أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد خليل - الطائفية: آلية إدراك ملوّثة لا موقف سياسي فقط














المزيد.....

الطائفية: آلية إدراك ملوّثة لا موقف سياسي فقط


خالد خليل

الحوار المتمدن-العدد: 8409 - 2025 / 7 / 20 - 04:51
المحور: قضايا ثقافية
    


في الزمن العربي المتشظي، كثيرًا ما تُطرح الطائفية كـ”مشكلة سياسية”، أو كأداة تُستخدم في الصراعات على النفوذ والسلطة، ضمن ما يُعرف بالمفهوم الكلاسيكي للطائفية. هذا التصوّر المنتشر، والذي يتبنّاه كثير من المثقفين، يرى في الطائفية مجرد توظيف لهوية دينية أو مذهبية في ساحة السياسة، بحيث تُستدعى الانتماءات الضيقة لتُستخدم في لعبة الكتل والتوازنات.

لكن هذا التعريف، رغم وجاهته التوصيفية، يبقى سطحيًا، إذ يعالج الأعراض لا الجذور، ويصوّر الطائفية كحالة واعية ومتعمدة، فيما الحقيقة أكثر تعقيدًا، وأكثر خطورة.

الطائفية كنظام إدراك

الطائفية، في جوهرها الأعمق، ليست مجرد اختيار سياسي أو خطاب تعبئة. إنها نمط من الإدراك المُشوَّه، يعيد تشكيل علاقة الإنسان بالحقيقة، بالعدالة، بالآخر، وحتى بالذات.
هي عدسة غير مرئية تتسلل إلى الوعي، لتعيد ترتيب العالم في ثنائيات القرابة والخصومة، الانتماء والاختلاف، الحق والباطل، لا وفق معايير موضوعية، بل وفق درجة التقارب الرمزي مع “الجماعة”.

ليست الطائفية، إذًا، فكرة نؤمن بها أو لا نؤمن. إنها حالة شعورية معرفية تشتغل حتى في ظل خطاب العدالة والمساواة، حين نُحب لأسباب عاطفية ونكره لأسباب نعتقدها عقلانية، وحين نُبرر مواقفنا لا انطلاقًا من مبدأ، بل من موقع رمزي لا نعترف به صراحة.

الطائفية كـ “حب مشروط”

ليست الطائفية فقط ما يظهر من كراهية للآخر، بل تكمن أكثر في ذلك “الحب المشروط” للذات الجمعية، الذي يغض الطرف عن أخطائها، أو يراها ضحية دائمًا.
في هذا السياق، تتحول الطائفية إلى نوع من تأليه الجماعة، حيث تتماهى الحقيقة مع ما تقوله “جماعتنا”، ويُعاد تشكيل الضمير ليعمل كوظيفة حماية رمزية لهذه الجماعة.

وهكذا، قد نجد طائفيين لا يعلمون أنهم طائفيون، ومثقفين يخوضون أعتى المعارك الفكرية باسم التنوير والعدالة، لكنهم حين تمتحنهم الوقائع، يُظهرون اصطفافًا لا واعيًا أو حذرًا انتقائيًا، لا ينبع من التوازن بل من انحياز باطني لم يُفحص.

الطائفية كتشويش معرفي لا خطاب هوياتي فقط

يكمن أخطر ما في الطائفية في قدرتها على تلويث المفاهيم. إذ إن النص الطائفي لا يبدو طائفيًا دائمًا، بل قد يتجلى في صورة تحليل سياسي محايد، أو نقد موضوعي، أو حتى خطاب وطني.
لكن ما يُسرب “العدوى الطائفية” هو أن هذه النصوص:
• تتبنى رواية واحدة فقط وتتعصب لها دون قبول احتمالات الروايات الأخرى.
• تستخدم لغة التعميم والمبالغة وتُسقط الفردي على الجماعي.
• تشتق الحقيقة من الانتماء بدلًا من المبدأ، وتنزع العدالة من موقعها الكوني لتُلبسها هوية محلية.
• تُقصي الحوار وتتمترس خلف خطاب الضحية وادعاء الأخلاقية الحصرية.

كل هذا يُنتج نصًا “سليمًا ظاهريًا”، لكنه مشوَّه في بنيته الإدراكية، لأنه صادر عن وعي ملوث بالاصطفاف المسبق.

وسائل التباعد الاجتماعي: وقود جديد للطائفية

في عصر المنصات الرقمية، أصبحت الطائفية أكثر خفاءً وانتشارًا في آنٍ معًا. لقد وفّرت وسائل التواصل “فقاعات طائفية ناعمة”، تُغرق المستخدم في بحر من المنشورات التي تعزز روايته، وتقصي الروايات الأخرى، فتُرسّخ الانحياز وتُهندس العاطفة الجماعية.

والنتيجة؟
مثقف يظن نفسه موضوعيًا، لكنه لا يرى إلا ما يُروّجه أبناء طائفته أو محيطه الرمزي.
قارئ يصدق أنه ينطلق من حرص وطني أو إنساني، بينما هو في الحقيقة أسير سردية منتقاة، لم يفكك بنيتها ولا اختبرها نقديًا.

كيف نكشف الطائفية المتخفية؟

الطائفية ليست واضحة دائمًا، ولكن يمكن تعقّبها من خلال مؤشرات بنيوية، أهمها:
1. أحادية السردية: إقصاء الروايات الأخرى، ورفض حتى احتمال صحتها.
2. التعميم واللغة المطلقة: استخدام مفردات جماعية من نوع “هم دائمًا كذا”، “نحن وحدنا كذا”.
3. انتقائية الأدلة: عرض معلومات أو صور من جهة واحدة، وتجاهل السياقات والتفاصيل المعارضة.
4. غياب الحوار النقدي: التمترس خلف موقف أخلاقي ثابت ورفض مراجعة الذات.
5. ادعاء البراءة الكاملة: رفض الاعتراف بأي احتمال للتحيز، والتشبث بنقاء الذات.

في الختام: نحو تفكيك الطائفية في الذات لا في النص فقط

ليس كافيًا أن نرفض الطائفية كخطاب، بل ينبغي أن نفككها كنمط إدراك يعمل في اللاوعي.
ينبغي أن نمارس نقدًا مزدوجًا: للعالم كما يُروى لنا، ولأنفسنا كمصدر محتمل للانحياز الخفي.
أن نضع مبضع الشك في “مشاعرنا النبيلة” أحيانًا، وأن نختبر دوافعنا التي نراها محايدة.
الطائفية ليست فقط عدونا السياسي؛ إنها عدونا المعرفي، وعلينا أن نهزمها داخل وعينا أولًا.



#خالد_خليل (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لماذا يحدث الجذب؟ وكيف؟
- العِصمةُ رميَةُ نَردٍ (قصيدة فلسفية خارج الصندوق)
- نقد الحداثة الطيفية: من الجابري إلى الذكاء الاصطناعي
- الحداثة بين الجذور والنقد: نحو وعي متجاوز لتأصيل المستقبل
- جنود الإسرائيليين في ظلّ العدوان على غزة: انكشاف العطب الداخ ...
- سماء تسعل مرآة
- من “أمير الجهاد” إلى “رئيس الدولة”
- معركة الانفجار العظيم: قراءة نقدية في ضوء نظرية التذبذب المع ...
- نواة الوعي: كيف يتشكل الشعور من تذبذب المعلومة؟ والذكاء الذي ...
- نواة الوعي: كيف يتشكل الشعور من تذبذب المعلومة؟
- قصيدة عارية
- السياسة حين تتفسخ… والأخلاق حين تُخنق
- ما بعد التطبيع: سيادة مُفرّغة، ووعيٌ قيد التدوير
- الذي رأى الصوت وهو ينزف (تتمة لقصيدة أغنية)
- أغنية
- قراءة نقدية مقارنة: الزمن في فكر هيرتوغ وفي إطار مشروعنا الع ...
- من رماد النار إلى ولادة الشرق: قراءة في نتائج الحرب واستشراف ...
- ما بين تل أبيب وطهران: حين تُطلق الصواريخ وتسقط العروش
- نتنياهو في قلب الإعصار: حرب إيران وحدود المناورة الصفرية
- نحو قراءة استراتيجية للحظة الشرق الأوسط: جدلية الانفجار الجي ...


المزيد.....




- مفاجأة غير متوقعة.. العثور على ضعف ما أبُلغ عنه من عدد حيوان ...
- جان نويل بارو يزور كييف بعد وابل من القصف الروسي
- سرعتها تفوق 700 كيلومتر في الساعة..كييف تعثر على حُطام المُس ...
- إيران تكشف عن موعد ومكان محادثاتها مع -الترويكا- الأوروبية.. ...
- ترقب بشأن تطور هجوم برشلونة بعد التحاق النجم الانجليزي راشفو ...
- استئناف المحادثات النووية بين إيران والقوى الأوروبية في إسطن ...
- عشائر بدو سوريا.. جذور عميقة في التاريخ وامتداد في الجغرافيا ...
- السجن ثلاث سنوات لطالب في كوت ديفوار بتهمة الإساءة للرئيس
- المحتوى المضلل يجد طريقه إلى -شات جي بي تي- بفضل المحتالين
- ما المواد -المتطرفة- التي أقرت روسيا تغريم الباحثين عنها؟


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - خالد خليل - الطائفية: آلية إدراك ملوّثة لا موقف سياسي فقط