أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيع نعيم مهدي - ساعة مع الحجاج بن يوسف














المزيد.....

ساعة مع الحجاج بن يوسف


ربيع نعيم مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 8421 - 2025 / 8 / 1 - 18:47
المحور: الادب والفن
    


"1"
في أحدى غُرف قصر واسط، جلس الحجاج بن يوسف الثقفي على كرسيه يستمع لأصواتٍ لا زال صداها يتردد في أرض السواد، ذلك الصدى الذي لم يهدأ إلا عندما دخلت جاريته ريحانة، وهي تحمل على كتفها سجادة حمراء بلون الدم، لتتوقف في مواجهته قبل ان تتركها لتفترش الأرض حتى وصل طرفها الآخر عند أقدامه، وكأنها طريقٌ نحو القيامة.
- لقد أنهيتها...
- وهل كتبتِ كل الأسماء؟
- أنظر بعينك وتأكد إن كُنتُ نسيت أحدهم؟
نهض الحجاج سائراً على السجادة يدقق النظر في الأسماء التي نُسجت فيها.
- ما أجملها.. أسماء هؤلاء لا تليق إلا بمكانٍ كهذا.. تحت قدمي..
- وهل كان بمقدور الأسماء ان تختار مكانها؟
- ربما...
- قل لي يا ابن يوسف.. أتشعر بثقلهم تحت قدميك؟... أم أن السجادة لا تشكو؟
ظل الحجاج يسير بخطواته على الأسماء، وأجاب دون أن يلتفت الى ريحانة
- إن صدقتُكِ القول.. فسأخبرك بأنني لا أشعر إلا بنشوة يصعُبُ وصفها، ففي كل شبر منها حكاية، كنت الغالب فيها..
- ألا تشعر بالندم على قتلهم؟
- ولِماذا؟..
كانت ريحانة تتأمل في وجه الحجاج وهو يخطو على السجادة، قبل ان يتوقف في منتصفها، يستذكر وقفته على منبر الكوفة.
- أتعلمين.. انني شعرت بالرعب في أول مواجهة معهم؟.. لكنه زال عندما رأيت في وجوههم خوفاً تتستر فيه النقمة.. فأردت تنبيههم الى عاقبة المواجهة.. وصرخت بأعلى صوتي ليسمعني الجميع (إني لأرى رؤوساً قد أينعت وحان أوان قطافها)...
توقف للحظة وهو يحاول ان يجد كلمات تستطيع التعبير عن اشمئزازه من ضحاياه
- هؤلاء كانوا مجرد حمقى... لم يدركوا ان السلطة تتغذى بالدم كي تحيا... لم يعرفوا ان قتلي لهم كان صلاةً في محراب الخليفة.... كان بإمكانهم النجاة من سيف جلادي لو أنهم لاذوا بالطاعة لأمر بني أُميّة..
"2"
كانت ريحانة تراقب الحجاج وهو يبحث في الأسماء المنسوجة على السجادة، حتى وضع قدمه على اسم عبد الرحمن بن الأشعث
- هذا الأحمق مثلاً.. خان البيعة، وتمرّد على الخلافة، وعندما سألته عما دفعه الى ذلك أجاب بكل وقاحة، بأنه سئم من كونه فرداً في قطيع من الجند.. كان يتحدث عن الحُكم وكأنه بوق للفتنة، لم يكن يعلم ان الخوف أساس الُملك..
- والعدل؟.. (سألت ريحانة)
- ذلك مجرد وهمٍ يردده من لا يعرف شيئاً عن الحكم.. مثل هذا (وأشار الحجاج بإصبعه الى اسم سعيد بن جبير)، تبِع ابن الأشعث في تمرده، وأوقد نيران الفتنة، وتحدث للناس عن ضرورة فهم القرآن..
- وما الضير في ذلك؟
نظر الحجاج بتعجب نحو ريحانة قبل أن يجيب
- لو فهِم الناس ما في كتاب الله لأدركوا ان الخوف بابٌ من أبواب الشِرك.. تخيلي لو أنهم نزعوا الخوف من قلوبهم.. فما الذي سيتبقى للسلطة من قوة؟.. كيف سنزرع الطاعة في صدورهم؟!... كلمات ابن جبير كانت فتنة، وهي التي أوصلته الى مصرعه على يدي..
- لكن كلمات ابن جبير بَقيَت حيّة في أذهان الناس
- ربما.. وإن حملها أحدهم في رأسه فسيف الجلاد ينتظر سماع صوتها ليمحوها بيُسر...
"3"
حاولت ريحانة ان تعرف الجرم الذي ارتكبه أصحاب هذه الأسماء فأشارت نحو أحدها
- أخبرني عن هذا.. ماذا فعل ليُقتل؟
- الكميل بن زياد.. كان شاعراً حالم، أحب علي بن أبي طالب وشايعه، لا زلت أذكر قوله (أنا والقصيدة والدم، إخوةٌ في قيد واحد)، أتعلمين ان قصائده كانت أشد خطراً من ثورة ابن الأشعث؟.... لأنها كانت سيوفاً تتستر بالكلمات.. فقتلته كي لا يُقتلني بالشعر الذي ينساب على لسانه كالسهم..
- وهذا؟
- لست أذكره..
- وهذا؟.. أنسيته أيضاً؟
- نعم.. لكنه بالتأكيد قد فعل شيئاً يجعله مستحقاً للقتل..
- وهذه؟.... ليلى؟... ماذا فعلت لتُقتل؟
- ليلى؟.... تذكرتها... تلك فتاة ماتت بخطأ غير مقصود... قُتلت في زحمة الجند وهم يعبرون في إحدى شوارع البصرة
"4"
شعر الحجاج بالانزعاج من أسألة ريحانة، فالكثير من الأسماء صارت بحكم المجهول بالنسبة له، هم ضحاياه لكن ذاكرته لم تحتفظ بشيء عنهم، وفجأة توقف عند إحدى زوايا السجادة، يتأمل شكلًا منقوطًا يشبه الكعبة
- أهذا بيت الله؟
- نعم... هل نسيت أمرك بضربه بالمنجنيق حتى تهدم؟
- لكني أعدت بنائه من جديد
- فعلت ما لم يستطع فعله أبرهة الحبشي
- كنت أريد حماياتها ممن دنس حرمتها ونازع الخليفة ردائه.. ابن الزبير جعل منها حصناً يلوذ به، وكأنه يقول: (ان الله معي)
- وأنت؟ (سألت ريحانة)
- لا أدري.. لكنه ربما كان معي..... (ثم أكمل وكأنه يهذي).. كانت حرباً وبيت الله يعترض طريق النصر، ورسائل الخليفة تستعجل القضاء على الفتنة، لم أكن أحارب الله بل حاربت عدواً تستر بالحرم.. وهذا يكفي
"5"
وقفت ريحانة عند طرف السجادة فيما كان الحجاج يحاول أن يمحو الأسماء بقدميه بلا جدوى، فجثى على ركبتيه وتلمس بيديه كل الأسماء لعلها تنطق بالصفح عما فعل، وأكمل هذيانه:
- أتعلمون انني لولاكم لما كنت أنا.. ولكنني كنت صاحب فضلٍ عليكم.. فأنا من جعلتكم شهداء.. وتطوعت لأحمل وزر قتلكم يوم القيامة بين يدي الله... الله..... الله الذي أبحث عن وسيلة للهرب من مواجهته أو مكانٍ يعصمني من حسابه...
- ألا زِلت تخشاه...
- وكيف لا.. فأنا عبد وإن تبرقعت برداء الكِبَر والسلطة
- كنت أتمنى أن أكتب اسمك معهم
- وأنا أيضاً تمنيت ذلك... لكن هذا مستحيل



#ربيع_نعيم_مهدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عند قبر الحلاج
- ذاكرة التل (الإيشان)
- على هامش أوراق التحقيق
- ثلاثُ سبعٍ عجاف
- خطابٌ أموي بلسان علَويّ
- نوري المالكي والوزير ابن بقية
- مجرد مدينتين
- أمالي عبد الحميد مصطفى - 3-
- جناية العمامة
- أمالي عبد الحميد مصطفى - 2-
- أمالي عبد الحميد مصطفى
- أسماء الرئيس الحسنى
- الجريمة المنظمة في صدر الاسلام – 2 -
- الجريمة المنظمة في صدر الاسلام - 1 -
- دكانة الشطري - شيخ الوراقين
- تشرين
- اقتصاديات الجنس
- رسالة في أخبار الجنّ عند العرب
- من غرائب الأخبار في تاريخ العرب
- دكانة الشطري – 6 -


المزيد.....




- بعد زيارة ويتكوف.. هل تدير واشنطن أزمة الجوع أم الرواية في غ ...
- صدور العدد (26) من مجلة شرمولا الأدبية
- الفيلم السعودي -الزرفة-.. الكوميديا التي غادرت جوهرها
- لحظة الانفجار ومقتل شخص خلال حفل محمد رمضان والفنان المصري ي ...
- بعد اتهامات نائب برلماني للفنان التونسي بالتطبيع.. فتحي بن ع ...
- صحف عالمية: إنزال المساعدات جوا مسرحية هزلية وماذا تبقّى من ...
- محللون إسرائيليون: فشلنا بمعركة الرواية وتسونامي قد يجرفنا
- فيديو يوثق اعتداء على فنان سوري.. قصوا شعره وكتبوا على وجهه ...
- فيديو.. تفاصيل -انفجار- حفلة الفنان محمد رمضان
- جواسيس ولغة.. كيف تعيد إسرائيل بناء -الثقافة المخابراتية-؟


المزيد.....

- مسرحة التراث في التجارب المسرحية العربية - قراءة في مسرح الس ... / ريمة بن عيسى
- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيع نعيم مهدي - ساعة مع الحجاج بن يوسف