عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 8416 - 2025 / 7 / 27 - 15:01
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
"الحداثويون" المتحدرون من تيار "النهضة الزائفة" النقلية، وبالذات منهم "الايديلوجيون" القوميون، والليبراليون، والماركسيون، لايزالون موجودين كاحزاب وتجمعات بغض النظر عن ترديها ولافعاليتها، وفي بعض الاحيان اندماجها بالمشهد الحاصل الحثالي الطائفي والقبلي الريعي كما حال مايطلق عليه اسم الحزب الشيوعي العراقي، من دون اية بادرة او اشاره الى السياقات التي افضت الى ماهو حاصل وحال على الواقع العربي عموما، وبالاساس النظر الى التاريخ الحداثوي العربي، ذلك الذي يؤرخ مع النهضة الالية الاوربيه، وبداياتها بعد القرن السابع عشر، وماولدته من انعكاسات ببغاوية، اعتاشت على اشتراطات الانحطاطية الحالة على المنطقة ومتبقياتها منذ القرن الثالث عشر، مع سقوط عاصمة الدورة الثانية الامبراطورية الكبرى بغداد عام 1258.
والغريب ان مايعرف بالنهضة الكاذبة المتماهية مع الاخر، ظلت ترفع عنوانا عريضا يقول " لماذا تقدم الغرب وتخلفنا؟"، من دون اية نيه او بادرة تدل على رغبة لتجشم مغبة الاجابه، الامر الذي يثير الاستغراب، لابل التعجب مما كان غالبا وسائدا في حينه من نوع تفاعل مع التغيرات العالمية الطارئة وانعكاساتها، ما يفرض حكما التساؤل: كيف يجوز طرح سؤال كالذي ذكرناه من دون ان يجاب عنه في حينه، بينما تغلبت الميول للا تباع ولاعتماد المتاح والمتوفر من نموذجية وتفكر غربي جاهز، وصولا الى الصيغ النقلية الحرفيه الايديلوجية، وهو ماقد شمل الدول، ومفهوم "الوطنيه" بصيغتها الزائفة التي عمت المنطقة خلال القرن المنصرم وماتزال معتمده مفهوما، بغض النظر عن مخالفة المترتب عليها للكينونه البنيوية للمنطقة واليات تاريخها، ونوع تعبيريتها.
لم يحدث على الاطلاق ان تمخضت "الحداثوية" المستعارة عن اية محاولة للتعرف "الحداثي" على الذات التاريخيه، في حين عمت الافتراضية التاريخيه والطبقية المنقولة بحسب النموذجية الغربية الاوربية، مع الحرص على اسقاط كل "خصوصية"، وقد غدت من قبيل الجريمه علما بان الحديث يجري هنا عن موضع هو مركز البدئية المجتمعية والتبلور التاريخي المجتمعي النهري النيلي الرافديني على مستوى المعمورة، وهو المعترف به من قبل الغرب نفسه بغض النظر عن طريقتة في تشويهه من منطلق الابقاء عليه منطويا تحت وطاة المركزية الاوربية المفتعلة، والتي صارت مبررة اليوم بقوة مفعول الاله قبل وصولها الى بقية انحاء العالم وللمنطقة بالذات. فكان مايقرأ لهذه الجهه تحيزا لصالح طرف دخلته الاله مقابل اخر مايزال محكوما لماقبل، الى الطور اليدوي المنقضي، وهو ماقد ظل الغرب يكرسه من دون ان نسمع كمثال، عن رغبة من اي نوع لدى الاوربيين او بعضهم، تقول بان بداية الاله ومفعولها ليس نهاية، وان بقية اجزاء المعمورة مهيأة هي الاخرى لدخول هذا الطور من تاريخ المجتمعات، مع ما يمكن ان يرافق ذلك من متغيرات منتظرة حتما، ولابد من ان تحصل ضمن اجمالي عملية الانتقال الالي التاريخي، وان بديناميات مختلفه، تلك التي لم تكن قد اكتملت اسباب تحققها وقتها، بل بدات الخطوة الاولى من ولادتها في جزء بعينه من العالم قبل غيره، له مواصفاته وتكوينه البنيوي، وما يتوقع منهما من طريقة تفاعل مع الانقلابيه الحاصلة، بما في ذلك النزوع الى المصادرة الاقرب للتملكية الخاصة، باعتباران الاله وجدت اوربيه من قبيل الخصوصية، والاستثناء الذي لاتاريخ بعده او يترتب عليه.
فالغرب لم ينظر للحاصل في رحابه عالميا، سوى بمنطق الهيمنه والغلبة، مع التميز الموكول الى القوة والقدرة وماقد صار متاحا منها، ومثل هذا المنطلق لاشي يوصله بادعاء "العلموية" و "التقدميه" في حال اخذها بمنطق المستجد الحاصل، من منطلق المتغير الشامل على مستوى المعمورة، بوسائل مختلفة عن تلك التي اعتمدها الغرب بالهيمنه والقوة والاستعمار، تحت ذريعة مامعدود على انه " تقدم" ونموذجية من نوع " الديمقراطية التي تسمح لراسماليتها ودولتها باحتلال غيرها واستغلاله ونهبه"، والاهم الاخطر في التوهميه التي اعتمدها الغرب ابان بدايات الانقلاب الالي، هو الاحتمالية المجتمعية من زاوية مفعول وسيلة الانتاج، اليدوية الاولى، والمتوقع المفترض حلوله من هنا فصاعدا، وباي وجهة هو سائر بما يخص الحقيقة المجتمعية واحتمالات تبدلها نوعا.
وهنا يظهر مدى جهل الغرب الذي نعرفه بالحقيقة الالية وابعادها، وعجزه عن مواكبة ابعادها، وهو قصور اساس رافق الظاهرة الانقلابيه، ولم يكن هنالك فيما يمكن تحرية او الاستناد اليه وقتها، مامن شانه جعل العقل الغربي يتعدى نطاق " الالة المصنعية" ومامتولد عنها في حينه على اعتباره حقبة لاحقة على اليدوية، بلا احتمالية تشكلية تتغير بموجبها الاله وماينجم عنها، من نوع التكنولوجيا الانتاجية الحالة اليوم، او مايمكن ان يتبعها من طور تكنولوجي اعلى، مايجعل من النظر الى الانقلابيه الحاصلة مختلفة كليا، وفي حال تصير على مستوى الادراكية اللازمه، قد لايكون الغرب نفسه مهيئا تكوينيا للتعامل معه بمقتضاه، من دون استبعاد احتمالية ان يكون مثل هذا التفاعل الحي مضمرا، ومن الممكن ظهوره في مكان اخر، وفي مرحله اخرى من مراحل التشكلية الاليه، بما يجعل من الحدث مدار البحث غير مقصور على اوربا، لابل وبعيد عنها اذا اخذنا الامر من ناحية الاكتمال وتكشف الحقيقة التاريخيه المجتمعية التحولية الحالة على البشرية كافتتاح وقتها.
من ابسط مقتضيات النظر للانقلابيه الحاصلة مع الالة، اعتماد مبدا التحولية الانقلابيه المجتمعية لا الانتاجية الصرفة، فالطور اليدوي من تاريخ المجتمعيات لم يكن طورا دخلته وسيلته الانتاجية من خارجه، او وهو كامل التشكل، بل هو قد تشكل بها واستنادا لممكناتها كتجمع بشري ارضي وسيلته الانتاجية تحدد نوعه وطبيعته الحاجاتيه الجسدية المادية، فاذا غابت الوسيله فان البنيه المجتمعية لاتظل هي ذاتها نوعا، خصوصا مع الانتقال من حالة المجتمعية ( الكائن البشري + البيئة)، الى ( الكائن البشري + البيئة + الالة)، والاخيرة عنصر مختلف من نوع وطبيعة مغايرة للاولى، معها يستحيل تصور بقاء المجتمعية او استمرارها كما كانت بنيويا، وبصورة خاصة، ارضويا.
فالى اين تسير الظاهرة المجتمعية مع الاله؟ هنا نقع تحت طائلة احدى اخطر النقائص، واكبرها قصورا عقليا ابتدائيا، لايشمل الحداثيين الشرق متوسطيين العرب لوحدهم، فالقصور العقلي ازاء الظاهرة المجتمعية ومنطوياتها، وحركتها التفاعلية ومنتهياتها، نقيصة شامله، واقعه على العقل البشري في طوره الاول "الانسايواني" الانتقالي، مع ان مسؤولية وشكل تجلي هذا النقص في اصل ومنطلق البدئية المجتمعية في هذا الجزء من المعمورة، اشد وطاة، ويتعلق بالذاتيه الباقية بلا مقاربة، ومن دون كشف للنقاب، يتكرر الوقوع تحت ثقله الخطير اليوم متحولا الى مناسبة للتماهي مع الاخر قصورا وعجزا، باسم "النهضوية" الزائفة.
#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟