|
طوفان الأقصى 671 - بين ذاكرة المحرقة وتواطؤ الدولة الألمانية – شهادة راشيل شابيرو
زياد الزبيدي
الحوار المتمدن-العدد: 8428 - 2025 / 8 / 8 - 02:54
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
ترجمة وتحليل د. زياد الزبيدي
التاريخ 8 أغسطس 2025
في مقال بالغ الجرأة والحمولة الأخلاقية والسياسية نشرته "Mondoweiss" بتاريخ 2 أغسطس 2025 بعنوان: «قتل النازيون عائلتي في الهولوكوست. والآن تعاقبني ألمانيا على إحتجاجي على الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل في غزة.»، سردت الكاتبة والناشطة اليهودية الأمريكية راشيل شابيرو محنتها مع السلطات الألمانية، التي حاكمتها جنائيًا بسبب مشاركتها في إحتجاجات مؤيدة لفلسطين، معتبرة أن الدولة الألمانية اليوم تمارس أبشع أشكال الإستغلال السياسي لذاكرة المحرقة لتبرير دعمها لنظام إستعماري يمارس الإبادة بحق الفلسطينيين، على حد وصفها.
في هذا التحليل، نعرض أبرز محاور شهادة شابيرو، ونحلل أبعادها في السياقين الألماني والفلسطيني، ضمن جدلية "ذاكرة المحرقة" و"العدالة الإنتقائية".
أولاً: التهم الموجهة… وقلب الحقيقة
تواجه راشيل شابيرو ثلاث تهم، كلها – كما تقول – مغلفة بـ"نفاق أخلاقي فج": "أُحاكم لثلاثة أمور: الإعتداء على شرطي خلال إحتجاج، وإستخدام شعار منظمة ‘غير دستورية’ بسبب نشر مقطع موسيقي فيه عبارة ’من النهر إلى البحر‘، وردّي على حساب على إنستجرام وصفني بالمعادية للسامية."
اللافت هنا أن الدولة الألمانية تتعامل مع رموز التضامن مع فلسطين بوصفها شعارات تحريضية، في الوقت الذي تغض فيه الطرف عن دعوات رسمية وتحريضات عنصرية صريحة من أنصار إسرائيل في الإعلام الألماني، مما يجعل هذه المحاكمات محكومة بإنحياز سياسي لا قانوني.
ثانيًا: ذاكرة المحرقة كسلاح أيديولوجي
أبرز ما جاء في شهادة شابيرو هو المفارقة الصادمة التي تعيشها بصفتها يهودية حفيدة ضحايا الهولوكوست، تواجه تهمة معاداة السامية لأنها ترفض الصهيونية وتنتقد ممارسات إسرائيل بحق الفلسطينيين: "أن يُساء إستخدام تاريخ ألمانيا في معاداة السامية ضد من يتحدثون ضد الإبادة الجماعية الجارية، هو عار مشين ومشوه للذاكرة. أنا، كيهودية من نسل من قتلهم النازيون، أُتهم الآن بأنني معادية للسامية لأنني أرفض إبادة الفلسطينيين."
هنا يتجلى ما يمكن تسميته بـ"صدام الذكريات"؛ حيث تتحول ذاكرة المحرقة من أداة عدالة تاريخية إلى ذريعة أيديولوجية لإسكات المعارضين، حتى لو كانوا من داخل الديانة اليهودية نفسها.
ثالثًا: المفارقة الأخلاقية الكبرى: "أنا أُحاكم كيهودية لأنني ضد الإبادة الجماعية"
تصف شابيرو حالة الإزدواجية الأخلاقية في الدولة الألمانية التي – بحسب قولها – لم تتخلص من فاشيتها، بل أعادت توجيهها: "في كوني يهودية مناهضة للصهيونية، أُسحب إلى المحاكم لأنني أُتّهم بالدعوة لإبادة مفترضة (لليهود، وأنا منهم) بسبب إحتجاجي على إبادة فعلية (للفلسطينيين) يقوم بها من يدّعون أنهم ضحية لتلك الإبادة المفترضة."
هذا الإقتباس يحطم المنطق السائد في الخطاب الألماني الرسمي، ويكشف البنية المتناقضة والعنصرية التي يتم فيها تجريم المعارضة السياسية تحت غطاء محاربة "معاداة السامية"، التي أصبحت – كما تقول – سيفًا مسلطًا على أي صوت ينتقد إسرائيل، حتى من اليهود أنفسهم.
رابعًا: من "أوشفيتز" إلى غزة: الزمن الدائري للجرائم
تستدعي شابيرو ذاكرة الناجي اليهودي من أوشفيتز هايو ماير، الذي وصف حصار غزة بـ"الإبادة البطيئة"، مشيرة إلى أن ما يحدث اليوم لم يعد "بطيئًا"، بل يشكل ذروة "الحل النهائي" الجديد: "إنها ليست أزمة إنسانية، بل إبادة محسوبة. إنها المرحلة الأخيرة من الحل النهائي، المستمر منذ تأسيس الصهيونية بيد ثيودور هرتسل العنصري والمعادي لليهود ذاته."
هذا الربط بين فظائع الهولوكوست وما يحدث في غزة اليوم، لا يأتي من فلسطيني أو عربي أو مسلم، بل من يهودية تنتمي إلى شبكة اليهود المناهضين للصهيونية، ما يجعل الطرح أكثر زلزلة للخطاب الألماني العام.
خامسًا: هل الصهيونية شكل من أشكال الفاشية؟
في إحدى الفقرات الأكثر جرأة وإثارة للجدل، تصف شابيرو الصهيونية بأنها: "أيديولوجية فاشية، إستيطانية إستعمارية، تتسم بتفوق اليهود."
وتمضي أبعد من ذلك، معتبرة أن: "من يقف خلف الصهيونية هو إما داعم للفاشية أو متواطئ مع الإبادة."
هذه اللغة، التي تمثل قطيعة كاملة مع الخطاب الرسمي الألماني وحتى الغربي، تصف الدولة الإسرائيلية نفسها بأنها "دولة باريا" في حالة "دوامة موت".
سادسًا: عنف الشرطة الألمانية: من الماضي إلى الحاضر
في مشهد مروع، تروي شابيرو كيف أعتُدي على زوجها خلال إحتجاج سلمي: "رأيت شرطيًا ألمانيًا يخنق زوجي حتى تغير لون وجهه، ثم أتُهم هو بالإعتداء عليه." "جريت خلفه صارخة، وحين حاول شرطي منعي أمسكت بمعصمه وضربته في وجهه. ثم سُحبت إلى الأرض، وإنهال عليّ أربعة أو خمسة رجال شرطة."
تصف راشيل حالتها بـ"الصدمة شبه الفصامية"، إذ لم تعد قادرة على التمييز بين لحظة عام 2024 وذاكرة ثلاثينيات وأربعينيات القرن العشرين. كأنها تقول: "الفاشية الألمانية لم تمت، بل أعادت إنتاج نفسها في شكل جديد."
سابعًا: ذاكرة كاذبة… و"معاداة جديدة للسامية"
في ختام مقالها، تطلق شابيرو إتهامًا لاذعًا ضد ما تُسميه "ثقافة الذاكرة" الألمانية: "ألمانيا تدّعي أنها تحيي ذكرى المحرقة، لكنها تستخدم هذه الذكرى لتبرير جرائم حرب ضد الفلسطينيين. هذه ليست ذاكرة، بل شكل جديد من معاداة السامية."
وتختم بصرخة أمل: "قد يكون للدولة الألمانية سلطة قانونية لمحاكمتي، لكن سلطتها الأخلاقية قد إنهارت بالكامل. ألمانيا قد تستطيع إسكاتنا، لكنها لن تستطيع قتل حبنا وتضامننا مع إخوتنا في فلسطين."
خاتمة: لماذا شهادة شابيرو مهمة؟
تكمن أهمية هذا النص في أنه يقلب السردية الرسمية الألمانية رأسًا على عقب، عبر صوت من داخل "البيت اليهودي" ذاته. راشيل شابيرو لا تنتقد إسرائيل فقط، بل تفضح الطريقة التي أصبحت بها ذكرى المحرقة أداة للتبرير لا للتحرر، وللصمت لا للعدالة.
مقالها شهادة حية على تحول ألمانيا من "دولة تعتذر" إلى دولة "تُعيد إنتاج الفاشية بطريقة ليبرالية"، عبر قمع الأصوات المناهضة للإبادة، وسحق رموز التضامن الإنساني.
***** هوامش 1) راشيل شابيرو (Rachael Shapiro) هي ناشطة يهودية أمريكية مناهضة للصهيونية. 2) أوشفيتز (Auschwitz) هو اسم معسكر اعتقال وإبادة نازي أقيم في بولندا خلال الحرب العالمية الثانية، ويُعد من أبرز رموز الهولوكوست. قُتل فيه أكثر من مليون شخص، معظمهم من اليهود، عبر غرف الغاز والتجويع والتعذيب. حرّر الجيش الأحمر السوفييتي معسكر أوشفيتز في 27 يناير 1945، خلال تقدّمه على الجبهة الشرقية في الحرب العالمية الثانية. وقد دخل الجنود السوفييت المعسكر ليجدوا ما تبقى من السجناء الناجين، في مشهد صادم من الجثث والمجاعة والدمار، ليكشفوا للعالم حجم الجرائم النازية. ومنذ ذلك الحين، أصبح يوم 27 يناير يُحيى عالميًا باعتباره اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الهولوكوست. 3) "الإبادة البطيئة" تعني قتل جماعة من الناس بشكل تدريجي عبر وسائل غير مباشرة مثل الحصار، التجويع، الحرمان من الرعاية الصحية، والتشريد، بدلاً من القتل الفوري بالسلاح. وهي عملية ممنهجة تهدف إلى تفكيك مجتمع أو إبادته عبر الزمن دون إعلان رسمي لذلك.
#زياد_الزبيدي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
الكاتب-ة لايسمح
بالتعليق على هذا
الموضوع
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
طوفان الأقصى 670 - الهولوكوست لا يبرر الإبادة - قراءة روسية
...
-
نهاية الحرب العالمية الثانية: بين سيف ستالين ونار ترومان – م
...
-
طوفان الأقصى 669 --عقيدة السيسي-: مصر تعود إلى الفراعنة لتقو
...
-
إرث بوتسدام: روسيا ما زالت تجني ثمار مؤتمر عمره 80 عاماً، كي
...
-
ألكسندر دوغين - -فلسطين تُفجّر إنقسام الغرب... ولكن العدو ال
...
-
ألكسندر دوغين - إذا لم ينقرض الروس بأنفسهم، فهناك من يساعدهم
...
-
طوفان الأقصى 667 - ماذا لو تغيّر المشهد؟ السيناريو الذي يخشا
...
-
ألكسندر دوغين - ترامب بين فشل الإصلاح وإمكانات الهدم - قراءة
...
-
طوفان الأقصى 666 - إسرائيل بين نهاية فلسطين وبداية الهيكل ال
...
-
ألكسندر دوغين - بوتين يميط اللثام عن حقائق الجيوبوليتيكا (بر
...
-
طوفان الأقصى 665 - كيف تحكم الصهيونية المسيحية سياسة واشنطن؟
-
ألكسندر دوغين - -روسيا كدولة-حضارة: نقد الإنحدار الغربي ومسا
...
-
ألكسندر دوغين – -الجنرال هرمجدون- الجديد: روسيا تُخيف الغرب
...
-
طوفان الأقصى 664 - فلسطين تفجّر الغرب: صراع العواصم الغربية
...
-
طوفان الأقصى 663 - إنكشاف التحيّز المنهجي لصالح إسرائيل داخل
...
-
طوفان الأقصى 662 - من إيلات إلى جيبوتي: كيف غيّر الحوثيون وا
...
-
طوفان الأقصى 661 - -إسرائيل ليست شرًا فريدًا من نوعه.. إنها
...
-
طوفان الأقصى 659 - إغتيال جيمس فورستال وجون كينيدي – هل سقطا
...
-
طوفان الأقصى 659 - داخل مستشفى في غزة: جراح بريطاني يروي ما
...
-
طوفان الأقصى 658 - إسرائيل وتحويل الإفتراءات المعادية لليهود
...
المزيد.....
-
رصدتها كاميرا بتقنية الفاصل الزمني.. حريق سريع الانتشار يشتع
...
-
ما الذي يحدث في مدينة الفاشر السودانية؟
-
هل يسمح حزب الله للحكومة اللبنانية بحسم ملف السيادة لصالح ال
...
-
رفض دولي لخطة إسرائيل للسيطرة على مدينة غزة
-
نائب الرئيس الأمريكي يؤكد عدم وجود خطط لدى واشنطن للاعتراف ب
...
-
هآرتس: الصمت أمام كابوس غزة استسلام
-
خبير عسكري: هذا خيار المقاومة بعد إقرار احتلال غزة
-
لماذا يحذر الخبراء من خطة نتنياهو احتلال كامل لقطاع غزة؟
-
تقرير يكشف آثار حرب الإبادة بغزة على الرياضيين الإسرائيليين
...
-
رسوم ترامب تدفع الهند لوقف صفقة أسلحة أميركية
المزيد.....
-
المدخل الى موضوعة الحوكمة والحكم الرشيد
/ علي عبد الواحد محمد
-
شعب الخيام، شهادات من واقع احتجاجات تشرين العراقية
/ علي الخطيب
-
من الأرشيف الألماني -القتال في السودان – ينبغي أن يولي الأل
...
/ حامد فضل الله
-
حيث ال تطير العقبان
/ عبدالاله السباهي
-
حكايات
/ ترجمه عبدالاله السباهي
-
أوالد المهرجان
/ عبدالاله السباهي
-
اللطالطة
/ عبدالاله السباهي
-
ليلة في عش النسر
/ عبدالاله السباهي
-
كشف الاسرار عن سحر الاحجار
/ عبدالاله السباهي
-
زمن العزلة
/ عبدالاله السباهي
المزيد.....
|