أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سهير فوزات - كيف تحول الدين إلى وطن فاحتكر الهجري صوت السويدا!















المزيد.....

كيف تحول الدين إلى وطن فاحتكر الهجري صوت السويدا!


سهير فوزات

الحوار المتمدن-العدد: 8425 - 2025 / 8 / 5 - 07:31
المحور: الثورات والانتفاضات الجماهيرية
    


قبل الهجوم على محافظة السويداء، الذي راح ضحيته أبرياء ودُمّرت قرى كاملة من بينها قريتي، كنت أحضّر للكتابة عن النبرة الطائفية التي تتصاعد تدريجيا ضد السويدا وتحاول تلوين حراكها السلمي وحصر صوته في صوت رجل دين ليس مخولا بالتمثيل السياسي، ولا يمكن أن يتصدره بالنظر إلى طبيعة مجتمع السويداء، وطائفة تحذر المجاهرة بالدّين باعتباره خيارًا شخصيًا، فهو (فرض كفاية لا فرض عين). وهذا هو التفسير المبسط لمطلب (الدولة العلمانية) الذي أثار حفيظة العلمانيين قبل المتدينين في خطاب الشيخ الهجري: حرية التدين تحت ظل دولة القانون.
لم أكن أتوقع أن تكون المذبحة نتيجة لهذا التصاعد، كانت ثقتي بأخوة الوطن كافية لتعميني عن هذا التوقع.
في عهد الأسد، الرواية الرسمية لم تتبنَّ الخطاب الطائفي علناً، لكنها عززته بالممارسة. والنظام الذي زعم العلمانية وخصّ الطائفة السنيّة بالقمع والمجازر خلال عهديه، كان بالمقابل أكبر راعٍ لمعاهد تحفيظ القرآن وبناء المساجد. وكان حريصًا على الاحتفاظ بمسافة واحدة في القمع الفكري والاعتقال والاضطهاد من معارضيه من جميع الطوائف وعلى نشر الفساد والإفساد بالتساوي في جميع مكونات المجتمع.
وبما أنه قدّم نفسه كحامٍ للأقليات، لذلك لم يعادِ علنا شريحتي معارضيه في السويدا المتمثلة بالثوار السلميين في ساحة الكرامة والحركة العسكرية لرجال الكرامة، التي كانت تحمي أبناء المحافظة ممن رفضوا الانخراط في لعبة حماية الكرسي باسم الخدمة الإلزامية وحماية الوطن، بل كان أسلوبه معهم التجاهل التام مع التضييق والضرب حين تسنح الفرصة. وغضّ البصر عن التسلح بانتظار خلق فتنة بين الدروز وجيرانهم من بدو أو حوارنة أو فيما بينهم كفصائل مختلفة التوجه، الأمر الذي فشل فيه لسنوات ونجحت فيه السلطة الحالية في زمن قياسي.
بقيت السويدا مهمشة من النظام رغم التظاهر السلمي اليومي طوال سنة وأربعة أشهر قبل هروب الأسد، دون إيعاز من رجل دين أو تخوين من إخوة الوطن.
لم تحصر في طائفتها كما حدث مؤخراً، حتى حين أطلق الشيخ الهجري دعمه للحراك السلمي قبل هروب الأسد بشهور. هذا الدعم أعطى قوة شعبية لموقف السياسيين والمثقفين الرافض لسياسة القمع. ورغم أن مكانة رجال الدين في السويدا هامشية عمليا، إلا أن مباركة الهجري للحراك أعطته قوة وحضوراً اجتماعياً لا يمكن إنكاره. لأن ضعف صوت المثقف في المجتمع هو من مخلفات الدكتاتورية أيضا.
استمر صوت الشيخ الهجري في دعم المطالب الوطنية، وكان غطاءً معنوياً لمطالب المجتمع المدني دون أن يتصدّره، حتى وصلت السلطة الطائفية إلى دمشق.
منذ بداية مسار الحكومة الحالية استأثرت بالسلطة وحوّلت الطائفة السنية التي عانت من الاستهداف والاضطهاد إلى مجرد هوية جريحة بلا عدالة انتقالية، تحت غطاء انتصار وهمي. وقد نجحت جماعة (نصرة الدين) و(تقرير الشام) أن تسرق الثورة نفسها التي داست يوما على علمها وحاربت جيشها الحر. ونجحت في تحويل الدين إلى وطن إقصائي، كتعويض وهمي عن التضحيات وغياب العدالة، تمثّلَ في التماهي بدكتاتور ناشئ لا يختلف عن سابقه إلا في المذهب. بالتوازي مع هذا التفرد بالسلطة، بدأ التركيز على التكوين الطائفي للسويداء، وركز الإعلام العربي والخارجي المؤدلج على الهجري كواجهة للحراك، مما همّش الصوت المدني الذي كان قبل الهجري واستمر معه.
ثم بدأ قلق السلطة من أي صوت وطني حقيقي يخلق المقارنة ويظهر فشلها. وبدأت سياسة شيطنة الهجري وتصيّد خطاباته وتضخيم دوره، بالتزامن مع محاولات السلطة استقطاب شيوخ آخرين واستدراج ولاء السويدا لإخضاعها (ودوما بخطاب طائفي وحوار مع شيوخها وتجاهل حراكها المدني)
فمثلا، حين انتخب أهالي السويدا امرأة لمنصب المحافظ، تم تجاهل إرادتهم وتعيين محافظ من إمارة إدلب بدلاً من ذلك. وفي خطوة للتغطية على هذا الإجراء، عُيِّنت امرأة (متدينة) من السويداء في منصب مدير التربية. عودةً إلى الشيخ الهجري، وحجمه الحقيقي قبل تضخيمه: هو يمثل شريحة من المجتمع السويداوي ويدعم أساسيات دولة المواطنة بطريقته ولأسبابه التي لم تتعارض مع مصلحة الوطن حتى الآن. دون أن ننسى أنه كرجل دين واجبه الأول حماية جماعته. وأن له مريدين، بعضهم تجاوز الدعم إلى حد التقديس، وبعضهم يتبنى سلوكيات متشددة وممارسات قمعية تجاه الرأي المختلف ولا أتحدث هنا عمّن أسمته السلطة وإعلامها في إطار التصعيد نفسه (ميليشيات الهجري).
شخصياً أرفض التواطؤ أو التأييد لشرعية أي دولة قائمة على أساس ديني أو طائفي بما فيها اسرائيل أو دمشق الحالية، لأنها تمنح امتيازات إضافية لفئة على حساب أخرى بناءً على الانتماء بالولادة، مما يناقض جوهر العدالة والمساواة. وكامرأة، كائن من درجة ثانية في ايديولوجيات ما قبل الدولة، لم ينصفني أي دين في إنسانيتي وحقوقي. ولهذا، فإن مطلبي الأول هو دولة مواطنة وحياد ديني. لكني وجدت نفسي إذ ثرت لأوسّع هامش الحرية الذي هو أدنى بكثير من طموحي الإنساني، فإذ بي أجده يتقلص نهائيا في دولة (العورات والحلوى المكشوفة)
صار مطلوبا مني أن أعرّف بنفسي ك(درزيّة) وبعدها أن أختار انتمائي مع الهجري أو مع السلطة (لا مكان ثالث بينهما)
بفعل السلطة، تحوّل الدين إلى وطن، ولم يعد هناك مكان للصوت الوطني خارجه. هذه السلطة التي احتكرت الطائفة السنية وصادرت صوتها، ها هي اليوم تحصرني في طائفة الهجري وتصادر صوتي. وهكذا، أصبحت تهمة "طائفي" صفة ملازمة لكل درزي لا يشتم الهجري، وتهمة "فلول" ملازمة لكل علوي، تماماً كما كانت تهمة "إخونجي" لعقود صفة كل سني لايثبت براءته.
وفي نفس السياق، افتعلت السلطة حادثة البدو وضخمتها، وكانت حجتها للهجوم واهية ومرتجلة، تماماً كحجج الانفصال والخيانة التي أُلصقت بخطاب الهجري. أتكلم من موقعي المدني، دون أن أدّعي جهلي بما يدور من اتصالات مع جهات خارجية جاهزة لتستثمر في الوضع المتدهور في سوريا وللاصياد في الماء العكر، لكنني أطرح التساؤل الجوهري: من الذي عكّر الماء حتى يتكالب عليه الصيادون؟
اليوم بعد مذبحة السويدا، وبعد أن تصاعد الخطاب المحرّض، وتزايدت الدعوات التي تستهدف الأفراد على هويتهم، وبعد أن حوصر الصوت الوطني في صوت الهجري وحوصرت السويدا ونبذت من الوطن الديني الجديد فلم يبق لها سوى معبر وحيد بين عدوّين، أجد نفسي والكثيرين، وأخص ثوار ساحة الكرامة الذين ذاقوا الويل في عهد الأسد، ثم صاروا محط أصابع اتهام أبناء جلدتهم كونهم جلبوا بثورتهم التطرف الإسلامي للحكم، صرنا محصورين بين تكفيريين وفلول. لقد أصبحنا بلا وطن وبلا قضية، منفيين من ثورة الحرية، ومبعدين من طائفة الأكثرية، مهزومين بينما البقية تحتفل بالنصر وتستعرض البطولات الدموية. واليوم أتساءل بلا انتظار إجابة: أنا/نحن -الكائنات السورية الثورية- خسرنا، فهل ربح الوطن، أم هل بقي منه شيء؟!



#سهير_فوزات (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أرجوكم اضحكوا!
- نَسَوي أم نِسْوَنْجي؟*
- الحياة امتحان أم محنة!
- المرأة المسلمة في مرآة غربية -قراءة في كتاب
- التوريث والأحلام المسروقة
- الحقيقة القاتلة :قراءة في فيلم صندوق العصفور Bird box 2018
- رسالة ثروت أبو عمار الأخيرة
- الرجل والعادة الزرّيّة
- الأمومة ليست مجرد الإنجاب وليس الطفل ملكية
- تائي المربوطة: أما آن لها الانعتاق؟
- لم أتعلّمْ!
- الباب المتبقّي
- رمضان يزيد غربتي
- حبرٌ أبيضُ
- إن كنت مثلي
- المُسقّف العربي وذو اللحية الزرقاء
- ما هو إلا بعض الخدر
- قبل الطلقة الأخيرة
- قليل من الوقت الإضافي
- الحب... وفخ العيش المشترك


المزيد.....




- قانون طرد المستأجرين: لا بديل عن التنظيم الشعبي للدفاع عن ال ...
- عمال “المتحدة” يحتجون على عدم صرف رواتبهم للشهر الثاني
- “أمن الدولة” تُخلى سبيل رئيسة تحرير موقع مدى مصر
- رقابة وسيطرة ناعمة، عبر الذكاء الاصطناعي كأداة قمع سياسي متد ...
- حزب الشعب الوطني الكشميري الموحد ينتقد خطاب باكستان بشأن حزب ...
- كلمة الميدان: الحل في يد الجماهير
- افتتاحية: من أجل النهوض بالحركة النضالية الشعبية في بلادنا
- كوبنهاغن تكافئ السياح على حماية البيئة
- محمد نبيل بنعبد الله يعزي الرفيقة فريدة خنيتي عضوة اللجنة ال ...
- شرطة الإحتلال في تل أبيب تقمع متظاهرين طالبوا بصفقة تبادل


المزيد.....

- ليبيا 17 فبراير 2011 تحققت ثورة جذرية وبينت أهمية النظرية وا ... / بن حلمي حاليم
- ثورة تشرين / مظاهر ريسان
- كراسات شيوعية (إيطاليا،سبتمبر 1920: وإحتلال المصانع) دائرة ل ... / عبدالرؤوف بطيخ
- ورقة سياسية حول تطورات الوضع السياسي / الحزب الشيوعي السوداني
- كتاب تجربة ثورة ديسمبر ودروسها / تاج السر عثمان
- غاندي عرّاب الثورة السلمية وملهمها: (اللاعنف) ضد العنف منهجا ... / علي أسعد وطفة
- يناير المصري.. والأفق ما بعد الحداثي / محمد دوير
- احتجاجات تشرين 2019 في العراق من منظور المشاركين فيها / فارس كمال نظمي و مازن حاتم
- أكتوبر 1917: مفارقة انتصار -البلشفية القديمة- / دلير زنكنة
- ماهية الوضع الثورى وسماته السياسية - مقالات نظرية -لينين ، ت ... / سعيد العليمى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الثورات والانتفاضات الجماهيرية - سهير فوزات - كيف تحول الدين إلى وطن فاحتكر الهجري صوت السويدا!