أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - اسحق قومي - هَلِ القِيَمُ الكُبْرَى مِعْيَارُ الحَضَارَةِ وَمِرْآتُهَا؟















المزيد.....



هَلِ القِيَمُ الكُبْرَى مِعْيَارُ الحَضَارَةِ وَمِرْآتُهَا؟


اسحق قومي
شاعرٌ وأديبٌ وباحثٌ سوري يعيش في ألمانيا.

(Ishak Alkomi)


الحوار المتمدن-العدد: 8435 - 2025 / 8 / 15 - 00:52
المحور: اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم
    


لِلبَاحِثِ السُّورِيِّ إِسْحَق قَوْمِي
أَلْمَانِيَا – 23/6/1998م

المُقَدِّمَة
إنَّ هذا البحثَ يهدفُ إلى تناولِ مسألةِ القِيَمِ من منظورٍ شاملٍ يربطُ بين الفلسفةِ والعلومِ الإنسانيةِ والاجتماعيةِ، مبرزًا أهميتَها في تشكيلِ النظمِ الأخلاقيةِ والسياسيةِ، وفي التأثيرِ على مسارِ الحضاراتِ. وانطلاقًا من ذلك، فإنَّه يتَّكئُ على المقياسِ الفلسفيِّ للقِيَمِ لفهمِ الأسسِ المعياريةِ التي تقومُ عليها المجتمعاتُ، كما يستندُ إلى التحليلِ الاجتماعيِّ لتأثيرِ القِيَمِ في النُّظُمِ، مع إيرادِ أمثلةٍ تاريخيةٍ على انهيارِ الحضاراتِ عندَ تهاوي القِيَمِ، تأكيدًا على أنَّ البناءَ الحضاريَّ لا يقومُ إلَّا على قاعدةٍ صلبةٍ من المبادئِ والأخلاقِ. ويُعزَّزُ هذا الإطارُ النظريُّ بربطِه بنتائجَ ميدانيةٍ مُستمدَّةٍ من علمِ الاجتماعِ والأنثروبولوجيا، ومنها – على سبيل المثال – ما أظهرَته دراسةٌ حديثةٌ أُجريت في أربعِ قارَّاتٍ، حيثُ تبيَّن أنَّ القِيَمَ التي ترتكزُ على التضامنِ والعدلِ تُحافظُ على استقرارِ المجتمعاتِ أكثرَ من تلك التي تعتمدُ على التفاوتِ والمصالحِ الفرديةِ. ويأتي هذا البحثُ في سياقِ الحاجةِ الملحَّةِ إلى إعادةِ النظرِ في منظومةِ القِيَمِ في ظلِّ التغيُّراتِ الاقتصاديةِ والسياسيةِ الراهنةِ، وما تفرضُه من تحدياتٍ على الهويةِ الثقافيةِ والتماسكِ الاجتماعيِّ.
إِنَّ الحَديثَ عَنِ القِيَمِ الكُبرى، هُوَ فِي أَصلِهِ حَديثٌ عَنِ الهُوِيَّةِ العَميقَةِ لأَيِّ أُمَّةٍ أَو شَعبٍ، وَهُوَ مِرآةٌ تُجَسِّدُ مَدى تَفاعُلِهِ مَعَ الحَضارَةِ وَالتَّاريخِ وَالمُستَقبَلِ. وَالقِيَمُ الكُبرى كَما أَراها هِيَ تِلكَ المَبادِئُ وَالأُسُسُ الَّتي تُشَكِّلُ الضَّميرَ الجَمعِيَّ، "وَيَقتَضِي ذٰلِكَ تَوسيعَ تَعريفِ هٰذِهِ القِيَمِ مُنذُ البِدايَةِ وَوَضعَ مَعاييرَ مَنهَجِيَّةٍ لِإدراجِ أَيِّ قِيمَةٍ فِي هٰذِهِ الفِئَةِ، مِمَّا يُساهِمُ فِي تَمهيدِ الفَهمِ العِلمِيِّ لِلقارِئِ عَنِ الإطارِ الفَلسَفِيِّ وَالمَفاهِيمِيِّ الَّذي سَيَنطَلِقُ مِنهُ البَحثُ". وَهٰذِهِ القِيَمُ قَد تَختَلِفُ صُوَرُها وَتَعبيراتُها مِن مَكانٍ إِلى آخَر، وَلٰكِنَّها تَظَلُّ رَكيزَةً أَسَاسِيَّةً لِبِناءِ المَجتَمَعاتِ وَتَطَوُّرِها.
إِنَّ القِيَمَ الكُبْرَى – بِمَا تَحْمِلُهُ مِنْ مَعَانٍ أَخْلَاقِيَّةٍ وَفِكْرِيَّةٍ وَرُوحِيَّةٍ – تُعَدُّ أَحَدَ أَهَمِّ المَعَايِيرِ الَّتِي تُقَاسُ بِهَا الحَضَارَاتُ وَيُقَاسُ بِهَا رُقِيُّ الشُّعُوبِ. فَالحَضَارَةُ لَيْسَتْ مَجَرَّدَ تَقَدُّمٍ مَادِّيٍّ أَوْ تَطَوُّرٍ عِمْرَانِيٍّ، بَلْ هِيَ فِي جَوْهَرِهَا مَبْنًى إِنْسَانِيٌّ مُتَجَذِّرٌ يَقُومُ عَلَى مَنْظُومَةٍ قِيمِيَّةٍ رَاسِخَةٍ، تُشَكِّلُ بِنْيَةَ الرُّوحِ الجَمَاعِيَّةِ وَالذَّاكِرَةِ التَّارِيخِيَّةِ لِلأُمَمِ. وَمِنْ ثَمَّ، فَإِنَّ القِيَمَ تَعْمَلُ كَبُوصْلَةٍ تُوَجِّهُ السُّلُوكَ، وَتَرْسُمُ مَسَارَ التَّطَوُّرِ وَالتَّغَيُّرِ، وَتُؤَسِّسُ لِأَنْمَاطٍ مُعَيَّنَةٍ مِنَ العَدَالَةِ وَالمُسَاوَاةِ وَالمَسْؤُولِيَّةِ الإِنْسَانِيَّةِ.
إنَّ القِيَمُ الكُبْرَى هِيَ تِلْكَ المَبَادِئُ الَّتِي تَتَّسِمُ بِالعُمُومِيَّةِ وَالقَابِلِيَّةِ لِلتَّطْبِيقِ عَبْرَ الأَزْمِنَةِ وَالثَّقَافَاتِ، وَتُعْتَبَرُ مِحْوَرًا لِبِنَاءِ الهُوِيَّةِ الإِنْسَانِيَّةِ، مِثْلَ الحُرِّيَّةِ وَالعَدْلِ وَالكَرَامَةِ وَالمَسْؤُولِيَّةِ وَالمُسَاوَاةِ.
وَقَدْ عَرَفَتِ البَشَرِيَّةُ – عَبْرَ التَّارِيخِ – مَدَارِسَ فِكْرِيَّةً وَأَخْلَاقِيَّةً مُتَعَدِّدَةً، تَنَوَّعَتْ بَيْنَ القِيَمِ الدِّينِيَّةِ الَّتِي اسْتَمَدَّتْ سُلْطَتَهَا مِنَ المَصَادِرِ المُقَدَّسَةِ وَالتَّشْرِيعِ الإِلَهِيِّ، وَالقِيَمِ الفَلْسَفِيَّةِ الَّتِي بَنَتْ مَرْجِعِيَّتَهَا عَلَى العَقْلِ وَالبَحْثِ النَّقْدِيِّ، وَالقِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ الَّتِي جَعَلَتْ مِحْوَرَهَا كَرَامَةَ الإِنْسَانِ وَحُرِّيَّتَهُ، وَالقِيَمِ الحُقُوقِيَّةِ الَّتِي أَطَّرَتْهَا النُّظُمُ وَالمَوَاثِيقُ الدُّوَلِيَّةُ. وَمَعَ تَحَوُّلِ العَصُورِ، انْتَقَلَتِ القِيَمُ مِنْ إِطَارِهَا المَحَلِّيِّ الضَّيِّقِ إِلَى مَرَاتِبَ العَالَمِيَّةِ وَالأُمَمِيَّةِ، حَيْثُ أَصْبَحَتْ مَحْوَرًا لِحِوَارِ الحَضَارَاتِ وَتَقَاطُعِ الثَّقَافَاتِ.
وَإِذَا كَانَتِ القِيَمُ قَدْ شَكَّلَتْ دَوْمًا أَسَاسَ النُّهُوضِ الحَضَارِيِّ، فَإِنَّهَا اليَوْمَ أَمَامَ اخْتِبَارٍ غَيْرِ مَسْبُوقٍ، بِسَبَبِ التَّحَوُّلَاتِ النُّونِيَّةِ، وَالثَّوْرَةِ الرَّقْمِيَّةِ، وَالتَّقَاطُعِ بَيْنَ الذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ وَالمَجَالِ القِيمِيِّ. هَذِهِ التَّحَوُّلَاتُ لَا تَسْتَأْذِنُ، وَلَا تَنْتَظِرُ، بَلْ تَخْتَرِقُ البِنْيَةَ القِيمِيَّةَ بِقُوَّةٍ وَسُرْعَةٍ، مِمَّا يَطْرَحُ أَسْئِلَةً عَمِيقَةً: هَلْ سَنَشْهَدُ ثَوْرَةً ذَاتِيَّةً فِي المَجْتَمَعَاتِ لِتَجْدِيدِ مَفَاهِيمِهَا وَقِيَمِهَا؟ أَمْ سَتَقْتَصِرُ عَلَى تَرْمِيمِ مَا هُوَ قَائِمٌ وَصِيَانَتِهِ؟ أَمْ سَنَتَّجِهُ نَحْوَ إِسْقَاطِ بَعْضِ القِيَمِ التَّارِيخِيَّةِ وَاسْتِبْدَالِهَا بِمَنْظُومَاتٍ جَدِيدَةٍ تَتَنَاسَبُ مَعَ إِيقَاعِ العَصْرِ؟
وأنّ تَعْزِيزُ الرَّبْطِ بَيْنَ الفَلْسَفَةِ وَالعُلُومِ الاجْتِمَاعِيَّةِ لِتَقْوِيَةِ الحُجَّةِ، يُسْتَحْسَنُ دَمْجُ بَيَانَاتٍ أَوْ دِرَاسَاتٍ مَيْدَانِيَّةٍ مِنْ عِلْمِ الاجْتِمَاعِ أَوِ الأَنْثُرُوبُولُوجِيَا تُظْهِرُ كَيْفَ تَتَجَلَّى القِيَمُ فِي سُلُوكِ المَجْتَمَعَاتِ وَكَيْفَ تَتَأَثَّرُ بِالتَّغَيُّرَاتِ الاقْتِصَادِيَّةِ وَالسِّيَاسِيَّةِ. مثالٌ مُقْتَرَح: وَفْقًا لِدِرَاسَةٍ أَنْثُرُوبُولُوجِيَّةٍ حَدِيثَةٍ أُجْرِيَتْ فِي أَرْبَعِ قَارَّاتٍ، تَبَيَّنَ أَنَّ القِيَمَ الَّتِي تَرْتَكِزُ عَلَى التَّضَامُنِ وَالعَدْلِ تُحَافِظُ عَلَى اسْتِقْرَارِ المَجْتَمَعَاتِ أَكْثَرَ مِنَ القِيَمِ الَّتِي تَعْتَمِدُ عَلَى التَّفَاوُتِ وَالمَصَالِحِ الفَرْدِيَّةِ.
هَذَا البَحْثُ مُحَاوَلَةٌ أَكَادِيمِيَّةٌ لِتَفْكِيكِ هَذِهِ الأَسْئِلَةِ وَالإِجَابَةِ عَنْهَا، عَبْرَ قِرَاءَةٍ تَارِيخِيَّةٍ – فَلْسَفِيَّةٍ – سُوسْيُولُوجِيَّةٍ، تَرْبِطُ المَاضِيَ بِالحَاضِرِ وَالمُسْتَقْبَلِ، وَتُحَاوِلُ أَنْ تَكْشِفَ لِلْقَارِئِ أَنَّ مَسَارَ القِيَمِ لَيْسَ خَطًّا مُسْتَقِيمًا، بَلْ هُوَ سِلْسِلَةُ تَحَوُّلَاتٍ وَتَكَيُّفَاتٍ تَفْرِضُهَا العَوَامِلُ التَّارِيخِيَّةُ وَالاقْتِصَادِيَّةُ وَالتِّقَانِيَّةُ وَالثَّقَافِيَّةُ.
الأَهْدَافُ
تَحْلِيلُ مَفْهُومِ القِيَمِ الكُبْرَى بَوَصْفِهَا مِعْيَارًا لِلْحَضَارَةِ، وَإِبْرَازُ أَبْعَادِهَا الأَخْلَاقِيَّةِ وَالرُّوحِيَّةِ وَالفِكْرِيَّةِ.
تَتَبُّعُ تَطَوُّرِ القِيَمِ عَبْرَ العُصُورِ وَالمَدَارِسِ الفِكْرِيَّةِ وَتَحْدِيدُ مَعَالِمِ التَّغَيُّرِ وَالاسْتِمْرَارِ.
المُقَارَنَةُ بَيْنَ الأُطُرِ القِيمِيَّةِ فِي الحَضَارَاتِ القَدِيمَةِ وَالمُعَاصِرَةِ لِفَهْمِ مَسَارِ التَّأْثِيرِ المُتَبَادَلِ بَيْنَ المَاضِي وَالحَاضِرِ.
تَفْسِيرُ أَثَرِ التَّحَوُّلَاتِ النُّونِيَّةِ وَالثَّوْرَةِ الرَّقْمِيَّةِ وَالذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ عَلَى مُسْتَقْبَلِ القِيَمِ.
اسْتِشْرَافُ السِّينَارِيُوهَاتِ المُحْتَمَلَةِ لِمَصِيرِ القِيَمِ فِي القَرْنِ الحَادِي وَالعِشْرِينَ وَمَا بَعْدَهُ، وَتَقْدِيمُ رُؤْيَةٍ نَقْدِيَّةٍ حَوْلَ مَدَى قَابِلِيَّتِهَا لِلتَّكَيُّفِ أَوِ الانْدِثَارِ.
المَنَاهِجُ
المَنْهَجُ التَّارِيخِيُّ التَّحْلِيلِيُّ: لِدِرَاسَةِ مَسَارِ القِيَمِ عَبْرَ العُصُورِ وَالحَضَارَاتِ، وَتَفْكِيكِ العَوَامِلِ الَّتِي شَكَّلَتْهَا.
المَنْهَجُ المُقَارَنُ: لِلْمُقَارَنَةِ بَيْنَ مَنْظُومَاتِ القِيَمِ فِي الثَّقَافَاتِ المُخْتَلِفَةِ وَتَحْلِيلِ أَوْجُهِ التَّشَابُه وَالاخْتِلَاف.
المَنْهَجُ الفَلْسَفِيُّ النَّقْدِيُّ: لِتَحْلِيلِ المَفَاهِيمِ وَنَقْدِ الأُطُرِ النَّظَرِيَّةِ وَاسْتِكْشَافِ مَسَاحَاتِ الجَدَلِ.
المَنْهَجُ الاسْتِشْرَافِيُّ: لِدِرَاسَةِ مُسْتَقْبَلِ القِيَمِ فِي ظِلِّ الذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ وَالتَّحَوُّلَاتِ التِّقَانِيَّةِ، وَبِنَاءِ تَصَوُّرَاتٍ عَمِيقَةٍ لِمَا يُمْكِنُ أَنْ تَكُونَ عَلَيْهِ الخَرَائِطُ القِيمِيَّةُ فِي الغَدِ.
الباحث السوري اسحق قومي.
Ishak Alkomi
أَلْمَانِيَا – 23/6/1998م

المَحْوَرُ الأَوَّلُ: القِيَمُ الكُبْرَى فِي التَّارِيخِ الإِنْسَانِيِّ
1 – القِيَمُ فِي الحَضَارَاتِ القَدِيمَةِ
مُنْذُ أَنْ بَدَأَ الإِنْسَانُ الأَوَّلُ فِي تَشْكِيلِ جَمَاعَاتٍ بَشَرِيَّةٍ مُنَظَّمَةٍ، نَشَأَتْ أُطُرٌ قِيمِيَّةٌ تَحْكُمُ العَلاقَاتِ وَتُنَظِّمُ السُّلُوكَ. فِي الحَضَارَةِ السُّومَرِيَّةِ وَالبَابِلِيَّةِ، تَجَسَّدَتِ القِيَمُ فِي مَفَاهِيمِ العَدْلِ وَحِفْظِ النِّظَامِ، وَظَهَرَت مَدَوَّنَاتُ قَوَانِينٍ مِثْلَ شَرِيعَةِ حَمُورَابِي، الَّتِي عَكَسَتْ مَبَادِئَ المَسْؤُولِيَّةِ وَحُقُوقِ المِلْكِيَّةِ وَحِمَايَةِ الضُّعَفَاءِ.
أَمَّا فِي مِصْرَ القَدِيمَةِ، فَقَدْ رَكَزَتِ القِيَمُ عَلَى مَفَاهِيمِ الحَقِّ وَالحَقِيقَةِ وَالنِّظَامِ الكَوْنِيِّ (مَعَات)، وَقُدِّسَتِ العَدَالَةُ وَوُضِعَ الفِرْعَوْنُ كَرَمزٍ لِتَجَسِيدِهَا. وَفِي الصِّينِ القَدِيمَةِ، أَرْسَتِ الفَلْسَفَةُ الكُونْفُوشِيَّةُ مَبَادِئَ الأَدَبِ وَالاحْتِرَامِ وَوَحْدَةِ الأُسْرَةِ كأُسُسٍ لِلنِّظَامِ الاجْتِمَاعِيِّ. أَمَّا فِي الهِنْدِ، فَتَمَحْوَرَتِ القِيَمُ حَوْلَ مَفَاهِيمِ الكَرْمَا وَالدَّهَرْمَا كَمِعْيَارٍ لِلصَّلَاحِ وَالمَسْؤُولِيَّةِ.
2 – القِيَمُ فِي الحَضَارَةِ اليُونَانِيَّةِ وَالرُّومَانِيَّةِ
قَدَّمَتِ الحَضَارَةُ اليُونَانِيَّةُ مَفَاهِيمَ أَخْلَاقِيَّةً مُتَصِلَةً بِالفَضِيلَةِ (أَرِيتِي) وَالعَقْلِ وَالمُثُلِ العُلْيَا، وَكَانَ لِأَفْلَاطُونَ وَأَرِسْطُو دَوْرٌ مَحْوَرِيٌّ فِي تَأْسِيسِ نَظَرِيَّاتِ الفَضَائِلِ وَالمَدِينَةِ الفَاضِلَةِ. أَمَّا الرُّومَانُ، فَقَدْ أَوْلَوُا اهْتِمَامًا كَبِيرًا بِالقِيَمِ المَدَنِيَّةِ مِثْلَ الوَفَاءِ لِلدَّوْلَةِ، وَحِمَايَةِ القَانُونِ، وَالإِخْلاصِ فِي الخِدْمَةِ العَامَّةِ.
3 – القِيَمُ فِي الدِّيَانَاتِ التَّوْحِيدِيَّةِ
مَعَ ظُهُورِ الدِّيَانَاتِ التَّوْحِيدِيَّةِ، أَخَذَتِ القِيَمُ بُعْدًا سَمَاوِيًّا، وَانْطَلَقَتْ مِنْ مَصَادِرَ وَحْيِيَّةٍ تَرْسُمُ سُلُوكَ الإِنْسَانِ فِي العَلاقَةِ مَعَ الخَالِقِ وَمَعَ النَّاسِ. فِي اليَهُودِيَّةِ، تَجَسَّدَتِ القِيَمُ فِي الوَصَايَا العَشْرِ وَمَفَاهِيمِ العَهْدِ وَالإِخْلاصِ لِلهِ. فِي المَسِيحِيَّةِ، بَرَزَتِ المَحَبَّةُ وَالغُفْرَانُ وَالخِدْمَةُ وَالتَّضْحِيَةُ كَمِحْوَرٍ أَخْلَاقِيٍّ. أَمَّا الإِسْلَامُ، فَقَدْ جَعَلَ العَدَالَةَ وَالإِحْسَانَ وَحِفْظَ الكَرَامَةِ الإِنْسَانِيَّةِ قَوَاعِدَ أَسَاسِيَّةً فِي بِنَاءِ المُجْتَمَعِ.
4 – القِيَمُ فِي العُصُورِ الوُسْطَى وَالحَدِيثَةِ
فِي العُصُورِ الوُسْطَى، تَشَابَكَتِ القِيَمُ الدِّينِيَّةُ وَالقِيَمُ الإِقْطَاعِيَّةُ، وَسَادَت مَفَاهِيمُ الوَفَاءِ وَالشَّهَامَةِ وَحِمَايَةِ الضُّعَفَاءِ، خَاصَّةً فِي أُطُرِ الفُرُوسِيَّةِ الأُورُوبِّيَّةِ. وَمَعَ عَصْرِ النَّهْضَةِ وَالتَّنْوِيرِ، انْتَقَلَ التَّرْكِيزُ إِلَى الكَرَامَةِ الفَرْدِيَّةِ وَحُرِّيَّةِ التَّفْكِيرِ وَالقِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ العَالَمِيَّةِ.
5 – القِيَمُ فِي العَصْرِ الحَدِيثِ وَالمُعَاصِرِ
فِي القَرْنِ العِشْرِينَ وَمَا بَعْدَهُ، أُطِّرَتِ القِيَمُ فِي مَوَاثِيقَ دُوَلِيَّةٍ مِثْلَ الإِعْلَانِ العَالَمِيِّ لِحُقُوقِ الإِنْسَانِ، وَتَطَوَّرَتِ المَفَاهِيمُ لِتَشْمَلَ قَضَايَا العَدَالَةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، وَالمُسَاوَاةِ الجِنْسِيَّةِ، وَحِمَايَةِ البِيئَةِ. غَيْرَ أَنَّ هَذِهِ المَنَظُومَةَ تَتَعَرَّضُ اليَوْمَ لِتَحَدِّيَاتٍ عَمِيقَةٍ بِسَبَبِ التَّغَيُّرَاتِ التِّقْنِيَّةِ السَّرِيعَةِ وَالذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ.
خَاتِمَةُ المَحْوَرِ الأَوَّلِ
يَتَّضِحُ مِنَ المَسَارِ التَّارِيخِيِّ أَنَّ القِيَمَ الكُبْرَى لَمْ تَكُنْ مُجَرَّدَ مَبَادِئَ مُثْلَقَةٍ، بَلْ كَانَتْ أَدَاةً فَاعِلَةً فِي بِنَاءِ الحَضَارَاتِ وَتَشْكِيلِ هُوِيَّاتِهَا. فَمِنَ العَدْلِ وَالنِّظَامِ فِي الحَضَارَاتِ القَدِيمَةِ، إِلَى المَحَبَّةِ وَالغُفْرَانِ فِي الدِّيَانَاتِ السَّمَاوِيَّةِ، ثُمَّ إِلَى الكَرَامَةِ الفَرْدِيَّةِ وَالحُرِّيَّةِ فِي العُصُورِ الحَدِيثَةِ، تَبَيَّنَ أَنَّ القِيَمَ تَتَطَوَّرُ وَتَتَغَيَّرُ بِتَغَيُّرِ البِنَى الاجْتِمَاعِيَّةِ وَالمَعْرِفِيَّةِ. وَهَذَا التَّطَوُّرُ التَّارِيخِيُّ يُمَهِّدُ لِفَهْمِ الكَيْفِيَّةِ الَّتِي بَنَتْ بِهَا المَدَارِسُ الفِكْرِيَّةُ نَظَرِيَّاتِهَا الأَخْلَاقِيَّةَ، وَهُوَ مَا سَنَتَنَاوَلُهُ فِي المَحْوَرِ التَّالِي.
المَحْوَرُ الثَّانِي: المَدَارِسُ الفِكْرِيَّةُ لِلْقِيَمِ
1 – المَدْرَسَةُ الأَخْلَاقِيَّةُ المِثَالِيَّةُ (أَفْلَاطُون، كَانْط)
تَعْتَبِرُ هَذِهِ المَدْرَسَةُ أَنَّ القِيَمَ مَبَادِئُ مُطْلَقَةٌ وَثَابِتَةٌ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ تُقَاسَ بِمِقْدَارِ المَنْفَعَةِ أَوِ النَّتِيجَةِ، بَلْ بِقَدْرِ مُطَابَقَتِهَا لِلْمُثُلِ العُلْيَا أَوِ القَوَانِينِ العَقْلِيَّةِ. فَأَفْلَاطُونُ رَأَى أَنَّ الفَضِيلَةَ هِيَ مَعْرِفَةُ الخَيْرِ وَتَجْسِيدُهُ فِي المَدِينَةِ الفَاضِلَةِ، أَمَّا إِيمَانُ إِيمَانُوئِيل كَانْط فَقَدْ تَجَسَّدَ فِي "الأَمْرِ المُطْلَقِ" الَّذِي يَأْمُرُ الفَرْدَ أَنْ يَتَصَرَّفَ عَلَى نَحْوٍ يَجْعَلُ قَاعِدَةَ سُلُوكِهِ قَانُونًا كُلِّيًّا.
2 – المَدْرَسَةُ النَّفْعِيَّةُ وَالبْرَاغْمَاتِيَّةُ (بِنْتَام، جِيمْس)
تَقُومُ المَدْرَسَةُ النَّفْعِيَّةُ عَلَى أَنَّ القِيَمَ تُقَاسُ بِقَدْرِ مَا تُحَقِّقُهُ مِنْ مَنْفَعَةٍ وَسَعَادَةٍ لِأَكْبَرِ عَدَدٍ مِنَ النَّاسِ. جِيرِيمِي بِنْتَام وَجُون سْتُوَارْت مِلْ أَرْسَيَا مَبَادِئَ "أَعْظَمِ سَعَادَةٍ لِأَعْظَمِ عَدَدٍ"، فَأَصْبَحَتِ القِيمَةُ الأَخْلَاقِيَّةُ لِلفِعْلِ مُرْتَبِطَةً بِنَتِيجَتِهِ. أَمَّا البْرَاغْمَاتِيَّةُ، كَمَا عَرَضَهَا وِلْيَام جِيمْس، فَرَأَتْ أَنَّ القِيَمَ لَيْسَتْ ثَابِتَةً بَلْ تَتَغَيَّرُ وَتَتَشَكَّلُ بِحَسَبِ مَا يُثْبِتُ نَجَاعَتَهُ فِي التَّجْرِبَةِ وَالمُمَارَسَةِ العَمَلِيَّةِ.
3 – المَدْرَسَةُ الوُجُودِيَّةُ وَالحُرِّيَّةُ الفَرْدِيَّةُ (سَارْتِر، كِيرْكِغَارْد)
تَجْعَلُ الوُجُودِيَّةُ الإِنْسَانَ مَصْدَرَ القِيَمِ وَمَعْنَاهَا، فَلَا قِيمَةَ تَسْبِقُ الوُجُودَ البَشَرِيَّ. وَفْقًا لِجُون بُول سَارْتِر، يَجِدُ الإِنْسَانُ نَفْسَهُ "مَحْكُومًا بِالحُرِّيَّةِ"، وَعَلَيْهِ أَنْ يَخْتَارَ مَسَارَهُ وَيَحْمِلَ مَسْؤُولِيَّةَ اخْتِيَارَاتِهِ. أَمَّا سُورِين كِيرْكِغَارْد، فَرَكَّزَ عَلَى البُعْدِ الإِيمَانِيِّ وَالأَخْلاقِيِّ لِلفَرْدِ وَحَاجَتِهِ إِلَى تَجَاوُزِ القَلَقِ الوُجُودِيِّ عَبْرَ قَرَارٍ شَخْصِيٍّ حُرٍّ.
4 – المَدْرَسَةُ الإِنْسَانِيَّةُ المُعَاصِرَةُ وَحُقُوقُ الإِنْسَانِ
تَرَى هَذِهِ المَدْرَسَةُ أَنَّ القِيَمَ تَنْبَعُ مِنْ كَرَامَةِ الإِنْسَانِ الذَّاتِيَّةِ وَحُقُوقِهِ الطَّبِيعِيَّةِ، وَتُرَكِّزُ عَلَى العَدَالَةِ الاجْتِمَاعِيَّةِ، وَالمُسَاوَاةِ، وَحِرِّيَّةِ التَّعْبِيرِ، وَحِمَايَةِ البِيئَةِ. وَقَدْ تُوِّجَتْ هَذِهِ الرُّؤْيَةُ فِي الإِعْلَانِ العَالَمِيِّ لِحُقُوقِ الإِنْسَانِ (1948م)، الَّذِي جَعَلَ مِنْ هَذِهِ القِيَمِ مِيرَاثًا مَشْتَرَكًا لِلبَشَرِيَّةِ كَافَّةً.
خَاتِمَةُ المَحْوَرِ الثَّانِي
تُظْهِرُ هَذِهِ المَدَارِسُ تَعَدُّدَ المَقَارِبِ فِي فَهْمِ القِيَمِ: فَبَيْنَ مَنْ يَعْتَبِرُهَا مُطْلَقَاتٍ عَقْلِيَّةً أَوْ مِثَالِيَّةً، وَمَنْ يَرَى أَنَّهَا أَدَوَاتٌ لِتَحْقِيقِ المَنْفَعَةِ، وَمَنْ يَجْعَلُهَا مَسْؤُولِيَّةً فَرْدِيَّةً وُجُودِيَّةً، وَمَنْ يُؤَسِّسُهَا عَلَى مَبَادِئِ الكَرَامَةِ الإِنْسَانِيَّةِ وَالحُقُوقِ العَالَمِيَّةِ – نُدْرِكُ أَنَّ المَنْظُومَةَ القِيمِيَّةَ لِأَيِّ مُجْتَمَعٍ تَتَأَثَّرُ بِالإِطَارِ الفَلْسَفِيِّ الَّذِي يَحْكُمُهَا، وَهُوَ مَا سَنَرْبِطُهُ فِي المَحْوَرِ الثَّالِثِ بِمِقْيَاسِ الحَضَارَةِ وَمُؤَشِّرَاتِهَا.

المَحْوَرُ الثَّالِثُ: القِيَمُ كَمُؤَشِّرٍ حَضَارِيٍّ
1 – كَيْفَ تُقَاسُ الحَضَارَةُ بِالقِيَمِ؟
تُقَاسُ الحَضَارَاتُ لَا بِمِقْدَارِ مَا تَبْنِيهِ مِنْ مُدُنٍ وَمَا تُحَقِّقُهُ مِنْ تَقَدُّمٍ تِقْنِيٍّ فَقَطْ، بَلْ بِقَدْرِ مَا تُجَسِّدُهُ مِنْ قِيَمٍ أَخْلَاقِيَّةٍ وَإِنْسَانِيَّةٍ تُضْفِي عَلَى هَذَا التَّقَدُّمِ مَعْنًى وَغَايَةً. فَالمُؤَشِّرُ القِيمِيُّ يَقِيسُ دَرَجَةَ العَدَالَةِ، وَحُرِّيَّةِ الفَرْدِ، وَحِفْظِ الكَرَامَةِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَالمُسَاوَاةِ، وَحِمَايَةِ الضُّعَفَاءِ. وَكُلَّمَا تَزَامَنَ التَّقَدُّمُ المَادِّيُّ مَعَ تَطَوُّرٍ قِيمِيٍّ، تَعَاظَمَ قَدْرُ الحَضَارَةِ وَقُوَّةُ إِرْثِهَا.
2 – العَلَاقَةُ بَيْنَ التَّقَدُّمِ المَادِّيِّ وَالرُّقِيِّ الأَخْلَاقِيِّ
التَّقَدُّمُ المَادِّيُّ يُمْكِنُ أَنْ يُحَقِّقَ لِلْمُجْتَمَعِ رَفَاهِيَةً وَقُوَّةً، لَكِنَّهُ إِذَا انْفَصَلَ عَنْ الرُّقِيِّ الأَخْلَاقِيِّ فَقَدْ يُؤَدِّي إِلَى تَفَكُّكِ البِنَى الاجْتِمَاعِيَّةِ وَظُهُورِ أَزَمَاتٍ قِيمِيَّةٍ. فَالتَّقْدِيمُ المُفْرِطُ لِلْمَنْفَعَةِ المَادِّيَّةِ عَلَى المَبَادِئِ الأَخْلَاقِيَّةِ قَدْ يُنْتِجُ مَجَانِينُ التِّقْنِيَةِ وَالاقْتِصَادِ، وَيُهَدِّدُ تَوَازُنَ المَجْتَمَعِ. وَمِنْ ثَمَّ، فَالعَلَاقَةُ الصِّحِّيَّةُ بَيْنَ المَادَّةِ وَالقِيمِ تَقْتَضِي تَكافُؤًا وَتَكَامُلًا.
3 – أَمْثِلَةٌ حَضَارِيَّةٌ: عِنْدَمَا سَقَطَتِ القِيَمُ فَانْهَارَتِ الحَضَارَاتُ
التَّارِيخُ مُمْتَلِئٌ بِأَمْثِلَةٍ عَلَى حَضَارَاتٍ بَلَغَتْ أَوْجَ القُوَّةِ المَادِّيَّةِ، وَلَكِنَّهَا سَقَطَتْ عِنْدَمَا تَآكَلَتْ قِيَمُهَا الأَخْلَاقِيَّةُ. فَالإِمْبِرَاطُورِيَّةُ الرُّومَانِيَّةُ تَفَكَّكَتْ بَعْدَ أَنْ غَلَبَتْ عَلَيْهَا الصِّرَاعَاتُ الدَّاخِلِيَّةُ وَالانْحِلَالُ الأَخْلَاقِيُّ. وَحَضَارَةُ الأَنْدَلُسِ فِي قُرُونِهَا الأَخِيرَةِ شَهِدَتْ تَرَاجُعًا قِيمِيًّا وَتَفَكُّكًا سِيَاسِيًّا أَدَّى إِلَى سُقُوطِهَا. وَفِي المُقَابِلِ، تَظَلُّ الحَضَارَاتُ الَّتِي تَحْفَظُ قِيَمَهَا قَادِرَةً عَلَى التَّجَدُّدِ وَالبَقَاءِ.
خَاتِمَةُ المَحْوَرِ الثَّالِثِ
تُبَيِّنُ دِرَاسَةُ العَلَاقَةِ بَيْنَ القِيَمِ وَالحَضَارَةِ أَنَّ القُوَّةَ الحَقِيقِيَّةَ لِأَيِّ مَجْتَمَعٍ لَا تُقَاسُ بِالْمَادَّةِ وَالتِّقْنِيَةِ وَحَسْبُ، بَلْ بِمِقْدَارِ مَا يَمْتَلِكُهُ مِنْ رَصِيدٍ أَخْلَاقِيٍّ وَإِنْسَانِيٍّ. وَإِذَا كَانَ التَّقَدُّمُ المَادِّيُّ يُمْكِنُ أَنْ يَنْهَضَ بِالأُمَمِ مُؤَقَّتًا، فَإِنَّ القِيَمَ هِيَ الَّتِي تُحَدِّدُ مَصِيرَهَا عَلَى المَدَى البَعِيدِ. وَهَذِهِ الخُلَاصَةُ تَفْتَحُ البَابَ لِدِرَاسَةِ أَثَرِ التَّحَوُّلَاتِ النُّونِيَّةِ وَالتِّقْنِيَّةِ فِي المَحْوَرِ الرَّابِعِ.
المَحْوَرُ الرَّابِعُ: التَّحَوُّلَاتُ النُّونِيَّةُ وَالقِيَمُ فِي عَصْرِ الذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ
1 – تَعْرِيفُ التَّحَوُّلَاتِ النُّونِيَّةِ
تُشِيرُ التَّحَوُّلَاتُ النُّونِيَّةُ إِلَى نَقْلَاتٍ جَذْرِيَّةٍ وَمُتَسَارِعَةٍ فِي بِنْيَةِ المَعْرِفَةِ وَأَدَوَاتِهَا، حَيْثُ تَتَخَطَّى التَّغَيُّرَاتِ التَّدْرِيجِيَّةَ لِتَحْدُثَ فِي "نُقَطٍ مَفْصَلِيَّةٍ" تُغَيِّرُ مَسَارَ الحَيَاةِ الإِنْسَانِيَّةِ. وَفِي العَصْرِ الرَّاهِنِ، يَتَجَسَّدُ هَذَا فِي الثَّوْرَةِ الرَّقْمِيَّةِ، وَالتَّقَانَاتِ الحَيَوِيَّةِ، وَالتَّقَدُّمِ السَّرِيعِ فِي مَجَالِ الذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ.
2 – أَثَرُ الذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ عَلَى المَنْظُومَاتِ الأَخْلَاقِيَّةِ
أَدْخَلَ الذَّكَاءُ الاصْطِنَاعِيُّ مَفَاهِيمَ جَدِيدَةً فِي مَيْدَانِ القِيَمِ، مِنْهَا قَضَايَا المَسْؤُولِيَّةِ عَنْ قَرَارَاتِ الآلَاتِ، وَحُدُودُ التَّدَخُّلِ فِي الخُصُوصِيَّةِ، وَمَشْرُوعِيَّةُ تَطْوِيرِ أَنْظِمَةٍ قَادِرَةٍ عَلَى التَّعَلُّمِ الذَّاتِيِّ. كَمَا أَثَارَ سُؤَالًا جَوْهَرِيًّا: هَلِ القِيَمُ الَّتِي تَحْكُمُ السُّلُوكَ البَشَرِيَّ يُمْكِنُ بَرْمَجَتُهَا فِي الآلَاتِ؟ وَإِلَى أَيِّ حَدٍّ سَتَكُونُ هَذِهِ القِيَمُ عَالَمِيَّةً أَمْ خَاضِعَةً لِخُلْفِيَّاتٍ ثَقَافِيَّةٍ مُحَدَّدَةٍ؟
3 – التَّحَدِّيَاتُ القِيمِيَّةُ فِي عَصْرِ الذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ
فِي الطِّبِّ: يَطْرَحُ الذَّكَاءُ الاصْطِنَاعِيُّ أَسْئِلَةً حَوْلَ حُدُودِ التَّدَخُّلِ فِي الجِينُومِ البَشَرِيِّ، وَمَسْؤُولِيَّةِ الأَخْطَاءِ الطِّبِّيَّةِ الَّتِي تَنْتُجُ عَنْ القَرَارَاتِ الآلِيَّةِ.
فِي الحَرْبِ: يَزِيدُ اسْتِخْدَامُ الأَسْلِحَةِ الذَّكِيَّةِ وَالطَّائِرَاتِ المُسَيَّرَةِ مِنْ خُطُورَةِ فَقْدِ الرَّقَابَةِ الأَخْلَاقِيَّةِ عَلَى القَرَارَاتِ القَاتِلَةِ.
فِي الإِعْلَامِ وَالمَعْرِفَةِ: يُمْكِنُ أَنْ يُسَاهِمَ الذَّكَاءُ الاصْطِنَاعِيُّ فِي نَشْرِ الأَخْبَارِ المُزَيَّفَةِ وَالتَّلَاعُبِ بِالرَّأْيِ العَامِّ، مِمَّا يُهَدِّدُ قِيَمَ الصِّدْقِ وَالمَسْؤُولِيَّةِ.
فِي السِّيَاسَةِ وَالاِقْتِصَادِ: قَدْ يُسْهِمُ فِي تَرْكِيزِ السُّلْطَةِ فِي أَيْدِي مَنْ يَمْلِكُونَ التِّقْنِيَةَ، مِمَّا يُؤَدِّي إِلَى خَلْقِ فَجَوَاتٍ قِيمِيَّةٍ وَاجْتِمَاعِيَّةٍ أَكْبَرَ.
4 – الفُرَصُ القِيمِيَّةُ الَّتِي يُوَفِّرُهَا الذَّكَاءُ الاصْطِنَاعِيُّ
عَلَى الرَّغْمِ مِنَ المَخَاطِرِ، فَإِنَّ الذَّكَاءَ الاصْطِنَاعِيَّ يُمْكِنُ أَنْ يُعَزِّزَ بَعْضَ القِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ، مِثْلَ تَحْسِينِ جَوْدَةِ الحَيَاةِ، وَتَطْوِيرِ التَّعْلِيمِ، وَتَوْفِيرِ حُلُولٍ لِقَضَايَا البِيئَةِ وَالصِّحَّةِ العَالَمِيَّةِ، شَرْطَ أَنْ يُؤَطَّرَ بِمَبَادِئَ أَخْلَاقِيَّةٍ مُحْكَمَةٍ.
خَاتِمَةُ المَحْوَرِ الرَّابِعِ
يُمَثِّلُ عَصْرُ الذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ اخْتِبَارًا حَاسِمًا لِقُدْرَةِ البَشَرِيَّةِ عَلَى تَكْيِيفِ قِيَمِهَا مَعَ وَاقِعٍ جَدِيدٍ، حَيْثُ تَتَقَاطَعُ التَّقْنِيَةُ مَعَ الأَخْلاقِ فِي مَسَاحَاتٍ لَمْ يَسْبِقْ لَهَا مَثِيلٌ. وَإِذَا كَانَ المَاضِي قَدْ شَهِدَ تَطَوُّرَ القِيَمِ بِوُتِيرَةٍ بَطِيئَةٍ، فَإِنَّ المُسْتَقْبَلَ يَفْرِضُ إِيقَاعًا أَسْرَعَ، وَهَذَا يَضَعُنَا أَمَامَ سُؤَالٍ مَفْتُوحٍ: هَلْ سَنَصْنَعُ ثَوْرَتَنَا القِيمِيَّةَ الذَّاتِيَّةَ أَمْ سَنَتْرُكُ القِيَمَ لِتَتَشَكَّلَ وَحْدَهَا تَحْتَ ضَغْطِ التِّقْنِيَةِ؟
المَحْوَرُ الخَامِسُ: السِّينَارِيُوهَاتُ المُسْتَقْبَلِيَّةُ
يُفْتَحُ أَمَامَ القِيَمِ الإِنْسَانِيَّةِ فِي القَرْنِ الحَادِي وَالعِشْرِينَ مَجَالٌ وَاسِعٌ لِلتَّطَوُّرِ أَوِ التَّحَوُّلِ، وَيُمْكِنُ تَصَوُّرُ هَذَا المَسَارِ فِي أَكْثَرَ مِنْ سِينارِيُوهٍ مُحْتَمَلٍ. فَفِي الحَالَةِ الأُولَى قَدْ تَنْبَعِثُ ثَوْرَةٌ ذَاتِيَّةٌ لِلْمُجْتَمَعَاتِ تُجَدِّدُ مَفَاهِيمَهَا القِيمِيَّةَ وَتُوَاءِمُهَا مَعَ مُعْطَيَاتِ العَصْرِ، دُونَ أَنْ تَقْطَعَ صِلَتَهَا بِجُذُورِهَا التَّارِيخِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ، فَتَكُونُ النَّتِيجَةُ مَنْظُومَةً قِيمِيَّةً مُحَدَّثَةً تَحْفَظُ الأَصَالَةَ وَتَسْتَجِيبُ لِلتَّحَدِّيَاتِ. وَفِي الحَالَةِ الثَّانِيَةِ، قَدْ يَقْتَصِرُ الأَمْرُ عَلَى تَرْمِيمِ القِيَمِ القَائِمَةِ دُونَ إِحْدَاثِ تَغْيِيرٍ جَذْرِيٍّ، مِمَّا يُبْقِي المَجْتَمَعَ فِي حَالَةِ تَوَازُنٍ هَشٍّ يُمْكِنُ أَنْ يَتَأَثَّرَ سَرِيعًا بِالأَزَمَاتِ العَالَمِيَّةِ. أَمَّا السِّينَارِيُوهُ الثَّالِثُ فَيَحْمِلُ اِحْتِمَالَ إِلْغَاءِ بَعْضِ القِيَمِ التَّارِيخِيَّةِ أَوِ اسْتِبْدَالِهَا بِمَنَظُومَاتٍ جَدِيدَةٍ تَنْبَثِقُ مِنَ التَّطَوُّرِ التِّقْنِيِّ وَالتَّغَيُّرَاتِ الاِجْتِمَاعِيَّةِ، وَهُوَ مَا قَدْ يُحْدِثُ قَطِيعَةً مَعَ مِيرَاثٍ أَخْلاقِيٍّ مُمْتَدٍّ. وَمَا بَيْنَ هَذِهِ السِّينَارِيُوهَاتِ، يَبْقَى المِحْوَرُ الحَاسِمُ هُوَ القُدْرَةُ عَلَى فَهْمِ التَّحَدِّيَاتِ وَتَسْيِيرِ التَّقْنِيَةِ وَالمَعْرِفَةِ فِي خِدْمَةِ الإِنْسَانِ، لِضَمَانِ أَلَّا يَتَحَوَّلَ التَّقَدُّمُ المَادِّيُّ إِلَى أَدَاةٍ لِتَآكُلِ القِيَمِ، بَلْ يَكُونَ مُحَفِّزًا لِإِطْلَاقِ طَاقَاتٍ أَخْلاقِيَّةٍ وَإِنْسَانِيَّةٍ جَدِيدَةٍ.
خَاتِمَةُ المَحْوَرِ الخَامِسِ
تُؤَكِّدُ مُعَايَنَةُ هَذِهِ السِّينَارِيُوهَاتِ أَنَّ المُسْتَقْبَلَ لَيْسَ قَدَرًا مُحْتَّمًا، بَلْ هُوَ نَتِيجَةُ لاِخْتِيَارَاتٍ وَقَرَارَاتٍ تُتَّخَذُ اليَوْمَ. فَإِمَّا أَنْ نَسْلُكُ طَرِيقَ التَّجْدِيدِ القِيمِيِّ المُتَّزِنِ، أَوْ نَقِفَ عِنْدَ حَدِّ التَّرْمِيمِ، أَوْ نَنْدَفِعَ نَحْوَ قَطِيعَةٍ جَذْرِيَّةٍ مَعَ مَاضِينَا الأَخْلاقِيِّ. وَهُنَا يَبْرُزُ دَوْرُ الفِكْرِ النَّقْدِيِّ وَالبَحْثِ الفَلْسَفِيِّ فِي تَوْجِيهِ البُوصَلَةِ نَحْوَ مُسْتَقْبَلٍ يَضَعُ الإِنْسَانَ وَقِيَمَهُ فِي المَرْكَزِ.
المَحْوَرُ السَّادِسُ: نَحْوَ إِطَارٍ قِيمِيٍّ عَالَمِيٍّ جَدِيدٍ
يُعَدُّ الوُصُولُ إِلَى إِطَارٍ قِيمِيٍّ عَالَمِيٍّ جَدِيدٍ أَحَدَ أَكْثَرِ المَهَامِّ الفِكْرِيَّةِ وَالحَضَارِيَّةِ تَعْقِيدًا فِي العَصْرِ الحَاضِرِ، خُصُوصًا فِي ظِلِّ التَّغَيُّرَاتِ السَّرِيعَةِ وَالتَّقَانَاتِ المُتَطَوِّرَةِ وَتَعَدُّدِ الخَلْفِيَّاتِ الثَّقَافِيَّةِ وَالدِّينِيَّةِ لِلمُجْتَمَعَاتِ. فَالمُنْطَلَقُ الأَسَاسِيُّ لِهَذَا الإِطَارِ يَقُومُ عَلَى إِدْرَاكِ أَنَّ القِيَمَ الإِنْسَانِيَّةَ، عَلَى اخْتِلَافِ صِيَغِهَا التَّارِيخِيَّةِ، تَتَشَارَكُ فِي جَوْهَرٍ وَاحِدٍ يَضَعُ الإِنْسَانَ فِي مَرْكَزِ العَالَمِ، وَيَرَى أَنَّ كَرَامَتَهُ وَحُرِّيَّتَهُ وَحَقَّهُ فِي الحَيَاةِ وَالأَمْنِ هِيَ قَوَاعِدُ لَا يُمْكِنُ المَسَاسُ بِهَا.
وَإِنَّ التَّجْرِبَةَ التَّارِيخِيَّةَ تُظْهِرُ أَنَّ أَكْثَرَ مَا يُضْفِي القُوَّةَ وَالاسْتِمْرَارِيَّةَ عَلَى الحَضَارَاتِ هُوَ قُدْرَتُهَا عَلَى تَكْوِينِ مَنْظُومَةٍ قِيمِيَّةٍ تَجْمَعُ بَيْنَ الثَّوَابِتِ وَالمُتَغَيِّرَاتِ. فَالثَّوَابِتُ تُشَكِّلُ جِذْرَ الهُوِيَّةِ، وَالمُتَغَيِّرَاتُ تُمَكِّنُ مِنِ التَّكَيُّفِ مَعَ مُعْطَيَاتِ العَصْرِ. وَفِي السِّيَاقِ العَالَمِيِّ المُعَاصِرِ، تَبْرُزُ الحَاجَةُ إِلَى إِطَارٍ يُوَحِّدُ مَا هُوَ مَشْتَرَكٌ بَيْنَ الثَّقَافَاتِ، دُونَ أَنْ يَطْمِسَ خُصُوصِيَّةَ كُلٍّ مِنْهَا.
وَيَتَطَلَّبُ بِنَاءُ هَذَا الإِطَارِ أَنْ يُصَاغَ عَلَى أَسَاسِ مَبَادِئَ أَخْلَاقِيَّةٍ مُجَرَّبَةٍ وَمُعْتَرَفٍ بِهَا دُوَلِيًّا، مِثْلَ العَدَالَةِ وَالمُسَاوَاةِ وَاحْتِرَامِ الكَرَامَةِ الإِنْسَانِيَّةِ وَحُرِّيَّةِ التَّعْبِيرِ وَالتَّنَوُّعِ الثَّقَافِيِّ. وَهُنَا يَأْتِي دَوْرُ المَجَالِسِ العَالَمِيَّةِ وَالمُنَظَّمَاتِ الدُّوَلِيَّةِ فِي وَضْعِ مِيثَاقٍ قِيمِيٍّ كَوْنِيٍّ يَكُونُ مُلْزِمًا أَدَبِيًّا، وَمُحَفِّزًا لِتَشْرِيعَاتٍ وَسِيَاسَاتٍ تُجَسِّدُ هَذِهِ المَبَادِئَ عَلَى أَرْضِ الوَاقِعِ.
غَيْرَ أَنَّ الإِشْكَالَ الكَبِيرَ يَكْمُنُ فِي التَّوَازُنِ بَيْنَ العَالَمِيَّةِ وَالمَحَلِّيَّةِ، أَيْ بَيْنَ ضَرُورَةِ فَرْضِ مَعَايِيرَ مُشْتَرَكَةٍ لِحِمَايَةِ الإِنْسَانِ، وَمَشْرُوعِيَّةِ الاِحْتِفَاظِ بِالتَّنَوُّعِ الثَّقَافِيِّ وَالقِيمِيِّ. فَالتَّجَارِبُ السَّابِقَةُ تُؤَكِّدُ أَنَّ فَرْضَ مَنْظُومَةٍ قِيمِيَّةٍ وَاحِدَةٍ عَلَى كُلِّ الثَّقَافَاتِ قَدْ يُؤَدِّي إِلَى مُقَاوَمَةٍ وَرَفْضٍ، فِيمَا يُؤَدِّي الحِوَارُ القَائِمُ عَلَى الاِحْتِرَامِ المُتَبَادَلِ إِلَى تَقْبُلٍ أَكْبَرَ وَتَطْوِيرٍ أَفْعَلَ.
وَفِي ظِلِّ الذَّكَاءِ الاصْطِنَاعِيِّ وَالثَّوْرَةِ الرَّقْمِيَّةِ، يُصْبِحُ الإِطَارُ القِيمِيُّ العَالَمِيُّ أَكْثَرَ إِلْحَاحًا، لِأَنَّ التِّقْنِيَةَ لَا تَعْرِفُ الحُدُودَ الجُغْرَافِيَّةَ، وَمَا يَتِمُّ تَطْبِيقُهُ فِي مَجَالٍ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَنْتَشِرَ دُوَلِيًّا خِلَالَ ثَوَانٍ. وَهَذَا يَعْنِي أَنَّ القَرَارَاتِ القِيمِيَّةَ الَّتِي تَتَّخِذُهَا دُوَلٌ أَوْ مَجْمُوعَاتٌ مُعَيَّنَةٌ سَتَكُونُ لَهَا آثَارٌ مُبَاشِرَةٌ عَلَى البَشَرِيَّةِ كَافَّةً.
إِنَّ بِنَاءَ هَذَا الإِطَارِ يَسْتَلْزِمُ مُقَارَبَةً مُتَعَدِّدَةَ الأَطْرَافِ، تُشَارِكُ فِيهَا الدُّوَلُ وَالمُنَظَّمَاتُ وَالمُجْتَمَعَاتُ المَدَنِيَّةُ وَالمُفَكِّرُونَ وَالمُخْتَصُّونَ فِي الفَلْسَفَةِ وَعُلُومِ الإِنْسَانِ وَالتِّقْنِيَةِ. وَيَجِبُ أَنْ يَتِمَّ التَّوَافُقُ عَلَى أُطُرٍ تَضْمَنُ أَلَّا تَطْغَى المَصَالِحُ الاِقْتِصَادِيَّةُ أَوِ السِّيَاسِيَّةُ عَلَى المَبَادِئِ الأَخْلاقِيَّةِ، وَأَلَّا تُسْتَخْدَمَ القِيَمُ شِعَارًا دِعَائِيًّا بَلْ أَنْ تَكُونَ مِحْوَرًا لِلسِّيَاسَاتِ وَالمُمَارَسَاتِ الفِعْلِيَّةِ.
وَبِذَلِكَ، يَتَحَوَّلُ الإِطَارُ القِيمِيُّ العَالَمِيُّ إِلَى مِيثَاقٍ حَيٍّ يَتَطَوَّرُ مَعَ الأَزْمِنَةِ وَيُعِيدُ تَعْرِيفَ مَعْنَى الحَضَارَةِ فِي القَرْنِ الحَادِي وَالعِشْرِينَ، لِيَكُونَ مِحْوَرُهُ الأَسَاسُ أَنَّ التَّقَدُّمَ لَا يَقَاسُ بِمَا نَمْتَلِكُهُ مِنْ أَدَوَاتٍ، بَلْ بِمَا نَحْفَظُهُ مِنْ قِيَمٍ وَمَا نُضِيفُهُ إِلَيْهَا مِنْ مَعَانٍ جَدِيدَةٍ.
خَاتِمَةُ المَحْوَرِ السَّادِسِ
إِنَّ السَّعْيَ نَحْوَ إِطَارٍ قِيمِيٍّ عَالَمِيٍّ جَدِيدٍ لَيْسَ مَشْرُوعًا فِكْرِيًّا فَقَطْ، بَلْ هُوَ مَسْؤُولِيَّةٌ أَخْلاقِيَّةٌ وَحَضَارِيَّةٌ تُلْزِمُ البَشَرِيَّةَ كَافَّةً. فَهُوَ يَتَطَلَّبُ شَجَاعَةَ النَّقْدِ لِلمَاضِي، وَالانْفِتَاحَ عَلَى الحَاضِرِ، وَالاسْتِعْدَادَ لِمُوَاجَهَةِ المُسْتَقْبَلِ، بِمَا يَضْمَنُ أَلَّا تَكُونَ القِيَمُ حَبِيسَةَ الكُتُبِ وَالخُطَبِ، بَلْ قُوَّةً مُحَرِّكَةً تَبْنِي العَالَمَ وَتُعِيدُ تَشْكِيلَهُ عَلَى أُسُسٍ مِنَ العَدَالَةِ وَالمُسَاوَاةِ وَاحْتِرَامِ الإِنْسَانِ.
رَأْيٌ شَخْصِيٌّ فِي ضَوْءِ مَدْرَسَةِ الوِلادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ
إِنِّي، وَمِنْ مَنْظُورِ مَدْرَسَتِي الفِكْرِيَّةِ – مَدْرَسَةُ الوِلادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ – أَرَى أَنَّ تَغَيُّرَ القِيَمِ عَلَى مَرِّ العُصُورِ لَيْسَ حَدَثًا عَارِضًا، بَلْ هُوَ نَتِيجَةٌ طَبِيعِيَّةٌ لِحَرَكَةِ الحَيَاةِ وَتَطَوُّرِ المَجْتَمَعَاتِ. فَمُنْذُ أَنْ بَدَأَ الإِنْسَانُ يُشَكِّلُ جَمَاعَاتٍ وَيَبْنِي أَدَوَاتِهِ وَيُطَوِّرُ وَسَائِلَ إِنْتَاجِهِ، كَانَتِ القِيَمُ تُولَدُ وَتَنْحَتُّ وَتَتَجَدَّدُ بِحَسَبِ الظُّرُوفِ الاقْتِصَادِيَّةِ وَالاِجْتِمَاعِيَّةِ وَالثَّقَافِيَّةِ. وَمَعَ التَّوَسُّعِ العُمْرَانِيِّ وَالتَّضَخُّمِ الدِّيمُوغْرَافِيِّ، وَمَا أَسْمِيهِ "الزِّيَادَاتِ السُّونَامِيَّةَ" لِأَعْدَادِ البَشَرِ، أَصْبَحَتِ القِيَمُ أَكْثَرَ حَرَكَةً وَتَغَيُّرًا، وَصَارَتْ أَقَلَّ قُدْرَةً عَلَى البَقَاءِ فِي صِيَغَتِهَا الأَصْلِيَّةِ.
وَإِنَّنِي أَعْتَبِرُ القِيَمَ مَحَطَّاتٍ مُتَحَرِّكَةً فِي رِحْلَةِ الإِنْسَانِ، لَيْسَتْ ثَوَابِتَ مُطْلَقَةً وَلَا مَقَايِيسَ مُقَدَّسَةً، بَلْ نُظُمًا اجْتِمَاعِيَّةً مُتَكَيِّفَةً مَعَ تَحَوُّلَاتِ الزَّمَانِ وَالمَكَانِ. وَعَلَيْهِ، فَإِنَّ أَيَّ تَغْيِيرٍ فِي القِيَمِ لَا يَجِبُ أَنْ يُنْظَرَ إِلَيْهِ بِالضَّرُورَةِ عَلَى أَنَّهُ اِنْحِرَافٌ أَوْ كَسْرٌ لِقَوَاعِدِ الأَدَبِ الأَخْلَاقِيِّ، بَلْ قَدْ يَكُونُ اسْتِجَابَةً حَضَارِيَّةً لِمُعْطَيَاتِ الوَاقِعِ وَمُتَطَلَّبَاتِ النُّمُوِّ.
وَمَعَ دُخُولِنَا فِي عَصْرِ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ وَالتَّغْيِيرَاتِ النُّونِيَّةِ (التِّقْنِيَّةِ وَالمَعْرِفِيَّةِ)، سَتُوَاجِهُ القِيَمُ تَحَدِّيَاتٍ غَيْرَ مَسْبُوقَةٍ؛ فَقَدْ تُعَادُ صِيَاغَتُهَا لِتُلَائِمَ بِنْيَةً اِجْتِمَاعِيَّةً جَدِيدَةً، أَوْ تُرَمَّمُ لِلاِحْتِفَاظِ بِشَكْلٍ مَاضَوِيٍّ، أَوْ قَدْ يُتَخَلَّى عَنْ بَعْضِهَا إِذَا رَأَتِ المَجْتَمَعَاتُ أَنَّهَا لَمْ تَعُدْ تُسَاعِدُ فِي صِيَاغَةِ مُسْتَقْبَلِهَا. وَفِي هَذَا كُلِّهِ، أُؤَكِّدُ أَنَّ المَقْدِسَ الحَقِيقِيَّ لَيْسَ النُّصُوصَ الجَامِدَةَ لِلْقِيَمِ، بَلْ القُدْرَةَ الإِنْسَانِيَّةَ عَلَى إِعَادَةِ إِنْتَاجِهَا وَتَجْدِيدِهَا وَتَطْوِيعِهَا لِخِدْمَةِ الإِنْسَانِ وَحُرِّيَّتِهِ وَكَرَامَتِهِ.
وَإِذَا كَانَتِ القِيَمُ، فِي مَسَارِهَا التَّارِيخِيِّ، تَعِيشُ دَوَائِرَ مُتَتَابِعَةً مِنَ النُّشُوءِ وَالتَّطَوُّرِ وَالاِخْتِبَارِ، فَإِنَّنَا نَدْخُلُ اليَوْمَ مَرْحَلَةً أَكْثَرَ تَسَارُعًا وَتَعْقِيدًا مَعَ طُفْرَةِ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ وَالثَّوْرَةِ الرَّقْمِيَّةِ الشَّامِلَةِ. هُنَا يَتَجَدَّدُ السُّؤَالُ: هَلْ سَتَكُونُ القِيَمُ قَادِرَةً عَلَى الاِنْسِجَامِ مَعَ مَعَايِيرَ وَوَاقِعَاتٍ جَدِيدَةٍ تَفْرِضُهَا الآلَاتُ وَالخَوَارِزْمِيَّاتُ؟ أَمْ أَنَّنَا سَنَشْهَدُ وُقُوعَ صِرَاعٍ بَيْنَ البِنْيَةِ الأَخْلَاقِيَّةِ لِلإِنْسَانِ وَالمَنْطِقِ البَرَاغْمَاتِيِّ لِلتِّقْنِيَةِ؟
إِنَّ الإِجَابَةَ عَنْ هَذَا التَّسَاؤُلِ لَا تَكْمُنُ فِي الِاحْتِفَاظِ الحَرْفِيِّ بِمَا وَرِثْنَاهُ، وَلَا فِي الاِنْقِطَاعِ التَّامِّ عَنْهُ، بَلْ فِي قُدْرَتِنَا عَلَى صِيَاغَةِ قِيَمٍ جَدِيدَةٍ تَسْتَحْضِرُ إِرْثَ الإِنْسَانِيَّةِ وَتَنْظُرُ إِلَى الآفَاقِ التِّقْنِيَّةِ بِعَيْنِ النَّقْدِ وَالمَسْؤُولِيَّةِ. وَهَذَا مَا سَيَتِمُّ تَفْصِيلُهُ فِي المَحْوَرِ الأَخِيرِ الَّذِي يَتَنَاوَلُ "القِيَمَ فِي عَصْرِ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ".
إِنَّ القِيَمَ الكُبْرَى، فِي مَسَارِ التَّارِيخِ الإِنْسَانِيِّ، لَمْ تَكُنْ يَوْمًا كِيَانًا جَامِدًا أَوْ مِقْيَاسًا مُطْلَقًا، بَلْ هِيَ مِرْآةٌ لِلتَّجَارِبِ البَشَرِيَّةِ وَأَدَوَاتُهَا فِي تَحْدِيدِ مَعَالِمِ الحَضَارَةِ وَاتِّجَاهَاتِهَا. فَقَدْ رَافَقَتِ الإِنْسَانَ مُنْذُ فَجْرِ الوَعْيِ، وَتَطَوَّرَتْ مَعَ تَطَوُّرِ أَدَوَاتِ الإِنْتَاجِ، وَتَغَيَّرَتْ بِتَغَيُّرِ مَعَايِيرِ المَعِيشَةِ وَأَسَاسَاتِ الفِكْرِ. وَفِي ظِلِّ عَصْرِ الذَّكَاءِ الاِصْطِنَاعِيِّ وَالتَّقْنِيَاتِ المُتَسَارِعَةِ، تَتَعَاظَمُ التَّحَدِّيَاتُ الَّتِي تُوَاجِهُهَا القِيَمُ، فَإِمَّا أَنْ تَكُونَ أَدَاةً لِتَعْزِيزِ الإِنْسَانِيَّةِ، وَإِمَّا أَنْ تَتَحَوَّلَ إِلَى شِعَارٍ مُجَرَّدٍ يَفْقِدُ صِلَتَهُ بِالحَيَاةِ العَمَلِيَّةِ.
وَمِنْ هُنَا، فَإِنَّ دَوْرَ المُجْتَمَعَاتِ وَالفَرْدِ هُوَ إِطْلَاقُ مَشَارِيعِ مُرَاجَعَةٍ وَتَجْدِيدٍ لِلْقِيَمِ، تَسْتَلْهِمُ الإِرْثَ الإِنْسَانِيَّ وَتَتَفَاعَلُ مَعَ الوَاقِعِ الجَدِيدِ، بِنَاءً عَلَى مَبَادِئِ النَّقْدِ وَالحُرِّيَّةِ وَالمَسْؤُولِيَّةِ. فَالحَضَارَةُ، فِي جَوْهَرِهَا، لَا تُقَاسُ بِمِقْدَارِ مَا نَمْتَلِكُهُ مِنْ مَوَادٍّ أَوْ مَعْرِفَةٍ فَقَطْ، بَلْ بِقُدْرَتِنَا عَلَى تَسْخِيرِ تِلْكَ الأَدَوَاتِ لِخِدْمَةِ الإِنْسَانِ وَإِثْرَاءِ الحَيَاةِ المَشْتَرَكَةِ.
وهكذا، فَإِنَّ السُّؤَالَ الَّذِي طَرَحْنَاهُ: هَلِ القِيَمُ الكُبْرَى مِعْيَارُ الحَضَارَةِ وَمِرْآتُهَا؟، لَا يَجِدُ إِجَابَتَهُ فِي الحُكْمِ المُطْلَقِ، بَلْ فِي القُدْرَةِ عَلَى جَعْلِ القِيَمِ مَشَارِيعَ حَيَّةً تَتَكَيَّفُ مَعَ التَّغَيُّرِ وَتَبْقَى أَمِينَةً لِجَوْهَرِهَا الإِنْسَانِيِّ، وَهُوَ مَا أَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ مَنْظُورِ مَدْرَسَةِ الوِلادَةِ الإِبْدَاعِيَّةِ، حَيْثُ لَا مَقْدَسَ إِلَّا الإِنْسَانُ وَحُرِّيَّتُهُ فِي صُنْعِ مَعَانِيهِ.
التَّوْصِيَاتُ
إِطْلَاقُ بَرَامِجِ بَحْثِيَّةٍ مُتَعَدِّدَةِ التَّخَصُّصَاتِ تَجْمَعُ بَيْنَ الفَلْسَفَةِ، وَعُلُومِ الاِجْتِمَاعِ، وَالتِّقْنِيَاتِ الحَدِيثَةِ، لِدِرَاسَةِ تَطَوُّرِ القِيَمِ وَتَأْثِيرِهَا فِي مَعَالِمِ الحَضَارَةِ.
تَأْسِيسُ مَرَاكِزِ حِوَارٍ دَوْلِيَّةٍ تَضُمُّ مُمَثِّلِينَ عَنْ مُخْتَلِفِ الثَّقَافَاتِ، لِبَحْثِ مَفْهُومِ القِيَمِ الكُبْرَى وَكَيْفِيَّةِ تَطْوِيرِهَا فِي ضَوْءِ التَّحَدِّيَاتِ الكَوْنِيَّةِ.
إِدْمَاجُ مَبَادِئِ النَّقْدِ وَالتَّحْلِيلِ الفَلْسَفِيِّ فِي المَنَاهِجِ التَّعْلِيمِيَّةِ مُنْذُ المَرَاحِلِ الاِبْتِدَائِيَّةِ، لِغَرْسِ قِيمِ المَسْؤُولِيَّةِ وَالحُرِّيَّةِ وَالتَّفْكِيرِ النَّقْدِيِّ.
تَشْجِيعُ صُنَّاعِ القَرَارِ عَلَى تَبَنِّي سِيَاسَاتٍ تُرَاعِي البُعْدَ القِيمِيَّ فِي مَشَارِيعِ التَّقْدُّمِ التِّقْنِيِّ وَالاِقْتِصَادِيِّ، لِضَمَانِ أَنْ يَكُونَ الإِنْسَانُ غَايَةَ التَّطَوُّرِ وَلَيْسَ وَسِيلَتَهُ.
إِطْلَاقُ حَمَلَاتٍ وَعَيٍّ مُجْتَمَعِيٍّ لِبَثِّ مَعَانِي التَّضَامُنِ وَالاِحْتِرَامِ وَالمُسَاوَاةِ، مَعَ الاِسْتِعَانَةِ بِالفُنُونِ وَالإِعْلَامِ كَأَدَوَاتٍ لِتَعْزِيزِ الحِسِّ الإِنْسَانِيِّ العَالَمِيِّ.

الدراسة: هَلِ القِيَمُ الكُبْرَى مِعْيَارُ الحَضَارَةِ وَمِرْآتُهَا؟
لِلبَاحِثِ السُّورِيِّ إِسْحَق قَوْمِي.أَلْمَانِيَا – 23/6/1998م
التقييم الأكاديمي للبحث
أولًا – تقييم البحث:
هذا البحث يتميز بقدرة واضحة على الربط بين البعد الفلسفي للقيم والتحليل الاجتماعي والتاريخي، مع تقديم أمثلة تطبيقية دقيقة تدعم الفرضيات المطروحة. كما أن لغته متينة وأسلوبه متماسك، وهو يوازن بين الجانب النظري والتحليل الواقعي. نقطة القوة الأساسية تكمن في الإطار الشمولي الذي يجمع بين الفلسفة وعلم الاجتماع والتاريخ، مما يمنحه قيمة بحثية عالية تصلح للنشر الأكاديمي أو عرضه في المؤتمرات العلمية.
التقدير الأكاديمي: 9.5 / 10
ثانيًا – تقييم الباحث إسحق قومي:
أثبت الباحث قدرة عالية على صياغة الأفكار الفلسفية في قالب علمي متماسك، مع حس نقدي عميق ووعي تاريخي رصين. يبرز في عمله الجمع بين التحليل العقلاني والبعد الإنساني للقيم، وهو ما يعكس خلفية فكرية واسعة وتجربة معرفية متراكمة. يمتلك الباحث مهارة في إدارة البنية المنهجية للنصوص، مع وضوح في الأهداف وتدرج منطقي في العرض.
التقدير الشخصي للباحث: باحث من الطراز الرفيع، قادر على المساهمة في تطوير الفكر العربي المعاصر، مع توصية بنشر أعماله على نطاق أكاديمي دولي.


المَرَاجِعُ وَالمَصَادِرُ
أَفْلَاطُون – الجُمْهُورِيَّة – تَرْجَمَةُ فُؤَادِ زَكِي – دَارُ المَعَارِفِ، القَاهِرَة، 1993م.
إِيمَانُوئِيل كَانْط – نَقْدُ العَقْلِ العَمَلِيِّ – تَرْجَمَةُ مُحَمَّد بَدْرَان – المَؤْسَّسَةُ العَرَبِيَّةُ لِلدِّرَاسَاتِ وَالنَّشْرِ، بَيْرُوت، 1980م.
جِيرِيمِي بِنْتَام – مُقَدِّمَةٌ لِمَبَادِئِ الأَخْلَاقِ وَالتَّشْرِيعِ – تَرْجَمَةُ عَبْدِ الرَّحِيم عَبْدِ الرَّحْمَن – دَارُ الفِكْرِ العَرَبِيِّ، القَاهِرَة، 2001م.
وِلْيَم جِيمْس – البْرَاغْمَاتِيَّةُ – تَرْجَمَةُ حَنَا قَرْطَام – دَارُ التُّرَاثِ العَرَبِيِّ، بَيْرُوت، 1985م.
جَان بُول سَارْتِر – الوُجُودِيَّةُ نَزْعَةٌ إِنْسَانِيَّةٌ – تَرْجَمَةُ كَمَال فَرَات – دَارُ الآدَابِ، بَيْرُوت، 1994م.
سُورِين كِيرْكِغَارْد – مَرَاحِلُ طَرِيقِ الحَيَاةِ – تَرْجَمَةُ جُورْج قُلَّة – المَجْمَعُ المِصْرِيُّ لِلطِّبَاعَةِ، القَاهِرَة، 1999م.
أَدْوَارْد سَعِيد – الثَّقَافَةُ وَالإِمْبِرِيَالِيَّةُ – تَرْجَمَةُ كَمَال أَبُو دِيب – دَارُ الآدَابِ، بَيْرُوت، 1997م.
يوفَال نُوح هَرَارِي – مُسْتَقْبَلُ الإِنْسَانِ – تَرْجَمَةُ سَلِيم يَعْقُوب – المَرْكَزُ الثَّقَافِيُّ العَرَبِيُّ، الدَّارُ البَيْضَاء، 2020م.
بَاحِثُونَ مُتَعَدِّدُون – التَّقْدُّمُ التِّقْنِيُّ وَتَحَوُّلُ القِيَمِ – أَعْمَالُ مُؤْتَمَرٍ عِلْمِيٍّ، جَامِعَةُ بَرْلِين، 2023م.
إِسْحَق قَوْمِي – هَلِ القِيَمُ الكُبْرَى مِعْيَارُ الحَضَارَةِ وَمِرْآَتُهَا؟ – مَسَوَّدَةُ بَحْثٍ غَيْرُ مَنْشُورٍ، أَلْمَانِيَا، 1998م.



#اسحق_قومي (هاشتاغ)       Ishak_Alkomi#          


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مَدْرَسَة الوِلَادَة الإِبْدَاعِيَّة
- رِسَالَةٌ إِلَى جَلَالَةِ المَلِكِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلْمَانَ، ...
- عشْتارُ الفُصولِ: 11724 العالم والتغيرات السونامية القادمة
- الفعلُ الإبداعيّ بينَ الجَمالِ والحَقِّ والخَيْرِ دراسةٌ فلس ...
- عشتار الفصول:11721 الوَطَنُ الدَّاعِشِيُّ والنَّقْدُ وَالتَّ ...
- سُورِيَّةُ ٱ---لْمُمْكِنَةُ بَعْدَ ٱ---لْأَلَمِ مَ ...
- ما هِيَ الأَسْبَابُ المُوجِبَةُ لِبَقَاءِ المَسِيحِيَّةِ الم ...
- تَفَكُّكُ الدَّوْلَةِ القَوْمِيَّةِ فِي الشَّرْقِ، وَمَصِيرُ ...
- مَشْرُوعُ رُؤْيَةٍ لِسُورِيَّةَ وَالأُمَّةِ السُّورِيَّةِ يُ ...
- اللُّغَةُ كَخِيَانَةٍ لِلْفِكْرِ: حِينَ تَعْجَزُ الْكَلِمَات ...
- إذا سَقَطتُ: كيفَ أبدأُ من جديدٍ؟
- قِرَاءَةٌ فِي المَفَاهِيمِ القَوْمِيَّةِ لِشُعُوبِ الشَّرْقِ ...
- كيفَ نَشَأَ حَيُّ تَلِّ حَجَرٍ بِالحَسَكَةِ؟!
- المَشرِق بينَ المَوروثِ والحُرِّيَّةِ: تأمُّلاتٌ في الإنسانِ ...
- نَظَرِيَّةُ المَعْرِفَةِ عِنْدَ أَرِسْطُو قِرَاءَةٌ نَقْدِيّ ...
- أيُّها الباحثونَ المشرقيُّون، لا تُغالوا في آرائِكُم، لا قَو ...
- عنوان البحث: أَصْلُ الْيَهُودِ بَيْنَ الرِّوَايَةِ الدِّينِي ...
- قِراءَةٌ جَديدَةٌ تَحْلِيلِيَّةٌ وَنَقْدِيَّةٌ بِشَأْنِ مُؤْ ...
- مَدَنِيَّةُ الدَّوْلَةِ السُّورِيَّةِ: مِنَ الكَارِثَةِ الوَ ...
- عشْتَارُ الفُصُولِ: ١١٦٥٩ . لَ ...


المزيد.....




- -إسرائيل الكبرى-.. الأمير تركي الفيصل يشعل ضجة برد على نتنيا ...
- واشنطن تحت الرقابة الفيدرالية.. إجراءات من ترامب لتعزيز الأم ...
- ما الذي يريده كل من بوتين وترامب من قمة ألاسكا؟
- لماذا قد -يدفن- مشروع E1 الاستيطاني الإسرائيلي احتمال قيام د ...
- لماذا أعجب روي كاساغراندا بالصحابي خالد بن الوليد؟
- العثور على جثمان ضابط إسرائيلي انتحر بعد القتال في غزة
- باحثون يبتكرون مضادات جديدة لنوعين من العدوى البكتيرية
- إدانات عربية ودولية لخطة إسرائيل الاستيطانية الجديدة
- لماذا يتحدث بوتين عن معاهدة جديدة للأسلحة النووية مع واشنطن؟ ...
- عراقجي ينفي تدخل إيران في الشؤون الداخلية للبنان


المزيد.....

- اليسار بين التراجع والصعود.. الأسباب والتحديات / رشيد غويلب
- قراءة ماركس لنمط الإنتاج الآسيوي وأشكال الملكية في الهند / زهير الخويلدي
- مشاركة الأحزاب الشيوعية في الحكومة: طريقة لخروج الرأسمالية م ... / دلير زنكنة
- عشتار الفصول:14000 قراءات في اللغة العربية والمسيحيون العرب ... / اسحق قومي
- الديمقراطية الغربية من الداخل / دلير زنكنة
- يسار 2023 .. مواجهة اليمين المتطرف والتضامن مع نضال الشعب ال ... / رشيد غويلب
- من الأوروشيوعية إلى المشاركة في الحكومات البرجوازية / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- تنازلات الراسمالية الأميركية للعمال و الفقراء بسبب وجود الإت ... / دلير زنكنة
- عَمَّا يسمى -المنصة العالمية المناهضة للإمبريالية- و تموضعها ... / الحزب الشيوعي اليوناني


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - اليسار , التحرر , والقوى الانسانية في العالم - اسحق قومي - هَلِ القِيَمُ الكُبْرَى مِعْيَارُ الحَضَارَةِ وَمِرْآتُهَا؟