أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد مهدي غلام - (مُرَاوِدةٌ شَقيَّةٌ لِلتَّرْجُمانِ بَعْدَ قِراءةِ -طَوْقِ الحَمامةِ- و-فُصوصِ الحِكَمِ-)















المزيد.....

(مُرَاوِدةٌ شَقيَّةٌ لِلتَّرْجُمانِ بَعْدَ قِراءةِ -طَوْقِ الحَمامةِ- و-فُصوصِ الحِكَمِ-)


سعد محمد مهدي غلام

الحوار المتمدن-العدد: 8380 - 2025 / 6 / 21 - 00:17
المحور: الادب والفن
    


"أَتَرصَّدُكَ تَسْكُنُني عَبرَاتُ الشَّوْقِ...
يا أَنْتَ، يا مَنْ يَجْعلُها اللَّيْلةَ كَثيرةَ الجَمالِ.
لَكمْ يَحْلُو لي، مُنْحَنيًا فَوْقَ نَهْدَيْكِ،
أُصْغي إِلى الأَنينِ الخالِدِ
الَّذي يَنْشِجُ في الأَحْواضِ!"
"بودلير"

[المُقدِّمةُ:-

{بَيْنَ طَوْقِ الحَمامةِ* وفُصوصِ الحِكَمِ*، وتَحْتَ ظِلالِ تَرْجُمانِ الأَشْواقِ* ، تُولدُ هذِهِ القَصيدةُ كمَا يُولدُ السِّرُّ في غَفْلةٍ مِنَ الوُضوحِ، وَيُكْتبُ الحَنينُ بِنبْضٍ يُخْطئُ الجَسدَ لِيُصيبَ المَعْنى.
هُنا، لا يُرْوى العِشْقُ مِنْ كُؤُوسِ الهَوى المُعْتادةِ، بَلْ يُرشُّ على القَلْبِ كالمَطرِ الَّذي ضَلَّ طَريقهُ، فَنزلَ في الدَّمِ.
مِنْ طَوْقِ الحَمامةِ ذَاكَ الَّذي كَتبَهُ ابْنُ حَزْمٍ* كَفَقيهٍ عَاشِقٍ، إِلى فُصوصِ الحِكَمِ الَّتي فَتَقَ فيها ابْنُ عَرَبيٍّ* أَسْرارَ الوُجودِ، إِلى تَرْجُمانِ الأَشْواقِ الَّذي جَعلهُ لِسانَ العَارِفينَ* إِذَا هَامُوا في تَجلِّياتِ الجَمالِ...
في ذَلِكَ الكِتابِ الأَخيرِ، نَحتَ ابْنُ عَرَبيٍّ صُورةَ نِظَامٍ* لا كَـامْرأَةٍ، بَلْ كَمَبْدإٍ كَوْنيٍّ، كَاسْمٍ مِنْ أَسْماءِ الجَمالِ الإِلهيِّ، وحرَّرَ الشَّوْقَ مِنْ قَفصِ الجَسدِ إِلى مَيْدانِ المُطْلقِ.
في هذِهِ القَصيدةِ، يَتَشابكُ الأَثرُ بِالمَأْثُورِ، وتَغْدُو المُرَاوَدةُ فِقْهًا شِعْرِيًّا في العُبورِ مِنَ الذَّاتِ إِلى الأُخْرَى، ومِنَ الأُخْرى إِلى التَّلاشي.
المَرْأَةُ فِيها ليْستِ اسْتِعارَةً،
كَأَنَّها الكَلِمةُ الأُولى الَّتي خُلِقتْ،
والأَخيرَةُ الَّتي تُطْفِئُ النُّورَ... لِتُضيءَ بِالغيَابِ.
هِيَ قَصِيدَةٌ لا تُقَالُ، بَلْ تُسَالُ مِنَ الجِرَاحِ، ولا تُفْهمُ، بَلْ تُعَاشُ وتُرَتَّلُ.}]

القصيدة:
[الفصل الأوَّلُ: الاشْتِعَالُ – بَدَايَةُ الِانْخِطَافِ

{هُنا يَبْدَأُ اللِّقَاءُ / الِانْكِشافُ.
هُناكَ تَوتُّرٌ نَاعِمٌ، وعِطْرٌ، ولَمَعانٌ في الأَصَابِعِ، ودَهْشةٌ فِي اسْتِقْبالِ الضَّوْءِ، كَأَنَّ الحَبيبَ نَزَلَ مِنْ نَصٍّ صُوفيٍّ، أَوْ مِنْ مِرْآةٍ مُعَلَّقةٍ بَيْنَ المَاءِ والنَّارِ.}]
1
(كانَ السَّمَاحُ يُجَرِّبُ ظِلَّهُ
فَوْقَ أَصَابِعِكِ الَّتِي تَحْنُو،
كَأَنَّ حَنِينًا يُقَلِّبُ أَوْرَاقَهُ
فِي الرِّيحِ... ثُمَّ يَنَامُ.)

كانَ السَّماحُ يُجرِّبُ ظِلَّهُ
على أَصابِعِكِ،
حينَ كُنتِ تُقلِّبينَ الحَنينَ
كأوراقِ ضَجرٍ في الرِّيح.
هُناكَ عَرفْتُ:
لَستُ أَملِكُ جَسدي،
بَل يَسيلُ مِن نَظْرتِكِ
كَما يَنْهمِرُ النَّمقُ
مِن نَفَسِكِ.
2
كِبارٌ...
يَرْكَبُهُم "مِسْتَرْ هَايْدْ"،
وَيَدَّعُونَ أَنَّهُم "دُ. جِيكِلْ".
يَتنَكَّرُونَ لِأَنْفُسِهِمْ
عَلى أَبوابِ القَبْر.
وأنا،
رُبَّما كُنتُ واحِدًا مِنهُم...
قَبلَ أَنْ تَأْتي.
3
لَمْ أَسْمَعِ البَابَ،
لكنِّي رأيتُ الضَّوءَ يَنسِجُني
على كُرْسيٍّ مائِلٍ
بَيْنَ النَّارِ والمَاءِ.
قُلتُ:
هذِهِ قَدمُها
تَكْتُبُ خُطًى لا تُحاكَى،
وتَعلَّقْتُ بخَنَسي
كَأَنِّي لَمْ أُوعَدْ بَعدُ.
4
كُلُّ الشُّرُفاتِ كَانَتْ تَنْظُرُ إِلَيْكِ،
كَأَنَّهَا تُحَاوِلُ فَهْمَ
لِماذا يُغَيِّرُ العِطْرُ
رَسْمَ الفضاء
حينَ تَمرِّين؟
5
لَمْ أَسْأَلْكِ: مَن أَنْتِ؟
كُلُّ الأَجْوِبَةِ
نَهَضَتْ مِنْ غَفْوَتِي،
وَلَفَّتْني بلُغةٍ
لَيْسَ لها نُطْقٌ
إلَّا على شَفَتيْكِ.
6
ذاتَ لَيْلٍ،
اسْتَحْملْتُ القَلقَ
كَوِسَادةٍ يَنامُ عَلَيْها التَّعَب.
كُنتِ تَتنَفَّسينَ نَجْمًا،
وَتَسْكُبينَ جُرْحًا،
وأنا...
أَتَعلَّمُ كَيْفَ يَصيرُ اللَّمْسُ صَلَاةً.
7
لا تَوقيتَ للجُنُون،
حينَ تَتَفتَّحُ "فينوس"
في سَرِيرِكِ.
يَغيبُ الزَّمَنُ،
ويَبْدَأُ شَيْءٌ
لَيْسَ مِنْ هَذَا الكَوْنِ.
8
أَكْتُبُكِ مِنْ دَاخِلِ دَمي،
أَرْسُمُكِ بخَلايا
تَنْطِقُ دُونَ لُغَة.
كَأَنَّ الجَسدَ مِرآةٌ
لِما لا يُقَالْ.
9
فِي سَفَري إليْكِ،
ضَيَّعْتُ اسْمي،
واكْتَفَيْتُ بِنَبْضٍ
يَقُولُ
مَا لا تُقِرُّ بِهِ الكُتُب.
تَنَبَّهي...
جَفْني يُرَاوِدُ النُّورَ عَنْ نَفْسِهِ،
تَشْهَقُ الرُّمُوش،
والدَّهْشَةُ تُرْدي الشَّمْعَة.
10
هَلْ تَذْكُرينَ اللَّحْنَ،
الَّذِي كَانَ يُشْبِهُ
صَوْتَ أَظَافِرِكِ
عَلَى زُجَاجِ الرُّوحِ؟
كُنتِ تُرَتِّبينَ عُمْرِي
كَمَنْ يُرتِّبُ مِعْطفَهُ
قَبْلَ العَاصِفة.

[الفصلُ الثَّاني: العِشْقُ – ذُرْوَةُ التَّكَوُّنِ

{يَنْمو الحِسُّ، وَيَتَحوَّلُ الجسَدُ إِلى حَقْلٍ مِنَ العَلامَاتِ، ويُصْبِحُ الشَّاعِرُ مَأْخُوذًا لا بِمَنْ هيَ، بَلْ بِمَا تَفْعَلُهُ فِي كِيانِهِ مِنْ تَحَوُّلَاتٍ حِسِّيَّةٍ وَذِهْنيَّةٍ.
تَتخَلَّقُ اللُّغَةُ مِنَ الجِلْدِ، ويَتحَوَّلُ اللَّمْسُ إِلَى صَلَاةٍ.}]
11
كُنتُ أَمْشي
كَأَنَّني خُطْوَةٌ نَسِيَتْ نَبْضَ الأَرْض،
وأَنْتِ،
كَنَجْمٍ يُقَشِّرُ ظِلالَهُ
لِيَغْسِلَ جُرْحي.
12
(ما الَّذِي يُشْبِهُكِ الآنَ،
سِوَى ارْتِجَافِ الرِّيحِ فِي وَرْدَةٍ،
حِينَ يُقَبِّلُهَا فَجْرُهَا؟
حَنِينُ زَهْرَةٍ لِلْجُذُورِ،
حِينَ تَنْكِرُ طِينَ المَطَرْ؟)

ما الَّذي يُشْبِهُكِ
سِوَى ارْتِجافِ الرِّيحِ
حِينَ تُقبِّلُ وَرْدَتَها؟
أَوْ حَنينِ الزَّهْرةِ
لِرُطُوبةِ الفَجْرِ،
حِينَ تَنْكِرُ الجُذُورَ.
13
جَسَدُكِ خَارِطةٌ
لا تُقْرَأُ بِالبَصر،
ولا تُسافَرُ بِالرِّجْل.
إنَّهُ يُبلْوِرُ الرَّغْبةَ،
كَمجَازٍ يُصْلِحُ الحَياة.
14
حِينَ انْكَسرَتِ النَّافِذةُ،
لَمْ أَسْتَعِدْ النَّهارَ،
بَلِ اسْتعَرْتُ عَيْنَيْكِ
لِأُكْمِلَ النَّظَر.
15
لا أُرِيدُ أَنْ أَعْرِفَ مَنْ أَنْتِ،
كُلُّ مَا أُرِيدُهُ
أَنْ تَبْقَي في يَدي
كَنُقْطَةِ ضَوْءٍ
تَهْرُبُ،
فَأَلْحَقُها
بِكُلِّ جِسْمي.
16
يَتَأَرَّجُ المَكَانُ بِنَفَسِكِ،
والحِيطَانُ تُصْغي
لِمَا تَقُولُهُ أَصَابِعُكِ
على نَسِيجِ الغيَاب.
17
الحُبُّ؟
أَنْ تَصْمُتَ،
وَيَصِلَكَ الجَوابُ
كَرَفَّةِ جَنَاحٍ
فِي نِصْفِ قَلَق.
18
لا أُرِيدُ خَرائِطَ،
كُلُّ مَا أُرِيدُهُ
أَنْ تَسْكُنِينِي كَمَا أَنْتِ،
دُونَ شَرْح،
دُونَ صُورَة،
دُونَ نِهَايَة.
19
وحِينَ أُغْلقُ عَيْنَيَّ،
لا أَرَاكِ،
لَكِنِّي أُحِسُّ بي،
أَكُونُ مِلْءَ نَفْسي
كَأَنَّكِ انْسَحَبْتِ
إلَى دَاخِلي.
20
فِي المِرْآة،
لَمْ أَعُدْ أُبْصِرُ مَلامِحي،
بَلْ خُطُوطًا
تَحْتَ جِلْدِ الذَّاكِرة.
كَأَنَّكِ تُصَوِّبينَ النَّظرَ
مِنْ دَاخِلي،
وَتُرَتِّبينَ المَدَى.

[الفصلُ الثَّالِثُ: الغِيَابُ – انْكِسَارُ الحُضُورِ

{فِيهِ تَبْدَأُ عَلَائِمُ الفَقْدِ، لَكِنْ بِشَكْلٍ إِيجَابِيٍّ:
الحَبيبَةُ لا تَغِيبُ تَمَامًا، بَلْ تَذُوبُ فِي الحَوَاسِّ وَالذَّاكِرَةِ.
الشَّاعِرُ يُعِيدُ تَكْوِينَهَا مِنْ رَمَادٍ، مِنْ نَبْضٍ، مِنْ أَسْمَاءٍ لا تُنْطَقُ، مِنْ تَفَاصِيلَ تَسْكُنُ بَيْنَ الشَّفَتَيْنِ.}]
21
المُدُنُ الَّتِي عَبَرْتُها
لَمْ تَتَذَكَّرْني،
لكنَّ حَصَاةً صغيرةً
فِي مَمْشَاكِ
عَرَفَتْ كُلَّ نَبْضي.
22
فِي كُلِّ مَرَّةٍ
أَحْتَضِنُ الغِيَاب،
تَتَسَرَّبِينَ
كَمِلْحٍ يُغَيِّرُ طَعْمَ الدَّم.
23

(أَضَعُ يَدِي
فَوْقَ مَوْضِعٍ خَالٍ فِي القَلْبِ،
فَيَنْبُتُ وَرَقٌ أَخْضَرُ،
وَتَهْتَزُّ أَغْصَانٌ...
كَأَنَّكِ أَنْفَاسِي.)

أَضَعُ يَدي
عَلَى مَوْضِعٍ خَالٍ فِي قَلْبِي،
فَيَنْبُتُ وَرَقٌ،
وَتَهْتَزُّ أَغْصَانٌ
تُشْبِهُكِ.
24
أَرْسُمُكِ بِنُقَطٍ
لا تَظْهرُ
إلَّا عِنْدَما أَكُونُ وَحيدًا،
وَأُردِّدُ اسْمًا
لَمْ أَنْطِقْهُ قَطُّ.
25
فِي مَعْبَدِ اللَّيْل،
أُقَدِّمُ نَفْسي قُرْبَانًا،
أُشْعِلُ زُيُوتَ صَمْتي
فِي مَصَابِيحِ ذِكْرَاكِ.
26
عَلَّمْتِني
أَنْ أَتَكَلَّمَ بِالْجِلْدِ،
وأَنْ أَكْتُبَ بِالعَرَق،
وأَنْ أُرَتِّلَ الغِيَابَ
على جِسْمٍ
يَحْفظُ الوَعْد.
27
هَشَّمْتِني...
غَادَرْتِنِي...
لَنْ تَرَيْني.
أَطْفِئي النُّورَ،
أَرَاكِ بِجَلاء!
28
أَعْلَمُ...
تُحِبُّونَهَا حُورِيَّةً،
غَادَةً،
صَاغَها نَسِيغُ التَّمَنِّي.
أَخَامِرُهَا أَنْ تَنْظُرَ إِلَيْكُمْ؟
أَمْ تَسْتَدِيرُ لِنَفْسِهَا،
كَغُصْنٍ فِي تَأمُّل؟
29
الزَّمَنُ؟
جُرْحٌ يَتَفَتَّحُ عَلَى مَهْلٍ
فِي حُضُورِكِ.
والقَصِيدَةُ؟
رُقْيَةٌ
أَخْطَأَتْ بِجِسْمِهَا
مَكَانَ الشِّفَاء.
30
لا شَيْءَ يَبْقَى
إِلَّا الرَّجْفَة،
الَّتِي تَحْدُثُ
عِنْدَ اسْتِعَارَةِ جِلْدِكِ
فِي كُلِّ نَفَسٍ
يَصِلُنِي مِنَ المَجْهُول.

[الفصلُ الرَّابِعُ: التَّحَوُّلُ – التَّصَوُّفُ الجَسَدِيُّ

{نَبْلُغُ هُنَا الذِّرْوَةَ المِيتَافِيزيقيَّةَ، إِذْ تَنْدَمِجُ التَّجْرِبَةُ العِشْقيَّةُ بِالمَفْهُومِ الصُّوفيِّ:
لَمْ تَعُدِ الحَبيبَةُ جَسَدًا، بَلْ تَجْرِبَةَ انْبِعاثٍ، وَالكِتَابةُ لَيْسَتْ وَسِيلةً، بَلْ حِيلَةً وُجُودِيَّةً لِإيجَادِ الذَّاتِ فِي الآخَرِ.}]
31
فِي عَيْنَيْكِ،
أَسْكُنُ
كَمَنْ يَبْنِي مَغَارَتَهُ
فِي وَجْهِ البَرْق.
كُلُّ مَا فِيهِمَا
يَقُولُ لِي:
اِحْتَرِقْ.
32
لَمْ تَكُونِي الجَسَدَ،
بَلْ تَجْرِبَةَ انْفِلَاقٍ،
كَمَنْ يُفَكِّرُ فِي المَوْتِ
ثُمَّ يُجَرِّبُهُ
فِي قُبْلَة.
33
أَتُرَانِي أَكْتُبُ
لِأَصِلَ إِلَيْكِ؟
أَمْ أَضِلُّ فِيكِ
لِأَجِدَ نَفْسِي؟
أَمْ أَنَّ كِلَيْنَا
لَنْ يَجِدَ أَحَدًا؟
34
أُفَكِّرُ أَنْ أَحْمِلَكِ
فِي حُفْنَةِ رَمْل،
وَأَمْضي بِكِ إِلَى النَّهْر.
هُنَاكَ،
سَيَفْهمُ المَاءُ
لِمَاذَا يَسيلُ.
35
إِذَا غَابَ الجَسَدُ،
فَإِنَّ العِطْرَ يَبْقَى،
وَإِنْ غَابَ العِطْرُ،
تُشْعِلُ الذِّكْرَى
وَرْدَةً
فِي شُرْفَةِ المَساءِ.
36
كُلُّ شَيْءٍ
يَصِيرُ نَشيدًا
إِذَا مَرَرْتِ،
حَتَّى المَآذِنُ
تُؤَذِّنُ بِاسْمكِ.
لِنَفْسي،
تُرَاوِدُني جُمْلَةٌ
لَمْ أَكْتُبْها بَعْدُ،
رُبَّمَا كَانَتْ هِيَ
الَّتِي تَحْملُ صُورتَكِ
إِلَى ضُلُوعي.
37
(تَسْأَلِينِي:
لِمَ لَا أُغَيِّرُ هَذِهِ الغُرْفَة؟
لِأَنَّ المَكَانَ الَّذِي نَفَخْتِ بِهِ نَفَسَكِ،
قَدْ صَارَ فِي الجِسْمِ... جَسَدِي.)
38
طَيْفُ شَالٍ مِنَ الهَلَلِ
يَفْصِلُ مَا بَيْنَ شَفَتَيْنَا.
كَفَّاهُ:
لَا قَبْلَكِ،
لَا أَرَاكِ!
39
قُلْتُ لِلزَّمَنِ:
لا تَقِفْ،
فَفِي انْسيَابِكَ
تَرْتَجِفُ ذَاكِرةٌ
تَحْمِلُها قُبْلَتُها.
40
وَإِنْ أَتَى المَوْتُ
كَنَايَةً،
سَأَقُولُ لَهُ:
ضَعْني فِي فَمِها،
كَلَفْظةٍ
لَمْ تَصِلْ.

[الفصلُ الخَامِسُ: الانْطِفَاءُ – فَجِيعَةُ التَّجَلِّي

{يَشْتَدُّ الرَّمَادُ، وَيَتكَثَّفُ المَجَازُ: طُوفانَاتٌ، سْبَارْتاكُوس، تَكيَّةُ أَلْفِ لَيْلةٍ، شِعَابٌ، انْتِظارَاتٌ، أَرْخَبيلُ صَمْتٍ...
وَالخِتَامُ لا يُغْلِقُ الجُرْحَ، بَلْ يَتْرُكُهُ مَفْتُوحًا، حَيْثُ لا فِدَاءَ إِلَّا في السُّقُوطِ الأَخيرِ:
"سَبَحْتُ فِي عُقَابيلِ الغَمْرَةِ، وَسَلَّمْتُ بِقَدَرِي، فَخَلَاصي: هَذَا السَّحِيقُ الدِّيْجُورِيُّ."}]
41
لَوْزُكِ مُرٌّ،
عِنْدَمَا يَبْقَى عِطْرُكِ
مَا بَقِيَ عَلَيْكِ مِنِّي...
أَدْمَنْتُكِ،
لِلشِّفَاءِ مِنْكِ!
42
خِضَابُ كَفَّيْكِ: دَمِي،
أَثْمِدُ كُحْلِكِ: رَمَادُ أَحْلَامي،
وَأَجْرُومِيَّتُكِ:
سِنِينُ عُمْري.
43
اِذْرِفي الدَّمْعَ،
فَالتَّمَاسيحُ تَبْكي أَيْضًا.
تَتَلَوَّنِينَ –
قَوْسُ قُزَح،
نَاعِمَةُ المَلْمَسِ،
كَذَاكَ جِلْدُ الأَفَاعي.
44
هَا أَنَا،
أُغْلِقُ الكِتَاب،
وَمَا زِلْتُ أُصَدِّقُ
أَنِّي جُرْحُكِ
الَّذِي سَكَنْتِهِ
وَلَمْ تَبْرَئي مِنْهُ...
وَلَنْ.
45
الانْتِظَارُ:
مُتَلَازِمَةُ الشَّوْق،
وَالغِيَابُ:
مَرَادِفٌ لِلنِّسْيَان.
46
أَطْلِقُوا الفَرَاشَات!
تَحْتَ سَمَاءِ الله
تُفْتَحُ أُصُصُ الزُّهُور.
47
قَرَشَتْ أَنْسَامُ عِطْرِكِ،
قَمَّطْتُهَا بِطِينِ عَبْرَتي،
وَاسْتَوْدَعْتُهَا ضُحَى حُلْمي،
فَتَوَكَّئِي عَلَى رُوحي...
لا على ظِلِّي.
48
اللَّيْلُ طَوِيل،
وَبِكِ مُعلَّقٌ...
مُؤَرَّق.
نَبتَ عَنِّي!
49
أَخَذَنِي طُوفَانُ عَيْنَيْكِ،
يَدِي فُلْكٌ،
بِلَا هُدًى تَثُوب.
عَيْنِي حَمَامَةٌ
إِلَى غُصْنِ نَهْدِكِ تَأُوبُ.
50
فِينَةً،
وأَنَا أَقْتَفي سُبْدَ طَرْفِكِ،
أَلْمَحُ الأَصِيل...
51
كُلَّمَا ضَاقَ صَدْري،
ضَاقَ بِي قَلْبي،
وأُغْرِقُ فِيكَ
سِحْرًا غَويرًا.
52
يَمُرُّ الأَمْسُ البَعيد،
فَأَجِدُ مَا لا أَذْكُرُ.
يَمْضي العُمْر،
فَأَجِدُ الدُّنْيا تَجْري فِيكِ.
أَضِيعُ في كَفِّكِ،
أَشْتَاقُ غَيْرَةً،
غَمْرَةً،
مِنِّي.
53
قَطَرَاتٌ
تَسْكُبُهَا شَفتَاكِ عَلَى شَفَتيَّ النَّاشِفَة.
54
يَدُورُ الكَوْنُ على خَصْرِكِ،
تَحْتَدِمُ ثَوْرةُ حَنَاني،
نَلْتحِمُ،
فَيَقُومُ "تسونامي"
يَمْزِقُ جُيُوبَنَا،
يَكْتَسِحُ البَحْر،
فَلَا يَبْقَى أَيُّنا أَنا.
55
تَشَعَّبَ المَوْجُ وَجَعًا،
أَكَلَ دِلْتانا،
مَلَحَ طَعْمِ السَّنَابِل.
56
قَبِّلِيني،
وَاقْرُصِيني،
لِأَتَذكَّرَني.
57
(كُلُّ شَيْءٍ يَصِيرُ نَشِيدًا
إِذَا مَرَرْتِ،
حَتَّى المَآذِنُ تُؤَذِّنُ بِاسْمِكِ.
أُرَاوِدُ نَفْسِي بِجُمْلَةِ شِعْرٍ
لَمْ تُكْتَبِ الآنَ...)

(أُشَدِّوكِ،
طَوْقَ يَاسَمِينٍ،
يَطْفُو عَلَى صَدْرِي
بَعْدَ الهُدُوءِ.)
58
لَوْ أَنْكرَ البَحْرُ أَمْوَاجَهُ،
فَالنَّدْبُ الصَّاخِبُ
سَيَبْقَى عَلامَةً بَليغَة.
59
(فِي العَتْمَةِ،
بَعِيدًا عَنْ ظِلِّي النَّحِيفِ،
يَنْدَفِعُ هَدِيلُ قَلْبِي،
يَتَدَفَّقُ حَمَامًا فِي دَمِي،
تَخْضَلُّ كَفِّي
بِحَقْلِ سَنَابِلَ حُبْلَى،
تُخَضِّبُهَا الأُفُقُ...
بِوَخْزِ الحُمْرَةِ.)
60
شَفَتَايَ:
عَرْشُ كُرُومٍ،
عِنْدَ احْتِشَادِ اليَاسَمين.
61
يَأْخُذُهُ جَوْقٌ
فِي مَسِيرَةِ "سْبَارْتَاكُوس".
62
شَفْرَاتُ الدَّلَالَةِ
عَلَامَةُ الأَغْفَال.
63
تَكيَّةُ أَلْفِ لَيْلةٍ،
بَذَرَتْها "شَهْرزَاد"،
صَوْتٌ وَئيدٌ
فِي لَيْلِ مَسْرُور.
64
الشِّعَابُ شُرُوخ،
في الرَّأْسِ،
في الجِدَار،
في مَحَطَّةِ الانْتِظار.
65
سَبَحْتُ فِي عُقَابيلِ الغَمْرَة،
وَسَلَّمْتُ بِقَدَري،
فَخَلَاصي:
هَذَا السَّحيقُ الدِّيْجُورِي الغَوير .

(سَبَحْتُ فِي عُقَابِيلِ الغَمَرْ،
وَسَلَّمْتُ نَفْسِي لِلْقَدَرْ،
وَأَطَلْتُ رَجْفَتِي الأَخِيرَهْ،
فَخَلَاصُ رُوحِي: فِي السُّقُوطِ،
إِلَى السَّحِيقِ... إِلَى الحُفِيرَهْ،
يَا لَيْتَ صَمْتَكِ كَانَ جَسْرًا،
كَيْ أَعْبُرَ اللَّيْلَ الكَثِيفَا،
فَانْهَارَ فِي الأُفُقِ البَعِيدِ،
صَوْتِي... كَنَارٍ مُسْتَطِيرَهْ،
وَأَضَعْتُ وَجْهِي فِي الظِّلَالِ،
كَأَنَّنِي لَمْ أَكُ شَيْئًا... وَارْتَجَفْتُ،
مَوْتِي... كَدَارٍ مُسْتَدِيرَهْ،
ثُمَّ ابْتَسَمْتُ... كَأَنَّنِي أَدْرَكْتُ،
أَنَّ السُّقُوطَ... هُوَ السَّفَرُ إِلَيْكِ،
كَيْ أَبْتَدِئْ... مِنْ جَدِيدٍ.)

[الخَاتِمَةُ:

{ هَكذَا تَمْضي "مُرَاوَدةٌ شَقيَّةٌ..
لا إِلى نِهايةٍ،
بَلْ إِلى صَمْتٍ يَتَقطَّرُ كَالوَشْمِ في الهَواءِ.
تَغيبُ الحَبيبَةُ فَلا تَذْوي،
ويُطْفأُ الجَسدُ لِيَشْتعِلَ بِالحُضورِ المُتذكِّرِ.
كُلُّ شِطْرٍ فيها كَانَ طَوافًا،
وكُلُّ مَقْطَعٍ وَادٍ فِي لَيْلِ الِانْتِظارِ.
وحِينَ يَسْدِلُ الشِّعْرُ سِتَارهُ،
تَبْقى الكَلِماتُ مُشْتعِلةً على مَرْأًى مِنَ الغيَابِ:
فَلا الذِّكْرى تَشْفَى،
ولا الجُرْحُ يَنامُ،
ولا القَصيدَةُ تَقُولُ كُلَّ مَا أَرَادتْ،
لَكنَّها تَتْرُكُ فِي القَلْبِ رَجْفةً...
تَدُلُّ عليْهِ.}]



#سعد_محمد_مهدي_غلام (هاشتاغ)      



الحوار المتمدن مشروع تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم. ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي، انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة في دعم هذا المشروع.
 



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)

الكاتب-ة لايسمح بالتعليق على هذا الموضوع


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- 1/ورقة بحثية جيوستراتيجية (المواجهة الحرجة بين إيران والكيان ...
- 2/ورقة بحثية جيوستراتيجية (المواجهة الحرجة بين إيران والكيان ...
- (هذَا الهوى كالسِّحْرِ)
- (نشيد التحوُّل والضوء)(قصيدةٌ نثرية في هيئة نبوءة مُنكسِرة)
- (حَلِّي إِزارَكِ- عند الأَصِيلُ المُشْتهى-المَخْدَعُ أَمينٌ)
- (النَّسْغُ الصَّاعِدُ: قَنْدِيلُ الغَوَايَةِ:نِمْرُود)
- (تَكْتُبُنِي... وَتَسِيلُ)
- (تَرجُمان)
- (بُورْتْرِيهٌ شَاقُولِيٌّ بِلَوْنِ الشَّفَقِ لِدَمْعَةٍ مَسَ ...
- ( مَجيءُ: نَشِيدُ الرَّمْلِ والمَاءِ :زَنَابِقُ وَحْشَةٍ فِي ...
- (تَراتِيلُ بُزُقٍ مُفَخَّخٍ) (كابوسٌ أُوركِستراليٌّ فِي خَرَ ...
- (حين يُشنقُ الظلّ)
- (مَسَلَّةُ الشَّوْقِ)
- ( مِرْآةُ الظِّلِّ ، مَقامُ الصَّبْرِ، المَصْلُوبُ ،حالُ الش ...
- (مَرْثِيَةُ العَابِرِ عَلَى قَنْطَرَةِ اللَّا يَقِين- وَاسِن ...
- ( إثمد تجاعيد ألم)
- (رَقِيمُ البَنَاتِ الخَمْسِ)
- (وَرْد :بردُ عَصْفِ حُبِّك )
- ( النَّواصِي )
- (حِكاياتٌ من ذَاكِرَةِ طَبلِ الصَّفِيحِ*١: نَقْراتٌ على ...


المزيد.....




- -فيلة صغيرة في بيت كبير- لنور أبو فرّاج: تصنيف خادع لنص جميل ...
- باللغة الفارسية.. شيخ الأزهر يدين استمرار الغارات الإسرائيلي ...
- “اخر كـلام “موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان 195 الموسم السابع في ...
- فيلم -المخطط الفينيقي-.. كم تدفع لتصبح غنيا؟
- حرارة الأحداث.. حين يصبح الصيف بطلا صامتا في الأفلام
- -بردة النبي- رحلة كتاب روائي في عقل إيران الثورة
- تردد قناة ناشيونال جيوغرافيك 2025 بتحديثه الجديد على النايل ...
- قصة الرجل الذي بث الحياة في أوليفر تويست وديفيد كوبرفيلد
- وزيرة الثقافة الروسية: زاخار بريليبين مرشح لإدارة مسرح الدرا ...
- “وأخيرا بعد طول انتظار” موعد عرض مسلسل المؤسس عثمان الحلقة 1 ...


المزيد.....

- الصمت كفضاء وجودي: دراسة ذرائعية في البنية النفسية والجمالية ... / عبير خالد يحيي
- قراءة تفكيكية لرواية -أرض النفاق- للكاتب بشير الحامدي. / رياض الشرايطي
- خرائط التشظي في رواية الحرب السورية دراسة ذرائعية في رواية ( ... / عبير خالد يحيي
- البنية الديناميكية والتمثّلات الوجودية في ديوان ( الموت أنيق ... / عبير خالد يحيي
- منتصر السعيد المنسي / بشير الحامدي
- دفاتر خضراء / بشير الحامدي
- طرائق السرد وتداخل الأجناس الأدبية في روايات السيد حافظ - 11 ... / ريم يحيى عبد العظيم حسانين
- فرحات افتخار الدين: سياسة الجسد: الديناميكيات الأنثوية في مج ... / محمد نجيب السعد
- أوراق عائلة عراقية / عقيل الخضري
- إعدام عبد الله عاشور / عقيل الخضري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - سعد محمد مهدي غلام - (مُرَاوِدةٌ شَقيَّةٌ لِلتَّرْجُمانِ بَعْدَ قِراءةِ -طَوْقِ الحَمامةِ- و-فُصوصِ الحِكَمِ-)