تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)
الحوار المتمدن-العدد: 8431 - 2025 / 8 / 11 - 19:19
المحور:
ملف فكري وسياسي واجتماعي لمناهضة العنف ضد المرأة
المرأة العراقية ومقاصل التصفيات بكل أشكال فظاعاتها ووحشيتها
— ألواح سومرية معاصرة
فلسفة ذكورية تتغول لتولد منظومة سلوكية عنفية وتتكامل مع إرادة مجتمعية تنتمي لماضويات خطيرة تدعي تمثيلها المقدس الديني مرة فيما هي من الدين السياسي وتزعم حملها منظومة قبلية عشائرية للشرف وغسل العار في مرات أخرى وهي جميعها تتكامل لإدامة تحويل المرأة إلى أنثى المتعة الرخيصة والخلاص منها عند انتهاء الصلاحية وتحميل الضحية مسؤولية كل الجرائم! مجتمعنا يغط بسبات الطمأنينة عند تعلق الأمر بمنظومته القيمية المشوهة ومؤسساتنا تسترخي لإجراءات تمرير الجرائم وشرعنتها فيما آلاف الضحايا تذهب سدى على مقاصل شرع ذكوري مريض متوحش.. فلتنطلق نداءات حملة دائمة لتغيير البنى المجتمعية وخطاباتها كافة بما يعيد اللقاء بين المجتمع والعصر، عصر الحقوق والحريات وسيادة القانون وبخلافه لن تجدي حتى حالات التعاطف وبعض مواقف مجتزأة يحملها بيان أو تصريح أو تفسيرات وتأويلات لعمامة توحي أو تدعي التدين أو أو عباءة تزعم الستر والقيم العشائرية وفخاخ تمظهراتها ما يهم بديلا وحلا نوعيا جوهريا هو الأنسنة واستعادة مبادئ العدل والمساواة تامة كاملة.. هذه معالجة ربما أشارت لجريمة أو أخرى لكنها تزعم اقتراح محاولة تدين أصل الجريمة واسبابها وتنادي بحملات بكل مستوياتها لإنهاء الإجرام ومعاقبة مرتكبي الجريمة ووضع حاجز بوجه استمرار الجريمة
***
تتفاقم الأرقام التي يتقرأ ظواهر الانتحار وأشكال القتل المجاني بجنح ظلام وصمت، عندما يتعلق الأمر بالمرأة أو الفتاة. وفي عراق اليوم تسود خطابات محافظة من ادعاء التدين مرورا بالقيم والأعراف وتلك التقاليد السوداوية المتشددة إلى قضايا العار والشرف المزعوم..
ولأن النظام الاجتماسياسي في البلاد هو نظام ماضوي يقوم على استدعاء فكر ما قبل الدولة من بنية مؤسسية متخلفة؛ ولأنَّه يجتر منظومة قيمية محافظة متشددة من الأزمنة الغابرة حيث من كل مرحلة تاريخية يجتر أسوأ ما فيها فإن قضية المرأة وبعض ما يميل إلى المناشدة سيبقى حتى عندما يصدر به قرار أو قانون مقيداًً بالمنظومة العامة بوصفها مرجعية تتكامل فيها إجراءات تتقاطع مع الحقوق والحريات وتتناقض لأنها كينونة تحمي النظام بفساده وبكل ما يرتكب من بشاعات..
جرائم العنف ضد نسوة البلاد الذي يصل في كثير منه مستوى التصفية الجسدية مرورا بمصادرة حقوقهنّ وحرياتهنّ وتشويه حيواتهن ووضعهن بأكياس التخلف وسجون الجهل وظلمه وظلامه، ليست مجرّد أحداث فردية وما يحكمها من حالات محدودة من الانحراف أو الانفعال الآني العابر و-أو الارتباط بادعاء أنها قضايا شرف؛ لكنها بمجموعها (بنية متكاملة متداخلة) بين تفشيها بثقافة سلوكية مجتمعية وبين السلبية المؤسسية وصمتها أو غض الطرف من جانبها. ولابد هنا من التوكيد على أنَّهُ عندما تضعف سلطة القانون بوجود صوت أعلى منه يتحكم بالفضاء العام مثل المال السياسي الفاسد المافيوي حصرا ومثل السلاح الميليشياوي المنفلت المقدس وغير المقدس، عندما يكون الانفلات والفكر المحافظ المتشدد هو القاعدة، تصير (الجريمة) ونهجها مكوّناً بنيوياً من النظام العام للمجتمع بأسره..
وبقدر تعلق الأمر بسلوك الثقافة الشائعة المتفشية سنجد أنَّ إعادة تخليق المنظومتين الطائفية ومرجعيتها الدين السياسي والعشائرية بمرجعيتها الماضوية القائمة على استنطاق أسوأ ما في غابر الزمن من قيم سلبية مقيتة عند ذاك يتم ربط تبرير الجريمة وارتكابها بجذور تتمكن من المجتمع، فهي تبدأ بسلوك الذكور الأفراد فمع عوائلهم في البيت حيث أقسى سلطة مطلقة وأكثرها سوءاً، لتمتد نحو العشيرة كما مر للتو تلك التي تقدم الذرائع بمسمى الشرف ليسستكمل القانون ذلك كما يرد في مواد قانون العقوبات ذي الرقم 111 لسنة 69 ففي المادة41 وفي المادتين 412 و413 ما يخفف العقوبات بدل السجن الشديد إلى الحبس البسيط والأنكى تقرير وقف التنفيذ بقدر تعلق الأمر بما يخفونه بمسمى تأديب الزوجة وبشأن القتل يصير بدافع مخفف يطلقون عليه داعي الشرف وهنا تكون المرأة الضحية هي المجرَّمَة وليس المجرم…
أسوق جانبا من قراءة بين تفعيل تكامل بين القانون والقرار أو الحكم القضائي وبين منظومة قيم التبرير وما ينسبون إليها قراءة قيمة الشرف وقيمة العار وما يعنيه للمرء بما يبيح له إنزال أشد العقوبات بالضحية حد قتلها فيما يمرر له الواقع العام جريمته..
في مثل هذه الأجواء نقرأ بصورة مستمرة وقائع عن جرائم التعنيف والقتل التي طاولت النسوة مثلما جرى مؤخرا في البصرة عند اغتيال طبيبة كافحت عبر مهنتها بوصفها متخصصة نفسية لمنح المصابين بالإحباط واليأس منحهم الأمل واستعادته للعيش بحياة مستقرة لكن عائلتها أو حصرا شقيقها يزعم كما تقول الأخبار إنها انتحرت!
إن وحشية فعل القتل ومصادرة حق الحياة الحرة لمجرد اشتباه أو تأويل أو اختلاف في المعايير القيمية التي تحيا بها المرأة هو بحد ذاته إدانة ليس للمجرم الذي ارتكب الجريمة وحده بوصفه فردا أوقع سلوك العنف المفرط تلك الجريمة ولكنها أبعد من ذلك ستظل إدانة بوجه ظواهر التخلف والقيم الظلامية ومرجعياتها سواء في الفكر المحافظ المتشدد أم في الدين السياسي ومنطقه الطائفي بكل أجنحة التبرير والتأويل الذرائعي المقيت..
إن استمرار ارتكاب تلك المواقف السلوكية تؤكد أن خللا نوعيا بنيويا يخترق مجتمعنا ودولتنا بمنظومة قيمية خطيرة تتطلب وعيا مختلفا وإدراكا للمنظومة السلةكية التي يلزم تغييرها فرديا سايكولوجيا وجمعيا سوسيولوجيا بما يرتبط بجديد القناعات الفكرية وجديد منظومة العلاقات التي لا يمكن قبول استمرار تكلسها وجمودها وماضويتها أو صدأ أطرها ومضامينها..
ولابد من التأكيد على أن الفسلفة الذكورية وسيادتها المطلقة شوهت هنا لا خطاب الذكور مجتمعيا بل وكثير من النساء اللواتي يرددن ببغاويا عبارات تلك الفلسفة ونهجها بكل بشاعات ما يرتكب ويمرر بالتبرير والتذرع..
إننا بحاجة لاستعادة تحرير العقل وفروضه القيمية ومن ثم تحرير الإنسان ومنظومة قيمه التي تكسر قيود تم اجترارها بحجة التدين (السياسي) وتحكمه بالقيم (الاجتماعية) عبر استدعاء السلبي من الماضي المنقرض وإحياء سطوته وبلطجته بقوة أعتى من سلطة القانون القائم اليوم على خلطة من المتناقضات التي تبقى بحاجة لمراجعة جوهرية وعلى اختراق القضاء ببعض عناصر تستغل المرونة والمطاطية ببعض مواده لتبرر الجريمة وتمنح المجرم قوارب نجاة مما يرتكبون وكأن شيئا لم يكن عند تعلقه بحياة أنثى أو امرأة أو فتاة…
أذكّر بالانحياز غير الموضوعي وغير القانوني باستمرار عندما يخص الأمر النساء فهناك مواد ليست مرنة حسب بل هي مواد تتعارض والدستور مثلما المواد 409 و128 بشأن مسمى جريمة غسل العار والمادة 41 أولا وأيضا المادة 57 من قانون الأحوال الشخصية بقدر ارتباط الموضوع بشأن الحضانة أما ماجرى فعليا فإننا نجابه صدا من السلطات المعنية بالتشريع أو غيرها ما فسح الفرص مضاعفة لمزيد تشوهات وترجعات أفضت لمزيد من العنف وأشكاله وإلى حال من التفكك كما بارتفاع نسب الطلاق وما تعنيه التداعيات الناشئة من عنف روحي نفسي واجتماعي وغيره من أشكال استرخاص قيمة الإنسان وكرامته بقدر مساس الأمر بالمرأة..
إنّ جريمة القتل سواء التي جرت مؤخرا أم غيرها ربما صادفت بخلفية تحولها لقضية رأي عام إلى موضع محاسبة أو تحقيق بشكل أو وجه من الأوجه إلا أنها مجرد حالة فردية في منظومة مركبة معقدة متشددة بكل ما فرضته وتفرضه من أشكال العنف ونحن نشهد في الدراما المتلفزة وفي الإعلام صورا نمطية للمرأة وللعلاقات التي تمارس العنف وتسوّغه وتبرر كثيرا مما يُرتكب في صدى مباشر للمنظومة السائدة وهو ما ينعكس أسريا عائليا وفي العلاقات بخاصة مع شيوع التخلف والأمية والجهل وهي من أمراض تتجسد سلوكيا بما اقترحنا رصده هنا وما يُفاقِم الأمور أن مناهج التعليم وأدوات التوعية والتثقيف تجتر منظومة قيمية تتضمن كل ما يتجسد بمخرجات ارتكاب الجريمة سلوكا عنفيا فجا يشكل بفظاعاته وحشية تواصل إدامة مناهجها..
إننا اليوم أمام نداء وطني مجتمعي يتعلق باتخاذ موقف من جوهر منظوماتنا الفكرية السياسية والاجتماعية السلوكية والنفسية والثقافية والقانونية القضائية بكل فحواها المتطلعة للتحديث بقصد إعادة الانتماء لعصر الحقوق والحريات عصر الأنسنة والعقل العلمي والتنوير ومن دون ذلك سنقع فريسة مواصلة أو استمرار صدمات ارتكاب جرائم العنف ليس ضد المرأة وهي الضحية الأولى بل ضد وجودنا الإنساني الذي أصابته الطعنات المباشرة بمقتل!
إن كثيرا من الأمثلة ستجسد حال الذكورية لعلعل بين أسهلها تفاخر الذكر برجولة وبصراع الديكة مع زملاء وأصدقاء ومحاولات فرض الهيبة والهيمنة من ذكر على بيئته وكأنه ديك أو ثور مع آخر يلزم أن يتباهى بقوته وهيمنته وسطوته أما إدراكه كيف يكسر الموضوعية وسلامة العلاقات ويشوهها فذلك آخر همه ولا اعتذار في بعض خسائر عابرة أو حتى خسارة الآخر وبين هذا النموذج وآخر من قبيل حمل السلاح وتفشي انتشاره بين أيدي الذكور شيبا وشبيبة فقضية أخرى وفي استخداماته بغير واقعة قضية أخرى ونهج العنف يبقة بعض ما يطبع الذكورة بمفهومها السائد إنها هزلية تتجسد في القيم في السوكيات في الثقافة وخطاباتها وفي الممارسة وما ترتكب وهنا تحولات بلا منتهى وتوالد الجريمية وتناسلها وطبعا تبرير ما يقع منها والتراخي تجاهها وقفها فلنتعظ قبل أن نترنم بـ لات ساعة مندم
فهلا تنبهنا قبل فوات أوان؟؟؟
#تيسير_عبدالجبار_الآلوسي (هاشتاغ)
Tayseer_A._Al_Alousi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟