|
من يُدمّر الحصانة الفكرية لأوروبا؟
احمد صالح سلوم
شاعر و باحث في الشؤون الاقتصادية السياسية
(Ahmad Saloum)
الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 21:30
المحور:
الادب والفن
الوعي الاجتماعي بين التضييق الرسمي وصعود اليمين المتطرف: من يُدمّر الحصانة الفكرية لأوروبا؟
نص البيان:
في سياق يتسم بتراجع الدعم المؤسسي للجمعيات المستقلة، واختزال النشاط الثقافي في أرقام لا تُعبّر عن القيمة الحقيقية للإنتاج، نلاحظ بقلق تزايد الهجمات المباشرة وغير المباشرة على الوعي الاجتماعي والعلمي الطبقي. تُواجه الجمعيات المستقلة صعوبات تمويلية وإدارية متعمدة، بينما يُفتح المجال واسعًا لخطابات إعلامية ممولة تُعلي من شأن التضليل، وتُمهّد لصعود حركات من أقصى اليمين واليمين النيوليبرالي تربط الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بالهجرة، والدين، واللون، لتُخفي خلف ستارها الأسباب الحقيقية الكامنة في النظام المالي والأوليغارشي المسيطر على القرار. هذا الانحراف الخطير يُضعف التضامن المجتمعي، ويُقسّم الطبقات الشعبية، ويمنح السلطة للنُخب التي تتحكم بالإعلام، وتُعيد صياغة الخطاب العام بما يخدم مصالحها، تاركةً الفئات المنتجة فكريًا في حالة عزلة اجتماعية، وضغط اقتصادي، وتهميش مؤسسي يهدد الاستقرار الأسري. جمعيتنا، التي تُنتج محتوى فكريًا بخمس لغات شهريًا، تُطالب بحماية الحيز الثقافي المستقل من التضييق المنهجي، وتدعو إلى إعادة الاعتراف بالوعي الطبقي النقدي كعنصر أساسي من عناصر الحصانة الديمقراطية. إن التضييق على الفكر المستقل لا يؤدي فقط إلى تراجع الإبداع، بل يُمهّد لصعود الفكر المتطرف ويُعرض المجتمعات الأوروبية لمزيد من الانقسام والانحدار. مسؤولية من هذا؟ نحن نطرح السؤال، ونصمد بالفكر.
الصفحة الأولى: المقدمة
جمعية مستقلة… مشروع فكري مقاوم للتهميش المؤسسي
في ظل تآكل القيم الديمقراطية في أوروبا الغربية، وصعود خطاب سطحي يربط الأزمات الاقتصادية والاجتماعية بالهجرة والدين والعرق، نُعلن نحن، كجمعية فكرية مستقلة، رفضنا لهذا التبسيط الإعلامي المضلل، ونتبنّى رؤية نقدية تربط الأزمات بالواقع الطبقي وهيمنة النخب المالية على أدوات السلطة.
لقد اخترنا طريق الفكر والإنتاج الثقافي بلغات متعددة، موجّه لنخبة الجامعات والمثقفين عبر أوروبا، رغم غياب الدعم المؤسسي والإعلامي. في الوقت الذي تُموَّل فيه الجهات المهادنة للسلطات والكيانات الاحتلالية، نُواجه نحن وأمثالنا تضييقًا إداريًا وماليًا متعمدًا، يُهدد استقرارنا الأسري ويكاد يقوّض مشروعنا الأخلاقي والتنويري بالكامل. ورغم ذلك، فإننا نواصل إنتاجنا بانتظام: أكثر من عشرين مادة صحفية وتحليلية شهريًا، بخمس لغات، تُقرأ وتُثنى عليها من حملة الشهادات العليا. لكننا نرفض أن يبقى هذا المشروع حبيس الإقصاء. وقد آن لنا أن نُطلق هذا البيان الموسّع، الذي يرصد جذور الأزمة ويُوجّه دعوة مفتوحة نحو إعادة الاعتراف بالوعي الاجتماعي الطبقي كمكوّن أساسي للحصانة الفكرية في أوروبا.
الصفحة الثانية: تضييق المجال الثقافي والفكري في أوروبا
في الوقت الذي تفتخر فيه أوروبا بتقاليدها الديمقراطية والتعددية الفكرية، نرى أن الحيز العام المخصص للإنتاج الثقافي المستقل يضيق شيئًا فشيئًا. الجمعيات المستقلة، والتي لا ترتبط بشبكات التمويل السياسي أو التجاري، تُواجه عراقيل بيروقراطية وتمويلية متعمدة، رغم أنها تقدم مساهمات معرفية عالية الجودة وذات تأثير فعلي على الفهم السياسي والاجتماعي والاقتصادي.
في بلجيكا والعديد من الدول الأوروبية، تُحرم هذه الجمعيات من أبسط أشكال الدعم، مثل الإعانات الدورية أو المنح الثقافية، فيما تُمنح ملايين اليوروهات سنويًا لمؤسسات تكرّس نمطًا استهلاكيًا سطحيًا، أو تروّج لخطابات توافقية مع النخب المالية والسياسية. هذه الآلية تُسهم في تهميش الصوت النقدي، وتخلق بيئة خانقة للمفكرين والمبدعين الذين اختاروا طريق النزاهة الفكرية والاستقلال المعرفي.
هذا التضييق لا يؤثر فقط على المؤسسات، بل يُصيب الأفراد مباشرة: - تفكك عائلي نتيجة غياب الاستقرار المالي - اضطرار المثقفين إلى العمل في وظائف هامشية للحفاظ على لقمة العيش - تراجع الإبداع بسبب الضغط اليومي والقلق الوجودي
يُصبح المثقف المستقل في هذه المعادلة شخصًا مُعاقبًا على شجاعته، في حين يُكافأ المهادنون والملتحقون بخطاب السوق.
الصفحة الثالثة: الإعلام الموجّه وإعادة تشكيل الوعي الجماهيري
في بيئة إعلامية متشعبة ومتخمة بالمحتوى، يبرز الإعلام الرسمي والتجاري بوصفه لاعبًا رئيسيًا في صناعة الرأي العام وتحديد أولويات النقاش الجماهيري. بدلًا من تسليط الضوء على قضايا العدالة الاقتصادية أو اختلال التوازنات الطبقية، يُركّز هذا الإعلام على قضايا هامشية أو مثيرة للجدل دون عمق، مثل الجدالات الثقافية السطحية أو الأحداث الفردية المنفصلة عن سياقاتها.
أبرز مظاهر ذلك: - تصعيد الصراعات الرمزية على حساب الأزمات الهيكلية - تجريم الاحتجاجات الاجتماعية وتوصيفها كتهديد للأمن - إبراز النخب الثقافية كممثلة “للعقلانية” مقابل تهميش الرؤى البديلة
في هذه الأجواء، يُعاد تشكيل الوعي العام عبر أدوات ناعمة تُغلّف السلطة بقوالب جذابة، وتُقدّم الواقع كـ”طبيعي” أو “لا يمكن تغييره”.
هذه العملية لها تبعات خطيرة: - تحييد الفكر النقدي لدى الشباب - تحويل المثقف إلى مروّج للمنظومة بدلًا من مُساءلٍ لها - انهيار الثقة بين المواطن والمؤسسات بسبب انفصال الخطاب الإعلامي عن الواقع المعاش
الصفحة الرابعة: المقاومة الفكرية والإبداعية كمدخل للتحرر
رغم تضييق المساحات الإعلامية والسياسية، تظل المقاومة الثقافية أداة حيّة قادرة على إعادة تشكيل الواقع، ولو من الهامش. ليس المقصود بالمقاومة هنا الصراع التقليدي، بل بناء سرديات جديدة، وتقديم بدائل فكرية تؤسس لوعي مستقل ومنفتح.
أهم آليات هذه المقاومة: - إنتاج محتوى ثقافي بديل عبر منصات مستقلة: بودكاست، فيديو، تدوينات نقدية - تأسيس شبكات تضامن معرفي بين المثقفين خارج أُطر التمويل الرسمي - تنظيم فعاليات شعبية وتفاعلية تُعيد للثقافة بُعدها الجماهيري
القوة الحقيقية في هذه المقاومة تكمن في: - توسيع مفهوم المثقف إلى "قائد مجتمعي مستقل" - إدماج الهمّ اليومي في الإنتاج الثقافي: الفقر، السكن، الهجرة - تحويل الألم إلى قوة خلاقة تُنتج فنًا ومعرفة ثورية
هذه الخطوات قد لا تغيّر المنظومة مباشرة، لكنها تخلق مساحات بديلة تزداد قوتها كلما اتسعت شبكة التضامن، وأصبح الإبداع وسيلة للنجاة الجماعية لا مجرد ترف فردي.
الصفحة الخامسة: الشباب كقوة دفع لنهضة ثقافية مستقلة
في ظل انسداد الأفق السياسي التقليدي، يظهر الشباب كقوة دينامية تحمل رؤى جديدة وأدوات مبتكرة للتعبير عن الذات، والتفاعل مع محيطها بشكل نقدي ومبدع. لم يعد الشاب مجرد متلقي للثقافة، بل أصبح منشئًا لها، يختار المنصة، ويصوغ الخطاب، ويُحدد الجمهور.
أبرز أدوات الشباب في هذا التحول: - استخدام الوسائط الرقمية لإنتاج محتوى بديل: الفيديو القصير، الميمات الساخرة، الألعاب التفاعلية - تحويل تجاربه اليومية إلى سرديات تمسّ وجدان الجماهير: البطالة، العنصرية، العزلة - خلق مساحات رقمية للحوار خارج الإطار الرسمي، مثل غرف النقاش المستقلة والبودكاست التفاعلي
الإمكانيات التي يحملها الشباب اليوم: - التحرر من قيود النمط الأكاديمي التقليدي - القدرة على الدمج بين الفنون والعلوم والتجربة الشخصية - الاستفادة من الدينامية التكنولوجية للوصول إلى جمهور عالمي دون وسيط
لكن هذه القوة تحتاج إلى دعم معرفي وأخلاقي يمنع تحوّل الإبداع إلى مجرد ترف تسويقي. يجب أن يُدرك الشباب أن الثقافة ليست فقط أداة تعبير، بل أيضًا وسيلة مقاومة وتحول اجتماعي عميق.
الصفحة السادسة: الرقمنة وإعادة تشكيل الثقافة والوعي الجمعي
التحولات الرقمية ليست مجرد تطوير تقني، بل هي ثورة معرفية تعيد تشكيل علاقتنا بالمعلومة، والزمن، والمجتمع. في أوروبا، يتفاعل الناس بشكل يومي مع خوارزميات تحكم في ماذا نرى، وكيف نفكر، وما إذا كان صوتنا سيصل أم لا.
أبرز المظاهر لهذه التحولات: - سيطرة المنصات الكبرى على المجال الثقافي: غوغل، يوتيوب، ميتا - تغيّر طبيعة الانتباه: من القراءة الطويلة إلى التفاعل السريع والسطحي - صعود الذكاء الاصطناعي كوسيط معرفي ومحرّك للخطاب اليومي
التحديات: - فقدان العمق والتحليل النقدي بسبب طغيان المحتوى اللحظي - انحسار الروابط الثقافية المحلية لصالح النزعة العالمية الرقمية - تهميش الفئات غير المتصلة أو الأقل تقنيًا من المنظومة الثقافية الجديدة
لكن في قلب هذه التحديات، تبرز فرص هائلة: - تأسيس منصات محلية رقمية تحاكي هموم الناس بلُغتهم وبأسلوبهم - توظيف التكنولوجيا لإحياء التراث، مثل الواقع المعزز أو التوثيق الرقمي للموروثات - تمكين الأفراد من التعبير الحر وصناعة المحتوى دون وسطاء
إذا استطعنا تطويع الرقمنة لأهداف ثقافية واجتماعية عادلة، يمكننا إعادة تشكيل الوعي الجمعي بطريقة أكثر تنوعًا وصدقًا.
الصفحة السابعة: الميتافيرس والهوية في عصر الذكاء الاصطناعي
في الوقت الذي تصبح فيه الحدود بين العالم الواقعي والافتراضي أكثر تداخلًا، تنشأ تساؤلات جوهرية حول الهوية: من نحن عندما نُعيد تشكيل أنفسنا رقميًا؟ وهل يُمكن أن تكون هذه الهوية امتدادًا للذات أم انفصالًا عنها؟
في الميتافيرس: - يُعاد بناء الشخصية عبر أفاتارات يمكن تصميمها بحرية - تُخلق بيئات تفاعلية تُشبه الحلم: حرّة، مبتكرة، ولكن أيضًا خاضعة لرقابة المنصة - تُمنح الأفراد فرصة اختبار أدوار جديدة: من فنان رقمي إلى قائد جماعة افتراضية
أما الذكاء الاصطناعي، فيدخل على خط الهوية عبر: - تحليل أنماط السلوك وبناء ملفات رقمية دقيقة - التفاعل التلقائي الذي يُعيد صياغة الخطاب والتواصل اليومي - خلق "قرين رقمي" يُرافقك، وربما يُؤثر على تصوراتك الذاتية
التحديات الوجودية هنا عظيمة: - هل نبني أنفسنا أم نُبنى وفق خوارزميات؟ - كيف نحافظ على أصالة الهوية وسط التخصيص المفرط؟ - هل يُصبح الاختلاف الثقافي مجرد خيار في إعدادات الحساب؟
لكن في قلب هذا التحول، توجد إمكانيات ثرية: - استخدام الميتافيرس كمساحة تعليمية وتحررية لمن حُرم من التعبير الواقعي - توظيف الذكاء الاصطناعي لفهم الذات بشكل أعمق عبر تحليل السلوك والعاطفة - إعادة تصور الجماعة كشبكة شعورية لا تُقيدها الجغرافيا أو الأصل أو اللغة
الصفحة الثامنة: الفن البصري كأداة مقاومة ثقافية
في عالم يزداد ازدحامًا بالكلمات والخطابات، يبرز الفن البصري كلغة عالمية تتجاوز الحواجز اللغوية والسياسية، وتصل مباشرة إلى الأحاسيس. الفنان المستقل يُمكنه أن يُعبّر عن وجعه، حلمه، أو رؤيته بطريقة تحررية، بعيدًا عن الرقابة والأطر الأكاديمية التقليدية.
أبرز أشكال الفن البصري المقاوم: - جداريات تُحوّل الجدران إلى مساحات حرة للتعبير الشعبي - رسوم رقمية تفضح القمع أو تُمجّد الهوية المهمّشة - صور فوتوغرافية تُوثّق الواقع كما هو، دون تزويق أو تزييف
الفن البصري ليس مجرّد زينة، بل: - يوثّق الذاكرة الجمعية للمضطهدين والمهمّشين - يخلق رموزًا بصرية تُحرّك الجماهير وتُوحدهم خلف قضية - يُعيد سرد الأحداث من منظور الضحية لا الجلاد
أهم ميزات الفن المقاوم: - يدمج بين الجمالية والرسالة السياسية دون أن يفقد أحدهما - يُثير النقاش دون أن يفرضه - يُمكن أن يُنتَج بأبسط الوسائل: قلم، هاتف، أو حتى على الورق المقوّى
الفن البصري يُعدّ سلاحًا ناعمًا، ولكن تأثيره قد يكون مدويًا، خصوصًا في عصر الصورة والوسائط الاجتماعية.
الصفحة التاسعة: الزمن والذاكرة في العصر الرقمي
في السابق، كان الزمن يُقاس بالأحداث الكبرى، وكان للذاكرة طابع جماعي يُنقل عبر الرواية أو الكتابة أو الصور المطبوعة. أما اليوم، فقد أصبح الزمن رقميًا، فوريًا، ومشتّتًا… وأصبحت الذاكرة فردية ومتشظية، تُختزن في منصات وتطبيقات بضغطات زر.
أبرز مظاهر التحول: - تسارع الزمن الرقمي: الخبر يُنشر ثم يُنسى خلال ساعات - أرشفة اللحظة: كل صورة، كل منشور، يتحوّل إلى ذاكرة قابلة للاسترجاع - خلط الماضي بالحاضر: يُعاد نشر أحداث قديمة وكأنها لحظية، مما يُربك الإحساس الزمني
الذاكرة الرقمية تحمل مفارقات: - تُوثّق أكثر، لكنها تُشتّت الانتباه عن السياقات التاريخية العميقة - تُجسّد الذات، لكنها تُنتج نسخًا مُعدّلة ومفلترة من الواقع - تُمكّن من الحفاظ على الذكريات، لكنها تُعرّضها لفقدان المعنى بسبب الكم الهائل
كيف نُعيد التوازن؟ - عبر إدماج التقنيات في سرديات منظمة تُربط بالحياة اليومية - عبر تربية نقدية تُعلّم الشباب كيف يفرّق بين الحدث الحقيقي والمتكرر - عبر بناء مشاريع جماعية توثق التجربة المحلية بمصداقية وجمالية
في النهاية، التقنية أداة... والزمن قيمة. بينهما، تتحرك الذاكرة كمركب هشّ، يُمكن أن يُبحر أو يغرق.
الصفحة العاشرة: الهامش كمصدر للقوة والتنوّع الثقافي
في المجتمعات الأوروبية، غالبًا ما يُنظر إلى الهامش بوصفه فضاءً للضعف أو التهميش، سواء كان جغرافيًا، اقتصاديًا، أو ثقافيًا. لكن هذا الهامش، حين يُستعاد فنيًا وفكريًا، يتحوّل إلى مساحة خصبة تُنتج سرديات ووجهات نظر لا تُشبه السائد، بل تكشف عن عمق التجربة الإنسانية التي تُقصى عادة من المشهد.
من هم “أهل الهامش”؟ - مهاجرون وأقليات لغوية وثقافية - سكان الضواحي والمناطق غير المركزية - أفراد رفضوا الانصهار في الثقافة الاستهلاكية المهيمنة
القوة في الهامش تكمن في: - امتلاك روايات غير ممسوحة أو مُفلترة - القدرة على الربط بين المعاناة اليومية والرؤية الكونية - إنتاج ثقافة أصيلة نابعة من تجربة واقعية لا مصطنعة
أمثلة على ثقافة الهامش: - موسيقى الراب كشكل مقاومة شعبية للطبقية والتهميش - أدب المهاجرين الذي يُعيد تشكيل اللغة والصورة الأوروبية - فنون الشارع التي تُحوّل الفضاء العام إلى منبر للوعي الجماهيري
بدلًا من السعي للاندماج القسري في “المركز”، يمكن للمهمّشين أن يُعيدوا تعريف المركز نفسه، ويُثبتوا أن الإبداع لا يحتاج إلى منابر رسمية، بل إلى صدق التجربة وحرية التعبير.
الصفحة الحادية عشرة: الجسد بين التفاعل البيولوجي والتقني
في عصر الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز، لم يعد الجسد مجرد كيان بيولوجي، بل تحوّل إلى وسيلة تواصل، أداة إنتاج، وحتى مشروع قابل للتطوير أو التعديل. تغيرت علاقتنا بأجسادنا، وأصبح الاندماج بين التقنية والجسد يؤثر في تصوراتنا عن الهوية، الصحة، والجمال.
أبرز مظاهر هذا التفاعل: - استخدام الأجهزة القابلة للارتداء لتتبع الصحة الجسدية والعاطفية - التطبيقات التي تُراقب النوم، التغذية، وحتى الحالة المزاجية - التجارب الطبية المستقبلية: الأعضاء الاصطناعية، التعديل الجيني، الزرع الرقمي للذاكرة
التحولات الثقافية المرتبطة بالجسد: - الجسد لم يعد خاصًا بالكامل: أصبح مكشوفًا للتقنيات التي “تقرأه” وتُحلله - تغيّر مفهوم الجمال وفق فلاتر رقمية ونماذج معيارية تُفرض عبر التطبيقات - ظهور مفهوم “الجسد الرقمي” في العالم الافتراضي، حيث يُعاد تمثيله كصورة مثالية أو متغيرة
إمكانيات التحرر: - استخدام التقنية لفهم الذات وتطوير الصحة النفسية والجسدية بشكل شخصي - كسر التنميط الجمالي عبر منصات تُعبر عن أجساد متنوعة وتُقاوم المقاييس التقليدية - تعزيز علاقة الإنسان بجسده لا فصلها، من خلال تعليم تقني نقدي يُعيد للجسد خصوصيته وقدسيته
في هذه المعادلة الجديدة، يُصبح الجسد ساحة للصراع بين السيطرة والتحرر، بين الإنتاج والتجربة، وبين الرقابة والحميمية.
الصفحة الثانية عشرة: نداء تحرري لإعادة تشكيل الوعي والثقافة
إلى كل من لا يجد نفسه في السرديات الجاهزة، إلى أولئك الذين اختاروا الطريق الصعب بدلًا من الاستسلام، إلى الشباب، المثقفين، المهمّشين، الحالمين، والمقاومين بالصورة والكلمة والصمت:
لم يعد التغيير مجرد أمنية. إنه ضرورة وجودية.
ماذا نقترح؟ إعادة تعريف الثقافة بوصفها فعلًا جماعيًا، لا منتجًا استهلاكيًا. أن تكون التكنولوجيا وسيلة للفهم، لا أداة للسيطرة. أن يُعاد الاعتبار للجسد، للهامش، للزمن، للذاكرة، بوصفها محاور مركزية في التجربة الإنسانية.
هذا النداء يرفض: - النموذج الواحد للنجاح - الرقابة غير المعلنة على الفكر - تبعية الإنسان لخوارزميات تصوغ يومه وهويته
ويقترح بناء: - شبكات تضامن معرفي وثقافي مستقلة - فضاءات رقمية تنبض بالأصالة - سرديات نقدية لا تخاف من السؤال ولا تتردد في الهدم الخلّاق
فالحرية ليست فقط أن تتكلم... بل أن تُصغي، أن تُنتج، أن تُحسّ، أن تُخطئ وتُجرّب دون أن تُعاقب.
الصفحة الثالثة عشرة: الحرية بين الوهم والتحقق في العصر الرقمي
في زمن تُباع فيه الخصوصية، وتُفلتر فيه الآراء، وتُعاد صياغة الحقائق وفق خوارزميات خفية، يصبح مفهوم الحرية أكثر تعقيدًا. الحرية لم تعد غياب القيود فقط، بل أصبحت مرتبطة بالوعي بها، وبالقدرة على تجاوزها دون أن تُلغى الذات أو تُشوّه.
مفارقات عصرنا: - نعتقد أننا أحرار لأننا نختار بين عشرات التطبيقات، لكننا نُوجّه نحو ما تُريده المنصات - نُعبّر عن أنفسنا، لكن ضمن لغات وسياقات مسموح بها - نُنتج المعرفة، ولكن غالبًا وفق شروط رأسمالية تُحدد المدى والموضوع والأسلوب
إذا كانت الحرية هي القدرة على قول "لا"، فهي اليوم تحتاج إلى شجاعة مضاعفة: - أن تقول "لا" للسطحي والمكرر - أن ترفض نمط الاستهلاك المعرفي السريع - أن تصوغ طريقتك الخاصة في الفهم والعيش والإنتاج
كيف تُستعاد الحرية؟ - عبر بناء ذات نقدية قادرة على التمييز لا فقط على التفاعل - عبر التضامن الثقافي بين من اختاروا طريقًا مختلفًا عن السائد - عبر إعادة ربط الحرية بالمسؤولية: نحو الذات، المجتمع، والبيئة الرقمية
في النهاية، الحرية ليست منتَجًا جاهزًا… إنها ممارسة يومية، قلق وجودي، وقرار لا يُتخذ مرة واحدة، بل يُصاغ بكل لحظة.
بيان فكري باسم جمعية بيت الثقافة البلجيكي العربي
#احمد_صالح_سلوم (هاشتاغ)
Ahmad_Saloum#
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لماذا يعادي ، الغرب الامريكي، ديمقراطية إيران!
-
إيران: ما لغز صمود الإرادة الشعبية في وجه الإرهاب الصهيوني و
...
-
حركة فلسطين حرة و تحولات موازين القوى العالمية
-
كشف الوجه الحقيقي لداعمي الكيان الصهيوني وعلاقتهم بشبكات الف
...
-
ما سر دعم قيادات واشنطن ولندن وبروكسل لاسرائيل ؟..المجلد الا
...
-
رحيل زياد الرحباني - العبقرية الشيوعية في الموسيقى والفكر
-
حول -منهج إيلان بابيه: كشف التطهير العرقي الصهيوني وعلاقته ب
...
-
ضرورة إلغاء اتفاقية ماستريخت في ضوء فشل الولايات المتحدة لاس
...
-
ضرورة إلغاء العقود الأوروبية مع شركات السلاح الأمريكية: مسؤو
...
-
اساطير الوحدة8200 لتدمير العقل العربي: الأسطورة الاولى : معج
...
-
محاكمة الحكومة البلجيكية: اتهامات بالتواطؤ في جرائم الحرب في
...
-
تطورات المجاعة كسلاح إبادة جماعية في غزة تقترفها النازية الص
...
-
رد على فيديو رزان الشوامرة حول الصين وعلاقتها بالصهيونية
-
لائحة الاتهام ضد بن غفير، نتنياهو، ترامب، والإنجيليين..المجل
...
-
الإبادة الجماعية عبر التاريخ: من الأرمن إلى سوريا وغزة بدعم
...
-
كيف نهضت الصين بالشيوعية وتخلف العرب بمعاداتها!
-
بتسلئيل سموتريتش: وجه الإبادة الجماعية ..المجلد الاول الجزء
...
-
رأي البانيز حول الابادة الجماعية بغزة وإمكانية إقامة محكمة ن
...
-
التجويع الأمريكي-الصهيوني في غزة: مقارنة بأوشفيتز وسياسات ال
...
-
لماذا تريد دولة أوروبية كبرى, أن تنتقم، من الولايات المتحدة
المزيد.....
-
بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ
...
-
صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
-
الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
-
لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي
...
-
بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع
...
-
صحف عالمية: إنزال المساعدات جوا مسرحية هزلية وماذا تبقّى من
...
-
محللون إسرائيليون: فشلنا بمعركة الرواية وتسونامي قد يجرفنا
-
فيديو يوثق اعتداء على فنان سوري.. قصوا شعره وكتبوا على وجهه
...
-
فيديو.. تفاصيل -انفجار- حفلة الفنان محمد رمضان
-
جواسيس ولغة.. كيف تعيد إسرائيل بناء -الثقافة المخابراتية-؟
المزيد.....
-
مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس
...
/ ريمة بن عيسى
-
يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط
...
/ السيد حافظ
-
. السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك
...
/ السيد حافظ
-
ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
/ ريتا عودة
-
رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع
/ رشيد عبد الرحمن النجاب
-
الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية
...
/ عبير خالد يحيي
-
قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي.
/ رياض الشرايطي
-
خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية (
...
/ عبير خالد يحيي
-
البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق
...
/ عبير خالد يحيي
-
منتصر السعيد المنسي
/ بشير الحامدي
المزيد.....
|