تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)
الحوار المتمدن-العدد: 8373 - 2025 / 6 / 14 - 21:47
المحور:
الطبيعة, التلوث , وحماية البيئة ونشاط حركات الخضر
من أجل استثمار اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف ينبغي أن نتبنى مشروعات استراتيجية مستدامة لاستعادة الأرض وزراعتها
— ألواح سومرية معاصرة
على الرغم من الانشغال بصراعات وحروب إقليمية وأشكال من الأعمال العدائية بخلفية المطامع واستغلال استفزازات قوى التنطرف الحاكمة في أطراف الصراع إلا أن صراعا آخر يعد وجوديا يجري بين الإنسان وتحولات النّظم الإيكولوجية وازدراء أولويتها بل الوقوع بمصيدة العداء مع بيئتنا الخضراء لتصطادنا عواصف التصحر القاتلة.. اليوم أدق جرس إنذار على أقل تقدير عراقيا شرق أوسطيا تجاه ظواهر الجفاف والتصحر وما ستطيح به وجوديا من مقاتل بحق التنوع الإحيائي بل بحق الوجود الحيي ما يقتضي حشد الجهود لتوفير إرادة سياسية وميزانيات تلائم التصدي للمعضل وعدم الانشغال بعيدا عن مصائرنا فعلييا وما تتعرض له من ثقب أسود يمكن أن يلتهمنا ويُحدِث الفناء فينا!.. هذه قراءة عجلى تسجل النداء من أجل تجاوز كل العقبات لتوفير مطلبها الذي سيعيد الحياة والاستقرار والسلام والتنمية وبصورة مستدامة.. فإلى قارئتي وقارئي هذه الكلمات الموجزة بانتظار التفاعلات لإنضاج المعالجة
***
يعاني كوكبنا من ظواهر الجفاف والتصحر بشموله 40% من مساحة اليابسة عالميا وطاول بآثاره أكثر من 150 مليون إنسان! لكن كيف نعرّف المصطلح وتعرف إلى أسبابه ووسائل مكافحته؟
ما يخص العراق الذي كان يُطلق عليه أرض السواد لكثافة غاباته متسببا بميل لونها إلى الأسود فقد بات اليوم وطناً متصحراً لنسبة كبيرة منه تسودها الطبيعة الصحراوية.. ولكن الصحراء ذاتها، فيها ما ينبت وينمو ولو موسميا إنما الخطر في بلاد الزرع والضرع يكمن في التصحر الذي يختلف معناه عن اصطلاح الصحراء..
يُعرَّف التصحر بأنه تدهور الأراضي وتحول المناطق الجافة نسبياً إلى صحراء، وبهذه الأحوال، تفقد بلاد (التصحر) مسطَّحاتها المائية فضلاً عن اختفاء الحياة النباتية والحيوانية فيها. وفي وقت تشهد المناطق القاحلة وشبه القاحلة، ظاهرة التصحر فإنّ الأراضي الخصبة هي الأخرى عرضة للتصحر بخلفية عوامل طبيعية وأخرى بشرية.
إذن، فالتصحر بوصفه عملية تدهور الأرض بصورة مستمرة، تجابهنا مع اشتداد ظواهر فقدان النباتات والحيوانات. ومع تداعيات ترافق ظاهرة الجفاف في مرة، وتجريف الغابات والبساتين في أخرى، إلى جانب تأثير تغيرات مناخية حادة، فضلا عن آثار سلبية خطيرة تستدعيها عديد الأنشطة البشرية، من بينها سوء رعاية الزراعة ومناهج إدارة شؤونها.
لقد عانى العراق قبيل اتساع ظاهرة الجفاف واستفحال التصحر من قطوعات الحصص المائية والتجاوز عليها من دول المنبع على الرغم من المخالفة للقوانين الدولية والاتفاقات والعهود المعمول بها. فلقد شادت تركيا عشرات السدود والنواظم التي قطعت شريان الحياة رافدي العراق التاريخيين وهما دجلة والفرات حتى أنهما باتا جدولين هامشيين بواقع الحال بخاصة مع القطوعات الكلية لمصادر تزويدهما بأمواه الأنهر المتأتية من إيران.. والمشكلة الجدية أن الأطراف المعنية بالدفاع عن الحق العراقي وعلى وفق القوانين لم تنهض بمسؤوليتها تجاه هذه الإشكالية وقضيتها الوجودية!
وفاقم الوضع التغيرات المناخية المتطرفة واحتباس فرص هطول الأمطار لسنوات وأعوام والعواصف وعوامل التعرية وإهمال المصدات من الأحزمة الخضراء للمدن.. حتى وصلنا نسبة 71% من مساحة الأرض المروية للعراق، بوقت لا تعاني تركيا أو سوريا إلا من نسب لا تتجاوز 13% و17% على التوالي..
وأشدد ثانية على أن الظاهرة التي نحن بصددها هي ظاهرة التصحر (Desertification) بالإشارة إلى فقدان الكساء الأخضر في المناطق المزروعة.. وهو الأمر الذي يحدث كما مر معنا للتو بسبب إزالة الغابات أو تجريفها وهو ما يقع أما بفعل للإنسان أو بحرائق تحدث لأي سبب وكذلك لخل في طبيعة التربة وتحولاتها..
لكن بجميع الأحوال والنتائج الكارثية التي تجابهنا علينا أن ندرس أنماط المشكلة العضال التي تجابهنا ما أنماطها فضلا عن الأسباب التي مرت ونجمت عنها. ونحن نرصد أنماطا أو أنواعا للتصحر فمنها ما تحدث ﻧﺘﻴﺠﺔ ﺍﻟﺘﻌﺮﻳﺔ ﺑﻔﻌﻞ العواصف وﺍﻟﺮﻳﺎﺡ، ﻭمن ﺍﻟﺘﺼﺤﺮ ما يكون ناجماً عن زيادة نسب الملح في التربة، ﻭ على وفق كل نوع أو نمط سنعاني من ﺷﻜﻞ بعينه من ﺗﺮﺩﻱ ﺍﻷﺭﺍﺿﻲ سواء منها الرعوية أم الغابية أم الزراعية..
إن من الكوارث الجارية محليا في العراق يكمن في استنزاف الثروة المائية الجوفية وفي مناهج الري والاستخدام الجائر للأنهر أو ما تبقى منها وما يصل محملا بالملوثات بكل أصنافها من نفايات معامل ومصانع دول الجوار.. وهنا نضيف هجرة الفلاح بصورة دراماتيكية بخاصة مع جفاف الأهوار والمسطحات المائية ومع إهمال المنتج المحلي بل مع ولوج حرب مستمرة منذ عقود ضد المنتج المحلي لصالح تسويق المنتجات الزراعية لدولة جارة معروفة ومعروف أسباب هذا الانحياز والخراب المفروض على البلاد وشعبها بسبب هذا النهج..
وكم كان متكررا وقوع جرائم بالضد من البيئة العراقية الطبيعية والإحيائية حتى كلف ذلك البلاد تغييرات مناخية وضاعف ظواهر الجفاف والتصحر.. وبوقت تكون بيئة الإنسان بيئة حية باتت عراقيا بيتنا مطبوعة بصمت الموت وخرابه. وبخلاف توجهات الأمم المتحدة والعالم المتمدن تجاه قضية التصحر حيث الأرض المستصلحة والاتساع بالزراعة ورعاية الغابات والبساتين فإننا عراقيا أمام مشهد تجريف بساتين البصرة مما تبقى من غابات نخيل البلاد التي انتهكتها الحروب وأشكال الأفعال العدوانية المقيتة سواء لمآرب استثمارات البناء والطابع العقاري الطفيلي فيه أم لمآرب شركات نفطية وما يعنيه الاتجار بالمكتشف على حساب حيوات الناس ومصائرهم ومصائر أرض الوطن..
لقد أودى الجفاف والتصحر عراقيا بالتنوع الحيوي ولم تعد كثير من أصناف الحياة المائية والبرمائية والطيور تستوطن مناطقها مع جفاف الأهوار حيث لا ثروة سمكية ولا حيوانية ولا طيور مهاجرة تمر هنا.. ولا عجب في هذا وعند الحديث الثروة السمكية سنجد متغيرات نوعية خطيرة في جغرافيا التكاثر ورعاية تلك المناطق بالقوانين والأعراف التي كان معمولا بها..
وإذا كان التنوع الحيوي جابه هذا الخطر الماحق المُهلِك فإن ظروف النزوح والهجرة القسرية لم تعد محدودة بل ربما شهدناها بصورة شاملة وكلية لمناطق عديدة هي اليوم خاوية من أهلها الذين جابهوا مصائب ليس أقلها ارتفاع جنوني لأسعار الأغذية وكثير الاضطرابات في المجتمعات المحلية حتى أن بعض صدامات مسلحة كانت تحدث لا بمستويات السكان ومجموعات فيهم بل بين محافظات عراقية بشأن حصص مائية أو أمور تتعلق بالتصحر والجفاف وهو ما جاءت الهجرة من الريف إلى المدينة لتعبر عنه بقسوتها وبنتائجها التي لا تجد وسائل السيطرة ليس على الظاهرة المجردة بل على تبعاتها بما هو أبعد من التغييرات الديموغرافية..
وعراقيا جابهت النظم الإيكولوجية بالإشارة إلى العلاقات المتبادلة بين الكائنات البيولوجية والطبيعية من تربة وماء وهواء في ميادين محددة، جابهت وتائر تدهور حادة متطرفة وباتت خارج السيطرة بالظروف الراهنة.. إن ذلك سيُضاعِف الحاجات لرؤوس أموال مهولة لاسترجاعها مع إيغالنا في التدهور الشديد للأوضاع..
وبالمناسبة ، فلقد جاء شعار إحياء اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف لعام 2025 ليجسد هذا الاتجاه ومعالجته عالمياً بالنص الآتي: “استعادة الأرض… وفتح أبواب الفرص” ومن هنا حاجتنا عراقيا لنشارك العالم خططه النوعية الاستراتيجية في ظروف وقوع العراق بمنطقة الأسوأ عالميا بين دول العالم بمختلف المحاور الخاضعة للتقييم والتحديد بأسقف السوء والجودة.. إننا بحاجة إلى العمل المثابر من أجل استراتيجية قادرة على المساهمة بجهود مكافحة التصحر لا بوصفها ظاهرة تنال من البيئة وطبيعتنا ولكنها ظاهرة تمس الإنسان وجوديا ومن الخطر القبول بالتراجعات الديموغرافية بالهجرتين الداخلية والخارجية بل بالعمل المثابر لوقف ذلك وحشد الطاقة في الأداء المناسب لاستعادة أسس الطبيعة - الأرض، بما يلبي خلق فرص العمل لتوفير الأمن الغذائي والأمن المائي، والمساهمة النوعية في الاستقرار المناخي في البلاد وفي عموم منطقة الشرق الأوسط وعالميا، وذلك ما سيحقق مناعة اقتصادية وقدرة على التحدي والصمود.
إن استعادة الأرض الخصبة المزروعة بدلا من خسارتها هو النهج الذي يكفل تحقيق الاستدامة والسلام والتنمية الشاملة وهو ما سيدفع لوقف الهجرة من الريف ويضمن مستويات مناسبة من المعيشة ووسائل الحياة الكريمة بضمنها توفير فرص العمل بديمومة لا متناهية..
لقد حان لنا أن نبدأ حملات وطنية عراقية:
الدفاع عن حصصنا المائية.
العمل النوعي على استخدام أحدث طرق استهلاك الماء ومنع إهداره.
استزراع المصدات والأحزمة الخضراء حول كل المدن والقرى والتجمعات السكانية بمختلف المحافظات وفرض قوانين البيئة الخضراء فيها جميعا.
إدارة النّظم الإيكولوجية بصورة تتناسب وما تجابهه من تحديات وأسئلة وجب وضع الإجابات عليها..
الالتفات إلى قوانين حظر التجريف للبساتين والمساحات الزراعية.
استصلاح الأراضي ومنح المساعدات لزراعتها ما سيكافح البطالة مثلما يستعيد الأرض نفسها ويمنع تصحرها بالعمل على زرعة مستدامة.
وضع التخصيصات المالية بأولوية تتناسب والطابع الوجودي للقضية فاستثمار كل دولار يعود بعشرات مثله في قطاع استعادة الأراضي لزراعتها..
قال الخبراء: الزراعة نفط دائم إذ النفط ناضب سينتهي يوما.
ما الذي يمنعنا من استعادة مكانتنا بأمنا أو عمتنا النخلة على وفق الأقوال المأثورة؟ وما الذي يمنعنا من البحث عن تشجير لا يحتاج لكثير الماء ويمكنه مجابهة الظروف الاستثنائية للصحراء والتصحر؟؟
لماذا نسوق لدول الجوار منتجات فيما نتلف محاصيل فلاحينا بدءا بالحرب في الأسواق على الخضراوات وليس انتهاء بمحارق حقول الحنطة وتجفيف مسطحات الأرز ومنه العراقي نادر الوجود؟؟
كل ذلك مجرد تساؤلات بعضها في هامش الموضوع لكننا لا يمكن إلا أن نقول أنه حان الوقت الآن وليس غدا لتحويل التطلعات ورائع الطموحات إلى أفعال. وبرامج تنفيذية تضعنا بمنطقة الأمن والاستقرار والسلام وفيض خيرات ما نستصلح ونستعيد من أرض وما نزرع حتى نحصد..؟؟؟
إن هذه القراءة تبحث عن حشد الإرادة السياسية وبرامج العمل النوعية الاستراتيجية بميدان هو ميدان العراقيين وضرورة أن يضعوا موازنات مناسبة للشروع بالخطط والأعمال قبل فوات أوان وحينها لات ساعة مندم..!
#تيسير_عبدالجبار_الآلوسي (هاشتاغ)
Tayseer_A._Al_Alousi#
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟