|
ألكسندر دوغين - المحافظون الجدد يقودون ترامب إلى الهاوية (برنامج إيسكالاتسيا على راديو سبوتنيك)
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 19:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
*إعداد وتعريب د. زياد الزبيدي بتصرف *
ألكسندر دوغين فيلسوف روسي معاصر
24 يوليو 2025
مفاوضات أوكرانيا ورسالة روسيا لترامب
تاتيانا لاديايفا: لنبدأ حديثنا حول الجولة الجديدة من المفاوضات. هناك على الأقل بعض المقدمات. أتحدث عن المفاوضات بين موسكو وكييف. وفقًا لتقارير بعض وسائل الإعلام، بما في ذلك التركية، قد يعقد إجتماع جديد في إسطنبول يوم الأربعاء أو الخميس. لكن سأكون صريحة، لا يوجد تأكيد رسمي حتى الآن. يقال إن زيلينسكي صرح قبل أيام بأنه مستعد أخيرًا للقاء، رغم أن موسكو إنتظرت منه رد فعل لأشهر. أود حقًا سماع توقعاتك.
عدم جدوى المفاوضات الحالية
ألكسندر دوغين: لقد أعربت مرارًا عن رأيي: المفاوضات مع أوكرانيا الآن لا معنى لها سوى إظهار إصرار روسيا على السعي للسلام. ترامب، كما نرى، يتعامل معنا بعدم ثقة، غير مقتنع تمامًا بسياستنا التي تصبو للسلام. يبدو أنه بدأ يدرك أننا لن نقبل سوى النصر. لذلك، يمكن أن تدور المفاوضات حول شيء واحد فقط: إعتراف أوكرانيا الفوري بهزيمتها العسكرية. لكن في الظروف الحالية، هذا غير واقعي تمامًا.
ربما يتم التطرق لقضايا ثانوية، مثل تسليم جثث آلاف أو عشرات الآلاف من الجنود الأوكرانيين لعائلاتهم، أو قضايا إنسانية وفنية أخرى. هذا جيد، لكن بدون إستسلام غير مشروط، لا تستطيع أوكرانيا تقديم أي شيء، ولا شيء آخر يهمنا. هكذا نرسل إشارة واضحة لترامب: نحن مستعدون للسلام، لكن فقط سلام يعني إستسلام كييف غير المشروط والإعتراف بهزيمتهم الكاملة في هذه الحرب. هذا شرطنا للسلام، ونحن نصر عليه. لقد تم إيصال هذا، بشكل مباشر أو غير مباشر، مرارًا للجانب الأمريكي.
هشاشة موقف زيلينسكي وتردّد ترامب
لذلك، لا توجد مقدمات حقيقية للمفاوضات الآن. أوكرانيا تغير موقفها لأن نظام زيلينسكي يشعر بتذبذب ترامب. هذا لا يعني أن ترامب تخلى عن أوكرانيا لمواجهة روسيا أو حتى الإتحاد الأوروبي بمفردها. لكن خداعهم أصبح واضحًا. عندما يقترح ترامب على الإتحاد الأوروبي دفع ثمن الأسلحة الأمريكية لأوكرانيا، فهذه خطابة سخيفة، مثل كثير مما يفعله مؤخرًا. ميزانية الناتو تتكون أساسًا من أموال أمريكية، وأوروبا تسهم بنسبة ضئيلة. بيع الأسلحة الأمريكية للناتو يعني بيعها للولايات المتحدة نفسها. الأوروبيون في حيرة، لا يفهمون المغزى. هم غير قادرين على خوض حرب ضدنا في أوكرانيا بمفردهم، حتى بإستخدام القدرة الإقتصادية لألمانيا والإمكانيات المحدودة لفرنسا — هذا غير كافٍ. في هذه الظروف، يدرك زيلينسكي أن الأمور تسير بشكل سيئ، حتى لو لم يكن هذا إنسحابًا كاملاً من الدعم، بل مجرد تردد من ترامب. هذا التردد كارثة بالنسبة لأوكرانيا.
زيلينسكي لم يحقق أهدافه في الحرب ضدنا، رغم الدعم الكامل من الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، والإئتمان غير المحدود، والكميات الهائلة من الأسلحة، والدعم السياسي والمالي. لم يحقق شيئًا. الآن، مع بدء ترامب في التردد — لم يرفض بعد، لكنه يتردد — ينعكس هذا فورًا على النظام السياسي والعسكري الأوكراني. لهذا يلعب زيلينسكي لعبة المفاوضات — يشعر أن الوضع يزداد سوءًا. من المبكر الحديث عن تقليل أو وقف إمدادات الأسلحة الأمريكية، لكن حتى هذا التردد كافٍ لجعل النظام الأوكراني يبدأ بالإنهيار. لذلك، بصراحة، هذه المفاوضات غير ضرورية لنا. إقناع ترامب أصبح عديم الجدوى — فهو يعمل وفق برنامجه الخاص. كما قلنا مرارًا، لن يمنحنا السلام — أي إنتصار روسيا — بل سيقاوم.
مؤخرًا، صوتت أغلبية ساحقة من الجمهوريين لصالح إستئناف المساعدة لأوكرانيا، مثل جميع الديمقراطيين. فقط 60 عضوًا جمهوريًا في الكونغرس عبروا عن رأي مخالف — هذا عدد كبير، لكنه غير كافٍ لمنع المساعدة. الوضع يبقى غير مواتٍ لنا. سنضطر للقتال والسعي للنصر بأنفسنا، مهما كلف الأمر. في هذا السياق، مبادرات زيلينسكي للسلام هي إستفزاز. سأتعامل معها بحذر: سأسلم ألفًا أو عشرات الآلاف من الجثث، وسأطلب منه التوقف عند هذا الحد، وبخلاف ذلك — سأقدم إنذارًا بالإستسلام غير المشروط.
لا ينبغي الإهتمام بأفعال ترامب بعد الآن. سيتردد، لكني أعتقد أنه لا يريد حربًا نووية الآن — هذا ليس أسلوبه. إذا لم يسعَ لإستفزاز صراع نووي من جانب واحد، فباقي الأمور غير مهمة جوهريًا. نحن نقاتل الغرب الذي يقدم الدعم الأقصى لأوكرانيا. حتى نحقق إنتصارًا يحول مسار الحملة العسكرية، لن يكون هناك سلام.
شروط أوكرانيا المتوقعة في أي مفاوضات
تاتيانا لاديايفا: أريد توضيحًا: ما الرسالة التي قد يأتي بها الوفد الأوكراني إلى إسطنبول (أينما ومتى عقدت هذه المفاوضات)؟
ألكسندر دوغين: أنا متأكد أنهم سيطلبون إستعادة المناطق الأربع، والقرم، وتعويضات تريليونية؛ أي إعترافًا بهزيمة روسيا وعودة جميع الأراضي — لا شيء غير ذلك.
تاتيانا لاديايفا: إذن لا شيء يتغير؟
ألكسندر دوغين: سيتصلون بترامب، وسيقول زيلينسكي: "عرضت مفاوضات، أنتم تجبرونني على لقاء الروس، أنا مستعد، وهم يرفضون". بالطبع، هذا ما سيحدث. لماذا نذل أنفسنا؟ ردنا هو إنذار: إرفعوا العلم الأبيض، وإلا سنستمر كما نحن الآن. ليس لدينا الكثير من الأوراق الرابحة، لكننا صمدنا. لم ننهار، صمدنا لأربع سنوات من الحرب، نتقدم ببطء ولكن بثبات. هذا الوضع لن يزداد سوءًا — جميع العقوبات الممكنة فُرضت بالفعل.
مهلة الخمسين يوماً وتهديدات ترامب بالعقوبات
أما بالنسبة للعقوبات الجديدة التي هدد بها ترامب بعد فترة الخمسين يومًا التي أعلنها لنا، فمن وجهة نظره، يجب أن نستغل هذا الوقت لإحتلال كل ما يمكن في أوكرانيا ثم نبدأ المفاوضات مع الإحتفاظ بما إحتلناه. لكنه سيطلب وقف الأعمال العسكرية. في 50 يومًا، لن نستولي على كييف، أو نحرر أوديسا، خاركيف، زابوروجيا، خيرسون، دنيبروبتروفسك. لن يكفينا الوقت. لذا، ستتبع تهديدات بعقوبات جديدة.
على من؟ على زبائن نفطنا — الهند والصين. الباقي غير مهم، يمكن تحمله. ستواجه الهند والصين عقوبات، لكن الصين فازت بالفعل في الحرب التجارية ضد ترامب: تم تحويل التعريفات الجمركية الضخمة إلى شكل مقبول بالنسبة لهم. شجار مع الهند يعني قطع العلاقات مع حليف رئيسي للولايات المتحدة في آسيا. كلا السيناريوهين غير واقعيين. التهديدات تبدو مخيفة، لكن عند التدقيق، يصعب تنفيذها. عقوبات بنسبة 100% أو 500% لن تؤثر بشكل حاسم على حجم صادراتنا النفطية، لكن التهديد نفسه قد يحول الهند والصين إلى أعداء للولايات المتحدة. عندها، قد تدعمنا الصين بقوة أكبر، كما هو واضح مؤخرًا.
ترامب، رغم تبجحه وحدة لهجته، لا يملك سوى القليل من الأدوات الحقيقية للضغط علينا. نحن نمتلك مرونة كبيرة يجب تعزيزها. نحن نسير بثبات نحو النصر. المفاوضات، في النهاية، لن تؤدي إلى شيء ولن تقود إلى أي نتيجة طالما بقي هذا النظام في أوكرانيا، وطالما لم يخسروا عدة مدن كبرى. في المرحلة التالية، قد تصبح المفاوضات ذات معنى — سنكون أقرب إلى إستسلامهم غير المشروط. اليوم، نحن بعيدون عن ذلك. كل النقاش سيدور حول عرضنا: "خذوا قتلاكم"، وسيردون: "لا نريدهم" أو "هؤلاء ليسوا هم". هكذا سينتهي الأمر بشكل محزن. تصرف حسن النية يفقد معناه، ويصبح شكليًا، مثل قول "مرحبًا" دون رغبة حقيقية في الترحيب. إنه مجرد إجراء روتيني.
لا مجال لتحسين العلاقات مع واشنطن
تاتيانا لاديايفا: هذه لعبة كلمات. النقطة المهمة: سواء كان هذا الأسبوع أو بعد 50 يومًا، الصراع الأوكراني يبقى دون حل، والعملية الخاصة مستمرة. نحن لا نتحاور مع كييف حتى الآن، والأمريكيون — لا أعرف إن كانوا إبتعدوا عن هذه القضية أو يواصلون تقديم الدعم العسكري، وهو ما سنتحدث عنه أيضًا. لكن السؤال الجوهري: كيف سيؤثر إستمرار الصراع الأوكراني على علاقاتنا مع واشنطن؟ لقد حاولنا تحسين هذه العلاقات.
ألكسندر دوغين: أصبح واضحًا أن تحسين العلاقات مع واشنطن مستحيل. سلوك ترامب في الشهرين الماضيين يتحدث عن نفسه. لم يبق شيء من برنامجه الأصلي MAGA (اجعل أمريكا عظيمة مجددًا) الذي جاء به إلى السلطة. عاد إلى السياسة الجمهورية الكلاسيكية التي تمثل المحافظين الجدد.
للأسف، بناء العلاقات مع أمريكا كان ممكنًا فقط إذا تخلت عن العالم أحادي القطب، والعولمة، والهيمنة، والإمبريالية. هذا ما وعد به — ليس مجرد أمل ساذج منا. بنى ترامب حملته الإنتخابية على هذا. دعمه الناخبون الأمريكيون لأنه وعد بالتركيز على المشاكل الداخلية، ومحاربة الهجرة، وكشف النخبة الفاسدة للحزب الديمقراطي، وتفكيك الدولة العميقة. بدلًا من ذلك، نرى دعمًا غير مشروط لإبادة الفلسطينيين في غزة، وهجومًا على إيران، ودعمًا لنتنياهو، ومساعدات مالية جديدة لأوكرانيا، وتهديدات لروسيا، وإنكارًا لقضية إيبستين.
الآن، يقول ترامب أن هذه القضية غير موجودة، رغم أن فوزه جاء تحت شعار نشر ملفات إيبستين التي تكشف عن حفلات إستغلال الأطفال للنخبة الأمريكية والغربية. ترامب إنحرف كثيرًا عن برنامجه، الذي كان يفتح نافذة للتقارب معنا، وأصبح سياسيًا محافظًا جديدًا عدوانيًا ومتقلبًا. يوميًا، يظهر علامات صداقة مع الإرهابي ليندسي غراهام، بينما يهاجم مؤيديه الذين أوصلوه للسلطة. ترامب تخلى عن قاعدته الإنتخابية والأيديولوجية التي فاز تحت رايتها. في هذه الظروف، التقارب مع أمريكا أصبح مشكوكًا فيه — كأنه محاولة للتفاهم مع عدو خبيث، لا يحترم القواعد، وينكر قراراته السابقة.
هذا يشبه الخرف، لكن ليس الخرف الهادئ لبايدن الذي كان يُدار من قبل العولميين، بل الخرف الصاخب للمؤسسة المحافظة الجديدة الأمريكية. هذا يلغي أي إمكانية عقلانية لإستعادة العلاقات السلمية. ربما تقلبات ترامب ستكون في صالحنا إذا شغلته أحداث أخرى. لكن لا يمكن توقع إستراتيجيات عقلانية إيجابية معه. إذا خان مؤيديه، فكيف سيعاملنا؟ لقد تخلى عن الذين صوتوا له — قاعدته الإنتخابية الضرورية للإنتخابات التشريعية المقبلة. يحتقرهم، ويعتبرهم تافهين. كيف يمكن التفاوض مع مثل هذه الشخصيات حول قضايا مصيرية كالحرب والسلام، والتعاون الإقتصادي؟
الحل الوحيد: تحالف روسي-صيني صلب
يجب أن نركز أكثر على أنفسنا ونعمق العلاقات مع الصين، ونبني جسورًا مع أقطاب العالم متعدد القطبية — الهند، البرازيل، العالم الإسلامي، أمريكا اللاتينية، أفريقيا، حيث لا تزال السياسة المستقلة ممكنة. هذا ما كنا نفعله، وترامب كان يمثل نافذة أمل عندما بدت أمريكا مستعدة للإعتراف بتعدد الأقطاب. لكنه الآن يعلن أن مجموعة بريكس هي عدوه الرئيسي، متناقضًا مع تصريحاته السابقة. في هذه الحالة، لا يبقى لنا سوى الإعتماد على أنفسنا وحلفائنا في تعدد الأقطاب. الأهم هو تعزيز الشراكة الإستراتيجية مع الصين. هذا أمر جاد. التقارب بين روسيا والصين يشكل كتلة قوية قادرة على مواجهة التحديات في المحيط الهادئ، وأوكرانيا، وأوروبا الشرقية.
تاتيانا لاديايفا: أذكر أحد تصريحات الرئيس الصيني شي جين بينغ: إذا واصل ترامب الضغط، بما في ذلك فرض عقوبات على الشركاء الذين يتعاملون مع روسيا، سنقترب أكثر من موسكو، ونعمق الصداقة، ولن نستسلم لترامب.
لدي أسئلة عن الإرهابي ليندسي غراهام — ما الضغوط التي يمارسها على ترامب الآن؟ ألاحظ إتجاهًا: فهو يعلن بشكل متكرر عن قرارات نيابة عن ترامب. أنت أيضًا ذكرت تقاربهما. لا أفهم تمامًا كيف يمكن لغراهام، أو مثلاً مستشار ألمانيا فريدريش ميرتس — وفقًا لتقارير من برلين، يبدو أنه تحت تأثيره — أن يؤثرا على قرار ترامب بمواصلة دعم أوكرانيا. ترامب بدا قويًا وقياديًا. ما هي أدوات ضغطهم؟ هذا السؤال يبقى مهمًا.
ليندسي غراهام كرمز لهيمنة الدولة العميقة
ألكسندر دوغين: يجب أن نلاحظ أن ليندسي غراهام، المُعلن إرهابيًا في روسيا، هو ممثل للمحافظين الجدد، مجموعة مؤثرة في المؤسسة الأمريكية. هم يمينيون، على عكس العولميين اليساريين مثل بايدن وأوباما وهيلاري كلينتون، لكنهم في الجوهر يدعمون الهيمنة أيضًا. أجندتهم قريبة من أجندة اليسار العولمي، لكن بتركيز على الإمبريالية الأمريكية بدلًا من الديمقراطية العالمية. هم مؤيدون متحمسون لإسرائيل، ويعتبرون مصالحها فوق مصالح أمريكا. بينما يهتم اليسار العولمي بالقيم الليبرالية الأوروبية أو العالمية أكثر من إسرائيل أو حتى أمريكا نفسها.
لا هؤلاء ولا أولئك وطنيون حقيقيون في أمريكا. لكن المحافظون الجدد مقتنعون أن الإمبريالية، والإستعمار الجديد، ودعم إسرائيل، ومحاربة الكيانات المستقلة هي الهدف الرئيسي للسياسة الأمريكية. في النهاية، إستراتيجيتهم لا تختلف كثيرًا عن العولميين.
كان المحافظون الجدد أعداء ترامب الرئيسيين. في فترته الأولى (2016-2020)، عقد معهم إتفاقًا، لكنهم خانوه جميعًا — بولتون، بومبيو، بلا إستثناء. غراهام كان ضمن مجموعة "Never Trump" (أبدًا ترامب: أي أحد غيره). ومع ذلك، هم يمثلون الدولة العميقة، العدو الرئيسي لحركة MAGA.
بالنسبة لأنصار MAGA غراهام هو تجسيد للشر المطلق: الدولة العميقة، الإستعمار، التدخلات، التمويل اللامتناهي لإسرائيل وأوكرانيا وضد كل أعداء الهيمنة الأمريكية، الحرب ضد بريكس وتعدد الأقطاب. غراهام أيضًا لوبي للصناعة العسكرية، وهو شخصية محورية في الدولة العميقة. هذا الذي وعد ترامب بتدميره، تجفيف المستنقع، القضاء على الدولة العميقة — من أجله إنتخبوه. تقاربه مع غراهام، الذي يصرح: "نصحت ترامب بهذا، وسيفعل ذلك"، يُعتبر شذوذًا صارخًا، ليس فقط من قبلنا كمراقبين خارجيين، بل من الأمريكيين أنفسهم.
ترامب قدم نفسه كسياسي غير متوقع: "أفعل ما أريد، أنا مستقل، لا أحد يتحكم بي، يمكنني إتخاذ قرارات غير شعبية، أنا دائمًا على حق". هكذا عرفه الناس، ووثقوا به عندما روج لأيديولوجية MAGA. لكنه الآن لا يسمع حتى لأنصار MAGA، ولا لنفسه. كلماته ووعوده، قبل 15 دقيقة أو 15 يومًا، لم تعد ذات قيمة. تحت تأثير الدولة العميقة، غاص أعمق مما كان في فترته الأولى.
غراهام هو مؤشر على خضوع ترامب الكامل للدولة العميقة. عندما يظهران معًا، مثلًا في ملعب الجولف، تنفجر وسائل التواصل الإجتماعي بموجات غضب: عشرات الآلاف من منشورات أنصار MAGA يصرخون: "لقد خانونا! الدولة سُرقَت، ترامب رهينة!" إذا إبتعد للحظة عن غراهام، تظهر الآمال: "ربما يعود، هذا مؤقت". بعضهم ينسج نظريات مؤامرة أن ترامب يتقرب من غراهام لإختراق الدولة العميقة وتدميرها من الداخل. لكن هذا من قبيل اليأس.
في الواقع، ترامب أصبح دمية في يد الدولة العميقة، التي جاء ليدمرها. هذا مفاجئ حتى للأمريكيين. كنا نثق بهذا الرجل الغريب الأطوار، لكن المستقل. مع الحقيبة النووية، هذا معقد، لكن كان يمكن التعامل معه. لكن عندما يصبح تابعًا لمن كانوا أعداءه، يصبح الأمر محبطًا. هو ليس فقط صاخبًا ومتقلبًا، بل تابع. هذا المزيج — تبعيته لمن وصفهم بأعداء الشعب الأمريكي — خطير.
غراهام شخصية خطيرة. كنا نظن أنه سيختفي من السياسة، لكن نفوذه زاد. رغم لهجته الهستيرية، يجب أخذ كلماته بجدية. هو الحارس الموكَل بمراقبة ترامب من قبل الدولة العميقة، بلغة المافيا. هكذا يبدو الوضع، وهكذا يراه الأمريكيون.
دور المستشار الألماني فريدريش ميرتس
تاتيانا لاديايفا: هل صحيح أن مستشار ألمانيا ميرتس يمكن أن يؤثر على قرار ترامب بمواصلة دعم أوكرانيا؟ ما مصير هذا الدعم؟ وكيف ستشارك أوروبا؟ الولايات المتحدة، كما أفهم، تتظاهر بعدم المشاركة المباشرة، لكن عبر أوروبا بدأت مخططاتهم تعمل.
ألكسندر دوغين: لا أعتقد أن ميرتس قادر على التأثير بشكل كبير على ترامب. ميرتس أيضًا من المحافظين الجدد، لكن أوروبي. ألمانيا ليست دولة مستقلة، بل أرض محتلة بسيادة شبه معدومة. سياستها خاضعة للدولة العميقة العالمية. تأثيره نابع من كونه جزءًا من حكومة الظل العالمية التي تتحكم بترامب، مثل الدولة العميقة الأمريكية.
غراهام هو التجسيد الأبرز لهذه الدولة العميقة، بينما ميرتس مجرد منفذ. وصل للسلطة بتدخلات، رغم وجود إتجاهات معاكسة، خاصة في ألمانيا الشرقية. وعد بمحاربة المهاجرين، لكنه تراجع فور توليه المنصب. ميرتس مجرد موظف تقني، وتأثيره على ترامب ضئيل. حتى غراهام نفسه ربما لا يملك نفوذًا كبيرًا بمفرده. المسألة أنه يمثل أعلى سلطة لإدارة العالم. ميرتس جزء من هذا النظام.
كل شيء يسير كما هو مخطط: العولميون والمحافظون الجدد هم نفس الحكومة العالمية التي تدير أوروبا والاتحاد الأوروبي وأمريكا. هؤلاء هم نفس الأشخاص والهياكل. ترامب كان دخيلاً غير متوقع بأجندة مختلفة، لكنه لم يدم طويلًا، أقل من عام. بدأ بتعيين أشخاص مثل تولسي غابارد وجي دي فانس في مناصب رئيسية، غير مرتبطين بالمحافظين التقليديين. كانت هذا إمكانية لـ MAGA. لكن مقاومة المؤسسة القديمة كانت أقوى. لماذا يحتاج لفريق غير خاضع للدولة العميقة؟
البداية كانت واعدة، لكن قبل شهرين، إنهار نظام MAGA وإستقلالية ترامب. بعض المراقبين الأمريكيين يربطون هذا بالتأثير الإسرائيلي. ربما هذا مبالغ فيه، لكنهم يبحثون عن عامل خارجي يفسر كيف تم إختطاف ترامب وأمريكا. يعتقد كثيرون أن المخابرات الإسرائيلية تقف وراء هذا، وتجبر أمريكا على خدمة مصالح الآخرين. يقولون أن السي آي إيه والموساد يتحكمان بأمريكا منذ زمن. ربما هذه مبالغة، لكن فيه شيء من الحقيقة.
الأمريكيون يبحثون عن المسؤولين: من إختطف ترامب، ما هي الدولة العميقة؟ غراهام، وبدرجة أقل ميرتس، هم ممثلوها. ميرتس مجرد كاتب في الحكومة العالمية. إذا قررت هذه الحكومة الإستعداد للحرب مع روسيا، مع ترك أمريكا جانبًا نسبيًا، وتحمل الإتحاد الأوروبي العبء الأكبر بدعم أمريكي غير مباشر — فهذا قرار خطير. لا يعتمد على ميرتس أو ماكرون أو ستارمر أو غراهام. يمكنك الغضب من هؤلاء القادة المزعجين، لكنهم مجرد موظفين، واجهة.
الحاجة إلى فهم «القوة الخفية» المعادية لروسيا
نواجه دولة عميقة عالمية تعلن الحرب على روسيا بهدف إبادتنا وإلحاق هزيمة إستراتيجية بنا. هي لا تمثل أمريكا ولا الإتحاد الأوروبي ولا مصالح دولهم. إنها قوة أخرى. يجب أن نفهم ما هي هذه القوة. حتى على أعلى المستويات، لدينا فهم مجزأ عنها.
في الماضي، كنا نفسر كل شيء عبر الأيديولوجيا الشيوعية، الرأسمالية، الصراع على الأسواق والموارد، المواجهة مع النظام الإشتراكي. حينها، كان كل شيء واضحًا. لكن في العقود الأخيرة للإتحاد السوفياتي، فقدنا فهمنا لما يحدث في الغرب. نحتاج لنماذج جديدة. لماذا يكرهوننا؟ لماذا يريدون تدميرنا؟ ما الآليات، ومن يتخذ القرارات، وعلى أي مستوى؟ إذا إستطاعوا إعادة تشكيل رئيس أمريكا، الذي جاء بشعار تدمير الدولة العميقة، وتحويله لشيء آخر، دون سجنه أو قتله — كيف يكون هذا ممكنًا؟ من يشكل هذه حكومة الظل العالمية؟
الأمريكيون يشعرون بالخيانة ويحاولون كشف الخيوط
الأمريكيون، الذين يشعرون بالخيانة، يحاولون فهم الأمر. يجب أن نتابع هذا — ربما يكتشفون خيوطًا. هذا خطر، وقد يكلفهم حياتهم.
نحن الروس لا نفهم تمامًا ما نواجه. لدى مرجعياتنا الروحية رؤية خاصة، لكن تبنيها يتطلب تقبل تصورهم للعالم، وهو ما لا يقبله المجتمع العلماني. بلغة عقلانية، من الصعب تكوين صورة واضحة عن كيفية عمل هذه الدولة العميقة العالمية، التي تعتبر نفسها حكومة العالم. أحيانًا تعلن عن نفسها، وأحيانًا تختفي في المنطقة الرمادية. يجب الإهتمام بهذا بجدية. في روسيا، هناك محاولات لفهم الأمر في مراكزنا الفكرية، لكنها أولية. جيد أنها موجودة، لكننا بحاجة لمزيد من الجهد.
قضية إيبستين: الفضيحة التي تهدد النظام الأمريكي
تاتيانا لاديايفا: في الوقت المتبقي، لنتحدث عن إيبستين. أعتقد أن قضيته لا تزال تقسم المجتمع الأمريكي. هل يمكنك توضيح: هل هناك الآن المزيد من المطالبين من القادة الأمريكيين والمسؤولين والمدعين العامين بكشف كل تفاصيل هذه القضية؟
ألكسندر دوغين: قضية إيبستين مرتبطة بالملياردير جيفري إيبستين، صندوق التحوط متعدد المليارات، الذي أدين بتنظيم شبكة إستغلال أطفال، شارك فيها نجوم النخبة الأمريكية، بما في ذلك بيل كلينتون، أوباما، وآخرون من الأوساط الأوروبية والفكرية.
ملفات إيبستين هي فضيحة للنخبة الأمريكية بأكملها. وعد ترامب بنشرها بعد توليه السلطة. إيبستين إنتحر — كما يُزعم — في زنزانته، لكن تبين أن دقائق من تسجيلات الكاميرات مفقودة: هو جالس، ثم معلق، وما بينهما غير معروف. في القضية، كانت هناك أدلة كافية لإدانته مرارًا. أقرب مساعدة، غيسلين ماكسويل، حُكم عليها بـ 20 سنة. هي إبنة شخصية بارزة في المخابرات الإسرائيلية، وهذا مجرد طرف خيط خطير للمؤسسة الحاكمة.
انقلاب ترامب على وعوده في قضية إبستين
ترامب قال: "سأنشر الملفات، سنحطم لوبي إستغلال الأطفال". لكن قبل شهر، قال: "لا يوجد ملفات، هذه أكاذيب الديمقراطيين، لنتحدث عن طقس تكساس". هدد من يسأل عن الملفات: "هؤلاء أعدائي، سأحطمهم". الأمريكيون في صدمة: "إنتظرنا الملفات، إخترناك لهذا الغرض، والآن تنكر وجودها!"
شبهة الابتزاز والتحكم الخفي
تظهر معلومات أن ترامب كان قريبًا من إيبستين، وأن هناك ملفات ضده. إيلون ماسك، بعد خلافه مع ترامب، أكد أن ترامب مذكور في هذه الملفات ولن ينشرها. يبدو أن ترامب أصبح ضحية إبتزاز — ربما من المخابرات أو الدولة العميقة أو حتى الموساد — مما يجعله يتصرف ضد وعوده وسياساته. لا أحد يؤكد هذا قطعًا، لكنها آلية أخرى للتحكم بترامب. تغييره المفاجئ لموقفه من القضية قبل شهر أحدث صدمة. الجميع إنتظر النشر، وهو ينكر وجودها. إذن لماذا سجنت ماكسويل 20 سنة؟ لماذا مات إيبستين؟ لماذا أصدر المدعون قرارات سابقة؟ هذه ليست مجرد قضية سياسية، بل جريمة ضخمة، وأصبح ترامب شريكًا فيها.
ترامب في الأسر
تخيل موقفه الآن؟ في هذه الحالة، قد يقدم على خطوات يائسة. لقد أُخذ رهينة من قبل قوى مجهولة، وهذا سيء جدًا.
الخاتمة: روسيا لن تتراجع
ألكسندر دوغين: - ترامب لم يعد حليفًا محتملًا. خان شعبه وخاننا. - المعركة في أوكرانيا ستستمر حتى النصر الكامل. - التحالف مع الصين هو الضمانة الوحيدة ضد الغرب. - "الدولة العميقة" العالمية هي العدو الحقيقي، وعلينا فهم آلية عملها.
الرسالة الأخيرة: روسيا لن تتراجع. إذا أرادوا الحرب، فنحن مستعدون. لكنهم هم من يخافون المواجهة المباشرة.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى 671 - بين ذاكرة المحرقة وتواطؤ الدولة الألمانية
...
-
طوفان الأقصى 670 - الهولوكوست لا يبرر الإبادة - قراءة روسية
...
-
نهاية الحرب العالمية الثانية: بين سيف ستالين ونار ترومان – م
...
-
طوفان الأقصى 669 --عقيدة السيسي-: مصر تعود إلى الفراعنة لتقو
...
-
إرث بوتسدام: روسيا ما زالت تجني ثمار مؤتمر عمره 80 عاماً، كي
...
-
ألكسندر دوغين - -فلسطين تُفجّر إنقسام الغرب... ولكن العدو ال
...
-
ألكسندر دوغين - إذا لم ينقرض الروس بأنفسهم، فهناك من يساعدهم
...
-
طوفان الأقصى 667 - ماذا لو تغيّر المشهد؟ السيناريو الذي يخشا
...
-
ألكسندر دوغين - ترامب بين فشل الإصلاح وإمكانات الهدم - قراءة
...
-
طوفان الأقصى 666 - إسرائيل بين نهاية فلسطين وبداية الهيكل ال
...
-
ألكسندر دوغين - بوتين يميط اللثام عن حقائق الجيوبوليتيكا (بر
...
-
طوفان الأقصى 665 - كيف تحكم الصهيونية المسيحية سياسة واشنطن؟
-
ألكسندر دوغين - -روسيا كدولة-حضارة: نقد الإنحدار الغربي ومسا
...
-
ألكسندر دوغين – -الجنرال هرمجدون- الجديد: روسيا تُخيف الغرب
...
-
طوفان الأقصى 664 - فلسطين تفجّر الغرب: صراع العواصم الغربية
...
-
طوفان الأقصى 663 - إنكشاف التحيّز المنهجي لصالح إسرائيل داخل
...
-
طوفان الأقصى 662 - من إيلات إلى جيبوتي: كيف غيّر الحوثيون وا
...
-
طوفان الأقصى 661 - -إسرائيل ليست شرًا فريدًا من نوعه.. إنها
...
-
طوفان الأقصى 659 - إغتيال جيمس فورستال وجون كينيدي – هل سقطا
...
-
طوفان الأقصى 659 - داخل مستشفى في غزة: جراح بريطاني يروي ما
...
المزيد.....
-
-توتر خلف الكواليس- بين روسيا وإيران.. ومصادر تكشف لـCNN علا
...
-
رغد صدام حسين تثير تفاعلا بمنشور عن إيران وحرب 1988
-
رد السعودية على خطة نتنياهو في غزة وتحذيرها يثير تفاعلا
-
ترامب وبوتين يلتقيان في ألاسكا: هل سيكون هناك اتفاق سلام؟
-
روسيا تعلق على اختيار ألاسكا كمكان انعقاد قمة بوتين وترامب
-
تحليل لـCNN: إسرائيل تختبر صبر ألمانيا -حليفتها الرئيسية- بت
...
-
لقاء مرتقب بين ترامب وبوتين في ألاسكا لإنهاء الحرب في أوكران
...
-
-اجتماع لتوحيد المواقف- بشأن تسوية ملف حرب أوكرانيا
-
قيادة الجيش الإسرائيلي تفضّل وقفا جديدا لإطلاق النار في غزة
...
-
فوائد صحية لتناول القرفة لا يعرفها كثيرون
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|