أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - ادم عربي - ضحكتْ عليه امرأة !















المزيد.....

ضحكتْ عليه امرأة !


ادم عربي
كاتب وباحث


الحوار المتمدن-العدد: 8396 - 2025 / 7 / 7 - 02:04
المحور: حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات
    


ضحكتْ عليه امرأة !
بقلم : د . ادم عربي

ليس هذا التعبير من ابتكاري، بلْ هو منسوب إلى أحد أصدقائي، غير أنني أجد فيه ما يبرر إعادة صياغته على النحو التالي: يكفي ذلك الرجل خجلاًً أنَّ امرأة تمكّنت من خداعه، والمقصود هنا أنَّ تلك المرأة استطاعت أنْ تُوقعه في فخ ماكر ضمن مسألة تجارية.

وقد قال صاحبي هذه العبارة في جلسة جمعت بعض الأصدقاء والأقارب، وكان من بين الحاضرين عدد من النساء أيضاً. الملفت في الأمر أنَّ كلماته، التي قد يُظن أنها تمسّ مكانة المرأة، لم تُثر أي اعتراض أو استياء من الحاضرات ، بلْ مرّت كأنها عادية لا تحمل ما يستوجب التوقف عنده. هذا ما دفعني إلى التدخّل فوراً لتوضيح دلالتها.

أوضحتُ حينها أنَّ في هذا القول ما يُشبه أنْ يقول رجل إنَّ امرأة ، كونها أضعف أو أقل شأناً من الرجل ، قد قامت بعمل استثنائي حين خدعت رجلاً، أي فرداً من جنس يُفترض أنه الأقوى والأعلى مكانة في المجتمع. وكأنَّ الأمر ينطوي على انتهاكٍ لترتيب المراتب البشرية المفترضة، مما يجعله مدعاة للعار، لا بسبب الخديعة ذاتها، بلْ لأنَّ من ارتكبها امرأة، لا رجلاً!

والواقع أنَّ هذه العبارة، في عمقها، تكشف عن تصوّر اجتماعي خطير، يفترض تفوق الرجل تلقائياً، ويُحوّل أي اختلال في هذا الترتيب إلى مفارقة مذهلة تستوجب الاستنكار.

أذكر أيضاً موقفاً طريفاً يحمل في طيّاته دلالات عميقة عن نظرة بعض الرجال للمرأة: إذْ قال أحد الرجال لأحد أقربائه، وهو يواسيه بعد وفاة زوجته، عبارةً لافتة إذْ قال : أنتَ يا رجل من دون امرأة لا يساوي امرأة! ، إنَّها جملة لا تخلو من مفارقة لغوية، لكنها في عمقها تعكس تصوّراً اجتماعياً مقلوباً في النظر إلى المرأة.

في المجلس ذاته، استمر الحديث في الدوران حول المرأة، لا بصفتها إنساناَ كامل الأهلية، بلْ من منظور الرجل وحده: كيف يراها، ويقيمها، ويتعامل معها. وقد بدا ذلك جلياً حين تحدّث أحد الحاضرين عن تصرّف لطيف قام به تجاه زوجته، ربما ليُظهر اختلافه، أو ليؤكد تحضّره في التعامل معها.

لكن الرد لم يتأخر؛ إذْ قاطعته امرأة مسنّة مازحة قائلة : يبدو أنك تأكل جزراً كثيراً! ، هذه عبارة تحمل في طيّاتها إيحاءً ساخراً، يُشبّهه بالأرنب، في إشارةٍ إلى طاعته وخضوعه لزوجته. المزحة بدت بريئة، لكنها في جوهرها كشفت عن موقف اجتماعي تقليدي، يرى في الاحترام المتبادل بين الزوجين خروجاً عن الطبيعة الذكورية للرجل.

هذا الموقف يضيء جانباً دقيقاَ من العلاقات الاجتماعية: حيث تُقابل أي محاولة لتجاوز النمط التقليدي بين الجنسين إما بالسخرية أو بالدهشة، وكأنَّ المساواة واللطف ضعف، لا سلوك إنساني راقٍ.

قد تبدو كلمات المرأة المسنّة مجرد دعابة عابرة، لكنها في الواقع مشبعة بمعانٍ جدّية تنبع من تصورها العميق لدور كلٍّ من الرجل والمرأة في العلاقة الزوجية. فهي ترى أنَّ الشكل الطبيعي أو المقبول اجتماعياً لتلك العلاقة هو أنْ يحتل الزوج موقع الأسد ،وهو رمز القوة والسيطرة والشجاعة، بينما تكون الزوجة في موقع الأرنب ، أي الضعف، والطاعة، والخوف.

حين أطلقت المسنة عبارتها الساخرة، التي شبّهت فيها أحد الحاضرين بالأرنب لكثرة ما يأكل الجزر ، في إشارة إلى طاعته لزوجته ، قابلها الرجل بالضحك، وأومأ برأسه وكأنّه يوافقها ضمناً على هذا التوصيف. غير أنَّ زوجته لم تقبل بهذا التصنيف، فبادرت إلى الدفاع، لا عن زوجها فحسب، بلْ عن نفسها أيضاً، مؤكدة ، في رد ذكي ، أنَّ المعادلة معكوسة إذْ قالتْ : هو الأسد، وأنا الأرنب ، ولا أقبل له أبداً أنْ يكون أرنباً!

الطريف في الموقف لا يُخفي ما فيه من دلالة ثقافية عميقة: إذْ يُظهر كيف أنَّ الصور النمطية للجنسين ما تزال حاضرة بقوة، وأنَّ الخروج عليها ، حتى لو كان بسيطاً أو عفوياً ، يواجَه فوراً بإعادة ضبط للأدوار، وكأنّ ميزان العلاقات لا يستقرّ إلّا بوجود طرف قوي وآخر ضعيف.

رغم أنَّ الزوج ، الموصوف مجازاً بالأسد، بدا وكأنه يرضى، مجاملة، بالظهور في صورة الأرنب الطيّع أمام زوجته، إلّا أنه لم يتأخر في إثبات موقعه الحقيقي داخل البيت، باعتباره صاحب الكلمة الفصل والحكم النهائي في شؤونه.

فما إنْ دار الحديث حول الانتخابات النيابية المقبلة، حتى أعلن بنبرة لا تخلو من الحسم والسلطة ، أنَّ صوته وصوت زوجته سيذهبان إلى قريبه المرشح، وكأنَّ القرار هو قراره ولا علاقة لزوجته به.

هو مواطنٌ حرٌّ في اختياره السياسي والانتخابي، لا يُملى عليه رأي ولا يُفرض عليه قرار. غير أنَّ النقاش بدأ يأخذ منحى آخر حين تطرّقنا إلى الانتخابات النيابية المقبلة، حيث بدت العلاقة بين المرشَّح والناخِب أقرب ما تكون إلى رابطة أسرية تتجاوز الاعتبارات العامة.

وفي أثناء الحديث، أفصح الرجل عن دعمه لأحد أقاربه المرشحين. لا لجدارته بالمنصب ، بلْ لأنَّه قريبه ، بناءً على المنطق الذي قدّمه، ذلك القريب لا تتوفر فيه الكفاءة المطلوبة لـنيابةٍ صالحة. ومع ذلك، كان قراره محسوماً ، بلْ شمل أيضاً صوت زوجته ، في أنْ يمنحاه أصواتهما!

كثيراً ما تناولنا بالحديث طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في مجتمعنا، ولكن كما تقودنا الروابط الخفية بين الأفكار حين يجرّ الحديثُ حديثاً وجدتُ نفسي أستحضر علاقة أخرى لا تقل تعقيداً: تلك التي تربط السلطة التنفيذية بالبرلمان.

في خطابها، لا تكفّ السلطة التنفيذية عن التغزّل بالبرلمان، فتسكب عليه عباراتٍ منمّقة، وتلبسه من الأوصاف الرفيعة ما يضفي عليه صورةً شاعرية، مغايرة تماماً لواقعه الحقيقي. وكأنَّها لا تملّ من استخدام أدوات التأكيد، فقط لتقول لنا، ضمناً: هذا غير موجود!

في إحدى النقاشات، عبّرت شابة عن استيائها من التمثيل الضعيف للنساء في البرلمان، وطرحت سؤالاً غاضباً إذْ قالتْ : كيف يمكن للمرأة، وهي تشكّل نصف المجتمع، أنْ ترضى بهذا الحضور الهزيل داخل مؤسسة تشريعية تمسّ مصيرها؟.

لم يتأخّر أحد الرجال المتحمّسين لهيمنة الذكور على العمل البرلماني في الرد، فقال بلهجة واثقة: وما سبب احتجاجك؟ أليست معظم النساء يصوّتن أصلاً للرجال؟.

شعرتُ بالحاجة لتوضيح زاوية مغفلة في هذا الجدل، فقلت له في نفسي : ربما لو أُعيد النظر في معنى الرجولة، بحيث تصبح رجولة سياسية لا بيولوجية، عندها لن يكون هناك مبرّر للاعتراض على برلمان يغلب عليه الرجال .

البرلمان، كما هو قائم في واقعنا، لا يبدو تمثيلاً حقيقياً للأغلبية، بلْ يُشبه إلى حدٍّ بعيد مؤسسة تمثّل الأقليات . والمفارقة أنَّ المرأة، رغم أنها تُشكّل نصف المجتمع عددياً، لا تزال تُعامل وكأنها أقلية في المجالات السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية.

وبهذه الصفة ، أقلية سياسية ، تصبح المرأة في وضعٍ مماثل تماماً للأحزاب الصغيرة، بلْ وتكاد تتساوى من حيث التأثير السياسي مع ما يُسمى الأكثرية النيابية!

في لغتنا السياسية اليومية، كثيراً ما تتداخل مفردات العاطفة والغرام مع خطاب السلطة والحكم. فالرجل الذي يتّصف بالقوة والهيمنة ، كالرجل الأسد في حديثنا السابق ، لا يكتفي بحب زوجته، بلْ يعشقها إلى درجة العبادة، رغم أنها لا تمتلك صفات اللَّبْوة. وعلى هذا المنوال، تسير السلطة التنفيذية في علاقتها بالبرلمان؛ فهي لا تكتفي بإظهار الاحترام، بلْ تمضي في حبها وعشقها له حد التقديس، مع أنَّ البرلمان نفسه يفتقر إلى ملامح القوة والاستقلال التي تجعل منه نظيراً حقيقياً لها.

رحم الله فولتير، إذْ لخَّص ببراعة العلاقة المعقدة بين الرجل والمرأة حين قال: تظل المرأة معبودة ما دامت عبدة ، أما إنْ طالبت بالتحرّر، وسعت إلى حقوقها، ورفعت صوتها دفاعاًً عن كرامتها، فإنها تتحول فجأةً إلى شيطان رجيم .

وهكذا البرلمان في أعين السلطة: مقبول ما دام خانعاً، صامتاً، وظلاً باهتاً لها؛ لكنه ما إنْ يطالب بدوره الحقيقي، ويسعى لأنْ يرى ويسمع ويفكر ويُغيّر، حتى يتحوّل بدوره إلى خصم متمرّد يجب تطويعه أو إقصاؤه.



#ادم_عربي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تشوّه الإدراك لفكرة الانتقال الزمني!
- ما يُتَعَمَّد تجاهله في دساتيرالعرب!
- العمل!
- امرأةٌ جميلةٌ!
- فائض الغذاء وجوع المليارات!
- مجتمع الحقوق!
- طريقةُ فهم المفاهيم!
- نجوم بلا لهب!
- مفهوم -فاليريزم- (Valerism) كما ورد في كتاب The Physics of C ...
- جدليةُ الإحساس!
- في فلسفة نسبية -الآن-!
- نساء٣
- في الزمن!
- هل رأيت يوماً ذكراً خالصاً؟
- بعضٌ من جدل فلسفة التغيير!
- صرخةُ العدم!
- التفسير المثالي والواقعي للسياسة!
- ما هي الحقيقة من منظور جدلي؟
- فلربما!
- صفورا


المزيد.....




- المرأة بين وعي الواقع ولاوعي السلطة الذكورية
- باكستان: مشروع قانون لإلغاء الإعدام بجرائم الخطف وتعرية النس ...
- ألمانيا تلقي القبض على ليبي متهم باغتصاب وتعذيب معتقلات في س ...
- رصدتهما الكاميرا متعانقين.. امرأة تغطي وجهها والرجل يختبئ في ...
- كاميرا في حفل كولد بلاي تضع رجلا وامرأة في ورطة
- حصان يتسبب بمقتل امرأة اثناء عملها
- رئيس تجمع العشائر يتحدث عن مجازر وقطع رؤوس واغتصاب بالسويداء ...
- حيوية في التسعينيات من العمر.. ما سرّ تمتع هذه المرأة بالنشا ...
- رسم -شعر عانة- لامرأة عارية وتوقيع ترامب برسالة عيد ميلاد جي ...
- “هام وعاجل” Link التسجيل في منحة المرأة الماكثة في الجزائر 2 ...


المزيد.....

- المرأة والفلسفة.. هل منعت المجتمعات الذكورية عبر تاريخها الن ... / رسلان جادالله عامر
- كتاب تطور المرأة السودانية وخصوصيتها / تاج السر عثمان
- كراهية النساء من الجذور إلى المواجهة: استكشاف شامل للسياقات، ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- الطابع الطبقي لمسألة المرأة وتطورها. مسؤولية الاحزاب الشيوعي ... / الحزب الشيوعي اليوناني
- الحركة النسوية الإسلامية: المناهج والتحديات / ريتا فرج
- واقع المرأة في إفريقيا جنوب الصحراء / ابراهيم محمد جبريل
- الساحرات، القابلات والممرضات: تاريخ المعالِجات / بربارة أيرينريش
- المرأة الإفريقية والآسيوية وتحديات العصر الرقمي / ابراهيم محمد جبريل
- بعد عقدين من التغيير.. المرأة أسيرة السلطة ألذكورية / حنان سالم
- قرنٌ على ميلاد النسوية في العراق: وكأننا في أول الطريق / بلسم مصطفى


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق المراة ومساواتها الكاملة في كافة المجالات - ادم عربي - ضحكتْ عليه امرأة !