أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مشتاق الربيعي - الإنسانية ليست دينًا، بل رتبة يصل إليها بعض البشر”














المزيد.....

الإنسانية ليست دينًا، بل رتبة يصل إليها بعض البشر”


مشتاق الربيعي
Mushtaq alrubaie


الحوار المتمدن-العدد: 8415 - 2025 / 7 / 26 - 22:42
المحور: قضايا ثقافية
    


قال سقراط ذات يوم: “الإنسانية ليست دينًا، بل رتبة يصل إليها بعض البشر”، وكم كان صادقًا في قوله. لأننا حين نتمعن في واقع البشر، سنجد أن الإنسانية ليست صفة فطرية يولد بها الإنسان تلقائيًا، بل هي نتيجة وعي متراكم، ونضج داخلي، وتجارب تصقل الروح وتسمو بها.

الدين، كمنظومة، قد يُورَّث بالميلاد أو البيئة، لكنه لا يضمن بالضرورة بلوغ الإنسان مرتبة الرحمة، أو الإحساس العميق بالآخر. أما الإنسانية، فهي خيار. قرار متكرر يُؤخذ في كل موقف، في كل لحظة نُمنح فيها فرصة أن نكون أرحم، أصدق، ألطف.

أن يكون الإنسان إنسانيًا يعني أن يرى الألم في عيون الآخرين وكأنه ألمه. أن يتحرك قلبه قبل يده. أن يشعر بمسؤولية أخلاقية تجاه كل كائن حي، لا يفرّق بين غني وفقير، قريب وغريب، بشر أو حيوان. الإنسانية هي فعل الحبّ الذي لا يُقاس، ولا يُنتظر عليه مقابل.

درجات في سلّم الإنسانية

أول درجات الإنسانية حين يحب الإنسان لأخيه ما يحب لنفسه. هذه قاعدة ذهبية بسيطة لكنها عميقة، تختصر في معناها كل الشرائع والكتب. فمن استطاع أن يكف أذاه، ويقدم الخير بقدر ما يتمنى أن يُقدَّم له، فقد خطا خطوة أولى في عالم الإنسانية.

أما إن تجاوز الإنسان هذه الدرجة، فبدأ يشعر بالأرواح البريئة من حوله – سواء كانت أطفالاً، شيوخًا، حيوانات، أو حتى أشجارًا تُقطع بغير رحمة – فإنه يبلغ درجة أرقى. هذه المرحلة لا يبلغها إلا من كانت له عينان لا ترى العالم فقط، بل تراه من زاوية “الضعفاء”. من يقف إلى جانب أولئك الذين لا صوت لهم، ويكون صوتهم.

كم من البشر يعيشون بيننا، يحملون صفات الإنسان شكلاً، لكنهم خاوون من الإنسانية مضمونًا؟
وكم من آخرين، لا يتحدثون كثيرًا، لكنك تشعر بإنسانيتهم في كل تصرف، في كل ابتسامة، في كل لمسة دعم؟

الإنسانية الحقيقية لا تُعلَّق على الجدران كشهادات، ولا تُزيَّن بها السِيَر الذاتية، بل تظهر في التفاصيل الصغيرة: في احترام عامل النظافة، في حماية قطة من الطريق، في الكلمة الطيبة التي تُقال لمن لا ينتظرها، في الصبر على أخطاء الآخرين، وفي القدرة على المغفرة رغم الألم.

الدين والإنسانية… هل يتعارضان؟

قد يسأل البعض: وهل الدين يتناقض مع الإنسانية؟
الإجابة ببساطة: لا. الدين الحق في جوهره يدعو للإنسانية، بل يُفترض أن يكون طريقًا موصلًا إليها. ولكن حين يتحول الدين إلى طقوس خاوية من الروح، يُمارَس كعادة لا كموقف، ويُستخدم كأداة للحكم على الآخرين لا لخدمتهم، فإنه قد يبتعد عن هدفه الأسمى.

لقد رأينا عبر التاريخ، وفي حاضرنا، أناسًا يرتكبون أقسى الجرائم باسم الدين، وأناسًا لا يتبعون دينًا، لكنهم يمشون على الأرض بقلوب من نور.

وهنا تتجلى الحكمة: الدين قد يعلّمك الطريق، لكن الإنسانية هي أن تمشيه دون أن تؤذي أحدًا في طريقك.

الإنسانية كمسؤولية جماعية

لا يمكن أن تُختزل الإنسانية في تصرف فردي فقط، بل هي مسؤولية جماعية. في الأسرة، تبدأ عندما نعلّم أبناءنا كيف يكونون لطفاء لا أقوياء فقط. في المدارس، عندما نربّي جيلاً يرى في الاختلاف جمالًا لا تهديدًا. في الشوارع، عندما نمنح الطريق لغيرنا ونحترم النظام. في الإعلام، عندما نعرض الحقيقة دون تحريض أو تضليل. وفي السياسات، عندما تُبنى القرارات على الكرامة لا المصلحة فقط.

المجتمع الذي تغيب عنه القيم الإنسانية، حتى لو كان غنيًا، هو مجتمع هش، لأن قوته الظاهرة تخفي هشاشة داخلية من الأنانية واللامبالاة.

الإنسانية، في معناها الأعمق، ليست أمرًا يُفرض من الخارج، بل إحساس ينبع من الداخل. هي اختيار نمارسه، لا هوية نحملها. و”الرتبة” التي أشار إليها سقراط لا تُمنح بالوراثة، بل تُكتسب بالمواقف.

فاسعَ أن تكون إنسانًا، لا فقط بشكلك، بل بأفعالك.
ازرع الرحمة حيث تمر، وكن نورًا خفيفًا في حياة الآخرين،
فلعل أثرك، مهما كان بسيطًا، يُعيد إنسانيةً فُقدت، أو يُوقظ ضميرًا نام



#مشتاق_الربيعي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المرأة بين مطرقة المجتمع وسندان التشريع
- ألوان الحب وجمال العشق
- العلاقات المسمومة
- الحب لا يقتصر للحبيب فقط
- فسحة امل
- الحب فوق القانون
- بعض هداية الرب بشر
- حب الذات لا يهزم
- الأرواح البريئة
- كن إنسان بين الناس ومن اجل الناس
- حتما بحاجة إلى وعي اكثر
- ينبغي إنصاف المرأة
- بغداد لن تكون قندهار
- حبيبي يا وطني
- محطة التاسع من نيسان
- لمحة عن الديمقراطية
- السلة الواحدة
- لماذا الشباب بلا عمل
- من قال الدكتاتورية لقد انتهت
- المرأة أيقونة الحياة


المزيد.....




- الجيش الإسرائيلي يعترض سفينة -حنظلة- المتجهة إلى غزة
- أستراليا وبريطانيا توقّعان معاهدة شراكة نووية تمتد لـ50 عاما ...
- تصعيد بالمسيرات بين روسيا وأوكرانيا وقتلى مدنيون من الطرفين ...
- حزب بريطاني يهدد بفرض إجراء تصويت للاعتراف بدولة فلسطين
- بحثا عن الأطعمة الفاخرة والأرباح على ساحل غرب أفريقيا
- لقاء سوري-إسرائيلي رفيع بباريس: تهدئة مشروطة أم بداية تطبيع؟ ...
- حزب بريطاني يهدد ستارمر بطرح مشروع قانون للاعتراف بفلسطين
- زعيم كوريا الشمالية يتعهد بالانتصار في المعركة ضد أميركا
- الشرطة الهندية توقف رجلا يدير سفارة -وهمية-
- صحافي روسي ينجو بأعجوبة من هجوم بمسيرات أوكرانية


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مشتاق الربيعي - الإنسانية ليست دينًا، بل رتبة يصل إليها بعض البشر”