أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود السلمان - حين يتحوّل الدعاء إلى إعلان مموّل














المزيد.....

حين يتحوّل الدعاء إلى إعلان مموّل


داود السلمان

الحوار المتمدن-العدد: 8405 - 2025 / 7 / 16 - 21:43
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


حين يستخدم رجل الدين مكانته الدينية ليروّج لمنتج، معيّن، خصوصًا لو كان دواءً أو سلعة استهلاكية، فإننا أمام تضليل مضاعف: الأول مصدره الإعلان، والثاني مستمد من الرمزية الدينية التي تُستخدم كوسيلة إقناع. فالمستهلك لا يرى في الإعلان مجرد دعاية، بل يرى فيه فتوى ضمنية أو بركة دينية، مما يُضعف مناعته النقدية ويجعله أكثر قابلية للتأثر، حتى لو كان المنتج بلا قيمة أو حتى ضارًا.
فمثلاً، في السياق العراقي، فضلا عمن سواه، حيث للدين ورجاله تأثير عاطفي عميق على قطاعات واسعة من الناس، يصبح ظهور رجل الدين في إعلان لدواء – لا يستند إلى موافقة طبية رسمية – استغلالًا مباشرًا لثقة الناس، لاسيما، البسطاء منهم، ويدخل في دائرة الاتجار بالإيمان لا التوجيه الروحي. وهذا، في الحقيقة، يُفرغ الخطاب الديني من مضمونه الأخلاقي، - أدرك المعني (رجل الدين) أم لم يدرك - ويُحوله إلى سلعة خاضعة للعرض والطلب؛ ويُعد هذا من الخطورة بمكان.
المشكلة لا تتعلق فقط برجل الدين الفرد، بل تشير إلى أزمة في المنظومة الدينية والإعلامية والرقابية؛ الأمر يجري لأول مرة على هذا المستوى، أي مستوى الواقع الديني. والسؤال: أين دور المؤسسات الدينية من هذه الممارسات؟، أين القوانين التي تمنع استخدام الرموز الدينية في الترويج التجاري؟، ولماذا لا يكون هناك موقف رسمي من الهيئات الدينية لحماية الناس من هذا التلاعب باسم الدين؟.
ومن باب نفسي، تأثيري، تُعد الإعلانات التلفازية، وفي عالم المواقع الالكترونية، أحد أكثر الأدوات تأثيرًا في تشكيل وعي الجمهور وتوجيه سلوكهم الاستهلاكي، لكنها في كثير من الأحيان لا تكتفي بعرض المنتج أو الخدمة، بل تمارس نوعًا من التضليل الناعم الذي يستهدف اللاوعي أكثر مما يخاطب العقل بشكل مباشر. فهذه الإعلانات لا تسعى فقط إلى الإعلام، بل إلى الإقناع، مستخدمة في ذلك صورًا مثالية وعواطف قوية وأساليب نفسية دقيقة تزرع في المتلقي شعورًا زائفًا بالحاجة.
إنّ هدف وغاية الإعلانات تنقل صورة جذابة ومبالغًا فيها عن المنتج، وتربطه بمفاهيم عاطفية مثل النجاح أو الجمال أو القبول الاجتماعي، لتخلق وهمًا بأن اقتناء هذا المنتج هو مفتاح السعادة أو الانتماء، وتعتقد بأنها ستشفى من الداء الذي تعاني منه، ببركة المروّج. في كثير من الأحيان، تُبالغ هذه الإعلانات في عرض الفوائد وتتغاضى عن الأضرار أو الثغرات، سواء من خلال إخفاء المعلومات الحقيقية أو تمريرها بلغة غير واضحة، وهو ما يُعد شكلًا من أشكال الخداع المقنّع. وفي الوقت ذاته، أن هذه الاعلانات تخلق حالة من تضليل، وربما أحد أبرز مظاهر هذا التضليل هو الاعتماد على شهرة الشخصيات العامة للتأثير على المستهلك، وكأن شهرة رجل الدين، ومكانته الاجتماعية، أو حتى الممثل أو الرياضي دليل على جودة المنتج، في حين أن الرابط بين الاثنين قد يكون غير موجود فعليًا. كما أن التكرار المفرط للرسائل الإعلانية لا يهدف فقط إلى التذكير، بل إلى غرس الفكرة في اللاوعي، بحسب علم النفس، بحيث تصبح مألوفة ومقبولة تلقائيًا.
وتنعكس آثار هذا التضليل على المستوى الفردي والاجتماعي، إذ يُدفع المستهلك إلى الاستهلاك المفرط والسعي وراء أوهام السعادة المرتبطة بالمنتجات، ما يخلق فجوة بين التوقعات والواقع، ويؤدي إلى الإحباط أو حتى الأزمات المالية. كما تُعيد الإعلانات رسم مفاهيم الجمال والقيمة الإنسانية وفق منطق السوق، ما يشكل ضغطًا نفسيًا على الأفراد، خاصة النساء والأطفال، ويؤدي إلى تغذية أنماط استهلاكية سطحية تُعزز المظاهر على حساب الجوهر.
والحال هذه، يأتي دور الدولة، بمضاعفة جهات رقابية تفرضها الحكومة. لكن في كثير من الحالات، تكتفي الجهات الرقابية بدور شكلي، أو تتدخل فقط بعد وقوع الضرر، أو بعض الاحيان تغض النظر، لسبب أو لآخر، مما يُفسح المجال أمام شركات تجارية لاستغلال الإعلام في ترويج منتجات دوائية وهمية أو غير فعالة. الأخطر من ذلك أن بعض هذه المنتجات تحصل على "رخصة تسويق" من جهات غير علمية أو من دول ذات أنظمة رقابية ضعيفة، ثم يُستخدم ذلك كذريعة للادعاء بأنها "مرخّصة"، بينما لا تُراعى شروط السلامة أو الفعالية الحقيقية.
ولتوضيح أكثر، أن غياب الرقابة لا يعني فقط وجود فراغ تنظيمي، بل يعني عمليًا إطلاق يد السوق لتفعل ما تشاء باسم الإعلان والربح، حتى وإن كان ذلك على حساب صحة الناس وكرامتهم، وهذا ما يجري عندنا في العراق. بل إن بعض الإعلانات تستهدف الفئات الأكثر هشاشة: كبار السن، المرضى المزمنين، والأشخاص الذين يعانون من أمراض يصعب علاجها، فتبيعهم الوهم المغلّف بلغة العلم والموسيقى الهادئة والمشاهد الإنسانية المؤثرة، وأهما بركات الشيخ!.
الواجب في هذه الحالة لا يقع على الدولة فقط، بل أيضًا على الإعلاميين، والأطباء، والمجتمع المدني، وعلى المثقف الحقيقي. لا بد من وجود منظومة متكاملة للمحاسبة، تشمل:
1. هيئات رقابة دوائية مستقلة وقوية.
2. قوانين إعلامية واضحة تحظر الإعلانات المضللة، لا سيما في المجال الصحي.
3. تثقيف جماهيري واسع، يجعل الناس أكثر وعيًا بحيل الإعلانات وخطورة تصديقها دون تحقق.
في النهاية، حين يتحول رجل الدين إلى "موديل إعلاني"، فإننا لا نخسر فقط مصداقية الإعلان، بل نخسر أيضًا هيبة رجل الدين ومكانته الأخلاقية في المجتمع، على اعتباره "يؤمر بالمعروف وينهي عن المنكر". والصمت على هذه الظاهرة – سواء من الدولة أو من المجتمع – سيقود إلى مرحلة تصبح فيها كل القيم قابلة للبيع، وبالتالي ستصبح ظاهرة مستفحلة يصعب فيما بعد علاجها.
وعليه، لا يُطلب من المواطن أن يقاطع الإعلانات أو ينسحب من الفضاء الإعلامي، كلا، بل أن يكون واعيًا لما يُعرض عليه، وأن يتعامل مع الرسائل الإعلانية بعين ناقدة وعقل يقظ، لأن أول خطوة نحو مقاومة التضليل هي فهم آلياته وكشف منطقه الخفي، لا سيما ونحن نعيش اليوم في عالم يقوم على المكر والحيلة.



#داود_السلمان (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التداخل الفني والاسلوبي في (متاهة عشق) للروائي العراقي علي ق ...
- أين نحن من الوجود؟
- التطبيع هل سيحل أزمة الشرق الأوسط؟
- تزوير التاريخ وتزييف الحقائق
- مَن هم القرآنيون؟
- التديّن المذهبي ضد الإسلام المُحمديّ
- لماذا تأخرنا وتقدّم غيرنا؟
- خطورة الجماعات الإسلامية: تهديد مستمر للسلم المجتمعي
- نظام الحكم في الاسلام: ثلاث نظريات
- من قداسة النص إلى عصمة الفقيه: سيرة الاستيلاء على الدين
- الفساد في العراق.. بنية مستدامة لا مجرد خلل طارئ
- الاسلام السياسي: صعود الايديولوجيا الدينية
- مزايا الانكسار في نص (لا تقتلوا الأحلام) للشاعرة اللبنانية س ...
- الأخلاق بين كانت وماركس: صراع المبادئ والمادة
- المشكلة ليست في الدين انما في رجال الدين
- الإرهاصات الدامية في قضية (حسبي من الشعر الشهيّ) للشاعر وليد ...
- البُعد العاطفي والنفسي في قصيدة (أوراق مُعادن) للشاعر علي ال ...
- الأسى وسطوة الفقد في نص (قشعريرة نبض) للشاعرة سوسن يحيى
- الذات والهوية في نص (ليسَ غريباً عني) للشاعرة رجاء الغانمي
- المُسحة الجمالية في (ارهاصات أنثى) للشاعرة ورود الدليمي


المزيد.....




- المتحدث باسم حركة فتح: تصور اليوم التالي للحرب بغزة أصبح خطة ...
- المؤتمر اليهودي المناهض للصهيونية يدعو إلى طرد إسرائيل من ال ...
- التصوف بالحبشة.. جذور روحية نسجت هوية الإسلام في إثيوبيا
- ماليزيون يطالبون حكومتهم بعدم قبول سفير أميركي يهاجم الإسلام ...
- من هو حكمت الهجري الزعيم الروحي لطائفة الموحدين الدروز؟
- نتنياهو أبلغ بابا الفاتيكان بقرب التوصل لاتفاق لإطلاق الأسرى ...
- تردد قناة طيور الجنة الجديد على كل الأقمار الصناعية بجودة عا ...
- بعد استهداف الكنيسة في غزة.. اتصال بين البابا ونتنياهو ووفد ...
- قادة مسيحيون في زيارة -نادرة- للكنيسة الكاثوليكية الوحيدة في ...
- الفاتيكان يكشف ما قاله البابا لاوُن لنتنياهو حول الكنيسة في ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - داود السلمان - حين يتحوّل الدعاء إلى إعلان مموّل