|
قراءة في كتاب ( المصري - The Egyptian by Mika Waltari Translated by Naomi Walford )
محيي الدين ابراهيم
الحوار المتمدن-العدد: 8432 - 2025 / 8 / 12 - 02:43
المحور:
الادب والفن
وهو خمسة عشرة فصلاً في 966 صفحة من القطع المتوسط وقام بترجمة الكتاب للإنجليزية "ناعومي ويلفورد" عن مؤلفه الفنلندي ميكا والتاري، والكتاب صادر عن دار النشر الفنلندية (WSOY) وقام بتصميم الغلاف الفنان التشكيلي "بيورن لاندستروم"، وتقول دار النشر في تعريفها للكتاب الآتي: "كل شيء يعود إلى حالته الأصلية، وليس هناك شيء جديد تحت الشمس، والإنسان لا يتغير، وإن تغيرت ملابسه وكلمات لسانه أيضًا." سنوحي طفلٌ لقيطٌ نشأ في طيبة كابنٍ لطبيبٍ فقير، وأصبح طبيبًا هو الآخر. يأخذه القدر في مغامراتٍ إلى أهم إمبراطوريات العالم: سوريا، وبابل، ثم إلى مصر. في طيبة، عُيّن سنوحي جراحًا للأعصاب لدى الفرعون إخناتون، وتابع عن كثب جهود الإصلاح التي بذلها الحاكم المتعصب. بعد مراحلَ مضطربةٍ وتجاربَ حبٍّ وخيباتِ أمل، يسترجع سنوحي ذكريات حياته في المنفى. "سينوحي المصري" هو العمل الروائي الفنلندي الأكثر ترجمةً. ورغم أن أحداث العمل تدور في مصر القديمة، إلا أن رسالته عالمية وخالدة. ففي وصفه للحرب والاضطرابات، والصداقة والحب، نجح والتاري في بلورة أهم ما في الإنسان. والكتاب يتحدث فيه أحد أهم الأطباء الفراعنة، الطبيب "سنوحي" – ذلك الطبيب المصري – الذي يتحدث بصراحة عن حياته منذ طفولته حتى منفاه، في صيغة سيرة ذاتية فلسفية مليئة بالتأملات في المجد والزوال، والحب والخيانة، والسياسة والدين في مصر الفرعونية. وبقراءة نقدية لهذا الكتاب نجد أن النص في الرواية يمزج بين السرد الروائي والبعد التأملي، في أسلوب يجمع الحنين والشجن والسخرية المريرة. يبدأ سنوحي بالكتابة من منفاه، وقد سئم الآلهة والفراعنة والمجد الزائل، في محاولة لكتابة "حقيقته" بلا تزييف. السرد يتميز بلغته الغنية بالصور الحسية، من رائحة خبز طيبة الفقير إلى ضجيج الموانئ وطقوس المعبد، مما يخلق عالماً فرعونياً نابضاً بالتفاصيل اليومية لا تقتصر على القصور والكهنة، بل تشمل حياة العامة والفقراء. البنية الروائية تقوم على فصول تشبه مخطوطات متتالية، كل منها يضيف طبقة جديدة في بناء شخصية سنوحي: الطفل اللقيط، التلميذ، الطبيب، الصديق، ثم المنفي. هناك حضور دائم للرمز، مثل قارب القصب الذي جاء فيه طفلاً، كإشارة لقدره المجهول، وبيت الحياة كمكان للتعليم والسلطة المعرفية، والنيل كحبل سرّي أبدي بينه وبين الوطن. وعن جوهر الكتاب نجد: رحلة إنسانية في قلب الحضارة المصرية، تعكس كيف تتقاطع المعرفة بالسلطة، واستغلال الطب والدين والسياسة في السيطرة على الناس. نقد مبطن للمؤسسة الكهنوتية وللصراع على الحكم، مع إبراز هشاشة المجد البشري أمام الزمن. تصوير واقعي لمصر الفرعونية بعيون إنسان يعيش تناقضاتها بين القيم المثالية والانحطاط العملي. معالجة فلسفية لموضوع المنفى والانتماء، حيث يظل الحنين للنيل والأرض أقوى من أي إغراء خارجي. وعن أهم الأفكار الواردة: سنوحي كرمز للإنسان الباحث عن المعنى، الرافض للزيف، والذي يرى أن الخلود في الصدق الشخصي لا في تمجيد الملوك. الطب كأداة حياة وموت، بين الممارسة النزيهة والوظيفة السياسية. الاسم والقدر – كيف يصبح الاسم (سنوحي) ظلّاً للأسطورة القديمة، فيمزج بين المصادفة والأسطورة في رسم المصير. المؤسسة الدينية والسيطرة – الكهنة كحراس للمعرفة وكمستفيدين من السلطة الاقتصادية والسياسية. الحياة اليومية في مصر القديمة – الأسواق، الموانئ، الطقوس، وأحياء الفقراء بجوار القصور. ملخص الفصول مع التحليل الرمزي الكتاب الأول – قارب القصب الأحداث: يفتتح سنوحي مذكراته من منفاه وقد سئم الآلهة والفراعنة. يروي نشأته كطفل لقيط وجده طبيب فقير وزوجته كيبا في قارب قصب على النيل. طفولة مليئة بالقصص الشعبية وحياة الأحياء الفقيرة في طيبة. الرمز: قارب القصب يرمز للقدر المجهول والرحلة التي يُقذف فيها الإنسان منذ مولده. النيل هنا هو الحبل السري الذي يربط الماضي بالحاضر. الكتاب الثاني – بيت الحياة الأحداث: دخول سنوحي مدرسة الكهنة ليتعلم الطب، بعد اجتياز اختبارات طويلة، واستيعاب تقاليد العلم المقدس في معابد آمون. إدراكه لسلطة الكهنة وهيمنتهم على التعليم والسياسة. الرمز: بيت الحياة يرمز إلى المعرفة كأداة سلطة، وإلى أن العلم في الحضارات القديمة كان مرتبطاً بالمؤسسة الدينية، ما يجعله مقيداً بالمصالح العليا للسلطة. الكتاب الثالث – حمى طيبة الأحداث: تفشي وباء في طيبة، ما يتيح لسنوحي فرصة لإثبات كفاءته الطبية. يتعرف على ميريت لأول مرة في أجواء المدينة المحمومة، ويكتشف الوجه المظلم للحياة الحضرية. الرمز: الحمى ترمز لجنون المدينة، حيث تختلط الرغبات بالخوف، وللطبيعة التي تكشف ضعف الإنسان مهما بلغت سلطته. الكتاب الرابع – نفرنفرنفر الأحداث: يقع سنوحي في غرام الغانية الجميلة نفرنفرنفر التي تستدرجه وتستنزف أمواله حتى يفتقر. علاقة تكشف ضعفه أمام الإغواء. الرمز: نفرنفرنفر تجسد الإغراء الذي يسلب العقل والموارد، وهي صورة للفتنة التي تستهلك حياة الإنسان حتى يفرغ. الكتاب الخامس – الخبيري الأحداث: يهرب سنوحي من طيبة ويعيش بين البدو (الخبيري) ويتعلم أسلوب حياتهم القاسي، ويتأمل الفارق بين الحضارة والبداوة. الرمز: الخبيري رمز للحرية الخام التي تخلو من القيود، لكنها أيضاً حياة شظف لا تعرف الرفاه ولا الاستقرار. الكتاب السادس – يوم الملك الكاذب الأحداث: مع كابتاح، يشهد احتفال "الملك ليوم واحد" حيث يتوجون رجلاً من العامة ملكاً ثم ينهون عهده بالسخرية والمهانة. مشهد يفضح هشاشة المظاهر السلطوية. الرمز: الملك الكاذب رمز لزيف السلطة، ولأن الكرسي قد يجلس عليه أي شخص بقرار من الجمهور أو الظروف، لكن الجوهر لا يتغير. الكتاب السادس – يوم الملك الكاذب الأحداث: سنوحي مع صديقه كابتاح يشهد احتفالية ساخرة يتوّج فيها كابتاح ملكاً ليوم واحد، في جو من الهزل والفساد الشعبي. تنتهي الليلة بمواقف عبثية تكشف انحطاط القيم وتلاعب العامة بالمظاهر الملكية. الرمز: يمثل "الملك الكاذب" خداع السلطة والشكلانية الفارغة، وأن الملك قد يكون مجرد دور مؤقت تؤديه الظروف، وليس جوهر الحكم. الكتاب السابع – مينيا الأحداث: لقاء سنوحي بمينيا، المرأة التي تحمل جمالاً ممزوجاً بالمأساة. قصة حب تنتهي بالموت المأساوي لمينيا، في مشهد شديد القسوة. الرمز: مينيا تجسد جمال الحياة المهدد دوماً بالفناء، والحب كقيمة لا يحميها حتى أنقى المشاعر من قدر الموت. الكتاب الثامن – البيت المظلم الأحداث: يغوص سنوحي في عالم الخطيئة والرغبات، حيث يسكن مع ميريت، العاهرة الذكية التي تحبّه على طريقتها. البيت المظلم هو مسرح للترف والانحدار الأخلاقي. الرمز: "البيت المظلم" هو استعارة لزوايا النفس المظلمة، حيث اللذة تخفي الحزن، والترف يغطي خواء الروح. الكتاب التاسع – ذيل التمساح الأحداث: ميريت تحكي أسطورة ذيل التمساح كرمز للحظ التجاري، فيما ينغمس كابتاح في مشاريع مربحة مشبوهة. سنوحي يبقى متردداً بين الاستفادة والانصراف عن الفساد. الرمز: ذيل التمساح يرمز للثروة التي تأتي من استغلال الخرافة والدهاء التجاري، وهو نقد لاقتصاد يقوم على التضليل. الكتاب العاشر – مدينة السماء الأحداث: زيارة سنوحي لمدينة دينية طوباوية تتبع عبادة آتون، حيث يرى مثالاً مجتمعياً متطرفاً في الطهر الروحي لكنه منغلق وقاسٍ على الأفراد. الرمز: "مدينة السماء" تمثل المثاليات التي تتحول إلى قيد خانق، وحين يصبح النقاء المطلق نوعاً من الطغيان. الكتاب الحادي عشر – استحقاق الأحداث: صعود حورمحب وتثبيت سلطته عبر الحروب والإصلاحات. سنوحي يراقب التحول السياسي العنيف ويدرك أن القوة تصنع "الحق". الرمز: "الاستحقاق" هنا تهكم على فكرة أن من يملك القوة يملك الشرعية، بغض النظر عن الأخلاق. الكتاب الثاني عشر – ساعة المياه تقيس الوقت الأحداث: لحظات تأملية حول مرور الزمن وفناء الحياة، بينما سنوحي يستعيد ذكرياته ويحصي خساراته. الرمز: "ساعة المياه" أداة لقياس الزمن، ترمز إلى حتمية الفناء وجريان الحياة دون توقف. الكتاب الثالث عشر – مملكة أتون على الأرض الأحداث: ازدهار وسقوط تجربة إخناتون الدينية، وسقوط مثاليته أمام صراعات السلطة والاقتصاد. الرمز: مملكة أتون تجسد صراع الإصلاح الروحي مع مصالح القوى السياسية، وانهيار المثال أمام الواقع. الكتاب الرابع عشر – الحرب المقدسة الأحداث: معارك دامية بين المصريين والحيثيين، يشارك فيها حورمحب ويثبت نفسه قائداً عسكرياً بارعاً. الرمز: الحرب المقدسة هنا تكشف زيف قداسة الحروب، وأنها في جوهرها صراع على الموارد والنفوذ. الكتاب الخامس عشر – حورمحب الأحداث: تتويج حورمحب ملكاً على مصر، ونهاية حياة سنوحي في عزلة، بعدما فقد كل ما أحب. يكتب مذكراته كوصية إنسانية خالدة. الرمز: حورمحب يمثل الصعود السياسي القائم على البراغماتية، بينما عزلة سنوحي تمثل المصير الفلسفي للمفكر المنفي عن صخب العالم. وفي عالم تلك الرواية التي يحكيها "سنوحي" هناك تدرج زمني طويل للحكم في مصر، وسنوحي نفسه يُصوَّر في عصر المملكة الحديثة (عصر إخناتون وحورمحب)، وهو عصر متأخر نسبياً مقارنة بعصور الفراعنة الأوائل مثل ملوك الأسرة الأولى والثانية والثالثة (زمن الأهرام). لذلك فحين يتحدث عن "الفراعنة القدماء" فهو يقصد ملوك مصر الذين سبقوا عصره بمئات السنين، أي أن فراعنته هم بدورهم أحفاد لأسرة فرعونية أقدم، ومن ثم، فسنوحي عاش في ذروة وقرب نهاية مجد الدولة الحديثة، وهي فترة شهدت إصلاحات دينية جذرية (عبادة آتون مع أخناتون)، وصراعات سياسية انتهت بصعود حورمحب. بالنسبة له، "الفراعنة القدماء" هم ملوك مصر من الدولة القديمة والوسطى وأبطال مثل تحتمس الثالث، أي ملوك سبقوا عصره بمئات السنين. وعن الخريطة الزمنية وموقع سنوحي في تاريخ مصر نجد: بدأ تاريخ الحكم الفرعوني حوالي 3100 قبل الميلاد مع عصر الأسرات المبكرة، حين وحّد الملك نارمر (مينا) القطرين وأسس أول أسرة حاكمة. تلاه عصر الدولة القديمة (حوالي 2686–2181 ق.م)، وهو زمن الأهرام العظيمة لزوسر وخوفو وخفرع ومنكاورع، والذي صار لاحقاً بالنسبة للمصريين أنفسهم عصراً أسطورياً يُستشهد به كـ"زمن الفراعنة الأوائل". بعد قرون من الاضطراب جاء عصر الدولة الوسطى (2055–1650 ق.م)، حيث ازدهرت الزراعة والأدب، وامتدت الحملات العسكرية إلى النوبة والشام. ثم دخلت مصر مرحلة ضعف وغزو الهكسوس قبل أن تستعيد مجدها في عصر الدولة الحديثة (1550–1069 ق.م)، الذي يعد ذروة القوة العسكرية والثراء الفني والمعماري. في قلب الدولة الحديثة صعدت الأسرة الثامنة عشرة، التي ضمت ملوكاً عظاماً مثل تحتمس الثالث وأمنحتب الثالث، وأتت بعدها الثورة الدينية الشهيرة للملك أخناتون الذي دعا لعبادة آتون، ثم جاء بعده الملك حورمحب الذي أعاد النظام التقليدي وألغى إصلاحات آتون. هنا بالتحديد يقع زمن سنوحي: أواخر عهد أمنحتب الثالث، مروراً بفترة أخناتون، وانتهاءً بعهد حورمحب. في نظر سنوحي، "الفراعنة القدماء" هم أولئك الملوك من الدولة القديمة والوسطى أو حتى أوائل الدولة الحديثة، مثل تحتمس الثالث، الذين سبقوه بمئات السنين وكانوا بالنسبة لعصره رموزاً تاريخية كبرى. بعد قرون من زمنه دخلت مصر في العصر المتأخر (ابتداءً من 1069 ق.م) حيث ضعف الحكم المركزي ودخل الغزاة الآشوريون والفرس، لكن كل هذا كان بعيداً عن حياة سنوحي الذي عاش في ذروة قوة مصر وفي بدايات انحدارها السياسي. الرأي النقدي الفني والأدبي لرواية المصري على لسان الطبيب الفرعوني سنوحي: 1- البنية السردية: الرواية مبنية على شكل مذكرات شخصية يرويها سنوحي في منفاه، مما يخلق إحساساً بالاعتراف والصدق، حتى حين نعلم أن الراوي ليس محايداً تماماً. هذا الإطار السردي يمنح القارئ فرصة للتوغل في وعي الشخصية ومتابعة رحلتها عبر الزمن والأماكن، من طفولة فقيرة في طيبة، إلى قصر الفرعون، ثم إلى الصحراء والبحار، وصولاً إلى العزلة النهائية. فنياً، هذه البنية المتدفقة أقرب إلى الملحمة الفردية، إذ توثق حياة شخص عادي تحوّلت بفعل الأحداث إلى مرآة لعصر كامل. 2- اللغة والأسلوب: الترجمة العربية التي بين أيدينا تحتفظ بثراء التفاصيل الحسية: الروائح، الألوان، أصوات الأسواق، طقوس المعبد… مما يجعل العالم الفرعوني نابضاً بالحياة. الأسلوب يمزج بين السرد الواقعي والوصف الشاعري، وبين نبرة فلسفية تأملية ونبرة ساخرة لاذعة، خصوصاً عند نقد الكهنة والسلطة. لكن طول النص وكثافة التفاصيل قد يرهقان القارئ أحياناً، خاصة حين تتكرر المشاهد اليومية أو الحوارات الرمزية بشكل مباشر، مما قد يُفقد الإيقاع بعض التماسك. 3- رسم الشخصيات: سنوحي شخصية ثلاثية الأبعاد: طبيب، مسافر، عاشق، شاهد على التاريخ. تتطور شخصيته من براءة الطفولة إلى نضج مائل للمرارة. الشخصيات الأخرى مثل نفرنفرنفر وميريت وكابتاح مرسومة بعمق، تجمع بين الرمزية والدور الدرامي. إلا أن بعض الشخصيات الثانوية (خاصة في الفصول المتأخرة) تبدو وظيفية، تظهر لتخدم حدثاً أو فكرة ثم تختفي. 4- المحتوى الفكري: الرواية ليست مجرد حكاية تاريخية، بل نص فلسفي يناقش: معنى السلطة وزيفها. العلاقة بين العلم والدين. هشاشة المجد البشري. الصراع بين المثال والواقع. المنفى والحنين كمحركين للوعي. هنا تتجلى قوة الرواية، إذ تستخدم مصر القديمة كرمز للإنسانية كلها، فلا تعكس فقط حضارة معينة بل طبيعة البشر في كل الأزمنة. 5- الرمزية: ميكا والتاري يوظف الرموز بكثافة: قارب القصب = القدر المجهول. بيت الحياة = المعرفة الخاضعة للسلطة. الملك الكاذب = زيف الحكم والمظاهر. مدينة السماء = الطوباوية الخانقة. ذيل التمساح = الثروة الممزوجة بالخرافة. هذه الرموز تجعل النص متعدد الطبقات، قابل للقراءة كتاريخ، وكأطروحة فلسفية، وكملحمة رمزية. 6- القيمة الفنية والأدبية: القوة: قدرة على إحياء الماضي بتفاصيله الحسية، مع نظرة نقدية لاذعة، ومزج ناجح بين التاريخ والخيال. الضعف: الامتداد الطويل لبعض الفصول، التكرار الجزئي للأفكار، وبعض الانزلاقات في الإيقاع السردي. لكن في المجمل، المصري عمل أدبي ضخم يُقرأ كوثيقة سردية عن الإنسان أكثر منه عن مصر فقط، ويستحق مكانته بين الروايات التاريخية الكبرى. إذا رغبت أستطيع أن أكتب لك رؤية نقدية فلسفية أعمق للرواية تربطها بفكرة "الإنسان العابر للحضارات" وكيف أن سنوحي يعكس وعياً يتجاوز زمنه. أهم أربعة فقرات على الإطلاق في الكتاب فنيا ثم تاريخيا ثم فلسفيا ثم صوفيا : 1- الفقرة الفنية الأهم على لسان سنوحي: المشهد: وصف سنوحي لحيّ الميناء في طيبة طفلاً، حين تختلط روائح السمك المقلي بالخبز الطازج، وأصوات الباعة مع خرير النيل. "من الميناء، كانت الريح تحمل عبير خشب الأرز والمرّ المنعش، أو نسمة من الزيت العطري عندما تتمايل سيدة نبيلة على كرسيها... وفي المساء، عندما يتأرجح قارب آمون الذهبي نحو التلال الغربية، تختلط رائحة السمك المقلي بالخبز الطازج." القيمة الفنية: هذا المقطع ذروة في التصوير الحسي، إذ يخلق لوحة نابضة للحياة اليومية في مصر القديمة، ويجعل القارئ يراها ويسمعها ويشمها. 2- الفقرة التاريخية الأهم على لسان سنوحي: المشهد: حديث الرجل العجوز "إنتب" عن حملاته مع تحتمس الثالث وفقدانه ذراعه في ميتاني. "من يستطيع أن يحصي الأيدي المقطوعة التي كدستها أمام خيمة الفرعون؟ من كان أول من تسلق أسوار قادش؟... تركت شبابي في الصحراء، سلبه الجوع والحرمان." القيمة التاريخية: توثيق فني لتجربة الجندي في الحملات العسكرية المصرية، مع ذكر معارك وأماكن حقيقية، مما يربط الرواية بتاريخ الدولة الحديثة وحروبها في الشام وميتاني. 3- الفقرة الفلسفية الأهم على لسان سنوحي: المشهد: اعتراف سنوحي في بداية الكتاب بسبب كتابته مذكراته. "لا أكتبه لمجد آلهة أرض "كيمت" ... ولا لمجد الفراعنة... أكتب لنفسي وحدي. لقد رأيت وعرفت وخسرت الكثير... أما أمل الخلود فقد سئمت منه كما سئمت من الآلهة والملوك." القيمة الفلسفية: تعبير مكثف عن موقف وجودي رافض للمطلقات السياسية والدينية، حيث تتحول الكتابة إلى فعل وعي ذاتي لا غاية له إلا الحقيقة الشخصية. 4- الفقرة الصوفية الأهم على لسان سنوحي: المشهد: حنين سنوحي للنيل من منفاه. "من شرب من ماء النيل مرة واحدة سوف يشتاق إلى أن يكون بجانبه مرة أخرى... سأستبدل كأسي بقدح فخاري لو عادت قدماي تطأ التراب الناعم في أرض كيمت." القيمة الصوفية: هنا يتحول النيل إلى رمز للأصل الروحي، والحنين إليه أشبه بالحنين إلى الحق المطلق أو الحضرة الإلهية، في لغة شبيهة بالوجد الصوفي.
#محيي_الدين_ابراهيم (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قراءة نقدية في الرواية الحائزة على جائزة الدولة التشجيعية -غ
...
-
دراسة مقارنة بين مهرجانات المسرح في مصر والعالم
-
النجم يحي الفخراني وعرض الملك لير على المسرح القومي نسخة عام
...
-
غزة تحت القصف وضمير العالم في غرفة الإنعاش
-
ثورة ٢٣ يوليو والتعليم .. حين تصبح الطباشير شعلة
...
-
النظرية الكمية تثبت أن هناك ملايين يشبهونك
-
العرض المسرحي يمين في أول شمال رائعة المخرج عبد الله صابر
-
البلبوص ! ( من القصص السياسي )
-
نجيب محفوظ .. عين الفلسفة في الحارة المصرية ( الجزء الثالث )
-
نجيب محفوظ .. عين الفلسفة على الحارة المصرية ( الجزء الثاني
...
-
نجيب محفوظ .. عين الفلسفة على الحارة المصرية ( الجزء الأول )
-
التغيير التربوي وتوسيع آفاق التفكير النقدي
-
مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء العاشر - الحلقة الأخيرة
...
-
السينوغرافيا في مسرح الغرفة: إعادة إنتاج الفضاء وإعادة تعريف
...
-
مسرح العبث: الوعي في حضرة اللاجدوى
-
مسرحية حكايات الشتا رائعة المخرج محمد العشري على مسرح الغد
-
السعادة بين الفلسفة والعرفان: دراسة مقارنة في تصور ابن سينا
...
-
مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء التاسع - الحلقة السابعة
...
-
مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء الثامن - الحلقة السادسة
...
-
مذكرات تحية جمال عبد الناصر ( الجزء السابع - الحلقة الخامسة
...
المزيد.....
-
تحولات الهوية الثقافية الكردية في سوريا.. من القمع إلى التأص
...
-
سوزان بريسو تروي عن طه حسين الذي غيّر حياتها وألهم العالم
-
-كانت تدغدغني-.. شاهد حشرة تزحف على جينيفر لوبيز خلال عرضها
...
-
سوزان طه حسين: الحب الذي أضاء ظلام عميد الأدب العربي رغم اخت
...
-
فنان سوداني لاجئ يصرخ في وجه العالم.. -لماذا يهملوننا-؟
-
رواية كردية شهيرة
-
على صهوة جواده.. فنان سنغالي يلفت الأنظار برسالة تضامن مع غز
...
-
على صهوة جواده.. فنان سنغالي يلفت الأنظار برسالة تضامن مع غز
...
-
وزيرا الثقافة والعمل يتفقدان البلدة القديمة من الخليل
-
رحيل المخرج والكاتب المسرحي التونسي الفاضل الجزيري عن عمر نا
...
المزيد.....
-
نقوش على الجدار الحزين
/ مأمون أحمد مصطفى زيدان
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
المزيد.....
|