أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سهير فوزات - التوريث والأحلام المسروقة














المزيد.....

التوريث والأحلام المسروقة


سهير فوزات

الحوار المتمدن-العدد: 6170 - 2019 / 3 / 12 - 09:57
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


كان أبي في المستشفى يواجه أيامه الأخيرة في منتصف عام 2001 بعد مرور حوالي عام على توريث الحكم للأسد الابن. حينها صدر عدد جديد من جريدة صوت الشعب للحزب الشيوعي كانت افتتاحية العدد لوصال فرحة -التي ورثت أمانة السر عن زوجها خالد بكداش- مقالا حول الخطاب (التاريخي) للرئيس غير الشرعي، كان في مقالها الكثير من التملق الذي يحرج البعثيين أنفسهم، كنت أجلس بجانب أبي وهو على سريره وأقرأ له المقال وأضحك وهو يبتسم بوجه مصفر نال المرض منه غايته.
حين انتهيت من المقال قلت له: ما رأيك؟ هل نستطيع أن نسمي حزبا كهذا حزب معارضة وهذه أمينته الأمينة لمنصبها لا لفكر حزبها تتملق الحاكم؟
كان ابن الدكتاتور ذلك الصيف قد خلع قناعه المؤقت الذي لبسه فيما سمي بربيع دمشق واستعاد سيرة أبيه في اعتقالات الرأي، وأغلق المنتديات الثقافية والفكرية التي نشطت بعد إرخاء قبضة الأمن في بداية عهده منذ أقل من عام.
لم يجب أبي لكن عينيه أجابتا، كانت عيناه المحمّلتان بخيبات العمر تنطقان دون كلام. لم أستطع احتمال نظرة الخيبة التي كانت فيهما بينما هو يهز رأسه مع ابتسامة مرار، فوضعت الجريدة جانب السرير وخرجت.
ذلك الثائر النزق والمحاور الصلد قالت لي عيناه قبل أيام من وفاته: كفي عن نبش الجرح! هل تعلمين معنى أن يمضي الإنسان عمره متعلقا بأستار الوهم؟
أبي كان شيوعيا قديما ناضل طيلة حياته ومنح من وقته وفكره لحزب كانت تسميه أمي تهكما (حزب الفقرا) مع أنني لم أر من فقرائه إلا أبي وقلة من أصدقائه.
قال لي مرة بعد أن جادلته طويلا باستحالة تغيير الوضع وحصار الأفق السوري من كل جهاته:
"شو بدك نعمل يعني نترك النضال؟ لازم نناضل حتى لو ما في أمل"
في بداية انتمائه للحزب كان أبي قد نُقل نقلا تعسفيا، بعد تعيينه في قطاع التربية والتعليم، إلى قرية نائية في ريف حمص، بقرار يضمه مع عدد من رفاقه الشيوعيين على خلفية انتمائهم، قبل أن يتم تدجين حزبهم فيما بعد ضمن ما سمي الجبهة الوطنية التقدمية. كانت هذه ذكرى وحيدة يفخر بها بانتمائه فهي الدليل على غضب الدولة الذي كان علامة حياة ووثيقة شرف لكل من عمل في السياسية في عهد الدكتاتور. ما عدا ذلك فقد عاش مبعدا اجتماعيا بسبب انتمائه لحزب (كافر بالله) ومهمّشا سياسيا بسبب انتمائه لحزب (كافر بالعروبة).
أما مهنته التي أحبها وأعطاها الكثير فقد كانت تضيق عليه يوما بعد يوم حتى أنه طوال حياته القصيرة كان يعمل عملا إضافيا ليسد احتياجات أسرة كبيرة تزداد أعباؤها كلما طالت أيدي سارقي البلد وتشعبت صلاحيات محظيّيهم.
مات أبي شيوعيا فقيرا، براتب تقاعدي لا يكفي لنصف احتياجاته، دون أن يجني أية مكاسب لا مادية ولا معنوية، مات ككل شرفاء هذا البلد مخدته حفنة تراب معطرة بالأحلام وفراشه أحجار القرية التي عشقها، وغطاؤه النجوم.
لم أرث عنه شيئا فقد ترك ثروة من الديون والأحجار ورثها أخوتي كما ورثوا صورته الأخيرة. حشروها في إطار نضالي شوهته خيانة القيادات وسلبته بريقه مكاسب الانتهازيين الصغيرة أما أنا فحرمت حتى من منحها إطارا يليق باختلافها.
لكنني رغم ذلك حصلت على إرثي من خيباته وأحلامه المسروقة أنا التي كنت واثقة أنه سيقف مع الثورة والتغيير لو قدرت له الحياة لم يكن باستطاعتي الدفاع عن صورته تلك لأن الثورة خيبتني.
الثورة التي سرقها الاسلاميون ليست ثورتي كما أن الشيوعية التي سرقها البكداشيون لم تكن شيوعية أبي، وسوريا التي سرقها الأسديون، سوريا التي حلمنا بها وطنا "سالما منعما وغانما مكرما" لم تكن يوما لنا.
ها هو عام ثامن ينقضي على بداية الثورة والسوريون الحالمون -من بقي منهم خارج السجن والموت- مازالوا يركضون حفاة في أعقاب ثورتهم وفي أعقاب وطن اقتسمه الغزاة والوصوليون من كل الاتجاهات
الحرية التي عاشت في خاطر شرفاء الوطن هي الحلم الأبيض الذي لم تلطخه أيدي المجرمين، حلم بوطن للجميع، فيه قانون فوق الجميع، وفيه ثروة يمتلكها الجميع، وإرث حضاري يفخر به الجميع.
حتى وإن كانت مجرد حلم فلا سبيل لنا لنسيانه لأنه بذرة تحمل جينات السلم المهددة بالانقراض في هذا العالم المتوحش. ولا نملك رفاهية التخاذل فدماء الأبرياء والأصدقاء تصرخ في نومنا وصحونا: لا بد أن نتابع النضال حتى من دون أمل
فهو إن تبخر كغيمة لا بد أن يتدفق يوما صافيا وحقيقيّا من قلب الصخر!



#سهير_فوزات (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحقيقة القاتلة :قراءة في فيلم صندوق العصفور Bird box 2018
- رسالة ثروت أبو عمار الأخيرة
- الرجل والعادة الزرّيّة
- الأمومة ليست مجرد الإنجاب وليس الطفل ملكية
- تائي المربوطة: أما آن لها الانعتاق؟
- لم أتعلّمْ!
- الباب المتبقّي
- رمضان يزيد غربتي
- حبرٌ أبيضُ
- إن كنت مثلي
- المُسقّف العربي وذو اللحية الزرقاء
- ما هو إلا بعض الخدر
- قبل الطلقة الأخيرة
- قليل من الوقت الإضافي
- الحب... وفخ العيش المشترك
- بحيرة الحقيقة
- قصة لن تنتهي
- قيس وليلى...والذئب


المزيد.....




- الذكرى الخمسون لثورة القرنفل في البرتغال
- حلم الديمقراطية وحلم الاشتراكية!
- استطلاع: صعود اليمين المتطرف والشعبوية يهددان مستقبل أوروبا ...
- الديمقراطية تختتم أعمال مؤتمرها الوطني العام الثامن وتعلن رؤ ...
- بيان هام صادر عن الفصائل الفلسطينية
- صواريخ إيران تكشف مسرحيات الأنظمة العربية
- انتصار جزئي لعمال الطرق والكباري
- باي باي كهربا.. ساعات الفقدان في الجمهورية الجديدة والمقامة ...
- للمرة الخامسة.. تجديد حبس عاملي غزل المحلة لمدة 15 يوما
- اعتقال ناشطات لتنديدهن باغتصاب النساء في غزة والسودان من أما ...


المزيد.....

- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى
- عفرين تقاوم عفرين تنتصر - ملفّ طريق الثورة / حزب الكادحين
- الأنماط الخمسة من الثوريين - دراسة سيكولوجية ا. شتينبرج / سعيد العليمى
- جريدة طريق الثورة، العدد 46، أفريل-ماي 2018 / حزب الكادحين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سهير فوزات - التوريث والأحلام المسروقة