أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - التداخل الفني والاسلوبي في (متاهة عشق) للروائي العراقي علي قاسم















المزيد.....

التداخل الفني والاسلوبي في (متاهة عشق) للروائي العراقي علي قاسم


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8402 - 2025 / 7 / 13 - 15:12
المحور: الادب والفن
    


"متاهة عشق" رواية للكاتب علي قاسم، تبدو للوهلة الأولى على الواقع السردي رواية عن قصة حب، لكنها في جوهرها رحلة استكشاف داخلية وجماعية. فالعشق الذي تبدأ به الرواية هو مدخل لقراءة الذات والمجتمع، كما لو أن الحب هو مفتاح للولوج إلى متاهة الهوية العراقية، حيث تتشابك الأسئلة الفردية مع التاريخ والجغرافيا.
أسلوب الرواية يرتكز على تقنية الميتاسرد بشكل بارز، ممثلاً في "ملف" يكتشفه البطل ومن خلاله يُعاد اختراع رواية الحب الأول. وهي تقنية تعكس رغبة الكاتب في جعل القارئ شريكًا في إعادة بناء النص، لا مجرد متلقٍ. إن المرَّة بعد المرَّة التي نعود فيها إلى صفحات الملف، نشعر بأننا نعيد كتابة الرواية، أو على الأقل نعيد تشكيل المشهد العاطفي حسب تجربتنا الخاصة، مما يجعل الرواية تبدو حيّة أمام المتلقي.
من حيث الزمن السردي، تتنقل الرواية بين الحاضر والماضي، لكنها لا تفعل ذلك بطريقة خطية أو تقليدية. بل تتعثر الرواية في فصول متداخلة، حيث الذِكَرَى تُقتطع من السياق كأحجار تُلقى في بئر، وتحدث دوّيها حتى تتضح المشاعر أو تتزاحم الأسئلة. هذا الإيقاع المنقطع يعكس هشاشة الذاكرة، كما يعكس غربة العاشق في متاهة يبحث فيها عن "نهاية" قد لا تصل، أو لا توجد أصلًا.
أما الرمزية، فالعنوان هو مفتاحها؛ فالـ "متاهة" هنا ليست المكان فقط، بل الحالة النفسية والاجتماعية. الحب يتقلب بين خلاص ومأزق، بين وعود الفرار من الواقع، وبين اشتباك مع الواقع العراقي المضطرب. لذا فإن العشق في الرواية لا يعيد البطل إلى السلام العاطفي فقط، بل يقوده نحو التعامل مع الجراح القديمة، والصدمات السياسية، والانكفاء الذاتي، والتساؤل: هل العشق يخترق الواقع، أم يُخدّره؟
وأما على مستوى الشخصيات، لا تبدو الشخصيات نمطية أو مسطحة. البطل، كأستاذ مثقف، يعكس الجانب الذهني الباحث والمشكك، لكنه أيضًا يحمل هشاشة عاطفية تُكسر أمام ذاكرة ملف قديم. المرأة في الرواية، حتى لو لم تحظَ بسطح سردي واسع، تظهر كـ "فعل حر"، تخلق حالة ارتباك في عالم البطل الداخلي، وتمد الرواية بوهج تساؤلي حول القوة والضعف والرغبة والمقاومة.
بمعنى آخر، الأسلوب السردي يميل إلى التأمل الداخلي، بتوصيفات دقيقة تتوقف عند "كيف شعرت الشخصية"، لا فقط "ماذا فعلت". وهذا يمنح الرواية بعدًا نفسيًا يتسق مع أعمال أدب نفسي متأخر، يلتقي مع انشغالات أدب ما بعد الحداثة العربية، فيما يخص تفكيك الذات والرواية والذاكرة.
وفي سياق المشهد العراقي، يمكن اعتبار هذه الرواية جزءًا من تيار يبحث في عودة الكتابة إلى الداخل، بعيدًا عن الخطاب التوثيقي المباشر أو التظاهرات السياسية. إنها تحاول بناء سرد عبر الحب - ليس كموضوع عاطفي فقط، بل كشبكة رمزية تعكس التشتت والاضطراب والهروب من الواقع.
ما يجعل "متاهة عشق" مهمة كإنتاج روائي عراقي جديد هو أنها لا تقدم الحب كنوع من الخلاص السحري من الواقع، بل كمسار معرفي ونفسي يؤدي إلى إعادة إنتاج الذات وسط فوضى المحيط؛ استدعاء متكرر للذاكرة والنسيان والتداخل بينهما. وهي في النهاية رواية عن كيف نفهم أنفسنا في العلاقات وفي الدولة وفي التاريخ، عبر إعادة اكتشاف – متاهة - تعيش بداخل كل شخص.
الزمن في الرواية ليس خطيًّا. بل يسير على نحو متعرج، مشوب بالانقطاعات والتأملات، فتتداخل فيه لحظة الحاضر والذكريات، ويتحوّل الحدث إلى استعارة شعورية. يمكن للقارئ أن يشعر بأن الرواية لا تسعى لقول "ما حدث"، بل لإعادة تشكيل الإحساس بما حدث. هذا ما يمنحها بُعدًا سرديًا ما بعد حداثي، ويجعلها أكثر قربًا من الأدب النفسي المعقّد منه إلى الرواية الواقعية البسيطة.
من ناحية الهوية السردية، ليس واضحًا دائمًا من يروي. الراوي يتراجع أحيانًا، ليترك مكانه للوثيقة أو لخيال البطل أو لحوار داخلي. هذا التعدد الصوتي يُشكّل ما يُشبه “متاهة روائية”، تتماشى مع عنوان الرواية ذاته، وتؤسس لفكرة أن الحقيقة السردية غير قابلة للإمساك بها بسهولة. فكل سرد هو إعادة سرد. وكل سرد هو حذف بقدر ما هو كشف.
ولعل من أبرز ما تقدمه الرواية هو تحويل العشق إلى استعارة وجودية. فالعلاقة العاطفية بين الشخصيات ليست هدفًا بحد ذاته، بل مرآة تنعكس عليها تشوهات الواقع، وخسائر الحرب، والقلق المعرفي، وضياع الوطن. وهذا يضع الرواية في سياق الأدب الذي يستخدم الرومانسي بوصفه بوابة للنفاذ إلى ما هو أعمق: هشاشة الوجود الإنساني ذاته.
كما تلتقط الرواية بعين فنية دقيقة مظاهر التفكك الاجتماعي والسياسي في العراق المعاصر، أبان فترات حددها الكاتب من خلال إشارات غير مباشرة؛ كغياب الثقة، والعلاقات المتأرجحة، وانعدام اليقين. كل شيء هش، حتى الحب. وكل شيء مؤقت، حتى الأمل. وهذا ما يجعل الرواية تُفكر في الحب كفعل مقاومة داخلية في وجه عالم يتداعى.
المرأة في الرواية ليست مجرد موضوع عشق أو رمز جمالي. بل تبدو أحيانًا مركز السرد، أو حتى المُحرّك السري للأحداث، وإن ظلت محاطة بشيء من الغموض. إنها تظهر ككيان يُربك التوازن الذكوري، ويدفع الراوي للتأمل في ذاته، ويفتح سؤالًا عميقًا عن المعنى والهوية والارتباط.
"دخلت فوزية، رأتهما بوضعية الاحتضان. أدركت أن نعيما أخبره. أظهرت غضبها، بصفق الباب عند خروجها.. لكن كان في داخلها شيءٌ يبهجها. لأنها عاشقة تحلم." (الرواية ص: 144)
وربما يكون أجمل ما في هذه الرواية أنها لا تحاول أن تقدم إجابات. بل تكتفي بزرع أسئلة بين السطور. أسئلة عن الماضي، والحب، والحقيقة، والعراق. هي الأحرى ليست رواية تريد أن تُريح القارئ، بل أن تُقلقه، أن تجعله يتساءل: أين أنا في هذه المتاهة؟ وهل أبحث عن حب، أم عن ذات ضائعة؟ وهل يمكننا حقًا إعادة سرد الماضي، أم أننا فقط نعيد اختراعه لننجو من هشاشتنا، وكلها أسئلة وجودية.
بالنهاية الكاتب علي قاسم ابدع في توظيف أسلوب الحكاية الثانوية داخل الحكاية يجعل "متاهة عشق" تشبه حكاية تحكيها حكاية تحكي حكاية. وهذا بناء يُمكّن القارئ من الدخول أكثر من مرة إلى داخل القصة، واستكشاف روابط لا تُرى من أول قراءة. كما أن تقطيعه لفصول تنتهي بالأسئلة ثم تبدأ بأسئلة جديدة، يحقّق إيحاءً بأن القصة الرومانسية لا تنتهي، ولكنها تدخل دائمًا إلى فصل جديد من "المتاهة"، إلى صقل جديد للذات.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أين نحن من الوجود؟
- التطبيع هل سيحل أزمة الشرق الأوسط؟
- تزوير التاريخ وتزييف الحقائق
- مَن هم القرآنيون؟
- التديّن المذهبي ضد الإسلام المُحمديّ
- لماذا تأخرنا وتقدّم غيرنا؟
- خطورة الجماعات الإسلامية: تهديد مستمر للسلم المجتمعي
- نظام الحكم في الاسلام: ثلاث نظريات
- من قداسة النص إلى عصمة الفقيه: سيرة الاستيلاء على الدين
- الفساد في العراق.. بنية مستدامة لا مجرد خلل طارئ
- الاسلام السياسي: صعود الايديولوجيا الدينية
- مزايا الانكسار في نص (لا تقتلوا الأحلام) للشاعرة اللبنانية س ...
- الأخلاق بين كانت وماركس: صراع المبادئ والمادة
- المشكلة ليست في الدين انما في رجال الدين
- الإرهاصات الدامية في قضية (حسبي من الشعر الشهيّ) للشاعر وليد ...
- البُعد العاطفي والنفسي في قصيدة (أوراق مُعادن) للشاعر علي ال ...
- الأسى وسطوة الفقد في نص (قشعريرة نبض) للشاعرة سوسن يحيى
- الذات والهوية في نص (ليسَ غريباً عني) للشاعرة رجاء الغانمي
- المُسحة الجمالية في (ارهاصات أنثى) للشاعرة ورود الدليمي
- الاغتراب النفسي في أغنية (مرينة بيكم حمد) للكبير ياس خضر


المزيد.....




- التشكيلية ريم طه محمد تعرض -ذكرياتها- مرة أخرى
- “رابط رسمي” نتيجة الدبلومات الفنية جميع التخصصات برقم الجلوس ...
- الكشف رسميًا عن سبب وفاة الممثل جوليان مكماهون
- أفريقيا تُعزّز حضورها في قائمة التراث العالمي بموقعين جديدين ...
- 75 مجلدا من يافا إلى عمان.. إعادة نشر أرشيف -جريدة فلسطين- ا ...
- قوى الرعب لجوليا كريستيفا.. الأدب السردي على أريكة التحليل ا ...
- نتنياهو يتوقع صفقة قريبة لوقف الحرب في غزة وسط ضغوط في الائت ...
- بعد زلة لسانه حول اللغة الرسمية.. ليبيريا ترد على ترامب: ما ...
- الروائية السودانية ليلى أبو العلا تفوز بجائزة -بن بينتر- الب ...
- مليون مبروك على النجاح .. اعتماد نتيجة الدبلومات الفنية 2025 ...


المزيد.....

- . السيد حافظيوميات رجل مهزوم عما يشبه الشعر رواية شعرية مك ... / السيد حافظ
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة- / ريتا عودة
- رواية الخروبة في ندوة اليوم السابع / رشيد عبد الرحمن النجاب
- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - داود السلمان - التداخل الفني والاسلوبي في (متاهة عشق) للروائي العراقي علي قاسم