|
ماذا تعني جريمة التجويع؟ وهل يجوز للمجتمع الدولي السكوت على ارتكابها من أي طرف كان؟؟
تيسير عبدالجبار الآلوسي
(Tayseer A. Al Alousi)
الحوار المتمدن-العدد: 8417 - 2025 / 7 / 28 - 22:47
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
نداء لمنع ارتكاب جريمة إبادة جماعية بالتجويع وفظاعاته بوصفه جريمة حرب بكل نتائج آثاره الكارثية — ألواح سومرية معاصرة بمعالجتي هذه لست معنيا بحجم إدانة أو إقرار حقيقة بقدر ما أنا معني بالبعد الأخلاقي الخطير الذي نجابهه نحن بني البشر جميعا تجاه انزلاق الأمور في أرض فلسطين بغزة وربما قريبا بذات المشهد في الضفة الغربية حيث توغل حكومة دولة الاحتلال بجرائم عدوان وحرب وضد الإنسانية وليس آخرها جريمة الإبادة الجماعية بكل فظاعات تلك الجرائم ووحشيتها.. أنا معني اليوم بنداء إلى المجتمع الدولي ليس لصدقة بكسرة خبز أو مشهد بضع شاحنات مساعدة يغطي على أخلاقيات ما يُرتكب من إبادة ثم يعاود الاشتعال لابد من التحول من إقرار حق تقرير المصير إلى إرسال قوات أممية تفصل بين الطرفين وتفرض حل الدولتين وتمنع مزيد جرائم وأخطرها الإبادة إن المجتمع الدولي أمام مسؤوليات حقوقية أخلاقية وقانونية وسيكون من العار أن نستمر بمشاهدة ما يُرتكب وكأن القضية مجرد أحداث تمر بنشرات الأخبار حتى نمسي على تلة من الجماجم نبكيها ببيان.. كفى يعني كفى ويلزمنا موقف دولي حازم يستند إلى الشرعة الدولية ولا يبرر ما يجري فلنترك الذرائع والادعاءات ولنقف موقفا مشرفا تستحقه البشرية بعصر السلام وإنهاء الحروب وليحيا الجميع بسلام بسلطة القانون لا يستاهل مع جريمة مهما كانت ومن اي طرف كانت ***
الجوع سلاح تم استخدامه في حروب قديمة وأخرى حديثة بقصد إجبار عدو على الاستسلام.. ولم يبدأ تجريم التجويع إلا بمراحل متأخرة ففي عام 2018، تبنّت الأمم المتحدة القرار ذي الرقم 2417 الذي دانت فيه استخدام التجويع سلاح حرب، وعدّته جريمة حرب، من دون أن يكون ذلك التوصيف ملزما قانونا وهو مبدأ كان تم اعتماده في العام 1919 من دون تجريم التجويع وإن حظرته وعدته انتهاكا لقوانين الحرب… لكن سويسرا استطاعت في العام التالي أي عام 2019 فرض تعديل نظام روما الأساس فتم إدراج التجويع جريمة حرب في النزاعات غير الدولية إلى جانب النزاعات الدولية. وهنا لابد من توصيف المراد من عبارة التجويع جريمة حرب دولية؛ بوصفها استراتيجية تم ويتم استخدامها في النزاعات المسلحة أو الحروب بحرمان الجماعات المستهدفة من المواد الأساس للحياة مثل الطعام والماء، بغاية إجبارهم على الاستسلام أو تحقيق مكاسب في مفاوضات أو مسيرة عملية سياسية بعينها، وتتسم جريمة التجويع بفرض الحصار على مناطق بعينها، ما يمنع وصول مجمل الإمدادات الإنسانية والموارد الأساس الضرورية لحياة السكان المحليين مثلما يُرتكب اليوم بحق سكان غزة الذين يوضعون فعليا في مرمى كل الأسلحة الثقيلة والخفيفة.
إن استمرار الحصار لمدد زمنية ممتدة طويلة يُفضي إلى تحويل سلاح الجوع من مجرد جريمة حرب إلى جريمة إبادة جماعية على الرغم من التستر على تلك الغاية من التجويع.؛ ولهذا السبب كان المجتمع الإنساني الذي دان الجريمة قد عدَّها أمرا غير أخلاقي بمقدمة أفضت إلى حظر الجريمة في مواثيق القانون الدولي ونصوصها، كما بالقانون الجنائي الدولي والقانون الدولي الإنساني، اللذين منعا استخدام التجويع أداة حرب في جميع النزاعات المسلحة.
إن سياسة التجويع أيا كان مصدر ارتكابها تظل جريمة محظورة بموجب القوانين والاتفاقات الدولية، فهي انتهاك خطير للقانون الدولي الإنساني ولحقوق الإنسان. ولابد من التذكير بالقوانين والعهود الدولية التي حظرت تلك الجريمة:
اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية وبينها اتفاقية جنيف الرابعة لعام 1949 بشأن حماية الأشخاص المدنيين في وقت الحرب التي تحظر حرمانهم من المواد الضرورية الأساس لحياتهم. البروتوكول الإضافي الأول لعام 1977، الذي أكد صراحة على حظر استخدام التجويع سلاحا في كل النزاعات الدولية المسلحة. والبروتوكول الإضافي الثاني الذي نصَّ على حماية المدنيين من آثار النزاعات غير الدولية، بما يمنع استخدام سلاح التجويع حصرا وتوكيدا. القانون الدولي العرفي الذي حظر ويحظر استخدام التجويع ضد السكان المدنيين في جميع أشكال النزاعات المسلحة، سواء منها النزاعات بين الدول أو بالتسمية النزاعات الدولية أم النزاعات غير الدولية. إن حرمان سكان غزة من العناصر الأساس لبقاء حيواتهم، إلى جانب فرض الحصار الشامل وتعمّد عرقلة كل أشكال إمدادات الإغاثة يعد جريمة حرب مدانة على وفق ما نص عليه عام 1998 نظام روما الأساس للمحكمة الجنائية الدولية.. والحقيقة المأساوية الدامية هي أن دولة الاحتلال مارست سياسة الأرض المحروقة، فدمرت كل أشكال الصناعة البسيطة التي كانت متاحة حتى بدء العدوان وخربت الحقول والمحاصيل الزراعية ومنعت أصحابها من الوصول إليها، في وقت لم تسمح بدخول شاحنات الإغاثة، إلا على سبيل التظاهر بالامتثال للضغوط الدولية وتغطية ما ترتكبه من كارثة أوقعت اشد الآثار الصحية والنفسية ومزقت الوجود المجتمعي لشعب غزة.
والحقيقة المشهودة حقوقيا أن جريمة الحرب التي باتت تقترب من مرحلة إحداث أفدح الأضرار بالإنسان الفلسطيني حدَّ إبادته الجماعية لا يحتاج لاعتراف دولة العدوان إذ أن المجتمع الدولي مطالب باتخاذ موقف حازم صارم وحاسم فورا وليس الاكتفاء بالإدانة اللفظية لأن كارثة الجينوسايد على وشك الوقوع بعد أن باتت المجاعة تضرب في الصحة العامة والفردية وبات الإنسان لا يقوى على ممارسة حركة آدمية طبيعية في تفاصيل يومه العادي وقد غزته كل آثار التجويع وبينها فقدان المناعة تجاه الأمراض والأوبئة وفقدان القدرة على خدمة نفسه.. إن التمعن في مجريات الحصار والحرب تفضح أي حد غير أخلاقي وصلنا إليه في فلسطين المحتلة بعد قطع الماء والكهرباء وتدمير غالب البنى التحتية بشكل شبه كلي وتخريب البيوت وتهديمها بل تسويتها بالأرض وأوقفت المعابر عن أية خدمة لنقل وسائل الإغاثة على أقل تقدير..
والأنكى أن تصريحات المسؤولين الحكوميين تؤكد بشكل فاضح مواقف مخجلة أخلاقيا يدينها القانون الدولي كما في القول إنهم يقاتلون حيوانات بشرية حيث بات الإنسان المدني الأعزل هدفا لأسلحة الاحتلال بجانب جرائم التجويع وإبادته بهذا السلاح وفظاعات ووحشية آثاره..
إن من يدير حرب العدوان لا تعنيه أية مواقف للقانون الدولي ولا أي موقف حقوقي أو أخلاقي! ما يتطلب أن نؤكد مجددا على أن الواجب الأخلاقي والقانوني والحقوقي بكل مستوياته ومعانيه يفرض واجبا ملزما على المجتمع الدولي بحسم أمره مع ما يُرتكب من جرائم دولية سواء جريمة الحرب والعدوان أم جرائم الإبادة الجماعية بجانب جرائم ضد الإنسانية وهذا لا يتحقق إلا بقرار ملزم يوقف العدوان ويفتح المعابر ويمد جسور الموارد وإنقاذ ما يمكن إنقاذه بعد مقدمات بعشرات آلاف الإصابات والقتلى ما بات يدخل نفقا مظلما يفوق بحجمه ما اُرتُكب بحروب شاملة أكبر وأوسع..
إن منح استراحة مؤقتة أو إدخال بضع شاحنات والتمظهر بها أمام العالم والحديث عن جيش أخلاقي وحرب أخلاقية أمر بات سمجا مرفوضا ومدانا ما يلا يمكن الصمت على مجرياته وعلى مجلس الأمن والمنظمات الأممية الإقليمية والدولية أن تنهض بمسؤولياتها القانونية فورا؛ بخاصة مع وصول مستويات الجريمة وضعا لم يعد يمكن تبريره بتلك الادعاءات التي تتحدث عن مطاردة إرهابي معروف كيفية الوصول إليه وإنهاء وجوده فليس معقولا إبادة الزرع والضرع والإنسان وكل أعيان وجوده كي نصل إلى مصدر تهديد محدود مهما كان حجمه!
إن مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي ودول أخرى في المجتمع الدولي ملزمة بموقف حاسم وفوري فهي يالوحيدة الكفيلة بفرض السلام وحل الدولتين الذي يحمي جميع الأطراف بعيدا عن فرص التصيد بالمياه العكرة ويمكن للمجتمع الدولي بل يلزم اليوم أن يحمي شعبا ويسمح بإقامة دولته وحياته الطبيعية مثل كل شعوب الكوكب بوضع قوات حفظ السلام ومنع أي اعتداء أو عدوان وجرائمه.. فهل سنجد الحل الحقوقي الأخلاقي القيمي قبل أن نجد أنفسنا أمام عار ارتكاب الإبادة أمام أعيننا!!!؟
إن الحديث هنا يكمن في البديل النهائي وليس بترقيعات سرعان ما سنجد تكرارا للجريمة واستكمالا لفصولها كما أن وصول بعض مساعدات بين الحين والآخر واتفاقات هدنة مرحلية مؤقتة لن تنعش الأمل الفعلي بالحل طالما التهديد بالأسوأ بقي ويبقى قائما وطالما بقي حل الدولتين خارج إطار المنال إذ أن شعبا مازال تحت الاحتلال وجرائمه بل والقرارات الأخيرة للاحتلال، تشي بالآتي وما ينتظر فلسطين برمتها بعد إقرار مشروع السيطرة الكاملة على الضفة الغربية وأذكّر بأن الاعتراف شكليا بدولة فلسطين بوقت شعبها يقبع تحت خيمة التقتيل والإبادة بلا رادع؛ لا يعني شيئا بل ربما يساهم بصورة ما في تمرير الجريمة وخلق أسباب حروب وأزمات ثقال لا تكتفي بتهديد المنطقة بل ربما تهدد الأمن والسلم الدوليين بسبب ذاك التعنت لدى يمين الاحتلال ووحشية عدوانيته.. البديل أيها العالم الحر هو الوقوف مع حق تقرير المصير اليوم قبل نوازل أخرى في الغد ترتكبها قوى في دولة الاحتلال نفسها..
#تيسير_عبدالجبار_الآلوسي (هاشتاغ)
Tayseer_A._Al_Alousi#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
قرارات عنصرية ومرجعياتها الفكرية المتعارضة والهوية التعددية
...
-
الظامئون في العراق اليوم يرفعون صرخات الاحتجاج مطالبين بالما
...
-
احتفالية تسعة عقود من مسيرة العطاء الصحافي التنويري تتوج بمن
...
-
ما العمل من أجل وقف جريمة الاتجار بالأشخاص ومنهم الأطفال ومن
...
-
ثورة 14 تموز شعلة تتجدد وإن تنوعت أساليب إعلاء إرادة الشعب و
...
-
النفط بين بغداد وكوردستان وقطع رواتب شعب لابتزاز الموقف وعرق
...
-
هل رُفِع العلم الأحمر على سواري جامعات عراقية!ومن الذي رفعه؟
-
لماذا تتناقض التصريحات بشأن إخفاء الشخصية العامة المحامية زي
...
-
التعذيب بوصفه جريمة من جرائم ضد الإنسانية وما تتطلبه من حملا
...
-
في اليوم الدولي للقضاء على العنف الجنسي: الإهمال وانتفاء وجو
...
-
كل الحروب لها آثارها على الشعب بالفتك والدمار فكيف نقرأ المو
...
-
في اليوم الدولي لمكافحة خطاب الكراهية 18 يونيو حزيران: ما أح
...
-
في اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف17 يونيو حزيران: التص
...
-
في اليوم العالمي للتوعية بشأن إساءة معاملة المسنين 15 حزيران
...
-
أطفال العراق عِمالة وتسول اضطراري قهري واستغلال فاحش منفلت ف
...
-
في اليوم العالمي للبيئة ما حجم المشكلة عراقياً؟ وما أسبابها؟
...
-
ومضة في الموقف من مخرجات الأزمة الحكومية الحالية في هولندا
-
قطع مصادر أرزاق الناس وعيشهم يدخل بإطار الجرائم الجنائية الك
...
-
أوضاع أطفال العراق اليوم تظاهي ما يُرتكب في ظل النزاعات المس
...
-
هل يمكننا الاحتفال في الأول من حزيران يونيو باليوم العالمي ل
...
المزيد.....
-
ترامب يقول إن على بوتين الموافقة على وقف إطلاق النار في أوكر
...
-
فرنسا: النيابة العامة تطلب مذكرة توقيف دولية جديدة ضد بشار ا
...
-
بروكسل تقترح تعليق تمويل شركات إسرائيلية ناشئة بسبب أزمة غزة
...
-
محادثات أمريكية صينية مطولة في ستوكهولم لاحتواء الحرب التجار
...
-
نيويورك: خمسة قتلى بينهم ضابط شرطة في إطلاق نار بوسط مانهاتن
...
-
ميدفيديف مخاطبا ترامب: لسنا إسرائيل ولا إيران والإنذارات خطو
...
-
مقتل مسلح نفذ هجوما في حي مانهاتن بنيويورك
-
ألمانيا وإسبانيا تعتزمان نقل مساعدات إنسانية جوًا إلى غزة
-
ماذا حدث في المفاوضات؟ ولماذا انقلبت إسرائيل؟
-
بعد عودته.. مراسل الجزيرة محمد البقالي يحكي ما جرى مع -حنظلة
...
المزيد.....
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
-
ذكريات تلاحقني
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|