أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جعفر المظفر - في ضيافة المدافع .. صمت الفرسان















المزيد.....

في ضيافة المدافع .. صمت الفرسان


جعفر المظفر

الحوار المتمدن-العدد: 8390 - 2025 / 7 / 1 - 19:00
المحور: سيرة ذاتية
    


بعد جحيم حرب التحالف الدولي ضد العراق بسبب احتلاله الكويت قررت أن أريح عائلتي ونفسي وذلك بزيارة عمان عاصمة الأردن. كان قرار منع السفر الذي صدر بحقي قد تم رفعه بعد أن استمر لأكثر من عشرة أعوام. القرار نفسه ضمته قائمة من أكثر من مئتين وعشرين من قيادات الحزب الوسطى بحجة عدم التطوع في الحرب مع إيران وقد تضمن ذلك القرار أيضاً عشرة عقوبات متفرقة منها نقلي من مهنة التدريس في كلية طب الأسنان جامعة بغداد إلى وزارة الصحة والحرمان من القروض التي تمنحها البنوك أو الحصول على قطعة أرض للبناء, إضافة إلى عقوبات أوجزت تنوعها بتعبير ساخر كنت أردده وقتها على مسامع القريبين : لم يبقَ سوى أن يمنعونا من الزواج أو يبعدوا المتزوج منا عن زوجته.
عَمّان فيها كثيرمن الأصدقاء والمعارف, وكنت قد تعرفت بشكل وثيق على أغلب الطلبة الأردنيين الذين درسوا في الجامعات العراقية, واشهد أني قد حظيت بكرم العديد من الذين إلتقيت بهم في تلك الزيارة وبخاصة إثنين من الذين لهم علاقة بمقالتي هذه الخاصة بالصواريخ التسعة وثلاثين التي أطلقها صدام ضد إسرائيل, وسأكتفي بذكر الحرفين الأولين من اسميهما بحكم احترام الخصوصية.
كان الأول هو (م.ج) عضو قيادة حزب البعث في الأردن الذي غادر بعدها إلى السعودية ليصير سَلَفياً بلحية طويلة ونصف دشداشة مما جعلني أظل متسائلاً بدهشة : كيف يمكن لبعثي وصل لِقِمة حزبه أن يتحول إلى إسلامي سلفي. وأجد أن هذه الاشكالية تغريني للحديث حول العلاقة بين البعث والإسلام وكيف أن هذه العلاقة لم تفلح لدى بعض البعثيين لاستيعاب طبيعة الحل الذي حاول مؤسس البعث من خلاله أن يوظف التراث الإسلامي لخدمة هدف بناء (الأمة) فتراهم يتحولون إلى إخوان مسلمين أو سلفيين أو حتى إرهابيين طائفيين كما في حالة أغلب القياديين في تشكيلات (القاعدة) في العراق بعد انهيار حكم الحزب ووقوع العراق تحت حكم الإحتلال الأمريكي.
أما صديقي الثاني فهو (م.س) القيادي البعثي الطلابي الذي كان رئيساً للإتحاد العام لطلبة الأردن وأصبح بعدها وزيراً ثم عضواً في مجلس الأعيان, والذي أحمل له الكثير من الاحترام متمنياً له الشفاء العاجل من مرضه.
ما اذكره عن الأول أنه أقام لي ولعائلتي مأدبة عشاء دعا إليها ما لا يقل عن عشرة من المعارف, حتى إذا ما انتهينا من أكلة المنسف الأردنية, أمسك صاحب الدعوة بيدي قائلاً, تعال نريك الجبل الذي كنا نصعد إليه فرحين ونحن نتفرج على الصواريخ التي أطلقها صدام ضد إسرائيل في أثناء حرب الكويت.
كان الوقت حينها قد قارب منتصف الليل فاقترحت أن نكتفي بالنظر إلى الجبل من حديقة داره. تذكرت حينها كم كان عمق المعاناة التي عشناها في العراق إبان ما سمي بحرب تحرير الكويت. نظرت إلى وجوه أصدقائي التي بدت وكأنها تستعيد انتاج فرحة الترحيب بتلك الصواريخ العابرة في طريقها إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة, وكان من بينهم من أدان احتلال الكويت لكنه صفق لصواريخ صدام.
لم أتمالك نفسي عن إفساد تلك الفرحة, قلت : حقاً أيها الأصدقاء لقد كنا جميعاً قد تشاركنا الرقصة, كلٌ على طريقته الخاصة, أنتم رقصتم فرحين ونحن رقصنا مرعوبين. وإذ لا أعيب عليكم فرحتكم ولا أتطاير منها فأنا أدعوكم أيضاً إلى أن تقدروا حقيقة أن العراق عزيزعلينا مثلما هي فلسطين والأفضل أن نبحث سوياً عن معادلة التحرير التي تجعل العراقي غيوراً على فلسطين مثلما تجعل الفلسطيني غيوراً على العراق, وكان علينا أن نتساءل: ماذا سيحصل للعراقيين لو أن إسرائيل ردت على العراق بصواريخها الفائقة الدقة.. تلك كانت ستكون مذبحة إبادة لا أظن أن ضمير أي واحد منكم سيكون مستعداً للقبول بها !!
صديقي الآخر (م.س) إقترح علي أن نسير لدقائق حتى نهضم وجبة (المَنْسَف) التي كنا قد أجهزنا عليها قبل منتصف الليل بدقائق ! وكأنما أراد أن يدخل إلى موضوعته مباشرة فروى لي كيف أنه ذهب إلى الشقة التي كانت تسكن فيها السيدة زوجة الدكتور منيف الرزاز, الذي حكم عليه صدام حسين بالإحتجاز حتى الموت رِفقة كل شهداء قاعة الخلد عام 1979, وقد حدث ذلك في صباح اليوم الذي تلى هجمة الصواريخ العراقية على إسرائيل, والمثير أنه وقبل أن يلقي على السيدة تحية الصباح فاجئته وهي تهزج من الفرحة : لقد سامحته !! والمقصود بذلك أنها سامحت صدام الذي غدر بزوجها وحجز عليه حتى الموت.
ولم يكم صعباً أن أفهم الغاية من تلك الحكاية: كل الذين يوافقوك على ما تقوله ضد صدام حسين سيعلنون لك أنهم سامحوه لمجرد أنه القائد العربي الأول الذي تجرأ على ضرب إسرائيل. قليلون سيستمعون لروايتك التي تؤكد فيها على أن تلك الصواريخ كانت تكتيكية, أي أنها أتت لصالح النظام الصدامي وليس لصالح تحرير فلسطين, وهم سوف لن يصدقوك حينما تؤكد لهم أن صدام, وحينما رأى أن أغلب الأنظمة العربية قد شاركت في الحرب ضده, ظن أن صواريخه ستثير غضب الجماهير العربية لكي تأتي لنجدته, فاللعبة كانت أن يحرر نفسه من الجيوش التي أطبقت عليه لا أن يحرر فلسطين, أي أنها كانت محاولة لخلط الأوراق ليس أكثر.
قلت لصديقي بعد أن ختم روايته : هل رأيت الشريط المصور الذي يتحدث فيه علي حسن المجيد إبن عم صدام يوم خاطب (معن بشور) وذلك في الحفل الذي أقامه لاستقبال رؤساء الوفود الذين شاركوا في المؤتمر القومي العربي الذي كان قد انعقد في بغداد لنصرة العراق, وبعد أن دعاه لكي يشاركه صينية (الكنافة) :
يا معن أنت تعرف أن تعداد الشعب العراقي هو خمسة وعشرين مليون فما الذي يضيرنا لو أننا ضحينا بعشرين مليون منه لأجل تحرير فلسطين.
كان المجيد وقتها تحت تأثير الخمرة حتى تكاد تشتم رائحتها من خلال جهاز التلفزيون. لقد عينه صدام حاكماً للكويت لكنه ترك الجيش العراقي هناك قبل ثلاثة أيام من الهجوم الكبير ثم ذهب إلى مزرعته في بغداد لكي يشارك الغجريات حفلة الفجور المعتادة, فهو يريد أن يضحي بعشرين مليون عراقي دون أي إحتمال لكي يكون واحداً منهم.
قلت لصديقي الذي كان يحدثني عن قصته مع السيدة زوجة المغدور الدكتور منيف الرزاز : أنا يا صديقي مؤمن بالقول : (الشعب على حق ولو كان على خطأ). كل العرب الذين يحبون صدام لأنه ضرب إسرائيل بصواريخة التكتيكية هم على حق, رغم أنهم على خطأ ! فلقد نجح صدام أيما نجاح في تسويق شخصيته القومية (البطولية !) وخاصة حينما ضرب إسرائيل. وما أراه أنه عرف كيف يغازل عواطفَ عربية ظلت مهانة من قبل عدو إسرائيلي كان أمعن كثيراً في إذلالها.
أما اليوم وبعد أن ردت إيران على العدوان الإسرائيلي بصواريخها المؤثرة وبعد ما يقارب الأربعة وثلاثين عاماً من لقائي بأخي (م.س) أتخيل نفسي وأنا أخاطبه : يا صديقي, أنا أصفق لكل من يكسر شوكة (نتنياهو) المدان بجرائم الإبادة ضد الإنسانية. أما موقفي ضد دولة ولاية الفقيه فهو لن يأكل من حجم إعجابي بموقف تلك الدولة للدفاع عن حقوقها السيادية.
أما أولئك الفرحون بالوجع الإيراني فسأقول لهم أن أخلاق الخصومة قد تقتضي في بعض المواقف صمت الفرسان, وليتذكروا كيف أنهم أعابوا على معارضي صدام تعاونهم مع الأجنبي ضد حاكمهم العراقي رغم طغيانه.
وما أراه .. إن علينا أن لا نرتكب نفس الخطأ وأن لا نمارس نفس الخطيئة.



#جعفر_المظفر (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- لن نمسح مساوئ إيران بمساوئ إسرائيل
- بين السيء والأسوأ منه
- صدام حسين لم يكن عميلاً
- الشاعر كأديب والشاعر كإنسان
- (الحرام الحرام) و(الحرام الحلال)
- بين الدولة المدنية والدولة العلمانية
- حوار مع الأستاذ سالم مشكور فساد في النظام مقابل نظام للفساد ...
- مقالة من سبعة سطور .. (العراقي السوري .. الصورة والمرآة)
- طوفان الأقصى وما أدراك ما طوفان الأقصى
- العقائدي السايكوباث
- الطائفية التقدمية
- أصحاب الحناجر المريضة
- الدولة المدنية والدولة العًلمانية
- ماسك والإسلام
- زيلينسكي .. ليس بالديمقراطية وحدها تحيا البلدان
- العقاري في خدمة السياسي وليس العكس
- وطني حبيبي الوطن الأكبر
- إن هما اجتمعا معا خربا معاً
- في ضيافة المدافع / بغداد الأنبار رايح جاي (2)
- في ضيافة المدافع ... من بغداد إلى الأنبار رايح جاي


المزيد.....




- ليس في أمريكا..أين يقع أقدم منتزه وطني في العالم؟
- أول تعليق من الكرملين بعد دعوة رئيس أوكرانيا لإجراء مباحثات ...
- كيتي بيري كادت أن تسقط من على منصة فراشة خلال حفلها في سان ف ...
- في قلب دخان أسود.. كاميرات مثبتة بالجسم توثق إنقاذ سكان مبنى ...
- آلام الأسنان: ما السبب وراء الألم عند تناول المثلجات والمشرو ...
- الجيش الإسرائيلي يصدر أوامر إخلاء في مناطق -لم يعمل بها سابق ...
- سوريا: هدوء نسبي في السويداء ونزوح جماعي بسبب أعمال العنف
- هل أصبح ترامب جزءا من الدولة العميقة التي حاربها؟
- بولر متفائل بشأن اتفاق جديد ويصف حماس بالعنيدة
- صحف عالمية: إسرائيل ترتكب بدم بارد جريمة ضد الإنسانية في غزة ...


المزيد.....

- كتاب طمى الاتبراوى محطات في دروب الحياة / تاج السر عثمان
- سيرة القيد والقلم / نبهان خريشة
- سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن / خطاب عمران الضامن
- على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم / سعيد العليمى
- الجاسوسية بنكهة مغربية / جدو جبريل
- رواية سيدي قنصل بابل / نبيل نوري لگزار موحان
- الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة / أيمن زهري
- يوميات الحرب والحب والخوف / حسين علي الحمداني
- ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية / جورج كتن
- بصراحة.. لا غير.. / وديع العبيدي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - سيرة ذاتية - جعفر المظفر - في ضيافة المدافع .. صمت الفرسان