا ويفاوض على مزيد من المكاسب.
سألني خاطفي أي ميتة تختارين وكلّ قتلتي من قبل لم يسألوني فهل يهمّ كيف تكون آخر الميتات؟!
سأمضي في خلودي وأترك خلفي الجرائم والميّتات ممن تبقى من نساء هذه البقعة من الأرض ينتظرن إعلان موتهن أو ولادتهن بطريقة أو بأخرى.



#سهير_فوزات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الرجل والعادة الزرّيّة
- الأمومة ليست مجرد الإنجاب وليس الطفل ملكية
- تائي المربوطة: أما آن لها الانعتاق؟
- لم أتعلّمْ!
- الباب المتبقّي
- رمضان يزيد غربتي
- حبرٌ أبيضُ
- إن كنت مثلي
- المُسقّف العربي وذو اللحية الزرقاء
- ما هو إلا بعض الخدر
- قبل الطلقة الأخيرة
- قليل من الوقت الإضافي
- الحب... وفخ العيش المشترك
- بحيرة الحقيقة
- قصة لن تنتهي
- قيس وليلى...والذئب


المزيد.....




- شاهد.. لحظة اعتقال اكاديمية بجامعة إيموري الأميركية لدعمها ق ...
- الشرطة الاميركية تقمع انتفاضة الجامعات وتدهس حرية التعبير
- صحف عالمية: خيام غزة تخنق النازحين صيفا بعدما فشلت بمنع البر ...
- اليونيسف تؤكد ارتفاع عدد القتلى في صفوف الأطفال الأوكرانيين ...
- يضم أميركا و17 دولة.. بيان مشترك يدعو للإفراج الفوري عن الأس ...
- إيران: أمريكا لا تملك صلاحية الدخول في مجال حقوق الإنسان
- التوتر سيد الموقف في جامعات أمريكية: فض اعتصامات واعتقالات
- غواتيمالا.. مداهمة مكاتب منظمة خيرية بدعوى انتهاكها حقوق الأ ...
- شاهد.. لحظة اعتقال الشرطة رئيسة قسم الفلسفة بجامعة إيموري ال ...
- الاحتلال يشن حملة دهم واعتقالات في الضفة الغربية


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - سهير فوزات - رسالة ثروت أبو عمار الأخيرة