أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عطية شناوة - أنا وشقيقي زياد














المزيد.....

أنا وشقيقي زياد


عبدالله عطية شناوة
كاتب صحفي وإذاعي


الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 22:13
المحور: الادب والفن
    


ولد بعد ولادتي بنحو ثلاث سنوات، في عائلة سطع نجمها فنياً في كل أنحاء العالم العربي، بينما العائلة الفقيرة التي ولدت فيها، كانت مغمورة تماما، نزحت من مناطق الفرات الأوسط إلى بغداد. ولأني تغذيت على حليب أمه الفني الذي تكرمت به على أجيال عديدة، ترسخت لدي مشاعر وطيدة بانها أم لي، خاصة واني قد حرمت من مشاهدة أمي البيولوجية، وأنه اخي الشقيق، رغم اختلاف مكان ولادتنا، حيث ولدت في بغداد، وولدته ، أمه بالضرورة، وأمي بالأختيار، في بيروت.
لم التقه يوما، ولا حضرت أي من نشاطاته الفنية المتنوعة، لكنني احسست دوما انه قريب مني، وأن بيننا شبها، كما بيننا تباينات لكن جوهرنا واحد، وهمنا واحد، مع اختلاف المسارات التي نمّت في كلينا هذا الجوهر.
كان عليه ان يقترب من خيارات اخرى، قبل ان يجد طريقه إلى المسار الذي يجمعنا. مال أولا إلى حزب الكتائب اليميني ذو النزعة الفاشية، بينما حصنني شقيقي الأكبر من مثل هذا الميل، وفتح وعيي باكرا على المسار الذي تعرف اليه زياد لاحقا، وسار فيه متمردا على البيئة. ولم يخل خياري الذي ورثته من شقيقي من التمرد، على بيئة التخلف.
عاش زياد هامشا من الحرية لم يتوفر لي اي نزر منه، ففيما كان هو في سن الثالثة عشر يداعب أوتار البيانو ، ليجرب أولى مراحل الانطلاق الفني المبكر، كنت في مثل سنه اجبر مقيّد اليدين، من محقق أمني، على صعود طاولة تحت مروحة سقفية لأربط فيها، وتسحب من تحتي الطاولة، وتشغّل المروحة لتدور ، ويدور معها جسدي النحيل، رويدا رويدا في البدء، ثم تبدأ في التسارع، وأغمض عيني لأتفادى النظر إلى جدران الغرفة وهي تدور، لكن ألم الكتفين يجبرني على فتح عيني مجددا، وأظلّ أدور والجدران تدور والرأس يدور ، ويسود الفراغ فأنغمر فيه، وأفيق بعد زمن لا يمكن تقديرة على دبيب حشرات لا أتبين جنسها، قريب من عيني وأعجز عن تحريك ذراعي لإزاحتها.
وبعد أُيام من جلسات مماثلة، بعضها أقسى، أنقل من مسلخ مديرية "الأمن" العامة إلى معتقل الفضيلية، معتقل لا تعذيب فيه، بل تسوده حياة أقرب ما تكون إلى معسكر أو مخيم ثقافي يديره المعتقلون أنفسهم، ندوات ومحاضرات في الاقتصاد والتأريخ السياسي والفلسفة، أماس قصصية وقراءات شعرية، نشاطات رياضية، مسابقات شطرنجية - فزت بإحداها - دورات تعليمية للغتين الأنغليزية والروسية. وغيرها كثير، لكن الأكثر إمتاعا كان في ليلة الأربعاء من كل أسبوع حيث أشارك آخرين في التسمّر إلى جانب جهاز المذياع الكبير للأستماع إلى ساعة من إذاعة الكويت مخصصة لصوت أمي وأم زياد، لتطير بي على أجنحة من خيال وهي تشدو:
"أمي نامت ع بكير
وسكّر بيي البوابي
وآنا هربت من الشباك
وجيت لعيد العزابي".
في غضون سنتي الإقامة في ذلك المعتقل "المخيم الثقافي" أبحرت في ما لا أتذكر عدده من الكتب في مختلف المجالات، أمر بني خياري، وهو خيار شقيقي زياد اللاحق، على أسس وقواعد متينة.
لكن زياد احتاج إلى بضع سنوات إضافية للتعرف إلى خيارنا المشترك الذي ساهمت في دفعنا اليه امنا فيروز، عبر مثل المحبة والمساواة والسلام، والعدل والدفاع عن كرامة الأنسان، التي ضختها الينا والى الآخرين بما ضخته من إبداع وجمال.
وازددت فخرا بزياد وبأمّنا حين تناهى إلى علمي ان زياد قد اختار ذات المسار.
انهيار التجربة الإشتراكية في شرق أوربا، بعد سبعين عاما من انطلاقها - خاصة وأن ذلك الأنهيار قد وقع وانا في موسكو، قلب تلك التجربة وقلعتها - شوش رؤيتي قليلا، وجعلني لوقت ما أتوهم، بأن الديمقراطية، بما هي تعبير عن النزوع الأنساني إلى المساواة والعدل ، ربما تكون هي الطريق للوصول إلى خيارنا الإشتراكي.
لكن الصحوة التدريجية من ذلك الوهم، جعلتني أعود إلى منطلقاتي الأولى، وتملكني فخر شديد بشقيقي زياد الذي لم تتشوش رؤيته، وحصن نفسه من الأوهام التي كان أولى مني بالوقوع فيها، لاختلاف الظروف وطرق المعيشة والمؤثرات.
لكنه كان أوعى مني ليس في هذا الجانب فقط، بل كذلك في موقفه من المقاومة وقائدها الشهيد الذي أخطأت لوقت ما في الموقف منه.
شقيقي زياد ثبت على الموقف الصحيح ولم يتزحزح، واحترمه لذلك حتى مناهضي خيارنا المشترك، رغم شدة وضوحه، وصراحته.
زياد علمني الكثير كما علمتني امنا، فيروزة هذا الزمان وكل زمان.



#عبدالله_عطية_شناوة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لا وقت للعتاب!
- مَن يحرر العراق المحتل؟
- العنصرية البيضاء وآلية استبدال العدو
- نظرة إلى الماضي لقراءة الحاضر
- إيران حاربت من أجل غزة أم من أجل نفسها؟
- اليهود أخوتنا في الأنسانية
- ملاحظات متعجلة عن الحرب على إيران
- حكومات السويد، فرنسا وألمانيا تخون رعاياها
- رسالة عاجلة إلى جمهور الرياضة العراقي
- -الأمة العربية- موت نهائي أم وفاة سريرية؟
- القتل كهواية أو التمتع بالقتل
- خففوا عن أنفسكم يرحمكم الله
- ألا بِئس المُهان وبِس المُهين!
- مالذي يحدث على الساحة الدولية؟
- طهارة الشبيبة وقذارة السياسيين
- أوربا هي الأصل
- حضروا الأغلال لأعناقكم!
- قائد أنبل مسيرة أنسانية في التأريخ
- صدمتي المهولة في (( مجتمعي )) الجديد!
- متى يحول العراقيون اختلافهم الى رحمة؟


المزيد.....




- حماس: نرفض المسرحيات الهزلية التي تسمى عمليات الإنزال الجوي ...
- حكومة غزة: المجاعة تزداد شراسة وما يجري مسرحية هزلية
- موسيقى زياد الرحباني.. حين تتحول النغمات إلى منشور سياسي غاض ...
- تعازي الشيوعي العراقي للشيوعي اللبناني برحيل الفنان الكبير ز ...
- اختتام مسابقة الرواية حول الشهيد يحيى السنوار في مسقط
- في حرب السرد بين المقاومة والاحتلال. من يملك الرواية؟
- من بغداد إلى القاهرة.. دروس الروح الأدبية في منافسات الشعراء ...
- صدور (كوثرة متد حرجة) مجموعة قصصية للأديبة بلقيس خالدب
- فنان جزائري: أحاول بلوحاتي إنقاذ أرواح شهداء غزة من النسيان ...
- غابور ماتي يفضح -الصدمة المستمرة- في فلسطين وينتقد الصمت الغ ...


المزيد.....

- يوميات رجل مهزوم - عما يشبه الشعر - رواية شعرية مكثفة - ج1-ط ... / السيد حافظ
- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عبدالله عطية شناوة - أنا وشقيقي زياد