أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - وضعت الحرب أوزارها على سجادةٍ إيرانيةٍ شديدةِ التوهج : سردية سياسية-ثقافية من قلب الشرق














المزيد.....

وضعت الحرب أوزارها على سجادةٍ إيرانيةٍ شديدةِ التوهج : سردية سياسية-ثقافية من قلب الشرق


مظهر محمد صالح

الحوار المتمدن-العدد: 8384 - 2025 / 6 / 25 - 02:51
المحور: قضايا ثقافية
    


لم يكن في نهاية هذه الحرب هديرُ مدافع، ولا انكسارُ بيارق، بل صمتٌ كثيف يشبه ما بعد العاصفة.
هبط هذا الصمت على أنسجةٍ من حريرٍ شرقي، مشغولةٍ بالرمز، والتاريخ، والدم.
سجادةٌ إيرانية، ليست مجرّد قطعة فنية تُفرش على الأرض، بل ذاكرةُ شعب، وأحلامُ ثورة، وخرائطُ قوى معلّقة على حوافّ الوجود.

هناك، حيث تلتقي الألوان بالنار، وضعت الحرب أوزارها… لا بانتصارٍ ناصع، ولا بهزيمةٍ خالصة، بل بخيوطٍ من الغموض، تواصل نسج مستقبلٍ إقليمي هش، كأنها تُحاك بإبرةٍ تتأنّى ولا تُخطئ، على نولٍ من الجمر.
المشهد يشبه اليوم ورشةً لصناعة السجاد اليدوي: الصمت ذاته، الدقة ذاتها، الصبر الطويل ذاته، في انتظار كمالٍ لا يُمنح دفعةً واحدة.
الحرب، كسجادةٍ معلّقة، تبدو متقنة من بعيد، لكنها تُخفي رمادًا تحت زخارفها.
والسؤال لا يزال معلّقًا:
هل انتهت الحرب حقًا؟
أم أن السجادة تحاول أن تُخفي آثار الحريق في نقوشها؟
تعود بي الذاكرة إلى عشرين عامًا خلت، يوم زرتُ مدينة مشهد التاريخية المقدسة، عاصمة إقليم خراسان، والمعروفة بـ”مدينة الألف مسجد”.
هناك، في متحف السجاد الإيراني، وقفتُ مدهوشًا أمام سجادةٍ نادرة، مقسومة إلى نصفين، معلّقة بإتقان، لا لعيبٍ فيها، بل لفرط تفردها.
تذكّرتُ حينها السجادات التي زيّنت منزل والدي:
من القطع الصغيرة المسماة “كاشان”، إلى القطع الكبيرة “كرمان”، التي ظلّت تتوسط دارنا لعقود، شاهدةً على حكاية جمال لا ينضب.
في إيران، السجاد ليس صنعةً فحسب، بل حضارةٌ تنسج نفسها عبر الزمان.
بلادٌ لم تتوقّف يومًا عن حياكة خيوطها، تصنعها بإصرار القوة، وجمال الذوق، وصبر الإنسان.
روى لي أستاذي الراحل في علم الاقتصاد، الدكتور عبد المنعم السيد علي، حكاية لم أنسها:
في خمسينيات القرن الماضي، سكن دارًا في الولايات المتحدة، كانت تملكها سيدة أمريكية مغرمة بجمع السجاد الإيراني —
Persian Carpet.
سألها يومًا:
“لماذا تجمعين هذه القطع الشرقية، وأنتِ في بلادٍ عامرةٍ بالسجاد الصناعي؟”
فأجابته:
“السجاد الفارسي أصول ثمينة … كالذهب.
تزداد قيمته بمرور الزمن، لدقة صنعه، وأصالة ألوانه، وعمق ذوقه، وصبر صانعه.”
ولهذا، تضج به مزادات العالم اليوم؛ فمن بين أندر الأنتيكات وأكثرها طلبًا بين الأثرياء، تلك القطع القادمة من قم، وتبريز، وكاشان، وكرمان.
حين كنت أتأمّل سجاد متحف مشهد، استعدتُ ذلك الحوار بين أستاذي وتلك السيدة.
لقد أدركتْ، في وقتٍ مبكر، ما لم يدركه كثيرون:
أن الحضارات تُبنى بالصبر، والدقة، والتذوق… لا بالصوت المرتفع.
وأن الشخصية الإيرانية، مثل سجادها، لا تُختزل بلحظة، بل تُقرأ عبر خيوطٍ ممتدة منذ عصور بلاد فارس الأولى.
وختامًا…
لا أدري، كم من السجاد الإيراني النادر ما زال يُزيّن مسكن الرئيس دونالد ترامب، وهو يتأمّل — ربما دون وعي — حضارةً آسيوية عظيمة، لا تُقهَر بالصوت، بل تُروى بالخيط.
في حربٍ أمست ناعمةً في غزولها… غزولِ سجادها.



#مظهر_محمد_صالح (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- شلالات فكتوريا… ليس هديرها استعمارًا، بل إفريقياً سردية ثقاف ...
- حيدر آباد: رفاه الحُكم وتواضع الرحيل
- الولايات المتحدة في الشرق الاوسط: حربٌ بلا حرب
- سلطان إبراهيم: السمك الذي يحسم الجدل
- سور الصين العظيم . جدار الذاكرة … جدار الأمة
- اطفال الآيس كريم في قاعة صندوق النقد الدولي: تربية ناعمة في ...
- رُعاة البقر والهواتف الذكية: تأملات على هامش زيارة إلى كنساس ...
- هل بقي للحياة من طَعم؟
- في سنغافورة: الألماس خلف الزجاج، و الفقراء خلف الأمل
- مصافحة دبلوماسية ناعمة بلا عناء ولكن…؟
- لماذا يرتفع الدينار العراقي في السوق الموازي ؟.
- بين العقل والمال : رحلة في دهاليز التفكير الطبقي…!!
- بين انحناء العامل واستواء السوق:قراءة في وهم التكافؤ
- القمة العربية الاولى في الكويت : ذكريات حزينة برفقة الرئيس ا ...
- الكادح الريعي بين السركال والسجان .. قصة من حياتي .
- كيمياء المالية العامة العراقية في مواجهة التحديات الخارجية ع ...
- الامبريالية المالية و الماركنتالية الجديدة تحت راية واحدة : ...
- نهاية الحرب الروسية الاوكرانية:القطبية الثنائية وتجارة الصدا ...
- صناعة القطبية الثنائية: روسيا والترامبية الجديدة
- الوزير روبيو ويوم الاربعاء في الذاكرة البغدادية.


المزيد.....




- وزير الدفاع الأمريكي: ترامب هيأ الظروف لإنهاء الحرب الإسرائي ...
- مرشح ليكون أول مسلم يُصبح عمدة نيويورك.. من هو زهران ممداني ...
- مبابي يتهم باريس سان جيرمان بـ-الاعتداء الأخلاقي- في شكوى جن ...
- هل تناول تفاحة في اليوم مفيد حقّاً لصحتك؟
- بين جنون الارتياب والقمع الجماعي... ما تداعيات -حرب الاثني ع ...
- لماذا شددت إسرائيل حصار غزة بعد الحرب مع إيران؟ مغردون يتفاع ...
- سائل ذهبي بلا فوائد.. إليك أشهر طرق غش العسل في المصانع غير ...
- شاهد أحدث الابتكارات الصينية.. مسيّرة تجسس بحجم بعوضة
- هل دفع العدوان الإسرائيلي المعارضة الإيرانية إلى -حضن- النظا ...
- لماذا تركز المقاومة بغزة عملياتها ضد ناقلات الجند والفرق اله ...


المزيد.....

- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الساد ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الثال ... / منذر خدام
- أسئلة الديمقراطية في الوطن العربي في عصر العولمة(الفصل الأول ... / منذر خدام
- ازمة البحث العلمي بين الثقافة و البيئة / مضر خليل عمر
- العرب والعولمة( الفصل الرابع) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الثالث) / منذر خدام
- العرب والعولمة( الفصل الأول) / منذر خدام
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- مقالات في الثقافة والاقتصاد / د.جاسم الفارس
- قواعد اللغة الإنكليزية للأولمبياد مصمم للطلاب السوريين / محمد عبد الكريم يوسف


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - قضايا ثقافية - مظهر محمد صالح - وضعت الحرب أوزارها على سجادةٍ إيرانيةٍ شديدةِ التوهج : سردية سياسية-ثقافية من قلب الشرق