أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيع نعيم مهدي - أمالي عبد الحميد مصطفى















المزيد.....

أمالي عبد الحميد مصطفى


ربيع نعيم مهدي

الحوار المتمدن-العدد: 7109 - 2021 / 12 / 17 - 03:22
المحور: الادب والفن
    


"1"
أيامٌ مضت، وأنا أتجول في دروب القاهرة وأزقتها التي جعلت من المدينة متحفاً للفن وسجلاً للتاريخ، تارةً أقفُ عند مسجدٍ يردد صدى مناجاة الساجدين، وتارة أمرُ على دُكانٍ يبيع بضاعته بنكهةٍ من الماضي، وتارة أخرى تقودني الخطى للجلوس في مقهى، لعلي أجد بعض الراحة من التجوال، لكن الأماكن لا تهدأ، فكل معالم المدينة تتحدث لزائريها بموّدة، تخبرهم عن الذين تركوا أثارهم على طرقاتها وتمنحك وعداً بأنها ستخبر القادمين في المستقبل عنك.
"2"
صدفة، تلك التي قادتني الى مدرسة في منطقة الجيزة، "مدرسة السعيدية" أو "مدرسة تحسين الخط العربي"، تجولت في ممراتها الهادئة وانا أفكر في جدوى تعليم الخط في عالمٍ تجاوز بمفرداته التقنية حدود الرقم، وتحولت فيه مسكة القلم الى كبسة زرّ.
فجأة.. توقفت دون ان أدري عند إحدى النوافذ، مُعَلمٌ يرشد تلاميذه الى أفضل الاساليب لمغازلة الورق، لأن الحرف وسيلة تختزل المعنى وجمال الكلمة، حال الرجل مع القلم والورقة كحال "الدرويش"، كلاهما عاشق ولعشقهم طقس متخم بأسرار المعلمين.
تسمرت في مكاني لأستمع الى درس الأستاذ الذي يبدو ان وقوفي لم يكن بعيداً عن ناظريه، فأشار لي ان اقترب وخذ مكانك بين الآخرين، وهنا سارعت الى إخراج عُدّتي وبدأت بتوثيق ما أملاه عليّنا الأستاذ عبد الحميد مصطفى.
"3"
" الحرف فن، وله أسبقية على الفن ذاته" هذه قاعدة لا جدال فيها لأسباب عديدة، أولها ان الحرف رفيقٌ في وجوده للكيان الانساني، وهو يكتسب قيمة فلسفية فنية، لها مظاهر تشكيلية، وهي في ذات الوقت – أيّ القيمة - تمتزج مع مفاهيم التراث لتُشكل لنا معالم الحضارة.
فقيمة الحرف والخط عند العرب ترتكز على إدراكه كتكوين أولاً، وحالة جمالية ثانياً، بعكس الغرب الذي كان أكثر إدراكاً لقيمة الخط العربي من الناحية التشكيلية، وإذا قلنا الصدق، هناك القليل من عَرِف القيمة التي نتحدث عنها، منهم الفنان صلاح طاهر والذي قام برسم لوحاتٍ قاربت في عددها المائتين، فقط باستخدام حرفين هما: "الهاء" و"الواو"، ومنهم أيضاً جماعة "الحروفيون" وهي جماعة فنية كانت أهدافها محددة باستخراج جماليات الحرف وأسراره، وجميع من ذكرنا استخدموا الحرف والخط لإنشاء عمل تشكيلي مستقل بذاته، أي انه موضوع ووسيط قادر على حمل ذات القيم الجمالية لباقي موضوعات الفن ووسائطه.
"4"
وهنا نقطة يجب ان نقف عندها قبل ان نكمل حديثنا، وهي ان العرب بالرغم استخدامهم للحرف والخط كوسيلة لنقل المعرفة إلا انهم ايضاً وظفوه جمالياً، فعندما نتأمل في المعالم والآثار الاسلامية سنشاهد بوضوح ان الخط كان وسيلة التزيين للعمارة الاسلامية، وإذا عدنا بالتاريخ الى زمن المسلمين الأوائل سندرك ان للخط أبعاداً فلسفية ومعرفية عند العرب، فعندما تم تدوين المصحف الأم والمصاحف التي تم توزيعها على أمصار العالم الاسلامي في عهد عثمان بن عفان "رض" سنلاحظ ان الكَتَبة – أي النُساخ – لم يكونوا من عامة الناس، بل كانوا من أمهر الموجودين في الكتابة، نعم.. هم ليسوا من الخطاطين لكنهم كانوا على معرفة ودراية عالية بالخط، ولم تكن حدود معرفتهم مقتصرة على القراءة والكتابة فقط، بل كانوا من العارفين بعلم الكتابة، وإذا دققنا النظر في حال المسلمين والصحابة في ذلك الوقت سنرى بوضوح وجود عدد كبير من الصحابة العارفين بعلوم العرب والمسلمين بالتحديد، وقد تكون لهم الافضلية على غيرهم، لكن الاختصاص بعلم الكتابة له أهله. وهذا ما دفع الرسول "ص" بعد معركة بدر الى رفض الفدية من الأسرى وطلب في المقابل تعليم عشرة مسلمين فنون القراءة والكتابة، وما كان يقصده الرسول "ص" حينها بالكتابة هو الاسلوب الصحيح لرسم الحرف وليس التدوين فقط، بمعنى ان الرسول "ص" كان يسعى لصناعة بُنيّة للحفاظ على الحرف والتراث المعرفي للعرب، والذي يرتكز على اللغة باعتبارها وسيط ناقل، وبالتالي يحتاج هذا الوسيط الى قوانين تحدد معالمه، وهذه القوانين تتفرع الى قواعد لغوية وقواعد للكتابة، وكلاهما يُكمّل أحدهما الآخر – أي انهما أشبه بجناحي الطائر في وظيفتهما فإن كُسر واحد اصاب الثاني الخلل–.
"5"
ان قواعد الكتابة التي نتحدث عنها هنا لم توجد من العدم، بل هي في الحقيقة خلاصة للعمليات والمحاولات العربية لتطوير وتنميق الحرف، بمعنى ان عملية التقنين اتخذت مراحل عدة، ساهمت فيها كل مرحلة بجانب معيّن في تحقيق التكوين والتطوير بما يتلاءم مع متطلبات العصر، فالحرف الكوفي على سبيل المثال تطور في الكوفة، لكن وجوده سابق على إنشاء مدينة الكوفة ذاتها، وكان معروفاً ومستخدماً في شبه الجزيرة العربية، وكان أحد الخطوط المستخدمة في كتابة الوحي المبارك، وبالتالي نستنتج ان كتابة المصحف بالخط الكوفي كانت خاضعة لقواعد وقوانين يعرفها أهل العلم.
وهذه القواعد تحتفظ بفاعليتها في كل زمان، ففي عصرنا دخلت الآلة وتقنياتها الى أغلب مجالات الحياة، ووفرت للإنسان تسهيلات لا يمكن إنكارها، لكنها في ذات الوقت لا تستطيع ان تنتج الفعل البشري في الكتابة، فالآلة بمفهومها المجرّد هي وسيلة، وإن اختلفت أشكالها، تمتلك القدرة على الانتاج لكنها تعجز عن الابداع، وهذه الخاصية فعل انساني صرف. ومن جانب آخر ، وهو ما أراه مهم جداً، ان الآلة وتقنياتها لا يمكنها صناعة القيمة، سواء أكانت هذه القيمة جمالية أو معرفية لأن القيمة مدرك مرتبط بالنشاط العقلي والروحي للإنسان.
"6"
نحن نمسك بالقلم لأنه آلة تمكنا من تطويعها في رسم الحرف، وكذلك الحال يجب ان يصبح مع غيره من الآلات ذات التقنية – الرقمية بالتحديد – إذ يجب تطويعها في رسم الحرف لكي لا يفقد الخط هويته وقيمته الجمالية، والتي لن تتحقق إلا بوجود لمسة يد الخطاط ذاته.
وهنا يمكننا التوقف للنظر مسألة بسيطة لكنها مهمة، وهي: إذا كانت اليد وسيلة كالآلة، فهل يمكن تطويعها وتمكينها لصنع عملٍ فني ذا قيمة معرفية وجمالية؟. بمعنى هل يمكن تعليم الفنون؟، والإجابة بالتأكيد، نعم.. فكل إنسانٍ قادر على التعلم، في أي مكان، وفي أي زمان.
أما الموهبة، والتي يرجحها البعض على حساب التعليم، فهي في الحقيقة شيء يختلف في معناه عما هو شائع بين الناس، فلو أعدنا الكلمة الى جذورها اللغوية سنجد ان الموهبة في أساسها هبة، وهي العطاء والعطية من الخالق سبحانه لمن أحب وتميّز أخلص في طلبه للعلم.

وهنا أنتهى درس الاستاذ لطلاب علمه، لكن في داخلي رغبة في ان يكون لي حضور آخر لعلي أستزيد من المعرفة.



#ربيع_نعيم_مهدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين
حوار مع الكاتبة السودانية شادية عبد المنعم حول الصراع المسلح في السودان وتاثيراته على حياة الجماهير، اجرت الحوار: بيان بدل


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أسماء الرئيس الحسنى
- الجريمة المنظمة في صدر الاسلام – 2 -
- الجريمة المنظمة في صدر الاسلام - 1 -
- دكانة الشطري - شيخ الوراقين
- تشرين
- اقتصاديات الجنس
- رسالة في أخبار الجنّ عند العرب
- من غرائب الأخبار في تاريخ العرب
- دكانة الشطري – 6 -
- شامٌ بلا بعضِ الشام
- البغاء الرقمي
- بتكوين لله
- يجب ان يرحل!!
- بين العجم والروم..
- خطوة تبحث عن ثقة
- أزمة الشعارات
- دكانة الشطري -5-
- دكانة الشطري -4-
- دكانة الشطري -3-
- الكاظمي في فخ امريكا


المزيد.....




- فنانة مصرية شهيرة: سعاد حسني لم تنتحر (فيديو)
- وفاة المخرج ميشائيل فيرهوفن وساسة ألمانيا يشيدون بأعماله الف ...
- -الماتريكس 5-.. حكاية المصفوفة التي قلبت موازين سينما الخيال ...
- -باهبل مكة-.. سيرة مكة روائيا في حكايات عائلة السردار
- فنان خليجي شهير يتعرض لجلطة في الدماغ
- مقدّمة في فلسفة البلاغة عند العرب
- إعلام إسرائيلي: حماس منتصرة بمعركة الرواية وتحرك لمنع أوامر ...
- مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 157 مترجمة بجودة عالية فيديو لاروز ...
- الكشف عن المجلد الأول لـ-تاريخ روسيا-
- اللوحة -المفقودة- لغوستاف كليمت تباع بـ 30 مليون يورو


المزيد.....

- صغار لكن.. / سليمان جبران
- لا ميّةُ العراق / نزار ماضي
- تمائم الحياة-من ملكوت الطب النفسي / لمى محمد
- علي السوري -الحب بالأزرق- / لمى محمد
- صلاح عمر العلي: تراويح المراجعة وامتحانات اليقين (7 حلقات وإ ... / عبد الحسين شعبان
- غابة ـ قصص قصيرة جدا / حسين جداونه
- اسبوع الآلام "عشر روايات قصار / محمود شاهين
- أهمية مرحلة الاكتشاف في عملية الاخراج المسرحي / بدري حسون فريد
- أعلام سيريالية: بانوراما وعرض للأعمال الرئيسية للفنان والكات ... / عبدالرؤوف بطيخ
- مسرحية الكراسي وجلجامش: العبث بين الجلالة والسخرية / علي ماجد شبو


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ربيع نعيم مهدي - أمالي عبد الحميد مصطفى