ليث الجادر
الحوار المتمدن-العدد: 8383 - 2025 / 6 / 24 - 16:14
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
في فجر 24 حزيران/يونيو 2025، أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن التوصل إلى "اتفاق لوقف إطلاق النار" بين إيران وإسرائيل. للوهلة الأولى، بدا الإعلان محاولة لاحتواء جولة التصعيد العسكري التي بلغت ذروتها في الأيام الماضية. إلا أن القراءة الدقيقة لمسار الأحداث، وخاصة بعض الإشارات الاستباقية من الطرف الإيراني، تكشف أن ما جرى لم يكن تسوية بل هدنة مرسومة سلفًا، مشروطة بمسار تفاوضي غير معلن.
الدليل الأبرز على ذلك يتمثل في ما نقلته وسائل إعلام دولية عن أحد كبار المسؤولين الإيرانيين، قبل يوم واحد فقط من الضربة الأميركية، حين صرّح بأن إيران أخلت منشآتها النووية من اليورانيوم المخصب. في لغة الصراع الاستراتيجي، يُعادل هذا التصرف رسالة صريحة: "لقد أطلقنا سراح الرهينة."
والمقصود بالرهينة هنا هو خطر التلوث الإشعاعي الردعي، الذي كان يمنح إيران قدرة على ردع أي ضربة عسكرية مباشرة، لا بسبب قوة سلاحها فحسب، بل بسبب تهديد البيئة الإقليمية بأكملها. بإخلاء تلك المنشآت، تقول طهران لترامب: "أزلنا العائق الذي كان يمنعك من تنفيذ ضربتك، فاضرب ما شئت، وابدأ بعدها مشروعك التفاوضي من موقع متقدم أمام خصمك الإسرائيلي."
بهذا المنطق، تصبح الضربة الأميركية المحدودة جزءًا من التفاهم غير المعلن، لا نتيجة لفشل الردع. وتُفهم "الهدنة" التي أعلنها ترامب بوصفها نقطة توازن تفاوضي أكثر من كونها نهاية حرب.
في صراعات كالتي تجمع إيران وإسرائيل – حيث تقف دولة عظمى خلف طرف، في مواجهة دولة إقليمية ذات طموح نووي – لا يمكن اعتبار المواجهة قد انتهت فعليًا إلا في واحدة من الحالات التالية:
- صدور قرار دولي ملزم من مجلس الأمن يعيد هيكلة الصراع ويضع إطارًا ملزمًا لجميع الأطراف.
- تحقق تحول استراتيجي في ميزان الردع يدفع أحد الطرفين إلى القبول بشروط الطرف المقابل.
- نشوء مظلة تفاوضية متعددة الأطراف تُنهي العداء سياسياً، لا فقط عسكريًا.
أما في غياب ذلك كله، فإن أي إعلان عن وقف إطلاق النار، خصوصًا حين يصدر من طرف لا يحمل صفة تنفيذية رسمية كما هو حال ترامب، يبقى خطوة تكتيكية في مسار تفاوض طويل، لا إعلانًا عن نهاية الصراع.
الهدنة إذن ليست نهاية، بل بداية لمرحلة جديدة من المساومات، وقد تكون أكثر خطورة من التصعيد نفسه، لأن من يملك سلطة إنهاء الحرب، ليس بالضرورة من أطلقها
#ليث_الجادر (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟