أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - داود السلمان - المثقفون في القالب: قيود الفكر الحُرّ(1)














المزيد.....

المثقفون في القالب: قيود الفكر الحُرّ(1)


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8408 - 2025 / 7 / 19 - 13:05
المحور: قضايا ثقافية
    


وهم من يُفترض أن يكونوا في طليعة من يحطّم القيود ويعيد تشكيل الأسئلة، لكنهم غارقون في قوالب محكمة، لا يُغادرونها ولا يسمحون لأحد بخلخلتها. القالب قد يكون دينيًا، أيديولوجيًا، قوميًّا، عدميًا، أو حتى علمويًا صارمًا. لكنه في جميع أشكاله، يعمل كقيد داخلي، كحاجز نفسي وفكري يمنع المثقف من أن يمارس وظيفته الجوهرية: التفكير الحرّ، المتحوّل، المتشكك، المتجدد.
بمعنى، الذي يسكن القالب لا يشعر به، بل يراه درعًا يحميه من الضياع. هو بحد ذاته لا يعتبره قيدًا، بل بوصلة. وفي كثير من الحالات، لا يسعى حتى لتفكيكه، لأنه ربط هويته به، من أول الأمر، و وجد فيه راحة ذهنية تشبه راحة الإيمان الكامل أو الولاء المطلق. وهذا النوع من الراحة هو العدو الأول للفكر النقدي، بامتياز، . فحين يشعر الإنسان أنه على "صواب نهائي"، يتوقف تلقائيًا عن التعلم، ويبدأ في التبشير، لا في السؤال.
وبالأحرى ما يميز المثقف الحقيقي عن حامل الثقافة أو الناطق بها، هو مرونته العقلية وقدرته على مراجعة نفسه. المثقف القابع في القالب لا يمتلك هذه القدرة. يقرأ فقط ما يعزّز موقفه، ويصغي فقط لمن يشبهه، ويكتب ليؤكد، لا ليكتشف وينتقد، ويظهر السلبيات لكي يفك شفرتها. بل يُعادِ من يختلف معه، لا لأسباب فكرية، بل لأن المختلف يهدد "ثوابته". وتلك الثوابت ليست دائمًا دينية أو سياسية، بل قد تكون مجرد قناعة قديمة، أو موقف اعتاد عليه، أو انتماء يخشى أن يخسره، وبالتالي سيشعر بغربته الروحية والفكرية: ضياعه.
ما يشكل خطرا على واقعنا العربي، أن هذا النوع من المثقفين هو اليوم الأكثر حضورًا في المشهد العام، على المستويين العربي والاسلامي. إذ تتغذى المنابر الثقافية على "الوجوه المعروفة"، لا على الأفكار الحية. وتُكافأ البلاغة أكثر من الجرأة، ويُكافأ الولاء للخطاب السائد أكثر من النقد الراديكالي. في هذا المناخ، يصبح القالب أداة إنتاج، بل معيار نجاح، لذا نجب معظم الجهلة وأنصاف المثقفين يتصدون المشهد الثقافي، ويديرون مناصب عليا بحسب الولاءات الدينية والحزبية. وكلما كان المثقف أكثر التصاقًا بقالب معين، كلما حصل على فرص أكبر للظهور، والتمويل، والدعوة إلى المؤتمرات، ويكون البارز في قلب الحدث.
لكن، والحق يُقال، هذا الحضور هو في جوهره غياب. غياب الفكر، غياب الحرية، غياب المخاطرة، وغياب المعنى. لأن المثقف حين يعيش داخل قالب، حتى لو بدا صاخبًا ومثيرًا، فإنه في النهاية لا يُنتج معرفة، بل يُعيد تدوير معرفة قديمة ملوّنة بلون العصر، وباطار حزبي ايديولوجي. والمجتمع الذي يفيض بمثقفين على هذه الشاكلة، هو مجتمع يراوح مكانه، مهما علت أصواته، وهو بالتالي خانع منبطح.
إذن لابد من تحرير الفكر، والقضاء على الهيمنة الفكرية، وتحرير الفكر لا يتم بالشعارات، بل بالممارسة، وربما بالتضحية أيضا. والمثقف الذي لا يختبر نفسه باستمرار، لا يُحرر أحدًا. ومن هنا فإن المثقف المقولب، بكل قوالبه المتناقضة، يُشكل في الحقيقة طبقة سلطوية، تُغلق الفضاء الفكري باسم التنظير، وتُقصي المختلف باسم الاتساق، وتُمارس العنف الرمزي باسم التماسك، وهذه الكوارث، للأسف، نراها اليوم شاخصة في مجتمعاتنا، ومتغلغلة في أوساطنا الثقافية.
والنتيجة، في هذا المشهد، يصبح المصطلح ضروريًا: المثقف المقولب ليس مجرد توصيف عابر، بل هو تشخيص دقيق لحالة متفشية، خفية أحيانًا، لكنها موجودة في صلب الخطاب: الثقافي. هو ليس جريمة أخلاقية، بل فشل فكري بامتياز. والمجتمعات لا تتقدم بعدد الكتب المطبوعة، التي تملأ اليوم الخافقين، فيها الغث والسمين، بل بقدرة المثقفين على كسر القوالب التي يصنعها الخوف، والكسل، والتغاضي، والولاء العابرة للقارات.
وعلاوة على ما تقدم، ولتوضيح المغزى، نعتقد أن المثقف الحقيقي لا يعيش في قالب. لا يقيم في يقين، ولا يسكن في معسكر. هو عابر للحدود، قلق دائم، وباحث أبدي، يتحدى الحواجز. أما أولئك الذين يكتفون بالقالب، فإنهم قد يحملون ألقاب المثقفين، لكنهم في العمق جزء من آليات التجميد، لا من حركة التغيير، ونستطيع أن ننعتهم بنعوت: اتكاليون عاجزين عن صياغة أسئلة تناغم واقعنا الحاضر.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- فيروز غنّت كلماته...والرصاص أسكته إلى الأبد
- حين يتحوّل الدعاء إلى إعلان مموّل
- التداخل الفني والاسلوبي في (متاهة عشق) للروائي العراقي علي ق ...
- أين نحن من الوجود؟
- التطبيع هل سيحل أزمة الشرق الأوسط؟
- تزوير التاريخ وتزييف الحقائق
- مَن هم القرآنيون؟
- التديّن المذهبي ضد الإسلام المُحمديّ
- لماذا تأخرنا وتقدّم غيرنا؟
- خطورة الجماعات الإسلامية: تهديد مستمر للسلم المجتمعي
- نظام الحكم في الاسلام: ثلاث نظريات
- من قداسة النص إلى عصمة الفقيه: سيرة الاستيلاء على الدين
- الفساد في العراق.. بنية مستدامة لا مجرد خلل طارئ
- الاسلام السياسي: صعود الايديولوجيا الدينية
- مزايا الانكسار في نص (لا تقتلوا الأحلام) للشاعرة اللبنانية س ...
- الأخلاق بين كانت وماركس: صراع المبادئ والمادة
- المشكلة ليست في الدين انما في رجال الدين
- الإرهاصات الدامية في قضية (حسبي من الشعر الشهيّ) للشاعر وليد ...
- البُعد العاطفي والنفسي في قصيدة (أوراق مُعادن) للشاعر علي ال ...
- الأسى وسطوة الفقد في نص (قشعريرة نبض) للشاعرة سوسن يحيى


المزيد.....




- -اكتفيت إلى هنا-.. دانا مارديني تعلن اعتزالها -كممثلة في مجا ...
- اليابان: رئيس الوزراء ينوي البقاء في منصبه بعد توقعات بهزيمة ...
- إسرائيل تأمر الفلسطينيين في وسط غزة بالتوجه جنوبًا.. ومنتدى ...
- -آليات لأعداء الأمة-.. ضاحي خلفان يحذر من مخاطر الميليشيات و ...
- أزمة السويداء: ما الذي تسعى إسرائيل إلى تحقيقه في سوريا؟
- إذا اندلعت حرب جديدة مع إيران.. ما الجديد في حسابات تل أبيب؟ ...
- ألمانيا ودول أوربية أخرى تستعد لبدء محادثات جديدة مع إيران
- طواف فرنسا: البلجيكي تيم ويلينس بطلا للمرحلة الخامسة عشرة
- غزة تتضور جوعا.. قصة أقسى حصار وتجويع في التاريخ الحديث
- دمشق تعلن تهدئة الأوضاع في السويداء وقلق أميركي من سياسات نت ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - داود السلمان - المثقفون في القالب: قيود الفكر الحُرّ(1)