عبدالامير الركابي
الحوار المتمدن-العدد: 8412 - 2025 / 7 / 23 - 16:30
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
قال لي ابن ابنتي "نسيم" الرائع ـ الشغوف شغفا مذهلا وهو في السادسة من عمره ـ بالفضاء والمجموعة الشمسية بادق تفصيلاتها، وبالمجرات، قال فجاة: "جدو هل رايت كيف زالت حضارة الديناصورات؟" فكأنه جاء بالالهام الغائب الذي كنت ابحث عنه طويلا، ضمن محاولتي ايجاد مسرب للكائن البشري من وطاة الجسدية/ الديناصورية/ بما هي حالة فناء مقرر كونيا، بغض النظر عن الفارق بين الكائن البشري الناطق، حامل العقل بصيغته الاولية الابتدائية، واجمالي تكوينه الجسدي الارضوي الغالب، ومترتباته من زاوية فرضية الفنائية او عدمها، واذا كانت حتمية وشرطا شاملا للكائنات الحية، بغض النظر عن تدرجات انواعها.
وماقد اثار دهشتي ان "نسيم" وضع لي فلما على تلفونه، عنوانه "ماالذي سيحدث في المستقبل؟" وهو تعداد لمراحل التطور المنتظر بالتفاصيل، من نوع غلبة المعدات الافتراضية الايهاميه مع عام 2050 ،وقت يصير الكائن البشري قادرا باستعماله وسائل مبتكرة لان يرى مايتخيله،الى ان يصل الامر لحد امكانية وضع عدسه مساعده على العين مباشرة، تخلصها من الالة، وتساعد على جعلها هي بذاتها اداة خلق عوالم مفترضة، في عام 2061 سوف يمر بنا مذنب هالي، وهذا ليس من قبيل الخطوات التي يمكن عدها ضمن التطورات المتوقعه، الى 2100 حين يسيطر الذكاء الاصطناعي وتنقلب الحياة تماما، سواء من ناحية العمل ومن يضطلع به، او بما يخص الادارة والوظيفة، مايولد اشكالا خطيرا وجوهريا بخصوص الشغل ودور الكائن البشري فيه، وصولا الى مامن الطبيعي وقوعه من تازم ناجم عن البطالة المعممة، الاهم من ذلك ان الفيلم يتعرض لهذه الناحية متوقعا حصول انتفاضات بشرية ضد مزاحمة الروبوتات، تواجه، وهذا الاهم في المعروض، بقوات آليه من الروبوتات القمعية، مالابد ان يثير الخيال البشري، تصورا لنوع وطبيعة الحياة البشرية في حينه، مع مترتبات انقلاب في الوظائف الكائن البشري مقذوف خارجها، ومتصاغر قياسا لها ولحكمها القاهر، مع تحول الذكاء الطاريْ الى وسيلة لتكريس السلطه، مع ان الفيلم لايتطرق لهذه الناحية، ولا يقول لنا من الذي سيكون سائدا ومتغلبا وقتهان وبناء على اية سياقات مستجده، مع ان الاصل والمحرك فيها هو الكائن البشري نفسه، مع اجمالي ماضيه التسلطي التمايزي المتجدد.
لست اعرف كيف ومن اين جاء من قرروا وضع الفيلم المذكور، بمثل هذة التوقيتات، بالاخص منها تلك غير الطبيعية، مثل تاريخ 2200 حين يحل التطور الهائل في المجالات كافة كما تدل الصور امامنا، ونحن نرى السيارات الطائرة، لا يلبث ان تتبعها عام 2300 موجه من الزلازل المدمرة، مع انفجارات وفيضانات وبراكين هائلة، بما يضفي على المشهد نوعا من التناقضية، كانما الاصطراعية، فالفعل البشري ومسعاه الى التطور، يبدو مؤطرا كانما بردود فعل طبيعية معاكسة، ان لم تكن مضادة ساحقه، تنتهي عام 2744 بانتهاء المجال المغناطيسي الارضي، يتبعه عام 2880 اصدام مذنب جديد بالارض، من شاكله ذلك الذي اصطدم بها، وادى الى انتهاء وجود الديناصورات.
المهم في الفيلم انه يقول بان الحياة تعود من جديد ومرة اخرى عام 3،000، بمعنى عودة ظهور كائن اخر غير الكائن البشري الحالي، وكاننا امام حالة تعاقب مخلوقات كتب عليها ان توجد لتفنى، ابتداء من الديناصورات، الى الكائن البشري الحالي، الى مالانعرف حتى الان من سيكون وماهي مواصفاته، وكاننا امام لوحة عدميه من تعاقب المخلوقات الحية، تنتهي مع انتهاء اصلها وموطنها وسبب وجودها، الارض نفسها، والمجموعه الشمسية التي تنتمي لها، وكل هذا مع مايتولد عنه من الحيرة التي تجلل محيا نسيم العميق الاحاسيس المضطرب، والحائر امام مسالة كبرى، المفترض ان مثله ومن في عمره بعيد عن عوالمها، وماتتطلبة من ربط منطقي وسببي معلل بالاختبار والتجربة.
وجدت نفسي دون قصد مني، ولانني مولع بهذا الكائن غير العادي، ماخوذا بالبحث عن تبرير قد يساعد في اخراج الحالة من المازق التدميري المكتوب لها، فقفزت منطلقة مني بلا ارادة، كلمات من نوع "اظن انه يجب ان يتحرر"، انتبه نسيم لما قلت واقترب مني متسائلا بعينيه المعبرتين كانه يقول " فسّر"، فتوقفت مترددا وخائفا من ان افشل في شرح ماقد خطر لي بخصوص المراحليه الخلقية التي استقيتها من المسار المتغير للمخلوقات، والتعاقب المفضي الى الكائن البشري، محل الديناصورات، وكأنما الكائن الاول غير مؤهل ولاضرورة لوجوده، قياسا لنوع الكائن المقرر ان ياتي بعده، بالذات على مستوى الازدواج " الجسدو/ عقلي" للثاني، مقابل "الجسدي " الصرف للاول، مايعني دخول عنصر ثالث للمشهد، مع ممكناته، وان تكن غير معاينه ابتداء، مع انهاغير خاضعه، اوبالامكان اخضاعها كليا لمزاج الطبيعة وكوارثيتها الافنائية.
يختلف الكائن البشري عن الديناصور بكونه محكوم لديناميات تشكلية ترقوية، وهو يبدا حيوانا مثل الديناصور، العقل ضمنه ابتداء غير ظاهر، واقع تحت وطاة الغلبة الجسدية الكاسحه، لكنه ينتقل لاحقا الى الانتصاب على قائمتين والنطق، وظهور العقل وان بصيغته الاولى وهو مالا يعرفه الديناصور، باعتباره تجربة اختبارية اولى ناقصة فاشله، علما بان الكائن البشري يوجد ويظل حتى بعد ظهور العقل، اقرب الى الاحادية الحيوانيه، يعاني من وطاتها الغامرة بسبب القصور الادراكي العقلي من جهه، ووطاة نوع الانتاجية المهيمنه على حياته الحاجاتيه الجسدية يدويا، مايظل يعزز الوعي والمنظور الارضوي الجسدي على مدى قرون طويله.
امتدحني نسيم وهو يقول "جدو انت تقول اشياء جميله "، كنت اعرف انه ربما يحسها، لكنه من الصعب ان يدركها مع انه كان يبتسم وعينيه تلتمعان ذكاء، فقلت له "جدو ليس ماقلته هو الاهم"، ولحظتها عدت الى محاولة التبسيط الاقصى التي اعرف انها غير مفيده تماما، مع انها مع نسيم بالذات ستكون بمعنى ما مفرحة، وبناء عليه جازفت بالقول" الكائن البشري يصير موجودا حين يتحرر من وطاة الطبيعه"، وكنت موقنا بان هذا هو المخرج الذي لم يكن الديناصور يملكه، فالكائنات الحية هي موضوعات مرهونه وخاضعه للارض وتطورها وتقلباتها بما هي موضوعات من دون ذاتيه ولا فعالية ارادية للطرف الحي، من طبيعة اخرى مختلفه، الامر الذي لابد لاجل تحققه من ان تاتي لحظة من الحياة، يمتلك فيها الكائن الحي البشري القدرة على ادراك اللاارضوية كظاهرة مواكبه لبدايات تبلور الظاهرة المجتمعية، ومايتصل بها من ضرورة الانتقال العقلي نحو عالم اخر مستقل عن الجسدية، الامر الذي لابد من تركيز فعل العقل عليه، بدل الحال القصوري الراهن المستمر، الواقع تحت وطاة الارضوية وفعل نوعها الافرادي، الغالب بقوة مفعول الانتاجية اليدوية، بالاخص بعد ان بدات تتوفر الاسباب المادية للانقلاب العقلي، مع التكنولوجيا العليا، الضرورية لنقل الكائن البشري من الانتاجية اليدوية وشروطها، الى العقلية، حين نتعرف ساعتها على ذاتية الكائن المستقلة المتحررة من هيمنه الارضوية واشتراطاتها الاحادية الافنائية لمايماثل نوعها الجسدي المادي البحت كما حصل للديناصور.
وقتها ضحك نسيم ضحكة بلا تتوقف، وظل يتلوى على الارض، بينما اصبت بحالة لااستطيع وصفها، دخل جسدي معها حالة من الارتعاش الملهم، والدموع الغامرة، وانا احتضن الكائن الرائع، وقد غدونا خارج المرئي والملموس.
#عبدالامير_الركابي (هاشتاغ)
ترجم الموضوع
إلى لغات أخرى - Translate the topic into other
languages
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟