أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعد العبيدي - هذا ليس دين أبي














المزيد.....

هذا ليس دين أبي


سعد العبيدي

الحوار المتمدن-العدد: 8389 - 2025 / 6 / 30 - 22:10
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


لم يكن خضير خلف يعرف أسماء المذاهب، ولا تحفظ ذاكرته شيئًا من الخلافات بين "السنّة" و"الشيعة" و"المرجعية" و"الفتوى".كان فلاحًا في بستان أعمامه على شط الحلة، يمسح جبينه بكفّه المتقرّحة بعد إتمام السقي. يرفع عينيه نحو السماء كأنها محرابه الأبدي. لم يسأل يومًا عن فروق الصلاة بين المذاهب، ولا عن أحقية الخلافة لما قبل 1500 سنة.
كان دينه مختبئًا في التفاصيل الصغيرة: في زرع شجرة، وإكرام ضيف، ومساعدة فقير.
أتذكره لحظة رفع عباس الجاسم أذان الظهر، بصوت يختلط فيه الصدق بالشيخوخة، لا يتحرك طواله إلا بعد اكتمال ربط الحزمة الأخيرة من الحصاد، ليأخذ له مكانًا للصلاة تحت ظل نخلة من نخيل الرهيمية.
وحين أسأله، بعين الطفل المندهشة: "لقد انتهى الأذان!"، يردّ بثقة من يعرف الله أكثر مني:
"العمل أفرض، وربك يعرف النية."
كان ذلك هو الدين. لا طقوس مُبهرجة، لا جهاد في غير موضعه، ولا فتاوى تحوم كالسكاكين فوق الرقاب.
لم يكن في قريتنا (الجمجمة) فقيه، لكننا كنا نعرف كيف نخاف الله دون وساطة، وكيف نحبه دون تجارة.
وكانت أمي، بنت داوود، كما كان يسميها الوالد، تصلّي على وفق ذلك الدين، دون أن ترفع صوتها بدعاء طويل، وتغسل وجهها قبل الوضوء كأنها تُهيّئه للقاء الحبيب، وتغطي رأسها، لا لأن أحدًا فرض عليها، بل لأن الحياء كان جزءًا من جلدها.
لم أسمعها تتحدث عن النار وعذاب القبر، وكلما سألتها عن الجنة في طفولتي، قالت:
"الجنة ليست بعيدة عن مَن لا يؤذي أحدًا."
وأتذكر حين جاءت مع بعض نساء العائلة لإتمام خطبتي، واطّلعت على ملامح "السفور" عند كنتها المستقبلية، لم ترفع حاجبًا، ولم تُطلق حكمًا. قالت، بعد أن باركت الخطبة:
"الله ينظر للقلوب وليس للثياب"
هذا هو دين آبائي الذي عرفته. دين يُغني عن الشرح والتبرير، لأن أصحابه صادقون في نواياهم.
أما دين أبنائي اليوم، فقد أُدخلت عليه أمور لم نرها من قبل. أصبح مهرجانًا من الطقوس الغريبة، وزعيقًا في السماعات طول النهار، ومواكب يتشاجر أصحابها على الفتات، ويتحدثون عن العذاب أكثر من الرحمة.
في دين اليوم، يصعد إلى المنابر رجال لا يشبهون أولئك الذين عرفناهم؛ صراخهم لا يبعث الطمأنينة، وفتاواهم لا تزرع الرحمة، بل تحرّض على القتل، وكأن الله لا يرضى إلا بالدم.
أين ذهب ذلك الدين الذي كان يجعل الجار يطرق باب جاره ليسأله عن رغيف خبز؟
أين ذهبت بساطة أبي، وحكمة أمي، وصلاة جدتي التي كانت تُخفيها عن الضجيج، لا عن الله؟
أتراني كبرت؟ أم أن الدين هو الذي تغيّر؟ أم أن هناك من غيّره عمدًا؟
كأن أصحاب الدين الجديد ليسوا أبناءنا، بل كائنات جاءت من كتب قديمة أُخرجت من باطن الأرض، نفضوا عنها الغبار لا ليتدبروا، بل ليُقاتلوا بها. وكأنهم وُلدوا في ورش سرية أعدتها جهات لا تؤمن بربّنا، بقدر ما تؤمن بإمكانية السيطرة علينا باسم الله.



#سعد_العبيدي (هاشتاغ)      


ترجم الموضوع إلى لغات أخرى - Translate the topic into other languages



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشبح من انتصر
- كيف تُهيّأ النفوس لتقبّل الخسارة؟: قراءة نفسية في سيناريو ال ...
- التفاهة: حين تُغلق أبواب المعنى في وجه بلد بأكمله
- تشوه صورة الدولة في وعي مواطنيها
- لماذا لم يتجاوز العراقيون أحزانهم
- الخرافة: ظل الخوف في العقل العراقي
- إعادة كتابة الذات العراقية
- حكاية راهب ومدينة
- عندما يتحول القائد الى قدوة قسرية
- شرطي الأمن الداخلي: زقيب الوعي الذاتي
- عراق يسكنه الحزن
- جمهورية التغاضي: كيف نسي العراقيون أن ينتبهوا؟
- الفسدنة: رحلة نفسية في خزين الوعي العراقي (4 - 12)
- الكَبْرَنّة: رحلة نفسية في خزين الوعي الوعي العراقي (3 - 12)
- الغلونة: رحلة نفسية في خزين الوعي العراقي (2- 12)
- ظواهر العفن الاجتماعي: رحلة نفسية في خزين الوعي السلبي
- الاعتراف بالخطأ فضيلة
- سيكولوجيا النجاة من الغرق
- سيكولوجية إزدراء الوظيفة في البلاد
- في معنى الخيانة


المزيد.....




- المصارف الإسلامية في سوريا تنتزع الريادة من نظيراتها التقليد ...
- إسرائيل قاتلة الأطفال تحاول بث نار الفتنة الطائفية
- سلي أطفالك بأغاني البيبي..تردد قناة طيور الجنة بيبي على نايل ...
- ماذا يعني اعتراف روسيا بإمارة أفغانستان الإسلامية؟
- “بدون تشويش أو انقطاع” استقبل الآن تردد قناة طيور الجنة 2025 ...
- بابا الفاتيكان يدعو لوقف ’وحشية الحرب’ في قطاع غزة
- الرئيس الروسي يلتقي في موسكو كبيرَ مستشاري قائد الثورة الإسل ...
- هآرتس: تصدع في دعم الإنجيليين الأميركيين لإسرائيل بسبب استهد ...
- بابا الفاتيكان يدعو لإنهاء -وحشية الحرب- ووقف العقاب الجماعي ...
- بابا الفاتيكان يدعو لإنهاء -وحشية الحرب- ووقف العقاب الجماعي ...


المزيد.....

- السلطة والاستغلال السياسى للدين / سعيد العليمى
- نشأة الديانات الابراهيمية -قراءة عقلانية / د. لبيب سلطان
- شهداء الحرف والكلمة في الإسلام / المستنير الحازمي
- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - سعد العبيدي - هذا ليس دين أبي