أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - قصَّة قصيرَة || الحِذَاءُ اللَّعِينُ














المزيد.....

قصَّة قصيرَة || الحِذَاءُ اللَّعِينُ


ريتا عودة

الحوار المتمدن-العدد: 8398 - 2025 / 7 / 9 - 15:00
المحور: الادب والفن
    


كَانَ الْهَوَاءُ فِي "سَاحَةِ الْحُرِّيَّةِ" خَانِقًا، مُحَمَّلًا بِعَبَقِ الذُّلِّ وَالْخَوْفِ.
تَأَوَّهَ إخْوَتِي، صَفًّا بَعْدَ صَفٍّ مِنَ الْأَجْسَادِ الْمُنْهَكَةِ، وَانْحَنَتْ رُؤُوسُهُمْ تَبَاعًا. لَمْ يَرَوْا إِلَّا حِذَاءً جِلْدِيًّا أَنِيقًا، فَمَدُّوا أَلْسِنَتَهُمْ بِبُطْءٍ، كَأَنَّهَا أَفَاعٍ جَائِعَةٍ، وَبَدَأُوا يَلْعَقُونَهُ. لَعْقَةٌ، فَلَعْقَتَانِ، ثُمَّ صَارَتْ أَصْوَاتُ اللَّعْقِ كَهَمْهَمَةِ نَحْلٍ فِي قَفِيرِهِ.
بَقِيتُ وَاقِفًا، شَامِخًا. عَيْنَايَ لَمْ أَرْفَعْهُمَا إِلَى وَجْهِ الطَّاغِيَةِ الَّذِي حَدَّقَ بِي بِانْدِهَاشٍ، بَلْ نَظَرَتَا إِلَى الْأُفُقِ الْبَعِيدِ، حَيْثُ تُشْرِقُ الشَّمْسُ دَوْمًا، حَتَّى وَإِنْ كَانَتْ مَحْجُوبَةً بِالْغُيُومِ.
كَرَامَتِي، كَانَتْ أَقْوَى مِنْ سَلَاسِلِهِمْ، وَأَرْسَخَ مِنْ سُجُونِهِمْ.
عِنْدَمَا رَأَى إخْوَتِي أَنَّنِي أَتَمَسَّكُ بِكَرَامَتِي، وَأَنَّ رَأْسِي لَنْ يَنْحَنِيَ، اعْتَبَرُونِي شَاذًّا. كَيْفَ يَجْرُؤُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ عَلَى كَسْرِ الْإِجْمَاعِ الْمُقَدَّسِ عَلَى الذُّلِّ؟ كَيْفَ يَتَحَدَّى قَوَانِينَ الْخُنُوعِ الَّتِي طَالَمَا حَفِظَتْ بَقَاءَهُمْ؟
صَرْخَةٌ غَاضِبَةٌ انْطَلَقَتْ مِنْ حَنَاجِرِهِمْ، لَيْسَتْ ضِدَّ الطَّاغِيَةِ، بَلْ ضِدِّي أَنَا..!!
بَدَأُوا يَرْمُونَني بِأَحْذِيَتِهِمْ. الْحِذَاءُ الْأَوَّلُ ارْتَطَمَ بِكَتِفِي، وَالثَّانِي بِصَدْرِي، وَهَكَذَا تَوَالَتِ الضَّرَبَاتُ.
تَأَلَّمْتُ، لَا مِنَ الْأَحْذِيَةِ، بَلْ مِنْ مَوْقِفِهِمْ مِنِّي، مِنْ خُنُوعِهِمْ غَيْرِ الْمُبَرَّرِ.
شَعَرْتُ بِالْحَرَارَةِ تَشْتَعِلُ فِي جَسَدِي، وَلَسَعَاتِ الْأَلَمِ تَلْدَغُنِي، لَكِنَّ شَيْئًا أَقْوَى مِنَ الْوَجَعِ، كَانَ يَمْنَعُنِي مِنَ الْاِنْكِسَارِ.
تَمَسَّكْتُ بِكَرَامَتِي، وَتَفَجَّرَتِ الْكَلِمَاتُ مِنْ أَعْمَاقِي كَالْيَنَابِيعِ:
-"أَمُوتُ شَامِخًا كَالسِّنْدِيَانِ وَلَا أَنْحَنِي!" صَرَخْتُ بِصَوْتٍ مَزَّقَ صَمْتَ الْخُنُوعِ. "فَمَنْ يَنْحَنِي يَسْمَحُ لِلطَّاغِيَةِ أَنْ يَطَأَهُ كَالْحِمَارِ!"
تَوَقَّفَتِ الْأَحْذِيَةُ عَنِ التَّسَاقُطِ لِلَحْظَةٍ.
رُبَّمَا لِدَهْشَةٍ، رُبَّمَا لِخَوْفٍ، رُبَّمَا لِفَهْمٍ لَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُنْكِرُوهُ فِي أَعْمَاقِهِمْ.
لَمْ أَكُنْ وَحْدِي فِي السَّاحَةِ بَعْدَ الْآنَ.
كَانَ مَعِي السِّنْدِيَانُ وَكَرَامَتِي، وَرَصَاصَةٌ اخْتَرَقَتْ جَسَدِي، وَكُلُّ رُوحٍ رَفَضَتِ الْاِنْحِنَاءَ عَلَى مَرِّ الْعُصُورِ.
مَوْتِي لَمْ يَعُدْ يَهُمُّنِي، فَقَدْ وَجَدْتُ حُرِّيَّتِي فِي صُمُودِي، وَبَقَائِي فِي شُمُوخِي.

ريتا عودة
8.7.2025

■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■

من صندوق التعقيب

شكراً للكاتبة ريتا عودة .
قصة رمزية مكثّفة، تسلط الضوء على صراع الكرامة في وجه الطغيان، وتدين الخنوع الجماعي بلغةٍ جريئة وصورٍ مؤثرة.

Joseph Hellou || ناشط اجتماعي

:
:

يا لِحرفِكِ، ريتا، وقد سكبْتِه من نبعِ الكرامةِ نارًا وضياءً!

Nazem Hassoun || شاعر فلسطيني
:
:
انها قصة الشعوب الذليلة التي تخاف حاكمها الطاغية. لو يعلمون أنّ الكرامة والشجاعة هي الخلاص لهم والتّحرر من الظّلم، لما انحنتْ هاماتهم ذلًّا.
قصه رائعة وعبرة لمَن أذلَّهم الخوف والجُبن.

ليلى عطيّة || ناشطة اجتماعيّة

:
:

اعجبتني قصة "الحذاء اللعين" لريتا عودة،
وعلقتُ:
قصة "الحذاء اللعين" ليست مجرد سرد رمزي، بل صفعة أدبية تهزّ ضمير القارئ، وتضعه أمام مرآة الذات: هل نحن من اللعاقين أم من الواقفين بشموخ؟
بجرأة أدبية لافتة، تكشف ريتا عودة هشاشة الجماعة عندما تُستبدل الكرامة بالخوف، وحين يتحول الخنوع إلى طقوس مقدسة.
البطل الوحيد في "ساحة الحرية" لم يكن بحاجة لسلاح، بل لكرامة، ولصوت اخترق صمت الخضوع، فحرّك شيئاً ساكناً في أرواحهم، ولو للحظة.
اللغة نحتت الألم بصور حيّة، والشخصيات خرجت من إطار الرمزية إلى عمق الواقع العربي المثقل بالرموز المتكررة للانحناء، ومعها كل من قاوم فدفع الثمن.
شكراً لريتا عودة على هذا النصّ الذي يمشي على حدّ السكين، ويوقظ ما تبقّى من نخوة في ضمير القارئ.

Salih Assadi || شهادة جامعيّة باللغة العربيّة

■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■■

https://youtube.com/shorts/J_CpfyixVoo?si=YiFsYtw9w8sBvIq-

اللقطات للمبدع "فادي ثابت" غزّة، 2025 || الفيديو اعداد الشّاعرة "ريتا عودة"



#ريتا_عودة (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- هذا الكونُ ينقُصُهُ القليلُ مِنَ الحُبِّ ليضبحَ قصيدة
- ملامح أدب الحداثة في ديوان - أكون لك سنونوة-
- أَتعافى بابتسامتكَ
- الحياة غابة
- عودة ليست شاعرة حُبّ تقليديّة
- حديقة من زهور الكلمات
- أعتنـــــــــــقُ العَبَـــــــــــــــــــثَ|| قصيدة ولمحة ...
- عَلَى مَهْلٍ
- فَكِّرْ بِغَزَّةَ
- امْرَأةٌ مِنْ شِعْرٍ
- شاعر... قصيدة ولمحة نقديّة-2
- أيُّها الموت انتظرني حتى أُنهي مَرْثِيَتِي
- التّمرُّد الصَّامت || قصّة قصيرة
- ما أكتبه اليوم هو امتداد لحاجتي الدّاخليّة إلى التّنفس
- لا أَنْتَ القَمَرُ، وَلا أَنْتَ الشَّمْسُ!
- مِن أَيّ معدن أنا ؟!
- نصّ مميّز ولمحة نقديّة || الدّموع
- قصرٌ طائرٌ || سامي عوض الله
- اِرْتَدِي هَالَاتِكِ أَيَّتُهَا الْمُفْرَدَاتُ
- غزَّة... جرحٌ يُنادي


المزيد.....




- ندوة في اصيلة تسائل علاقة الفن المعاصر بالمؤسسة الفنية
- كلاكيت: معنى أن يوثق المخرج سيرته الذاتية
- استبدال بوستر مهرجان -القاهرة السينمائي-.. ما علاقة قمة شرم ...
- سماع الأطفال الخدج أصوات أمهاتهم يسهم في تعزيز تطور المسارات ...
- -الريشة السوداء- لمحمد فتح الله.. عن فيليس ويتلي القصيدة الت ...
- العراق يستعيد 185 لوحا أثريا من بريطانيا
- ملتقى السرد العربي في الكويت يناقش تحديات القصة القصيرة
- الخلافات تهدد -شمس الزناتي 2-.. سلامة يلوّح بالقضاء وطاقم ال ...
- لماذا قد لا تشاهدون نسخة حية من فيلم -صائدو شياطين الكيبوب- ...
- محمد المعزوز يوقع روايته -أول النسيان- في أصيلة


المزيد.....

- الذين لا يحتفلون كتاب كامل / كاظم حسن سعيد
- شهريار / كمال التاغوتي
- مختارات عالمية من القصة القصيرة جدا / حسين جداونه
- شهريار / كمال التاغوتي
- فرس تتعثر بظلال الغيوم / د. خالد زغريت
- سميحة أيوب وإشكالية التمثيل بين لعامية والفصحي / أبو الحسن سلام
- الرملة 4000 / رانية مرجية
- هبنّقة / كمال التاغوتي
- يوميات رجل متشائل رواية شعرية مكثفة. الجزء الثالث 2025 / السيد حافظ
- للجرح شكل الوتر / د. خالد زغريت


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ريتا عودة - قصَّة قصيرَة || الحِذَاءُ اللَّعِينُ